الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فإن تغيَّر بعض الماء الكثير بالنجاسة لم تنجس بقيته إذا بلغ قلّتين في أصح الوجهين. وقال ابن عقيل: ينجس لأنه ماء واحد
(1)
. وإذا لم يتغير الماء الكثير بالنجاسة وكانت مستهلكة فيه كالبول والخمر جاز استعمال جميعه، ولم يجب أن يبقى قدرها.
وإن كانت النجاسة قائمة فيه وهو قدر القلتين، فاغترفت منه في إناء، فهو طهور
(2)
. وإن كان أكثر من قلتين جاز التناول من جميع جوانبه، سواء كان بينه وبين النجاسة قلتان أو لا، وسواء في نجاسته ما يدركه الطرف وما لا يدركه، إذا تيقن وصوله إلى الماء، في المشهور من المذهب.
ولو سقطت عَذِرة أو قطعة ميتة في ماء يسير فانتَضح منه بسقوطها شيء فهو نجس. وإذا شكّ هل [7/أ] ما وقعت فيه النجاسة قلتان أو أنقص؟ فهو نجس في أصح الوجهين.
مسألة
(3)
: (وإن طُبخ في الماء ما ليس بطهور، أو خالطه
(4)
فغلب على اسمه، أو استعمل في رفع حدثٍ= سلَب طهوريته)
.
أما إذا طُبخ فيه كماء الباقلّى المُغْلَى فإنه قد صار أُدْمًا ومرَقةً، و
(5)
ليس
(1)
تقدم في المسألة السابقة، وانظر "المغني"(1/ 45).
(2)
في "الشرح الكبير"(1/ 110) أنه طاهر.
(3)
"المستوعب"(1/ 46، 48، 55)، "المغني"(1/ 20 - 36)، "الشرح الكبير"(1/ 54 - 67)، "الفروع"(1/ 70 - 81).
(4)
كذا في الأصل. وفي مطبوعة العمدة: "وكذلك ما خالطه"، وكذا في "العدة"(ص 16).
(5)
الواو ساقطة من المطبوع.
بماء حقيقةً ولا اسمًا.
وأما إذا خالطه، فغلب على اسمه، إمّا بأن يسلب
(1)
الماءَ رقّتَه وجريانَه، فيصير صبغًا وحِبرًا إن كان كثيفًا، أو تكون أجزاؤه أكثر من أجزاء الماء إن كان لطيفًا حتى يقال: خَلٌّ فيه ماء، أو ماءُ وردٍ فيه ماء، فهذا لم يبق
(2)
فيه حقيقةً ولا اسمًا.
وإن غيَّر طعمه أو لونه أو ريحه سلبه التطهيرَ أيضًا في أشهر الروايتين لأنه ليس بماء مطلق. والرواية الأخرى: هو باق على تطهيره
(3)
، وكذلك على هذه إن غيَّر صفاته الثلاث في أشهر الطريقين. وعنه أنه طهور إذا لم يجد المطلق. هكذا حكى بعض أصحابنا ثلاث روايات. وحكى السامري
(4)
طريقين، أحدهما: أن الروايتين على الإطلاق. والثانية: أن الروايتين فيما إذا عدم الماء المطلق فقط، وهي طريقة ابن أبي موسى
(5)
.
وعلى الأولى في التغير اليسير ثلاثة أوجه. أحدها: أنه كالكثير. والثاني: في الفرق بين الرائحة وغيرها. والثالث: العفو عنه مطلقًا، وهو أصح
(6)
.
(1)
في المطبوع: "سلب" خلافًا للأصل.
(2)
كذا في الأصل بالقاف. وفي المطبوعة: "تنف". وانظر: حاشية ابن قندس على "الفروع"(1/ 72).
(3)
وهو اختيار المصنف. انظر: "اختيارات" ابن عبد الهادي (رقم 13) والبرهان ابن القيم (رقم 74) وابن اللحام (ص 3).
(4)
في "المستوعب"(1/ 46).
(5)
في "الإرشاد"(ص 20).
(6)
انظر: "مجموع الفتاوى"(21/ 25).
فصل
فأما إن تغيَّر بما لا يمكن صَونُه عنه فهو باق [7/ب] على طهوريته كالماء المتغير بالطُّحلُب، وورق الأشجار المتحاتَّة
(1)
فيه، وما يحمله المدُّ من الغثاء، وما ينبت فيه. وكذلك إن تغيَّر بطول مُكثه، وكذلك ما تغيَّر بمجاريه كالقار والنفط، لأن هذا التغير لا يمكن صون الماء عنه. وهو من فعل الله ابتداءً، فأشبَه التغيُّر الذي خلق
(2)
عليه الماء، حتى لو طرحت فيه هذه الأشياء عمدًا سلبته التطهير، إلا الملح المنعقد من الماء، لأنه ماء فهو كذَوب الثلج والبرد. وفي التراب وجهان لكونه طهورًا في الجملة.
وإن تغيَّر بطاهر لا يخالطه كالخشب والأدهان وقطع الكافور، فهو باق على طهوريته في أشهر الوجهين. ولا أثر لما غيَّر الماء في محل التطهير، مثل أن يكون على بدن المغتسل زعفران أو سدر أو خِطْمي فتغيَّر به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل المحرم
(3)
وغسل ابنته بماء وسدر
(4)
، وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسدر
(5)
،
ولأن هذا تدعو إليه الحاجة.
(1)
في الأصل والمطبوع: "المنجابة"، وهو تصحيف ما أثبتناه، من تحاتّت الشجرة: تساقط ورقها.
(2)
في المطبوع: "خلق الله"، خلافًا للأصل.
(3)
أخرجه البخاري (1849) ومسلم (1206).
(4)
أخرجه البخاري (1253) ومسلم (939).
(5)
أخرجه أحمد (20611، 20615)، وأبو داود (355)، والترمذي (605)، والنسائي (188)، من طرق عن خليفة بن حصين، عن جده قيس رضي الله عنه، وتارة عن أبيه، عن جده، وخطّأ هذا الوجه أبو حاتم في "العلل"(1/ 452).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، وصححه ابن خزيمة (254، 255)، وابن حبان (1240)، وأعله ابن القطان في "بيان الوهم"(6/ 429) بالانقطاع في الوجه الأول، وبجهالة حصين في الوجه الثاني.
فصل
وأما المستعمل في رفع الحدث، فهو طاهر في ظاهر المذهب
(1)
، لما روى جابر قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا مريض لا أعقِل، فتوضّأ وصبَّ وضوءَه عليّ. متفق عليه
(2)
.
وفي "الصحيح"
(3)
أيضا عن المِسْوَر بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه.
ولأنّ بدن المحدث طاهر، فلا ينجس الماء بملاقاته كسائر الطاهرات. ودليل طهارته ما روى الجماعة
(4)
عن أبي هريرة قال: [8/أ] لقيني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنُب، فانسللتُ فأتيتُ الرَّحلَ فاغتسلتُ، ثم جئتُ وهو قاعد، فقال:"أين كنتَ يا أبا هريرة؟ " فقال: كنتُ جنُبًا. فقال: "سبحان الله إن المؤمن لا ينجس".
(1)
انظر: "المغني"(1/ 31). والرواية الثانية أنه طهور، وهي اختيار المصنف. انظر:"مجموع الفتاوى"(19/ 236)، (20/ 519) و"الفروع"(1/ 71) و"اختيارات" البرهان ابن القيم (رقم 74) وابن اللحام (ص 3).
(2)
البخاري (194)، ومسلم (1616).
(3)
البخاري (2731، 2732).
(4)
أحمد (7211) والبخاري (285) ومسلم (371) وأبو داود (231) والترمذي (121) وابن ماجه (534) والنسائي (269).
وهو مع طهارته غير مطهِّر في المشهور أيضًا، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يغتسِلْ أحدُكم في الماء الدائم وهو جنُب". قالوا: يا أبا هريرة، كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولًا. رواه مسلم
(1)
. ولو كان الغسل فيه يجزئ ولا يغيِّر الماء لم ينه عنه. ولأن الصحابة ما زالوا تضيق بهم المياه في أسفارهم، فيتوضؤون ولا يجمعون مياه وضوئهم، ولو كانت مطهِّرةً لجمعوها. ولأنه مستعمل لإزالة مانع من الصلاة فانتقل حكم المنع إليه كالمستعمل في إزالة النجاسة.
وما دام الماء يجري على بدن المغتسل وعضو المتوضئ على وجه الاتصال فليس بمستعمل حتى ينفصل. فإن انتقل من عضو إلى عضو لا يتصل به مثل أن يعصِر الجنبُ شعر رأسه على لُمعة من بدنه، أو يمسح المحدث رأسه ببَلِّ يده
(2)
بعد غسلها، فهو مستعمل في إحدى الروايتين، كما لو انفصل إلى غير محل التطهير مثل أن يمسح رأسه ببَلٍّ يأخذه من لحيته، أو يعصِر شعره في كفِّه ثم يردّه على اللمعة.
وفي الأخرى: ليس بمستعمل. وهو أصح لما روت الرُّبَيِّع بنت معوِّذ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بما بقي من وضوئه في يديه. رواه أحمد [8/ب] وأبو داود
(3)
.
(1)
برقم (283).
(2)
في حاشية ابن قندس على "الفروع"(1/ 78 - 79): "ببلل يده"، وكذا "ببللٍ يأخذه" فيما يأتي. وقد نقل كلام المصنف من قوله:"وما دام الماء" إلى آخر حديث الربيّع بنصِّه.
(3)
أحمد (27016)، وأبو داود (130)، وأخرجه الدارقطني (1/ 87) بنحوه مختصرًا، وهو جزء من حديث يُروى عن عبد الله بن محمد بن عقيل بطرق وألفاظ مختلفة، عن الرُّبَيّع تنعت فيه وضوءه صلى الله عليه وسلم.
وحسّن لفظ المؤلف ابن حجر في "الدراية"(1/ 55)، وحسّن الحديث الترمذي (33)، واستدركه الحاكم على الشيخين (1/ 152)، ومداره على عبد الله، وقد اختلف فيه جرحًا وتعديلًا، واختلف عليه في ألفاظه أيضًا، انظر:"السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 237)، "البدر المنير"(2/ 168 - 169).
وعن ابن عباس قال: اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنابة، فلما خرج رأى لُمعةً على منكبه الأيسر لم يصبها الماء، فعصَر شَعرَه عليها. رواه أحمد وابن ماجه
(1)
.
ولأنه ما زال ينتقل
(2)
في مواضع التطهير
(3)
. فأشبه انتقاله إلى محلّ متصل.
وإن اغتمس الجنب في ماء يسير بنية الطهارة صار الماء مستعملًا، ولم يرتفع حدثه، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والنهي يقتضي الفساد
(4)
. وهل يصير
(1)
أحمد (2180)، وابن ماجه (663)، وفيه أبو علي الرحبي مجمع على ضعفه كما في "مصباح الزجاجة"(1/ 144).
وفي الباب عن أنس وعائشة ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد واهية، ومرسل جيد من حديث العلاء بن زياد، انظر:"سنن الدارقطني"(1/ 110)، "العلل المتناهية"(1/ 346 - 348).
(2)
قراءة المطبوع: "يتنقَّل".
(3)
في حاشية ابن قندس (1/ 79) ــ وقد نقل هذه الجملة من كلام المصنف ــ: "غير مواضع التطهير". والظاهر أن ما هنا هو الصواب.
(4)
واختيار المصنف أنه يرتفع الحدث ويبقى الماء طهورًا. انظر: "مجموع الفتاوى"(20/ 519) و"الإنصاف"(1/ 76).
مستعملًا بانفصال أول جزء منه، أو بملاقاة أول جزء منه؟ على وجهين أنسبُهما بكلامه
(1)
: الأول. وصار هنا مستعملًا قبل انفصال جميع البدن، بخلاف ما إذا اغتسل لا يصير حتى ينفصل، كما أنَّ الماء إذا ورد على النجاسة لم ينجس حتى ينفصل، وإذا أُوردت
(2)
على قليله نجَّسته.
ولو لم ينو الاغتسال حتى انغمس كان كمن صُبَّ عليه الماء، فترتفع الجنابة ويصير مستعملًا في وجه. وفي وجه: لا ترتفع
(3)
إلا عن أول جزء منفصل.
وإذا غمس المتوضِّئ يده في الإناء بعد غسل وجهه ولم ينو غسلها فيه لم يصر مستعملًا. وقيل: يصير مستعملًا كما لو اغترف بها الجنب بعد النية
(4)
. والصحيح الأول، لأن عبد الله بن زيد لما توضّأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم اغترف بيده من الإناء بعد غسل وجهه، وقال: هكذا كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
.
وكذلك الجنب في رواية. والرواية الأخرى: الفرق، للعسر والمشقة في الوضوء، ولأن الأثر جاء فيه.
وإذا كان الانغماس [9/أ] في ماء كثير لم يغيِّره كالنجاسة، وأولى.
(1)
في حاشية المطبوع: "أي بكلام الإمام أحمد".
(2)
كذا في الأصل. وفي المطبوع: "وردت".
(3)
في المطبوع: "يرتفع"، والأصل غير منقوط.
(4)
في "الفروع"(1/ 78) و"الإنصاف"(1/ 79) أن المذهب أنه طهور لمشقة تكرره.
(5)
رواه البخاري (199 ومواضع أخرى) ومسلم (235).
ولو جُمِع حتى بلغ قلّتين كان كالماء القليل النجس إذا جمع إلى مثله حتى بلغ قلتين لا يصير طهورًا في ظاهر المذهب.
فصل
فأما المستعمَل في طهر مستحبّ كغسل الجمعة وتجديد الوضوء فهو طهور في أظهر الروايتين، لأنه لم يُزِلْ مانعًا. وفي الأخرى: هو غير مطهرِّ لأنه مستعمل في طهارة شرعية، فأشبه الأول. وعلى هذا إذا قلنا: إن وطء الذمية لا يجوز حتى تغتسل من الحيض ــ وهو إحدى الروايتين ــ فاغتسلت كان ذلك الماء مستعملًا، لأنه أزال المانع. وقيل: لا يكون مستعملًا لأنه ليس بعبادة.
وإذا غسل رأسه بدلًا عن المسح ففي المسألة
(1)
وجهان.
فأمَّا فضل الطهور ــ وهو ما تبقَّى في الإناء ــ فهو طهور سواء كان المتطهِّر رجلًا أو امرأةً؛ لما روى ابن عباس قال: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من صَحْفةٍ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه، فقالت
(2)
: يا رسول الله إني كنت جنبًا، فقال:"إنَّ الماءَ لا يُجْنِبُ"، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
(3)
.
(1)
في الأصل: "المسائل"، والظاهر أنه سبق قلم. وفي المطبوع كما أثبتنا. وانظر:"الإنصاف"(1/ 61).
(2)
في الأصل: "فقلت"، وكذا في المطبوع. والصواب ما أثبتنا من السنن، وهو مقتضى السياق.
(3)
الترمذي (65)، وأخرجه أحمد (2102)، وأبو داود (68)، والنسائي (325)، وابن ماجه (370) من طرق عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما بألفاظ متقاربة، وفي بعضها:"الماء لا ينجسه شيء".
وصححه ابن خزيمة (109)، وابن حبان (1242، 1261)، وأعله قوم بإرسال عكرمة وتلقين سماك، انظر:"تهذيب الآثار: مسند ابن عباس"(2/ 691 - 701)، "المحلى"(1/ 214 - 215).
والرواية الصحيحة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة. رواه مسلم (323). وفي لفظ آخر (333): أخبرتني ميمونة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد.
لكن إذا خلت بالطهارة منه امرأة لم يجز للرجل أن يتطهَّر به في وضوء ولا غسل في أشهر الروايتين
(1)
، لما روى الحكم بن عمرو الغفاري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة. رواه الخمسة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن
(2)
.
قال أحمد: أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا خلت بالماء فلا
(1)
واختيار المصنف: الجواز. انظر: "اختيارات" البرهان ابن القيم (رقم 95) وابن اللحام (ص 3).
(2)
أحمد (17863، 20655)، وأبو داود (82)، والترمذي (64)، والنسائي (343)، وابن ماجه (373) بطرق وألفاظ مختلفة، وفي بعضها:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل من سؤر المرأة ".
وصححه ابن حبان (1260)، وأعله البخاري كما في "العلل الكبير" للترمذي (32)، والدارقطني في "السنن"(1/ 53).
وفي الباب عن عبد الله بن سرجس ــ مرفوعًا وموقوفًا ــ وأبي هريرة ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، انظر:"الإعلام بسنته عليه السلام"(1/ 288 - 291)، "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 39 - 45).
يتوضأ منه
(1)
.
ويُحمَل توضؤ النبي صلى الله [9/ب] عليه وسلم بفضل وضوء ميمونة
(2)
على أنها لم تخلُ به توفيقًا بين الحديثين، وإن تعارضا فحديث المنع أولى لأنه حاظر، ولأنه ناقل عن الأصل فيكون أولى من المبقي على الأصل؛ لأن الأصل الحِلّ فالحظر بعده، فإن كان الحلّ بعده لزم البعد مرتين، وإن كان الحلّ قبل الحظر لزم مرّة واحدة.
والخلوة: [أن]
(3)
لا يشاركها الرجل سواء شاهدها أو لم يشاهدها، في إحدى الروايتين، لعموم الحديث؛ خصص منه حال المشاركة
(4)
لقول عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة. متفق عليه
(5)
. وقال عبد الله بن سَرْجِس: "اغتسِلا جميعًا، هي هكذا وأنت هكذا؛ فإذا خلَتْ به فلا تقرَبْه"
(6)
. والرواية الأخرى: ألا تُشاهَد عند الطهارة، وهي أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل ميمونة. ومتى شاهدتها
(1)
"المغني"(1/ 284). وقال في رواية الأثرم عنه في "سننه"(ص 249): "أما إذا خلت به فقد كرهه غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
…
".
(2)
سبق تخريجه عند حديث "إن الماء لا يجنب" في الصفحة السابقة.
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
(4)
في الأصل: "المشاهدة"، وصوابه من المطبوع.
(5)
البخاري (261)، مسلم (321).
(6)
أخرجه الأثرم في "السنن"(70)، وبنحوه عبد الرزاق (385)، والدارقطني (1/ 117) وصححه.
وجاء مرفوعًا عند ابن ماجه (374)، وأبي يعلى (1546)، وصحح البخاري والدارقطني وقفه، انظر تخريج حديث الحكم بن عمرو الذي تقدم.
امرأة أو صبي مميِّز أو كافر، فهو كالرجل عند الشريف أبي جعفر وغيره كخلوة النكاح. وقال القاضي: يختصّ الرجل
(1)
المسلم لأن الحكم يختص به، بخلاف خلوة النكاح
(2)
.
وهل يختص ذلك بفضل طهارة الحدث أو يعمّ طهارتي الحدث والخبَث؟ على وجهين. وكذلك هل للرجل استعماله في الخبث؟ على وجهين.
وفيما خلت به الكافرة وجهان. فأما ما خلا به خنثى مشكل فلا بأس به.
ولا يؤثِّر التطهير من الماء الكثير في أصح الوجهين.
فأما فضل طهور الرجل [10/أ] للمرأة، فلا بأس به في المنصوص المشهور، وقيل: تمنع منه.
ولا بأس بشربه في أصح الروايتين، ويكره في الأخرى إذا خلت به.
فأما المستعمل في غير الحدث فلا بأس به، إلّا ما غمس القائم من نوم الليل يده فيه قبل غسلها ثلاثًا، ففي بقاء طهوريته روايتان
(3)
. فإن قلنا: يؤثِّر، فسواءٌ غمَسها قبل نية غسلها أو بعده في المشهور. وقيل: لا يؤثِّر إلا بعد نية غسلها. وقيل: بعد نية الوضوء، نوى غسلها أو لم ينوه. وحدُّ هذه اليد إلى الكوع. وفي غمس اليسير كالإصبع والإصبعين وجهان. وفي غمس من
(1)
في المطبوع: "بالرجل"، والمثبت من الأصل صواب.
(2)
انظر قولي أبي جعفر والقاضي في "المغني"(1/ 284) و"الإنصاف"(1/ 87).
(3)
واختيار المصنف: بقاء طهوريته. انظر: "مجموع الفتاوى"(21/ 46) و"الإنصاف"(1/ 68).