الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(1)
: (ثم يستجمر وترًا، ثم يستنجي بالماء)
.
هذا هو الأفضل، لأن عائشة رضي الله عنها قالت: مُرْنَ أزواجكنَّ أن يُتبعوا الحجارةَ الماءَ من أثر الغائط والبول، فإنِّي [37/ب] أستحييهم. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله
(2)
.
احتجَّ به أحمد في رواية حنبل
(3)
. وروى أيضًا في كتاب "الناسخ والمنسوخ" أن ناسًا من الأنصار كانوا يُتبعون الاستنجاءَ بالحجارةِ الماءَ، فنزلت:{فِيهِ رِجَالٌ} الآية
(4)
؛ ولأن الغسل بعد تخفيف
(5)
النجاسة أبلغ في التنظيف، فصار كالغسل بعد الحَتِّ والفَرْك في غير ذلك؛ ولأنه أبعد من مسِّ الأذى باليد المُحْوِج إلى تكلُّف تطهيرها.
(1)
"المغني"(1/ 206 - 209)، "الشرح الكبير"(1/ 211 - 215)، "الفروع"(1/ 137).
(2)
أخرجه بهذا اللفظ سعيد بن منصور فيما حكاه عنه ابن قدامة في "المغني"(1/ 209)، وقال الألباني في "إرواء الغليل" (1/ 83):"لا أصل له بهذا اللفظ".
وهو عند أحمد (24639)، والترمذي (19)، والنسائي (46)، بلفظ:"مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء؛ فإني أستحييهم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله"، وليس فيه موضع الشاهد.
(3)
انظر: "المبدع"(1/ 67). وفي "المغني"(1/ 209): "احتج به أحمد".
(4)
أخرجه البزار كما في "كشف الأستار"(1/ 130)، من طريق عبد الله بن شبيب، ثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز، وجدت في كتاب أبي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس به.
قال البزار: "لا نعلم رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز، ولا عنه إلا ابنه".
وإسناده ضعيف؛ فابن شبيب ومحمد ضعيفان.
انظر: "البدر المنير"(2/ 374)، "التلخيص الحبير"(1/ 112). وسيأتي تخريج أصل هذا الحديث.
(5)
في المطبوع: "تجفيف"، وهو تصحيف.
وإنما يستحبّ الإيتار في الاستجمار، لما أخرجا في "الصحيحين"
(1)
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من استجمر فليوتر". وإن قطع عن شفع جاز، لأن في رواية أبي داود وابن ماجه:"من فعَلَ فقد أحسَنَ، ومن لا فلا حرج"
(2)
.
وإن اقتصر على أحدهما، فالماء أفضل في ظاهر المذهب. وعنه: أنه يكره الاستنجاء من غير استجمار، لأن فيه مباشرةَ النجاسة بيده ونشرَها من غير حاجة، ولأن الاقتصار على الحجر يجزئ بالإجماع من غير كراهة، والماء قد أنكره بعض السلف.
والأول أصح، لأنَّ الماء يطهِّر المحلَّ، ويزيل الأثر؛ والحجر يخفِّف. وكان قياسها على سائر البدن يقضي ألا يجزئ إلا الماءُ، وإنما أجزأت الأحجار رخصةً، فإذا استعمل الطهور كان أفضل. والمباشرة باليد لغرض صحيح وهو الإزالة، كما في سائر المواضع. ثم في الحجر يبقى أثر النجاسة ويدوم، فإن لم يُكره الحجرُ فلا أقلَّ من أن يكون مفضولًا.
وما نُقِل عن بعض الصحابة من إنكار الماء، فهو ــ والله أعلم ــ إنكارٌ على من يستعمله معتقدًا [38/أ] لوجوبه، ولا يرى الأحجار مجزئة؛ لأنهم شاهدوا من الناس محافظةً على الماء لم تكن في أول الإسلام، فخافوا التعمُّقَ في الدين، كما قد يبتلى به بعض الناس. ولهذا قال سعد بن أبي وقاص: "لِمَ تُلحقون
(3)
في دينكم ما ليس منه؟ يرى أحدكم أنّ حقًّا عليه أن
(1)
البخاري (161) ومسلم (237).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
في المطبوع: "يلحقون"، تصحيف.
يغسل ذكرَه إذا بال! "
(1)
. فإن لم يُحمَل على هذا، فلا وجه له. فقد أخرجا في "الصحيحين"
(2)
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلامٌ نحوي إداوةً من ماء وعنَزَةً، فيستنجي بالماء. وقصة أهل قباء مشهورة
(3)
.
ويستحب للمستنجي أن يدلُكَ يده بالأرض، لما روى أبو هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاءَ أتيتُه بماء في تَورٍ أو رَكْوة، فاستنجى، ثم مسح يده بالأرض. رواه أبو داود وابن ماجه
(4)
(1)
أخرجه بنحوه ابن أبن شيبة (591)، وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 347).
(2)
البخاري (150) ومسلم (271) واللفظ له.
(3)
أخرج أبو داود (45)، والترمذي (3100)، وابن ماجه (357) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} الآية، وكانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية.
قال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه"، وفي إسناده يونس بن الحارث وإبراهيم بن أبي ميمونة متكلم فيهما، وللحديث شواهد يقوي بعضها بعضًا من طريق عويم الأنصاري، وابي أيوب، وجابر وأنس وغيرهم. انظر:"الإمام"(2/ 539 - 544)، "البدر المنير"(2/ 374 - 386).
(4)
أبو داود (45)، وابن ماجه (358)، وأخرجه أحمد (8104)، والنسائي (50)، من طرق عن شريك، عن إبراهيم بن جرير، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة به.
شريك سيئ الحفظ، وقد تابعه أبان بن عبد الله عند النسائي (51)، غير أنه جعله عن إبراهيم عن أبيه، قال النسائي:"هذا أشبه بالصواب من حديث شريك"، وأعله ابن القطان في "بيان الوهم"(4/ 103) بشريك وبجهالة إبراهيم، وصححه ابن حبان (1405)، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود: الكتاب الأم" (1/ 77).
فصل
والأَولى أن يبدأ الرجل بالقبل؛ لأنه إذا بدأ بالدبر ربما أصابت نجاسةُ القبل يدَه، وأصابت دبرَه في حالة غسله. والمرأة تتخيَّر في [أحد]
(1)
الوجهين لتوازنهما في حقها. والثاني: تبدأ بالدبر، لأن نجاسته أفحَشُ وأعسَرُ إزالةً، فتبدأ
(2)
بها لئلا ينجس القبلُ بها، وقد طهُر.
والثيِّب والبكر فيه سواء، إلا أنَّ البكر يخرج بولها فوق الفرج، والعُذرةُ تمنع نزولَ البول إليه. وأما الثيِّب فيمكن نزول البول في فرجها. والمنصوص من الوجهين: أنه لا يجب تطهير باطن فرجها، لما فيه من المشقة، كداخل العينين. والآخر: أنه
(3)
يجب، فعلى هذا إن لم يتحقق نزول [38/ب] شيء من البول إليه لم يجب شيء. وإن تحقَّق
(4)
فهل يجب غسله بالماء لأن النجاسة تعدَّت المخرج، أو يكتفى فيه بالحجر للمشقة في ذلك، وأنه معتاد
(5)
؟ على وجهين؟ أصحُّهما إجزاء الحجر.
مسألة
(6)
: (وإن اقتصر على الاستجمار أجزأه، إذا لم تتعدَّ النجاسةُ موضعَ الحاجة).
أما إذا لم تتعدَّ النجاسةُ موضع الحاجة، فإنه يجزئه الاستجمار إذا أنقى
(1)
زيادة منِّي. وكذا في المطبوع.
(2)
في الأصل: "فبدأ"، والمثبت كما في المطبوع.
(3)
"أنه" ساقط من المطبوع.
(4)
في الأصل والمطبوع: "تحققنا".
(5)
في الأصل: "معتادًا".
(6)
"المستوعب"(1/ 57)، "المغني"(1/ 209)، "الشرح الكبير"(1/ 214)، "الفروع"(1/ 137).
وأكملَ العددَ، سواء في ذلك جميعُ ما يستنجى منه، من البول والمذي والودي والدم وغير ذلك.
وإنما يجزئ بشرطين: أحدهما الإنقاء، لأنه هو المقصود، وعلامة ذلك ألا يبقى في المحلّ شيء يزيله الحجر. والثاني: ثلاث مسَحات، لما تقدَّم من حديث سلمان، ولما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فَلْيستطِبْ بثلاثة أحجار، فإنها تجزئ عنه" رواه أبو داود
(1)
. فعلَّق الإجزاءَ بها، ونهى عما دونها.
وهذا إجماع من الأمة أن الاقتصار على الأحجار يجزئ من غير كراهة. وأما إذا تعدت موضع الحاجة فلا يجزئه إلا الماء؛ لأن الأصل أن يجب إزالة النجاسة بالماء، وإنما رخّص في الاستجمار لتكرار النجاسة على المخرج ومشقة إيجاب الغسل، فإذا تعدَّت عن المخرج المعتاد خرجت عن حد الرخصة فوجب غسلها كنجاسة سائر البدن. وحدُّ ذلك: أن ينتشر الغائط إلى نصف باطن الألْية فأكثر، أو ينتشر
(2)
البول إلى نصف الحشَفة فأكثر
(3)
(1)
برقم (40)، وأخرجه أحمد (24771)، والنسائي (44).
مداره على مسلم بن قرط وفيه مقال، وقد اختلف في إسناده في غير موضع، وصححه الدارقطني (1/ 55)، وبشواهده الألباني في "إرواء الغليل"(1/ 84).
انظر: "العلل" للدارقطني (14/ 205).
(2)
في المطبوع: "وينتشر"، والمثبت من الأصل.
(3)
واختيار المصنف: إجزاء الاستجمار، ولو تعدَّى الخارج إلى الصفحتين والحشفة وغير ذلك، لعموم الأدلة بجواز الاستجمار، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك تقدير. انظر:"اختيارات" ابن اللحام (ص 9).