الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينقطع دمها في ابتداء المدة الانقطاعَ المعتبرَ، فإن ضرورتها قد زالت، فكذلك قلنا: هنا تبطل طهارتها من أصلها حتى يلزمها استئناف الوضوء، لأن الحدث السابق ظهر عمله، كما يلزم المتيمِّم إذا وجد الماء.
وقال القاضي في "الجامع": إنما تمسح على الخفِّ ما دامت في الوقت، فتنتفع بذلك لو أحدثت بغير الحدث الدائم. فأما بعد خروج الوقت، فلا تستبيح المسح، كما لا تستبيح الصلاة.
والأول أصح. قال أحمد: المستحاضة تمسح على خفها. وقال أيضًا: الذي به الرعاف إذا لم ينقطع، وهو يتوضأ لكل صلاة، أرجو أن يجزئه أن يمسح على خفيه.
مسألة
(1)
: (ويجوز المسح على الجبيرة، إذا لم يتعدَّ بشدِّها موضعَ الحاجة، إلى أن يحلَّها)
.
هذا ظاهر المذهب أنه يمسح على الجبيرة في الطهارتين، من غير توقيت ولا إعادة عليه، ولا يلزمه شيء آخر.
وعنه: أنه يلزمه التيمُّم مع مسحها، لما روى جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلًا
(2)
منا حجرٌ، فشجَّه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصةً، وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات. فلما قدمنا على رسول [89/أ] الله صلى الله عليه وسلم
(1)
"المستوعب"(1/ 73)، "المغني"(1/ 355 - 358)، "الشرح الكبير"(1/ 392 - 395، 399)، "الفروع"(1/ 204، 207 - 208).
(2)
في الأصل: "رجل".
أُخبِرَ بذلك، فقال:"قتلوه، قتلهم الله! ألَّا سألوا إذا لم يعلَموا، فإنما شفاءُ العِيِّ السؤال. إنما كان يكفيه أن يتيمَّم ويعصر ــ أو قال: يعصِب ــ على جرحه خرقةً، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده" رواه أبو داود والدارقطني
(1)
.
ولأنه يشبه الجريح لأنه يترك الغسل خشية الضرر، ويشبه لابس الخف لأنه يتضرر بنزع الحائل. فلما أشبههما جُمِع له حكمُهما.
والأول هو المذهب، لما صحَّ عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قُرحة، فألقمَها مرارةً، فكان يتوضأ عليها
(2)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: من كان به جُرح معصوبٌ عليه توضأ ومسَح على العصابة، ويغسل ما حول العصاب. وإن لم يكن عليه عصاب مسحَ ما حوله
(3)
.
(1)
أبو داود (336)، والدارقطني (1/ 189)، من طريق محمد بن سلمة، عن الزبير بن خريق، عن عطاء، عن جابر به.
إسناده ضعيف؛ الزبير لين وقد انفرد بموضع الشاهد منه، واختلف فيه على عطاء أيضًا، قال الدارقطني:"لم يروه عن عطاء، عن جابر، غير الزبير بن خريق، وليس بالقوي، وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء، عن ابن عباس، واختلف على الأوزاعي"، وقال البيهقي في "معرفة السنن" (2/ 41):"لم يثبت في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وأصح ما روي فيه حديث عطاء بن أبي رباح، مع الاختلاف في إسناده ومتنه".
انظر: "البدر المنير"(2/ 615 - 620)، "صحيح أبي داود ــ الكتاب الأم"(364).
(2)
أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 24).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (1/ 162)، وابن أبي شيبة (1458)، وابن المنذر في "الأوسط"(2/ 24) واللفظ له.
وقد روي ذلك عن جماعة من التابعين، ولا يعرف عن صحابي ولا تابعي خلافه. وقد روي عن علي رضي الله عنه قال: انكسرت إحدى زندَيَّ، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أمسح على الجبائر. رواه ابن ماجه وغيره
(1)
.
وروي عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
، وإن كان في إسناده مقال، فهو معتضد بما ذكرنا.
ولأنه مسح على حائل، فأجزأه من غير تيمم، كمسح الخف والعمامة، وأولى، لأن هذا يتضرَّر بالنزع، ولابسُ الخف لا يتضرر بالنزع.
ولأنه إما أن يلحق بذي الجرح الظاهر، أو بلابس الخف، أو بهما. [89/ب] أما الأول فضعيف، لأنه لا حائل هناك ينتقل الفرض إليه، ويجعل الجرح في حكم الباطن. والثالث
(3)
أضعف منه، لأننا إذا ألحقناه بهما عظمت المشقة، وأوجبنا طهارتين عن محلّ واحد، وجعلناه أغلظ من لابس الخفّ، مع أنه أحقُّ بالتخفيف منه، فتعيَّن أن يلحق بلابس الخفّ، لا سيما
(1)
ابن ماجه برقم (657)، والدارقطني (1/ 226)، كلاهما من طريق عبد الرزاق (623).
وهو حديث باطل، فإن في إسناده عمرو بن خالد القرشي كذاب يضع الحديث كما في "الميزان"(3/ 257)، وتابعه من هو شر منه، انظر:"السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 228).
(2)
أخرجه الدارقطني (1/ 205)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(11/ 115)، عن ابن عمر:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الجبائر".
إسناده واه، فيه أبو عمارة محمد بن أحمد بن المهدي، قال الدارقطني:"لا يصح مرفوعًا، وأبو عمارة ضعيف جدًّا".
(3)
في المطبوع: "والثاني"، والصواب ما أثبتنا من الأصل.
وطهارة المسح تشارك الغسل في رفع الحدث، وأنها بالماء جائزة في الجملة في حال الاختيار.
وأما حديث صاحب الشجّة، فمعناه ــ والله أعلم ــ أنه يكفيه إما التيمم وإما أن يعصِب على شجه خرقةً ثم يمسح عليها، لأنهم أجمعوا على أن الجرح الظاهر لا يوجب أن يتيمَّم وأن يعصِب ثم يمسح العصابة. والواو قد تكون بمعنى (أو) كما في قوله {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. وذكر القاضي أنه على هذه الرواية يمسح على الجبيرة أيضًا. وهل تجب عليه الإعادة؟ تخرج على روايتين، أظهرهما: لا يعيد. وفي عصابة الفِصَاد يمسح ويتيمم لأجل النجاسة، فعلى هذا الفرق بين الروايتين أنه هل يجوز له شدُّها على غير طهارة، أم لا؟ وقد صرَّح بذلك في تعليل هذه الرواية.
وقوله: "إذا لم يتعدَّ بشدِّها موضعَ الحاجة" يعني أن الحاجة تدعو إلى أن يتجاوز بها موضع الكسر، فإن الجبيرة توضع على طرفي الصحيح لينجبر الكسر، وقد يتجاوز بها إلى جرح أو ورم أو شيء يرجى به البرء وسرعة [90/أ] البرء، وقد يُضطَرّ إلى الجبر بعظمٍ يكفيه أصغرُ منه، لكن لم يجد سواه ولا ما يصغر به. ومتى تجاوز لغير حاجة ولا ضرورة لزمه النزع إن لم يضرَّه، وإن خاف منه الضرر لم يلزمه النزع، إلا على قول أبي بكر في [مَن]
(1)
جبَر كسرَه بعظم نجِس أنه يقلعه
(2)
ما لم يخش التلف.
وهل يجزئه مسح الزائد؟ على وجهين:
(1)
زيادة يقتضيها السياق. وانظر: "شرح الزركشي"(1/ 374) و"الإنصاف"(1/ 426).
(2)
في الأصل والمطبوع: "يفعله"، تحريف.
أحدهما: لا يجزئه، كما ذكره الشيخ، واختاره القاضي وابن عقيل وغيرهما، لأنه شدَّه لغير حاجة؛ فيمسح بقدر الحاجة، ويتيمَّم للزائد. وقيل: يمسحه أيضا مع التيمم.
والثاني: يجزئه مسحُه. قاله الخلال وغيره، لأنه قد صار به ضرورة إلى المسح عليه، فأشبه موضعَ الكسر. وتركُ التحرّز منه لا يمنع الرخصة، كمن كُسِر عظمُه ابتداءً. قال الخلال: كان أبو عبد الله يتوقَّى
(1)
أن يبسط الشدّ على الجرح بما يجاوزه، ثم سهَّل في مسألة الميموني والمرُّوذي
(2)
لأن هذا مما لا ينضبط، وهو شديدٌ جدًّا، ولا بأس بالمسح على العصائب كيف شدَّها.
وقوله: "إلى أن يحُلَّها" يعني: لا يتوقَّت مسحُها كالخف ونحو ذلك في الطهارتين، لأن مسحه لضرورة، بخلاف مسح الخف.
ويجب مسح الجبيرة واستيعابها بالمسح، لأنه مسح مشروع للضرورة، فوجب مستوعبًا كالتيمم، ولأنه بدل مطلق
(3)
، واستيعابه بالمسح لا ضرر فيه، فوجب فيه لأن الأصل أن البدل يحكي مبدله، بخلاف الخف والعمامة. وإن كان بعضها [90/ب] في محلِّ الفرض وبعضها خارجٌ
(4)
عنه مسَح ما يحاذي محلَّ الفرض.
(1)
في "المغني"(1/ 355): "كأنّ أبا عبد الله استحبّ أن يتوقَّى
…
".
(2)
في المطبوع: "المروزي". والصواب ما أثبتنا من الأصل.
(3)
في الأصل: "بدلًا مطلقًا".
(4)
في المطبوع: "خارجًا"، والمثبت من الأصل.
وهل يشترط أن تتقدَّمها
(1)
طهارة؟ على روايتين:
إحداهما: يشترط كالخف، اختارها الخرقي وغيره
(2)
. فعلى هذا إن شدَّها على حدث نزَعها، فإن أضرَّه نزعُها تيمَّم لها كالجريح. وقيل: يمسحها ويتيمم.
والرواية الثانية: أنه لا تعتبر لها الطهارة قبل الشدِّ، اختارها الخلال وصاحبه وغيرهما، وأشار الخلال أنها الرواية المتأخرة
(3)
. وهي اختيار الشيخ لأنه ذكر اشتراط الطهارة في العمامة والخف، ثم ذكر الجبيرة بعد ذلك ولم يشترط لها ذلك، لأن حديث جابر ليس فيه ذكر الطهارة. وكذلك حديث علي، وكذلك ابن عمر.
وتفارق الخفَّ من وجهين:
أحدهما: أنّ الكسرَ والفكَّ يقع فجأة وبغتة، ويبادر إلى إصلاحه عادة، ففي اشتراط الطهارة حرج عظيم. وربما تعذّرت الطهارة بأن يجري دم ينقض الطهارة، ولا يمكن إعادتها إلا بغسل المحلِّ، وهو متعذِّر، فيضطر إلى شدِّها على الحدث. فإما أن يؤمر بالتيمم فقط، فالمسح خير من التيمم؛ أو بهما، وهو خلاف الأصول، فيتعيَّن المسح.
والثاني: أن الجبيرة كالأعضاء، وتجري مجرى جلدة انكشطت ثم أعيدت، بدليل أنها تمسح في الطهارة الكبرى، وأنه لا توقيت في مسحها، بخلاف الخف.
(1)
في المطبوع: "يتقدمها"، والمثبت من الأصل.
(2)
انظر: "مختصر الخرقي"(ص 13) و"شرح الزركشي"(1/ 372).
(3)
انظر: "المغني"(1/ 356) و"شرح الزركشي"(1/ 372).
فإذا حلَّ الجبيرةَ أو سقطتْ فهو كما لو خلع العمامةَ: يلزمه استئناف الطهارة في [91/أ] أشهر الروايتين. وفي الأخرى: يكفيه غسلُ موضعها والبناءُ على ما قبلها، إلا أن يكون مسحها في غسلٍ يعمُّ البدن كالجنابة والحيض، فيسقط الاستئناف بسقوط الترتيب والموالاة.
والمسح على حائل الجرح أو الدمَّل أو غيرهما كالمسح على حائل الكسر، سواء كان عصابة أو دواء أو مرارة أو لصوقًا، سواء تضرَّر بنزع الحائل دون الغسل أو بالغسل دون نزع الحائل أو بهما.
وكذلك لو كان في رجله شقٌّ جعل فيه قِيرًا أو شَمْعًا مُغْلًى ونحو ذلك وتضرَّر بنزعه، في أظهر الروايتين. وفي الأخرى: لا يجزئه المسح، لأن ذلك من الكيِّ المنهي عنه، حيث استعمل بعد إغلائه بالنار، والرخص لا تثبت مع النهي.
والأول أقوى. وفي كراهية الاكتواء روايتان: إحداهما: أنه لا يكره، وإنما تركُه درجة رفيعة. وتُحمَل أحاديثُ النهي على ما فيه خطر، ولم يغلب على الظن نفعه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد
(1)
بن زُرارة
(2)
،
وسعد بن
(1)
في الأصل: "سعد".
(2)
أخرجه الترمذي (2050) من طريق معمر، عن الزهري، عن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة".
قال الترمذي: "حسن غريب"، وصححه ابن حبان (6080)، والحاكم (4/ 417)، وأعله جماعة بالإرسال، قال أبو حاتم في "العلل" (6/ 19): "هذا خطأ، أخطأ فيه معمر، إنما هو الزهري، عن أبي أمامة بن سهل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد
…
مرسلًا"، ووافقه الدارقطني في "العلل" (12/ 201).