الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو خالف بين الأعضاء بأن يغسل وجهه ثلاثًا، ويده مرَّتين، لم يُكره في أشهر الروايتين. وإذا شكَّ هل غسل مرتين أو أكثر؟ بنى على اليقين كعدد الركعات.
ويستحبّ أن يشرع في العضد والساق إذا غسل يديه ورجليه في أشهر الروايتين
(1)
، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم الغُرُّ المحجَّلون يوم القيامة من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم فَلْيُطِلْ غُرَّتَه وتحجيلَه" متفق عليه
(2)
.
مسألة
(3)
: ([ومسحُ]
(4)
الرأسِ كلِّه)
.
هذا هو المشهور في المذهب. وعنه: يجزئ مسحُ أكثره، لأنَّ مسح جميعه فيه مشقّة، وقد خفِّف فيه بالمسح، وبالمرَّة الواحدة، فكذلك بالقدر.
وعنه: قدرُ الناصية، لما روى أنس، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضّأ، وعليه عمامة قِطْريَّة
(5)
، فأدخل يدَه تحت العمامة، فمسح مقدَّمَ رأسه، ولم ينقُض العمامة. رواه
(1)
وهو اختيار المجد وغيره. ولكن المصنف اختار فيما بعد عدم استحبابه. وذهب إلى أن ما ورد في الحديث الآتي: "فمن استطاع منكم فليطل غرّته وتحجيله" من كلام أبي هريرة جاء مُدرَجًا في بعض الروايات. انظر "قاعدة التوسل"(ص 219) و"إغاثة اللهفان"(1/ 327) و"اختيارات ابن اللحام"(ص 12).
(2)
البخاري (136)، مسلم (246).
(3)
"المستوعب"(1/ 66)، "المغني"(1/ 175 - 184)، "الشرح الكبير"(1/ 348 - 358)، "الفروع"(1/ 178 - 179).
(4)
ساقط من الأصل والمطبوع.
(5)
الثياب القِطْرية: نوع من الثياب الحُمر.
أبو داود
(1)
. وعلى هذا فله أن يمسح قدر الناصية من أيِّ موضع شاء، في أشهَر الوجهين. وفي الآخر: تتعيَّن الناصية، وبكلِّ حال لا يجزئ الأذنان.
والصحيح: الأول، لقوله:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، أمَر بمسح [55/ب] الرأس، كما أمَر بمسح الوجه في آية التيمم. فإذا وجب
(2)
استيعاب الوجه بالتراب، فاستيعابُ الرأس بالماء أولى. ولأن الرأس اسم للجميع، فلا يكون ممتثلًا إلا بمسح جميعه، كما لا يكون ممتثلًا إلا بغسل جميع الوجه. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فمسَحَ جميعَ رأسه
(3)
، وفعلُه مبيِّن للآية، كما تقدم.
وما نُقِل عنه أنه مسح على مقدَّم رأسه، فهو مع العمامة، كما جاء مفسَّرًا في حديث المغيرة بن شعبة
(4)
، وذلك جائز.
وادعاءُ
(5)
أنّ الباء إذا دخلت على فعل يتعدَّى بنفسه تفيد التبعيض
(6)
: لا أصل له، فإنه لم ينقله موثوقٌ به، والاستعمال لا يدل عليه، بل قد أنكره
(1)
برقم (147)، وأخرجه ابن ماجه (564)، كلاهما من طريق ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن عبد العزيز بن مسلم، عن أبي معقل، عن أنس به.
إسناده ضعيف، عبد العزيز ليّن، وأبو معقل مجهول العين، انظر:"بيان الوهم"(4/ 111).
(2)
في المطبوع: "أوجب"، والصواب ما أثبتنا من الأصل.
(3)
كما في حديث الربيِّع بنت معوِّذ، وقد تقدم.
(4)
في "صحيح مسلم"(248).
(5)
في الأصل: "وادعيا".
(6)
انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي (4/ 27) و"المجموع شرح المهذهب"(1/ 400) ونسبه إلى جماعة من أهل العربية.
المعتمدون من علماء اللسان
(1)
.
ثم إن قيل: إنها تفيده في كلِّ موضع، فهذا منقوض بآية التيمم، وبقوله:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20]، وقرأت بالبقرة في كلِّ ركعة، وتزوّجت بالمرأة، وخشَّنتُ بصدره
(2)
، وعلمت بهذا الأمر، وما شاء الله من الكلام.
وإن ادعى أنها تفيده في بعض المواضع، فذلك لا من نفس الباء بل من موضع آخر؛ كما قد يفاد ذلك مع عدم الباء. ثم من أين علم أنَّ هذا الموضع من جملة تلك المواضع؟ على أنه لا يصح في موضع واحد. ولا فرق من هذه الجهة بين قولك: أخذت الزمام، وأخذت به.
وأما قوله: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6]، وقوله:
شربن بماء البحر .......
…
..............................
(3)
فإنه لم يرد التبعيض، فإنه لا معنى له هنا. وإنما الشربُ ــ والله أعلم ــ
(1)
انظر قول ابن جني في "سر صناعة الإعراب"(1/ 123) وابن برهان في "المغني"(1/ 176). ولكن ذكر ابن هشام في "مغني اللبيب"(ص 142) أن معنى التبعيض أثبته الأصمعي والفارسي والقتَبي وابن مالك، قيل: والكوفيون. وانظر: "الصاحبي"(ص 105).
(2)
في الأصل والمطبوع: "وحبست صدره بصدره". والصواب إن شاء الله ما أثبتنا. وهو من أمثلة كتاب سيبويه (1/ 74، 92). و"صدره" في الأصل مقحم، لأنه يقال: خشّنتُ صدرَه، أو بصدره: أوغرتُه.
(3)
البيت بتمامه:
شربن بماء البحر ثم ترفَّعتْ
…
متَى لُجَجٍ خُضْرٍ لهنّ نَئيجُ
وهو لأبي ذؤيب الهذلي، ومن الشواهد المشهورة. انظر:"شرح أشعار الهذليين"(1/ 129) و"خزانة الأدب"(7/ 97).
يضمَّن
(1)
معنى الريّ، فكأنه قال: يروَى بها عبادُ الله
(2)
.
ثم الأحاديث التي ذكرناها أكثرها يقال فيه: مسح برأسه وأذنيه، فأقبل بهما وأدبر. فيذكر استيعاب [56/أ] المسح مع إدخال الباء.
قالوا: ويقال مسحتُ ببعض رأسي، ومسحتُ بجميع رأسي، ولو كانت للتبعيض لتناقض. وإنما دخلت ــ والله أعلم ــ لأن معناها إلصاق الفعل بالمفعول
(3)
به. والمسح: هو إلصاق ماسحٍ بممسوح، ويضمَّن
(4)
معنى الإلصاق، فكأنه قيل: ألصقوا برؤوسكم، فيفهم أنّه هناك شيء ملصَق
(5)
بالرأس، وهو الماء؛ بخلاف ما لو قيل: امسحوا رؤوسكم، فإنه لا يدل على الماء؛ لأنه يقال: مسحتُ رأس اليتيم، ومسحتُ الحجرَ، وليس هناك شيء يُلصَق بالممسوح غير اليد
(6)
.
ولربما تُوُهِّم أنّ مجرّد مسح الرأس باليد كافٍ. ولهذا ــ والله أعلم ــ دخلت الباء في آية التيمم لتبيِّن وجوبَ إلصاق التراب بالأيدي والوجوه.
ولا يجب مسح الأذن وإن قلنا بالاستيعاب، في أشهر الروايتين، لأنها
(1)
في الأصل: "يضمن"، وقد يكون:"تضمَّن".
(2)
وانظر: "مجموع الفتاوى"(21/ 123).
(3)
"المفعول" ساقط من المطبوع.
(4)
انظر ما علّقنا آنفًا.
(5)
في الأصل: "أنَّ هناك شيء ملصق"، وفي شرح الزركشي (1/ 191) و"المبدع" (1/ 105):"أنَّه ثَمَّ شيء ملصق"، وكلاهما ينقل من "شرح العمدة". وفي المطبوع:"أن هناك شيئًا ملصق"، أصلح "شيئًا" وترك ما بعده.
(6)
في الأصل والمطبوع: "في غير اليد"، والظاهر أن "في" مقحمة.
منه حكمًا، لا حقيقةً، بدليل أنها تضاف تارةً إليه، وتارةً إلى الوجه، لقوله
(1)
: "سجد وجهي للذي خلَقه، وشقَّ سمعَه وبصَرَه"
(2)
. وفي الأخرى: يجب، لأنهما من الرأس. وبكلِّ حال لا يجب مسحُ ما استتر بالغضاريف، كما استتر بالشعر من الرأس.
وإذا مسح بشرة رأسه من تحت الشعر دون أعلى الشعر لم يجزئه، كما لو غسل باطن اللحية دون ظاهرها. وكذلك لو مسح المسترسل محلولًا أو معقودًا على أعلى الرأس، وإن قلنا: يجزئ مسح البعض.
ولو خضب رأسه أو طيَّنه لم يجزئ المسح عليه، لأنه ليس هو الرأس ولا حائله الشرعي، كما لو كان الخضاب على يديه ورجليه.
وإذا مسح رأسه أو وجهه في التيمم بخرقة ونحوها أجزأه في أصح [56/ب] الوجهين، لأن المسح في الآية مطلق، فيتناول اليد وغيرها، كما يتناول يد الغير.
ولو وضع يده المبلولة على رأسه من غير إمرار لم يجزئه في المشهور. وكذلك الخرقة، لأنه لا يسمَّى مسحًا، بخلاف غمس العضو
(3)
في الماء فإنه يسمّى غسلًا.
وإن مسح الرأس بإصبع أو إصبعين أجزأه في أشهر الروايتين، بناءً على أنّ البلل الباقي على الإصبع ليس بمستعمل، وإنما المستعمل ما انتقل إلى الرأس.
(1)
في الأصل والمطبوع: "بقوله".
(2)
من حديث علي بن أبي طالب في "صحيح مسلم"(771).
(3)
في الأصل: "الوضو".