الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنده أولًا، لعدم علمه بحال الراوي، ثم علِمَه، فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب. ولهذا أشار إلى أنه لا يعرف رَباحًا ولا أبا ثِفال. وهكذا تجيء عنه كثيرًا الإشارةُ إلى أنه لم يثبت عنده أحاديثُ، ثم ثبتت
(1)
عنده، فيعمل
(2)
بها. ولا ينعكس هذا بأن يقال: ثبتت
(3)
عنده، ثم زال ثبوتها؛ فإن النفي سابق على الإثبات.
وإمّا أنه أشار إلى أنه لم يثبت على طريقة تصحيح المحدثين، فإن الأحاديث تنقسم إلى صحيح وحسن وضعيف. وأشار إلى أنه ليس بثابت، أي ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ الثقة عن مثله. وذلك لا ينفي أن يكون حسنًا وهو حجّة. ومن تأمَّل ألفاظ
(4)
الإمام عَلِم أنه لم يوهِّن الحديث، وإنما بيَّن مرتبته في الجملة أنه دون الأحاديث الصحيحة الثابتة. وكذلك قال في موضع آخر:"أحسَنُها حديث أبي سعيد"، ولو لم يكن فيها حسَنٌ لم يقل فيها:"أحسَنُها".
وهذا
معنى احتجاج أحمد بالحديث الضعيف
، وقوله:"ربما أخذنا بالحديث الضعيف" وغير ذلك من كلامه، يعني به الحَسَن.
فأما ما رواه متَّهم أو مغفَّل، فليس [44/ب] بحجة أصلًا. ويبيِّن
(5)
ذلك وجوه:
(1)
في الأصل: "ثبت"، وفي المطبوع:"تثبت".
(2)
في الأصل: "فيعلم".
(3)
في الأصل والمطبوع: "ثبت".
(4)
في الأصل والمطبوع: "الحافظ"، تحريف.
(5)
في الأصل: "بين".
أحدها: أن البخاري أشار في حديث أبي هريرة إلى أنه لا يعرف السماع في رجاله. وهذا غير واجب
(1)
في العمل، بل العنعنة مع إمكان اللقاء، ما لم يُعلم أنَّ الراوي مدلس.
وثانيها: أنه قد تعددت طرقه، وكثرت مخارجه. وهذا مما يشدُّ بعضُه بعضًا، ويغلب على الظن أنَّ له أصلًا. وروي أيضًا مرسلًا، رواه سعيد عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا تطهَّر الرجل وذكر اسمَ الله طهُر جسدُه كلُّه. وإذا لم يذكر اسمَ الله لم يطهُر منه إلا مكانُ الوضوء"
(2)
.
وهذا وإن احتُجَّ به على أنَّ التسمية ليست واجبة، فإنه دليل على وجوبها؛ لأن الطهارة الشرعية: التي تطهِّر الجسد كلَّه حتى تصح الصلاةُ ومسُّ المصحف بجميع البدن، فإذا لم تحصل الشرعية حصلت
(3)
الطهارة الحسِّية وهي مقتصرة على محلِّها، كما لو لم ينو.
وروى الدراوردي، ثنا محمد بن أبي حميد، عن عمر بن يزيد أنَّ رجلًا توضأ ثم جاء، فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه، وقال له:"تطهَّرْ". فرجع فتوضأ ثم اجتهد، فجاء فسلَّم، فأعرض عنه، وقال:"ارجع فتطهَّرْ". فلقي الرجل عليًّا فأخبره بذلك، فقال له علي: هل سمَّيتَ الله حين
(1)
كذا في الأصل والمطبوع، ولعل الصواب:"غير قادح".
(2)
لم أقف عليه، وعزاه في "كنز العمال"(9/ 457) إلى سعيد بن منصور، وجاء فيه الأثر عن مكحول قوله.
وأخرج الدارقطني (1/ 73 - 74)، والبيهقي (1/ 44 - 45) أحاديث مرفوعة بنحوه من طريق ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، وأسانيدها تالفة.
وأخرجه ابن أبي شيبة (17) من حديث أبي بكر رضي الله عنه موقوفًا عليه، وإسناده منقطع.
(3)
في المطبوع: "جعلت"، وهو تصحيف.
وضعتَ يدك في وضوئك؟ فقال: لا والله. فقال: ارجع، فسمِّ الله في وضوئك. فرجعَ فسمَّى الله على وضوئه، ثم رجَع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلَّم عليه، فردَّ عليه، وأقبل عليه بوجهه، ثم قال:"إذا وضع أحدُكم طهورَه فليسمِّ الله". رواه الجوزجاني عن نعيم بن حماد عنه
(1)
.
وثالثها: أن تضعيفه إما من جهة إرسالٍ، أو جهل راوٍ، وهذا غير [45/أ] قادح على إحدى الروايتين. وعلى الأخرى ــ وهي قول من لا يحتج بالمرسل ــ نقول: إذا عمل به جماهيرُ أهل العلم، وأرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسِل الأول، أو روي مثله عن الصحابة، أو وافقه ظاهر القرآن= فهو حجة. وهذا الحديث، فقد
(2)
اعتضد بأكثر ذلك، فإنَّ عامة أهل العلم عملوا به في شرع التسمية في الوضوء، ولولا هذا الحديث لم يكن لذلك أصل، وإنما اختلفوا في صفة شرعها: هل هو إيجاب أو ندب؟ وروي من وجوه متباينة مسندًا ومرسلًا، ولعلك تجد في كثير من المسائل ليس معهم أحاديث مثل هذه.
ورابعها: أن الإمام أحمد قال: أحسَنُها ــ يعني أحاديث هذا الباب ــ
(1)
لم أقف عليه.
وإسناده ضعيف، نعيم والدراوردي فيهما مقال، وابن أبي حميد منكر الحديث كما في "تهذيب التهذيب"(3/ 549)، وهو من طبقة أتباع التابعين، وعمر بن يزيد إن كان هو الكعبي فمترجم له في كتب الأصحاب "كالاستيعاب"(3/ 1160)، فالحديث مع ما تقدم منقطع، والله أعلم.
وأخرج ابن الجوزي في "التحقيق"(1/ 142) حديثًا معضلًا من طريق خصيف، فيه الأمر بإعادة وضوء من لم يسم.
(2)
في المطبوع حذف الفاء.
حديث أبي سعيد. وكذلك قال إسحاق بن راهويه، وقد سئل: أيُّ حديث أصح في التسمية؟ فذكر حديث أبي سعيد
(1)
. وقال البخاري: أحسن حديث في هذا الباب حديث سعيد بن زيد
(2)
.
وهذه العبارة، وإن كانوا إنما يقصدون بها بيان أن
(3)
الأثر أقوى شيء في ذلك
(4)
الباب، فلولا أن أسانيدها متقاربة لما قالوا ذلك. وحملُها على الذكر بالقلب أو على تأكيد الاستحباب خلافُ مدلول الكلام وظاهره، وإنما يصار
(5)
إليه لموجب، ولا موجب هنا.
وإذا قلنا بوجوبها فإنها تسقط بالسهو على إحدى الروايتين كالذبيحة، وأولى. فإن قلنا: تسقط، سمَّى متى ذكرها. وإن
(6)
قلنا: لا تسقط، لغا ما فعله قبلها.
وهذا على المشهور، وهو أنها تجب في أول الوضوء قبل غسل الوجه. وقال الشيخ أبو الفرج
(7)
: متى سمَّى أجزأه
(8)
.
(1)
"المنتقى" للمجد (1/ 84).
(2)
الترمذي (25).
(3)
في الأصل ضرب على "أن" ثلاث مرات، ولكن السياق يقتضيها.
(4)
في المطبوع: "هذا". وكذا كتب أولًا في الأصل، ثم ضرب عليه وكتب في الحاشية "ذلك" مع علامة التصحيح.
(5)
في الأصل: "صار"، والتصحيح من المطبوع.
(6)
في الأصل: "وهي وإن قلنا". والظاهر أن "وهي" مقحمة، وقد حذفها في المطبوع أيضًا.
(7)
تقدمت ترجمته.
(8)
"المغني"(1/ 146).