الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقدين، ولا يشبههما. لأن الثمين لا يعرفه إلا خواصُّ الناس، ولا يسمح الناس باتخاذه آنية
(1)
، فلا يحصل سرف ولا فخر ولا خيلاء. وإن فُرض ذلك كان المحرَّم نفس الفخر والخيلاء، كما إذا حصل في المباحات والطاعات. وأما الأعيان فإنما تحرُم إذا كانت مظنَّةً غالبةً لذلك
(2)
. ولهذا لما حُرِّم الحريرُ أبيح ما كان أغلى قيمة منه من الكتّان ونحوه.
مسألة
(3)
: (ويجوز استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم، ما لم تُعلَم نجاستُها)
.
أما [24/ب] الأواني التي استعملوها، ففيها ثلاث روايات:
إحداها
(4)
: يباح مطلقًا، لما روى جابر بن عبد الله قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصيب آنية المشركين وأسقِيتَهم، فنستمتع بها فلا يعيب ذلك علينا. رواه أحمد وأبو داود
(5)
.
وفي "الصحيحين"
(6)
عن عمران بن حصين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضؤوا من مَزادةِ مشركةٍ.
(1)
في الأصل: "أبنية"، تحريف.
(2)
في المطبوع: "فضة غالبة كذلك". والصواب ما أثبتنا من الأصل.
(3)
"المغني"(1/ 109 - 112)، "الشرح الكبير"(1/ 155 - 159)، "الفروع"(1/ 108).
(4)
في المطبوع: "أحدها" خلافًا للأصل.
(5)
أحمد (15053)، وأبو داود (3838).
وصححه النووي في "الخلاصة"(75)، والألباني في "إرواء الغليل"(1/ 76).
(6)
البخاري (344) ومسلم (682).
وروى أنس أنَّ يهوديًّا دعا النبيَّ
(1)
صلى الله عليه وسلم إلى خبزِ شعيرٍ وإهالةٍ سَنِخةٍ
(2)
، فأجابه. رواه أحمد
(3)
.
والثانية: تكره لِمَا روى أبو ثعلبة الخُشَني قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قومٍ أهلِ كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال:"إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا" متفق عليه
(4)
. ولأنهم لا يجتنبون النجاسة لا سيَّما الخمر لاستحلالهم إياها، فالظاهر أنَّ أوانيهم لا تسلم من ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك"، قال الترمذي: حديث حسن صحيح
(5)
.
(1)
في المطبوع: "رسول الله". وقد كتب الناسخ أولًا "رسول الله" سهوًا، فوضع عليه علامة الحذف، ثم كتب "النبي".
(2)
الإهالة: الشحم. والسنخة: المتغيرة الريح.
(3)
برقم (13860)، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(1/ 407)، من طرق عن أبان العطار، ثنا قتادة، عن أنس به.
وإسناده برسم الصحيح، وقد صححه الضياء في "المختارة"(3/ 84)، غير أن أبان كان يرويه على وجهين: أحدهما: "أن يهوديًا"، وهو الشاهد من إيراده هنا.
والآخر: "أن خياطًا"، وهذا الوجه هو الموافق لرواية همام عن قتادة، ولسائر أصحاب أنس من أوجه مخرجة في "الصحيحين" وغيرهما، فيبقى تفرد أبان بهذا الحرف شاذًّا، كما في "إرواء الغليل"(1/ 71).
(4)
البخاري (5488) ومسلم (1930).
(5)
برقم (2518)، وأخرجه أحمد (1723)، والنسائي (5711)، وابن خزيمة (2348)، وابن حبان (722)، والحاكم:(2/ 13) من طريق أبي الحوراء السعدي عن الحسن بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم به. قال الترمذي: حديث صحيح. وصححه الحاكم، وسكت عليه الذهبي. وله شاهد من حديث أنس بن مالك عند أحمد (12550) مرفوعًا وهو ضعيف، وروي موقوفًا عليه عند أحمد (12099) وسنده صحيح، وأخرجه النسائي (5397) موقوفًا من كلام ابن مسعود، قال عنه النسائي: هذا الحديث جيّد جيّد. [علي العمران].
والرواية الثالثة: أنّ من لا تباح ذبيحته كالمجوس والمشركين أو من يُكثر استعمال النجاسة كالنصارى المتظاهرين بالخمر والخنزير لا تباح أوانيهم. وتباح آنية من سواهم، لكن في كراهتها الخلاف المتقدِّم. والصحيح: أنها لا تكره، وهذا اختيار القاضي.
وأكثر أصحابنا من يجعل هذا التفصيل هو [25/أ] المذهب قولًا واحدًا لحديث أبي ثعلبة المتقدِّم حملًا له على من يُكثِر استعمال النجاسة، وحملًا لغيره على غير ذلك؛ كما جاء مفسَّرًا فيما رواه أبو داود
(1)
عن أبي ثعلبة قال: قلت: يا رسول الله إنَّ أرضنا أرض أهل كتاب، وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر، فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم؟ قال:"إن لم تجدوا غيرها فارحَضوها بالماء، واطبخوا فيها واشربوا".
قال آدم بن الزبرقان: سمعت الشعبي قال: غزوت مع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكنَّا إذا انتهينا إلى أهل قرية، فإن كانوا أهل كتاب أكلنا من طعامهم وشربنا من شرابهم، وإن كانوا غير أهل كتاب انتفعنا بآنيتهم وغسلناها
(2)
(1)
برقم (3839) بنحوه من طريق مسلم بن مشكم، عن أبي ثعلبة. وأخرجه مطولًا عبد الرزاق (8503) ــ ومن طريقه أحمد (17737) ــ واللفظ له، من طريق أبي قلابة عن أبي ثعلبة. وهو منقطع؛ فأبو قلابة لم يسمع من أبي ثعلبة، غير أن متابعة مسلم بن مشكم المتقدمة تجبر موضع الشاهد منه، وصححه الألباني في "إرواء الغليل"(1/ 75).
(2)
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 38)، والدولابي في "الأسماء والكنى"(2/ 633).