الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(1)
: (وإن كانت على الأرض، فصبَّةٌ واحدةٌ تذهب بعينها
، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صُبُّوا على بول الأعرابي ذَنوبًا من ماء").
النجاسة على الأرض تفارق ما على المنقولات من ثلاثة أوجه:
[16/أ] أحدها: أنه لا يشترط فيها عدد، سواء كان فيها كلب
(2)
أو غيره.
الثاني
(3)
: أنه لا يشترط انفصال الغُسالة عن موضع النجاسة.
الثالث: أنّ الغُسالة طاهرة إذا لم تتغير. وذلك للحديث الذي ذكره، وهو ما رواه الجماعة عن أبي هريرة أنَّ أعرابيًّا بال في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صُبُّوا على بوله سَجْلًا من ماء، أو ذَنوبًا من ماء"
(4)
.
وقد روي: أنهم حفروا التراب، فألقَوه، وألقَوا مكانه ماءً؛ من وجه مرسل، ووجه منكر، ولم يصحِّحوه
(5)
.
(1)
"المستوعب"(1/ 118 - 119)، "المغني"(2/ 499 - 502)، "الشرح الكبير"(2/ 295 - 297)، "الفروع"(1/ 318 - 319).
(2)
في الأصل: "كلبًا".
(3)
في المطبوع: "والثاني" بزيادة الواو، خلافًا للأصل، وكذا في "الثالث" الآتي.
(4)
أحمد (7255) والبخاري (220) وأبو داود (380) والترمذي (147) والنسائي (56) وابن ماجه (529).
وأخرجه مسلم (284) من حديث أنس بن مالك.
(5)
أما الوجه المرسل فجاء من طريقين:
أحدهما: طريق عبد الله بن معقل بن مقرن: أخرجه أبوداود (381) ــ ومن طريقه الدارقطني (1/ 132) ــ، قال أبو داود:"مرسل؛ ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم". وقال الذهبي في "تنقيح التحقيق"(1/ 26): "هذا مرسل غريب، يعارضه ما في "الصحيحين"".
والآخر: طريق طاوس: أخرجه عبد الرزاق (1659، 1662)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 14).
وصحح مغلطاي كلا المرسلَيْن في "الإعلام بسنته عليه السلام"(2/ 171)، وقال ابن حجر:"هذه الطريق المرسلة مع صحة إسنادها إذا ضمت إلى أحاديث الباب أخذت قوة""التلخيص الحبير"(1/ 37).
وأما الوجه المنكر فجاء مسندًا من طريقين أيضًا:
أحدهما: طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أخرجه أبو يعلى (3626)، والدارقطني (1/ 131)، ومداره على سمعان بن مالك وهو ضعيف، وقد خالف غيره من الثقات، قال أبو زرعة:"حديث منكر، وسمعان ليس بالقوي" حكاه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(4/ 316)، وكذا حكم عليه أحمد فيما ذكره مغلطاي في "الإعلام بسنته عليه السلام"(2/ 171)، وقال أبو داود:"روي متصلًا ولا يصح""المراسيل"(77).
والآخر: طريق أنس رضي الله عنه: أخرجه ابن صاعد كما في "العلل المتناهية" لابن الجوزي (1/ 334)، ونقل عن الدارقطني خطأ هذه الرواية.
وانظر: "علل الدارقطني"(5/ 81)، "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 90).
ولأن التراب النجس لو كان قد أخرج لم يحتج إلى تطهير الطاهر، وأبو هريرة شهد القصة ولم يذكر ذلك. فإذا ثبت أنهم قد صبُّوا على المبال الماء، فلولا أنه قد طهَّره وانفصل طاهرًا لكان ذلك تكثيرًا للنجاسة.
ولأنّ الأرض وما اتصل بها من البناء والأَجْرِنة
(1)
لو لم تطهر إلا بانفصال الماء عنها، وتكرار غسلها مع نجاسة المنفصل قبل المرة الآخرة، لأفضى ذلك إلى انتشار النجاسة وامتناع إزالتها بالكلية، إذ غالب الأرض لا
(1)
جمع الجَرين، وهو البيدر. والجُرْن: حجر منقور يتوضأ منه (القاموس). وقد يشبه الحوض والبركة. انظر: "تكملة دوزي"(2/ 194)، و"نفح الطيب"(2/ 292) و"ذيل مرآة الزمان"(2/ 53).
مصرف عندها، وما عنده مصرف فنادر، والنادر ملحق بالغالب؛ بخلاف ما يمكن نقله وتحويله إلى المصارف.
وعنه: أن النجاسة إذا كانت بولًا قائمًا لم تنشف لا بدَّ من انفصال الماء عنها وأنه يكون نجسًا
(1)
، بخلاف ما نشف وما في معناه من الجامد، لأن الناشف قد جفَّ.
والأول هو المذهب.
فصل
إذا كان موردُ النجاسة لم يتشرَّبْها
(2)
[16/ب] كالأواني كفى مرورُ الماء عليها بعد إزالة العين. وإن كان قد تشرَّبها كالثياب والطنافس
(3)
فلا بدّ من استخراجها بالعصر وشبهه من الفَرْك والتثقيل
(4)
في كلِّ مرة، ولا يكفي تجفيفه عن العصر في أصحّ الوجهين.
ولو بقي بعد المبالغة والاستقصاء أثر لون أو ريح لم يضرَّ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم:"ولا يضرُّكِ أثره"
(5)
. والريح قد يعبَق عن مجاورة لا مخالطة، فهو بالعفو أولى من اللون.
(1)
نقله في "المغني"(1/ 80) عن أبي بكر الخلال.
(2)
في المطبوع: "لم تنتشر بها"، وهو تصحيف.
(3)
جمع الطِّنْفِسَة، وهي بساط له خمَل رقيق، ويقال للنُّمرقة فوق الرحل أيضًا.
(4)
في المطبوع: "والتنقُّل"، والصواب ما أثبتنا من الأصل، وهو غير منقوط غير أن نبرة الياء قبل اللام ظاهرة. وانظر:"الفروع"(1/ 320).
(5)
تقدم تخريجه.
وإذا غُمِس المحلُّ النجس في ماء كثير أو ملئ بماء كثير لكثرة
(1)
لم يُحتسَب غسلةً حتى ينفصل الماء عنه في المنصوص، كما لو كان الماء قليلًا وقد ورد عليه. وقيل: إذا عولج في الماء بما يليق به من عصرٍ ونحوه حتى يتبدَّل عليه الماء، فتلك غسلة لحصول مقصود الانفصال. وعلى هذا ما يحتاج إلى العدد يجب إخراجه من الماء سبعَ مرّات على الأول، ويكفي تبديل الماء عليه سبعَ مرّات على الثاني.
وإن غمسه في ماء قليل نجَّسه ولم يطهُر، ولم يُحتسب غسلةً، كما لو ألقته ريح، وكما لو اغتسل فيه الجنب.
فأمّا إن ترك الثوب النجس في وعاء، ثم صبَّ عليه الماء وعصَره، كان غسلةً يبني عليها، ويطهر المحلُّ بذلك، كما لو صبّ عليه في غير إناء، وكما لو أخذ الماء بفمه لتطهير نجاسة فيه ثم مجَّه.
وهذا لأن الماء إذا ورد على النجاسة لم يحكم بنجاسته حتى ينفصل، كما لا يحكم باستعماله ما دام على العضو. ولا تزول طهوريته بتغيُّره بالطاهر على البدن حتى ينفصل، لأن الماء طهور، فما دام يتطهَّر به فطهوريته باقية.
فصل
المنفصل قبل [17/أ] طهارة المحل هو نجس، سواء كان متغيرًا أو لم يكن، بخلاف المتصل فإنه إن لم يتغيَّر لم يحكم بتنجيسه حتى ينفصل، وإن تغيَّر فتأثيره باق مع نجاسته.
(1)
كذا في الأصل.