الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تراب؛ ثم ليقل: الحمد لله الذي أذهبَ عني ما يؤذيني، وأمسك عليَّ ما ينفعني" وهو مرسل حسن.
الشرط الأول
(1)
: أن يكون جامدًا، لأن المائع إن كان مطهِّرًا فذلك غسل واستنجاء، وإن لم يكن مطهرًا أماع النجاسةَ ونشَرها، وحينئذ لا يجزئه إلا الماء؛ لأن النجاسة انتشرت عن المخرج المعتاد.
والثاني: أن يكون طاهرًا، فلا يجوز بجلدِ ميتةٍ ولا برَوثٍ نجِس، ولا عظمٍ نجِس، ولا حجرٍ نجِس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالروث والعظم في حديث ابن مسعود، وأبي هريرة، وسلمان، وخزيمة بن ثابت، وسهل بن حنيف، ورويفع بن ثابت. وقد تقدم أكثرها
(2)
.
وذلك يعمُّ العظمَ الطاهر والنجس، والروثَ الطاهر والنجس. أما الطاهر، فقد علَّله بأنه زاد إخواننا من الجن. ففي النجس منه لا علَّة له إلا النجاسة، سيَّما
(3)
الروثة وكسائر الرِّكس، [والرِّكْس]
(4)
والنجَس بمعنى
(1)
من
شروط المستجَمر به
. وقد ورد ذكرها هكذا في الأصل دون تمهيد، ولعل ما تعلق بها سبق في الورقة الساقطة.
(2)
تقدم حديث سلمان، وحديث ابن مسعود وسيورده مرة أخرى. وحديث أبي هريرة سيأتي بعد قليل. أما الأحاديث الأخرى فلعلها قد وردت في الورقة الساقطة.
(3)
في المطبوع: "لاسيما"، وحذف "لا" شائع في كتب العلماء.
(4)
في الأصل: "وكسائر الركس والنجس بمعنى واحد". وأصلحت العبارة في المطبوع بزيادة "وهما" بعد "النجس". وأشار بالركس إلى حديث ابن مسعود قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائطَ، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدتُ حجرَين، والتمستُ الثالث فلم أجده، فأخذتُ روثةً، فأتيتُه بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال:"هذا ركس". أخرجه البخاري (156).
واحد. ولا يقال: الجميع زاد الجن، لأنه قد بيَّن أنَّما زادهم "كلُّ عظمٍ ذُكِرَ اسمُ الله عليه"
(1)
.
ولأنه إذا استجمر بشيءٍ نجسٍ أورثَ المحلَّ نجاسةً غير نجاسته، وما سوى نجاسته لا يجزئ الاستجمار فيها.
وكذلك لو خالف واستنجى بالنجس لم يجزئه الاستجمار ثانيًا وتعيّن الماءُ ــ وقيل: يجزئ [40/ب]ــ؛ لأن هذه النجاسة مانعة لنجاسة المحلِّ. ولا يقال: المقصود الإنقاء وقد حصَل، لأن الاستجمار رخصة، فلا يستباح بمحرَّم، ولأن الإنقاء من نجاسة المستنجى به غير حاصل.
الثالث: أن يكون مُنْقِيًا؛ لأنّ الإنقاء هو مقصود الاستجمار، فلا يجزئ بزجاج، ولا فحم رِخْو، ولا حجر أملس.
الرابع: أن [لا]
(2)
يكون محترمًا مثل الطعام. ولا يجوز الاستنجاء به، سواء في ذلك طعامُ الإنس والجنّ وعلفُ دوابِّ الإنس والجنّ، لِمَا روى مسلم في "صحيحه"
(3)
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الجنَّ سألوه الزاد، فقال:"لكم كلُّ عظمٍ ذُكِرَ اسمُ الله عليه، يقع في أيديكم أوفرَ ما يكون لحمًا، وكلُّ بعرةٍ علفٌ لدوابكم". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تستنجُوا بهما، فإنّهما زاد إخوانكم"
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يحمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إداوةً لوضوئه
(1)
كما سيأتي في حديث ابن مسعود.
(2)
زيادة لازمة.
(3)
برقم (450)، وقد تقدَّم.
وحاجته، فبينما هو يتبعه قال: "ابغِني أحجارًا أستنفِض
(1)
بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة" فأتيتُه بأحجارٍ أحملها في طرف ثوبي حتّى وضعتُها إلى جنبه، ثم انصرفتُ حتّى إذا فرغ مشيتُ
(2)
. فقلت: ما بالُ العظم والروثة؟ فقال: "هما من طعام الجنِّ، وإنه أتاني وفدُ جنِّ نصِيبِين، ونِعْمَ الجنُّ، فسألوني الزاد، فدعوتُ الله لهم أن لا يمُرُّوا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعامًا" رواه البخاري
(3)
.
فبيَّن له صلى الله عليه وسلم ما هو طعام الجن، ونهانا عنه، وتبرَّأ ممن يستنجي به
(4)
، فبما هو طعامنا أولى. وكذلك ما مكتوبٌ فيه اسمُ الله تعالى أو شيءٌ من الحديث والفقه، سواء كان [41/أ] ورقًا، أو حجرًا، أو أديمًا؛ لأن حرمته أعظم من حرمة علفِ دوابِّ الجن.
وكذلك أيضًا ما هو متصلٌ بحيوان، كيده، وذنبه، وريشه، وصوفه. وكذلك يد نفسه، سواءٌ في ذلك الحيوانُ الطاهر والنجس، الآدميُّ وغيرُه؛ ولأن الحيوان محترم فأشبهَ المطعومَ، وإذا كان قد نهى عن الاستنجاء بعلف الدوابّ، فالنهي عن الاستنجاء بها أولى.
ولا يجوز الاستنجاء بهذه الأشياء، لأن الاستنجاء رخصة، فلا يباح بمحرَّم، كالقصر في سفر المعصية. وقد روى الدارقطني
(5)
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
(1)
يعني الاستنجاء بها.
(2)
زاد في المطبوع: "معه" من الصحيح.
(3)
في "الصحيح"(3860).
(4)
كما ورد في حديث رويفع بن ثابت عند أبي داود (36) والنسائي (5067).
(5)
الدارقطني (1/ 56)، وأخرجه الإسماعيلي في "المعجم"(2/ 669)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 356)، من حديث أبي هريرة.
صحح إسناده الدارقطني، وحسنه ابن حجر في "الدراية"(1/ 97)، وأعله ابن عدي بسلمة بن رجاء، ووقع في إسناده اختلاف ذكره الدارقطني في "العلل"(8/ 238).
أن يُستنجَى بروثٍ أو عظمٍ، وقال:"إنهما لا يطهِّران"، وقال: إسناد صحيح
(1)
.
فإن استنجى بها، فهل يجزئه إعادة الاستنجاء، أو يتعيَّن الماء؟ على وجهين.
فإن قيل: قد نُهي عن الاستنجاء باليمين، وقد قلتم: يجزئ.
قلنا: اليد ليست شرطًا في الاستنجاء، وإنما جاءت لأنه لا يمكنه الاستنجاء بغيرها، حتى لو استغنى عنها بأن يقعد في ماء جارٍ حتى ينقَى المحلُّ حصلت الطهارة. وكذلك لو استنجى بيد أجنبيٍّ، فقد أثم، وأجزأه. وأما المستنجَى به فهو شرط في الاستنجاء، كالماء في الطهارة، والتراب في التيمُّم؛ فإذا
(2)
كان محرّمًا لعينه كان كالوضوء بالماء النجس، وإن كان لحقِّ الغير كان كالمتوضئ بالماء المغصوب أو أشد، لأنه رخصة.
فصل
والاستنجاء واجب لكلِّ خارج من السبيلين، فلو صلَّى بدونه لم تصح الصلاة؛ لما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين، فقال: "إنهما
(1)
واختياره: الإجزاء بعظم وروث وبما نُهي عنه، ويكون عاصيًا. وذلك لأنه لم ينه عنه لعدم الإنقاء، بل لإفساده. فإذا قيل: يزول بطعامنا مع التحريم، فهذا أولى. انظر:"مجموع الفتاوى"(21/ 210 - 211) و"الفروع"(1/ 141) و"المبدع"(1/ 73) و"اختيارات" ابن اللحام (ص 9).
(2)
في المطبوع: "فإن" خلافًا للأصل.
يعذَّبان، وما يعذَّبان في كبير. أمّا أحدهما فكان [41/ب] لا يستتر من بوله، وأمّا الآخر فكان يمشي بالنميمة" رواه الجماعة
(1)
؛ سواء كان الخارج نادرًا، أو معتادًا رطبًا، أو يابسًا، كالبول والروث
(2)
والدود والحصى والمَذْي؛ ولأنّ خروجَ الخارج من هذا المحلّ مظنّة استصحاب الرطوبة النجسة، فعلّق الحكم به، وإن تخلفت عنه الحكمة
(3)
في آحاد الصور؛ وقال
(4)
: كذلك اعتبر العدد، وإن زالت الرطوبة بدونه.
إلا الريحَ
(5)
، فإن الإمام أحمد قال:"ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا سنة رسوله، إنما عليه الوضوء"
(6)
. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من استنجى من الريح فليس منا" رواه الطبراني وأبو حفص العكبري
(7)
؛
ولأن الريح ليس
(1)
أحمد (1980)، والبخاري (218)، ومسلم (111)، وأبو داود (20)، والترمذي (70)، والنسائي (2068)، وابن ماجه (347).
(2)
في المطبوع: "كالروث والبول". وفي الأصل كتب فوقهما حرف الميم، وهو علامة المقدم والمؤخر.
(3)
في المطبوع: "عن الحكم". والصواب ما أثبتنا من الأصل.
(4)
كذا ورد في الأصل، ولعل في الجملة تحريفًا أو سقطًا.
(5)
مستثنى من قوله في أول الفصل: "والاستنجاء واجب لكل خارج من السبيلين".
(6)
انظر: مسائل عبد الله (ص 31) وأبي داود (ص 10). والقول بالنص في "المغني"(1/ 205).
(7)
لم أقف عليه عند الطبراني، ورأى الألباني في "إرواء الغليل"(1/ 86) أن المؤلف وهم في هذا متابعًا لابن قدامة.
والحديث أخرجه ابن عدي في "الكامل"(5/ 56) ــ ومن طريقه السهمي في "تاريخ جرجان"(313) ــ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(53/ 49)، من طريق محمد بن الصلت البغدادي، عن محمد بن زياد بن زبار، عن شرقي بن قطامي، عن أبي الزبير، عن جابر به.
إسناده ضعيف جدًّا؛ ابن زياد ضعيف كما في "الميزان"(3/ 552) ولم يسمع من شرقي، وشرقي ضعيف صاحب مناكير كما في "الجرح والتعديل"(4/ 376) و"الكامل"(5/ 56)، وفيه أيضًا عنعنة أبي الزبير عن جابر.
لها جِرْم لاصق يزال، ولا هي مظنة استجلاب رطوبة يمكن إزالتها.
وأمّا الخارج الطاهر فيجب الاستنجاء منه في المشهور، كما يجب من يسير الدم والقَيح، وإن عفي عنه في غير هذا الموضع؛ لأن خروجه من السبيل يورث تغليظًا؛ ولأن الاستنجاء من المني فعلُ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الدوام، ولا أعلم إخلالهم به بحال.
فصل
والأفضل في الاستجمار أن يُمِرَّ حجرًا من مقدَّم صفحته اليمنى إلى مؤخرها، ثم يديرها على اليسرى حتى يرجع إلى الموضع الذي بدأ منه. ثم يُمِرَّ الثاني من مقدَّم صفحته اليسرى إلى مؤخرها، ثم يديره على اليمنى حتى يرجع به إلى الموضع الذي بدأ منه. ثم يُمِرَّ الثالثَ على المَسْرَبة
(1)
والصفحتين، لأن العدد معتبر في إزالة هذه النجاسة، فاستُوعِبَ المحَلُّ في كلّ مرة منه كالعدد في ولوغ الكلب.
وما روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أوَلا يجد أحدكم [42/أ] حجرَين للصفحتين وحجرًا للمَسْرَبة" رواه الدارقطني، وقال: إسناد حسن
(2)
= محمول
(1)
مجرى الغائط ومخرجه (المصباح المنير).
(2)
الدارقطني (1/ 56)، وأخرجه العقيلي في "الضعفاء"(1/ 32)، والبيهقي (1/ 114)، من طريق أُبيّ بن عباس بن سهل الساعدي، عن أبيه، عن جده به.
وحسن إسناده الدارقطني، غير أن مداره على أُبيّ، والجمهور على تضعيفه، كيف وقد انفرد بهذا اللفظ، وبه ضعف الحديث العقيلي، والألباني في "السلسلة الضعيفة"(969).
على الابتداء بهذه المواضع؛ لأنه قد جاء بلفظ آخر عنه أنه قال
(1)
: "يُقبل بواحد، ويُدبر بآخر، ويحلِّق بالثالث"
(2)
.
فإن مسَحَ على كلّ جهة مسحةً، فوجهان.
فصل
السنّة أن يستنجي قبل الوضوء، فإن أخَّره إلى بعده أجزأه في إحدى الروايتين
(3)
، لأنها نجاسة، فصحَّ الوضوء قبل إزالتها، كما لو كانت على البدن. فعلى هذا إذا توضأ استفاد بذلك مسَّ المصحفِ ولُبْسَ الخفّين، ويستمرّ وضوؤه إذا لم يمسَّ فرجه.
والرواية الأخرى: لا يصح وضوؤه، وهي أشهر، لأن في حديث المَذْي:"يغسلُ ذكرَه، ثم يتوضَّأ" رواه النسائي
(4)
. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يُنقل عنهم أنهم يتوضّؤون إلا بعد الاستنجاء، وفعلُه إذا خرج
(1)
في الأصل: "كان"، والظاهر أنه تصحيف ما أثبتنا، لأن الحديث المذكور قوليٌّ.
(2)
ليس له أصل بهذا اللفظ.
وقد أورده جماعة من متقدمي فقهاء الشافعية في كتبهم كالماوردي في "الحاوي"(1/ 165)، والشيرازي في "المهذب"(1/ 27)، واعترض عليه ابن الصلاح والنووي وغيرهم من محدثي الشافعية، انظر:"البدر المنير"(1/ 366 - 368).
(3)
ذكر محقق المطبوع أن في الأصل "أحد الروايتين"، والحق أن فيه كما أثبتنا.
(4)
برقم (439)، وقد تقدم.