الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(1)
: (والمبتدأة إذا رأت الدم لوقتٍ تحيضُ في مثله جلسَتْ، فإذا انقطع لأقلَّ من يوم وليلة فليس بحيض)
.
وذلك لأنَّ الحيض هو شيء كتبه الله على بنات آدم، ولا بدَّ للمرأة في الغالب منه. ودمُ الاستحاضة دمُ فساد ومرض لعارض، والأصل هو الصحة والسلامة، فيجب بناء الدم على الأصل، وإلحاقُ الفرد بالأعمّ الأغلب. فلذلك تجلس عن الصلاة أولَ ما ترى الدم، فإن انقطع لأقلَّ من يوم وليلة على المشهور، فهو دم فساد، لأنَّ الحيض لا يكون أقلَّ من ذلك، فتقضي ما تركَتْ فيه من الصلاة.
[184/ب]
مسألة
(2)
: (وإذا جاوز ذلك ولم يعبُر أكثر الحيض، فهو حيض)
.
لا تخلو المبتدأة إمَّا أن ينقطع دمها ليوم وليلة، أو يستمرَّ
(3)
بها. فإن انقطع فهو حيض، تغتسل لانقطاعه، وتصير طاهرًا في جميع الأحكام، ولا يُكره لزوجها وطؤها، كالمعتادة إذا طهرت لعادتها. وعنه: يكره وطؤها حتى يتكرَّر بها ذلك مرتين أو ثلاثًا، فتظهر
(4)
أيام حيضها، لأنها لا تأمن معاودة
(1)
«المستوعب» (1/ 122 - 123)، «المغني» (1/ 408)، «الشرح الكبير» (2/ 397)، «الفروع» (1/ 368).
(2)
«المستوعب» (1/ 122 - 124)، «المغني» (1/ 408 - 411)، «الشرح الكبير» (2/ 397 - 411)، «الفروع» (1/ 367 - 374).
(3)
في المطبوع: «ويستمرَّ» ، خطأ.
(4)
في الأصل والمطبوع: «فتطهر» ، تصحيف.
الدم في حال الوطء، ولا مشقَّة عليه في الامتناع، فيُكرَه وطؤها؛ كالنفساء إذا انقطع دمها لدون الأربعين. فعلى هذا يترك الوطء إلى تمام أكثر الحيض، كما قالوا في النفساء. هذا موجب تعليل القاضي وصرَّح به غيُره.
وإن استمرَّ بها، فالمشهور عن الإمام أحمد، وهو اختيار أكثر أصحابه: أنها
(1)
تحتاط، فتغتسل عقب اليوم والليلة، لجواز أن يكون المستمِرُّ دم استحاضة، وتصوم الفرض وتصلِّي في هذه الأيام. ثم إن انقطع لأكثر الحيض فما دونه اغتسلت غسلًا ثانيًا، لاحتمال أن يكون حيضًا. فإن استمرَّ بها الدم ثانية وثالثة على وجه واحد تبيَّنَّا أنه دم حيض، فتقضي ما صامت فيه أو طافت فيه من الفرض، لأنه وقع في أيام الحيض فيُجعل ما زاد على الحيض المتيقَّن مشكوكًا فيه، حتى يصير معتادًا.
وإن انقطع دمها في الشهر الثاني لأقلِّ الحيض تبيَّنَّا أنه في الشهر الأول دم فساد، فلا تقضي الصوم والطواف فيه، لأنها [185/أ] فعلته في دم لم يُحكَم بأنه حيض، وإنما هو كدم الاستحاضة. ولأنَّ اختلاف العادة يؤثِّر فيما ثبت أنه حيض، ففيما لم يثبت أنه حيض أولى. وهكذا إن زاد في الشهر الثاني على حيض الشهر الأول أو تقدَّم، فإنَّ الزيادة دم فساد، لأنها لم تتكرر.
وقد ذكر أبو بكر وأكثر أصحابنا في هذه المسألة ثلاثَ روايات أُخَر
(2)
:
(1)
في الأصل: «لأنها» ، وفي المطبوع:«بأنها» .
(2)
انظر: «المغني» (1/ 408) و «الإنصاف» (2/ 400 - 401).
إحداهن: أنها تجلس الدمَ جميعه، ما لم تعبرُ أكثر الحيض، كما
(1)
اختاره الشيخ رحمه الله هنا. وهو أقيَس في بادئ الرأي، لأن الأصل في الدم الخارج أن يكون حيضًا ما لم يقم دليل على فساده، ولا دليل هنا لأنه موجود في زمن الإمكان المعتاد. ولأنَّ أولَ الدم جلسَتْه لأنه في وقت الإمكان، فكذلك آخرَه. ولأنه كان دم حيض قبل اليوم والليلة، والأصل فيه بقاؤه
(2)
على ما كان. ولأنَّ النساء لم يزلن يحِضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يُنقَل أنهن كنَّ يؤمرن في أثناء الحيضة الأولى والثانية بالاغتسال عقب يوم وليلة، ولو فعَلن ذلك لَنُقِل.
والثانية: أنها تجلس غالب عادات النساء ستًّا أو سبعًا، كما تجلسه المستحاضة، لأن الدم الموجود في هذه الأيام يظهر أنه حيض، بخلاف ما بعد ذلك، فاحتَطْنا له.
والثالثة: أنها تقصد عادةَ نسائها مثل أمِّها وأختها وعمَّتها وخالتها، لأن الحيض هو من باب الطبائع والجِبلَّات، وبنو الأب الواحد والأم الواحدة [185/ب] أقرب إلى الاشتراك في ذلك من غيرهم.
وقال القاضي: المذهب عندي رواية واحدة: أنها تجلس أقلَّ الحيض، وإنما الروايات في المبتدأة المستحاضة
(3)
. وطريقة الجمهور أقوى، لأن أبا بكر أثبت ذلك عن أحمد، وحكوا عنه ألفاظًا تدلُّ على ذلك.
(1)
«كما» ساقط من المطبوع.
(2)
في الأصل: «في بقاوه» . وفي المطبوع: «في بقائه» .
(3)
انظر: «المغني» (1/ 408).
وقد قال بعضهم: إذا كان قد جُعِل ما زاد على الأقل حيضًا في المستحاضة، مع انفصاله بدم فاسد، لكونه صالحًا له، فالصالحُ الذي لم يتَّصل بدم فاسد أولى. وهذه الأولوية لا تجيء على المذهب، لأنها متى استحيضت فليس لها وقت ترتقبه، يتميَّز
(1)
فيه دمُ الحيض عن غيره، ولا سبيل إلى جعل الزائد مشكوكًا فيه أبدًا لإفضائه إلى الحرج العظيم. وليس الاحتياط بأن تصلِّي وتصوم أولى من الاحتياط بأن لا تصلِّي وتقضي الصوم. وقد تبيَّنّا أن بعض هذا الدم حيض، وبعضه استحاضة، فلهذا عدلنا إلى الفرق بين دم الحيض والاستحاضة؛ بخلاف ما إذا لم يتجاوز أكثرَ الحيض فإنه دائر بين أن يكون حيضًا أو استحاضةً، فأمكن الاحتياطُ فيه لانكشاف الأمر فيما بعد، وهذا وجه المشهور.
ولأن هذا الدم لا تبنى عليه الاستحاضة على أصلنا، فلم يكن حيضًا كسائر الدماء الفاسدة. ولأنه ليس قبله عادة، ولا يتيقَّن
(2)
أن بعده عادة، والحيض الصحيح حاصل بدونه، وهو دائر بين الحيض والاستحاضة، فلم تترك الصلاة المتيقَّنة بشيء مشكوك فيه؛ بخلاف اليوم والليلة، فإنَّ المرأة أهلٌ [186/أ] للحيض، وقد رأت الدم، ولا بدَّ أن يكون منه ما هو دمُ حيض، ويستحيل
(3)
أن يكون الدم الخارج في وقت الإمكان جميعُه استحاضةً.
وأمرناها أن تجلس أولَّ ما رأته، وإن جاز انقطاعه قبل اليوم، لأنَّ الأصل جريانه واستمراره، فإنَّ الانقطاع خلاف الأصل.
(1)
في الأصل: «بتمييزه» ، وفي المطبوع:«تميز» .
(2)
في المطبوع: «ولا نتيقن» ، والمثبت من الأصل.
(3)
في الأصل: «أو يستحيل» ، والمثبت من المطبوع.
فصل
فعلى الرواية المشهورة عن أحمد، إذا قلنا: إنها لا تجلس ما زاد على أقلِّ الحيض حتى تصير عادةً، وقلنا: العادة المعتبرة أن تتكرَّر ثلاث مرَّات= فقالت طائفة من أصحابنا: في المرَّة الرابعة تعمل بها. فعلى هذا إذا تكرَّر الدم في الأشهر الثلاثة على قدر واحد جلَسَتْه في الشهر الرابع، ولم تغتسل إلا حين الانقطاع، ولم تصلِّ ولم تصُمْ. وتقضي ما صامت
(1)
من الفرض في تلك الحيضات. وإن اختلف قدرُ الدم جلست القرءَ المتفق عليه
(2)
.
فلو رأت شهرًا سبعًا، وشهرًا ستًّا، وشهرًا خمسًا، جلست في الرابع الخمسَ لأنها صارت عادة. وسواء كان الاختلاف مرتَّبًا أو غيرَ مرتَّب، فالمرتَّب أن تكون الزيادة والنقص على ترتيب، مثل أن تحيض في الشهر الأول خمسًا، وفي الثاني ستًّا، وفي الثالث سبعًا، أو بالعكس، فتكون العادة خمسًا على إحدى الروايتين. وفي الأخرى: ستًّا. وغير المرتَّب مثل أن تحيض ستًّا، ثم خمسًا، ثم سبعًا
(3)
، فلا تكون العادة إلا الخمس، ولا تردُّدَ في أحد الوجهين، لأنه
(4)
في اليوم السادس
(5)
لم يتكرَّر [186/ب] متواليًا، بل انقطع في الشهر الثاني، فيبطل كونه حيضًا؛ ولا بدَّ في العادة من التكَرّر المتوالي. وفي الوجه الآخر تجري فيه الروايتان.
(1)
في المطبوع: «حاضت» ، تحريف.
(2)
في المطبوع: «القروء والمتفق عليه» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
(3)
في الأصل: «خمسًا ثم ستًّا ثم سبعًا» ، والمثبت من المطبوع.
(4)
في الأصل والمطبوع: «لأن» .
(5)
يشبه رسمها في الأصل: «الثامن» مع الإهمال.