الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحِلَاب
(1)
، فأخذ بكفِّه، فبدأ بشِقِّ رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثمَّ أخذ بكفَّيه، فقال بهما على رأسه. متفق عليه
(2)
.
وجملة ذلك أنَّ
الغسل قسمان: كامل ومجزئ
. فالمجزئ هو ما تقدَّم. وأما الكامل فهو اغتسال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يشتمل على إحدى عشرة خصلةً:
أولها: النية.
وثانيها: التسمية.
وثالثها: أن يبدأ بغسل يديه ثلاثًا، كما في الوضوء، وأوكد، لأن هنا يرتفع الحدث عنهما بذلك.
ورابعها: أن يغسلَ فرجه، ويدلُكَ يده بعده، لمعنيَين:
أحدهما: أن يزيل ما به من أذى. وكذلك إن كان على يديه نجاسة أزالها قبل الاغتسال، لئلا تَنْماعَ
(3)
بالماء، ولئلا يتوقَّف ارتفاعُ الحدث على زوالها، في المشهور.
والثاني: أنه إذا أخَّر غسلَ الفرج، فإنْ مسَّ انتقض وضوؤه، وإن لم يمسَّه أخلَّ بسنَّة الدَّلك، وربما لا يتيقَّن وصول الماء إلى مغابنه إلا بالدَّلك. وكذلك لا يستحبُّ له إعادة الوضوء بعد الغسل، إلا أن يكون قد مسَّ ذكره.
(1)
الحِلاب: الإناء الذي يحلب فيه.
(2)
البخاري (258) ومسلم (318).
(3)
في المطبوع: «تُماع» ، والمثبت من الأصل.
وخامسها: أن يتوضَّأ. ولا يكمل الاغتسال إلا بالوضوء، سواء نوى رفع الحدثين أو لم ينوِ، لما تقدَّم من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولما روى سعيد بن منصور في «سننه»
(1)
أنَّ عمر سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن غسل الجنابة، فقال:«توضَّأْ وضوءَك للصلاة، ثم اغسل رأسك ثلاثًا، ثم أفِضْ على رأسك وسائر جسدك» .
ولأنه غسلٌ يسَنُّ فيه تقديمُ مواضع الوضوء كغسل الميِّت، وهذا لأنَّ أعضاءَ الوضوء أولى بالطهارة من غيرها، بدليل وجوب تطهيرها في الطهارتين، فإذا فاتها التخصيص فلا أقلَّ من التقديم. ولذلك كان وضوءُ الجنُب مؤثِّرًا في نومه وأكله وجماعه، وجلوسه في المسجد.
وهو مخيَّر بين أن يتوضأ وضوءًا كاملًا كما في حديث عائشة، أو يؤخِّر
(2)
غسلَ رجليه كما في حديث ميمونة. وعلى هذا الوجه يكفي إفاضةُ
(1)
برقم (2143) تحقيق الأعظمي، وأخرجه عبد الرزاق (987)، والطيالسي (49)، وأحمد (86)، وابن ماجه (1375) في سياق قصة رهط وفدوا على عمر يستفتونه، وبعضهم يزيد فيه وينقص، من طرق عن عاصم بن عمرو البجلي به.
واختلف فيه على عاصم: فروي عنه، عن عمر مرسلًا، وعن رجل لم يسم، وجاء عند ابن ماجه (1375) تسميته وهو عمير مولى عمر بن الخطاب، وفيه جهالة أيضًا؛ كما في ترجمته من «تهذيب التهذيب» (3/ 329). قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (2/ 8):«إسناده ضعيف من الطريقين؛ لأن مدار الإسنادين في الحديث على عاصم بن عمرو، وهو ضعيف» ، وبعضهم يحسن له، كما في «تهذيب التهذيب» (2/ 259)، وصححه بشواهده ابن كثير في «مسند الفاروق» (1/ 145).
انظر: «العلل» للدارقطني (2/ 196 - 198)، وحاشية محققي «مسند أحمد» طبعة الرسالة (1/ 247 - 248).
(2)
في الأصل: «أو يواخر» .
الماء على رأسه ودلكُه من مسحه، لأن ذلك كان في الوضوء، والدَّلك
(1)
في الغسل. والأفضل
(2)
: صفة عائشة في إحدى الروايات، وإن احتيج إلى غسلهما ثانيًا لكونه بمستنقَعٍ يقف الماء فيه أو غير ذلك؛ لأن عائشة أخبرت أنه كان يتوضَّأ كذلك، وهذا إخبارٌ عن غالب فعله، وميمونة أخبرت عن غسل واحد. ولأنَّ في حديث عمر الأمرَ بذلك، ولأنهما من أعضاء الوضوء فأشبها الوجه واليدين، ولأنه غسلٌ تقدَّم فيه الوضوء جميعُه، كغسل الميِّت.
وعنه أن صفة ميمونة أولى، لأن غُسالة البدن تنصبُّ إليهما، فتندِّيهما، وتلوِّثهما، فتُعِين على غسلهما، ولا يحتاج إلى إعادته ثانيًا، ويكون أقلَّ في إراقة الماء. ولذلك
(3)
بدأ بأعالي البدن قبل أسافله.
والثالثة: هما سواء، لمجيء السنَّة بهما.
وسادسها: أن يخلِّل أصول شعر رأسه [129/أ] ولحيته بالماء، قبل إفاضته، لما
(4)
في حديث عائشة، لأنه إذا فعل ذلك فإنه ينقِّي البشَرة، ويُبلَّ الشَّعر بماء يسير بعد ذلك من غير معالجة.
وسابعها: أن يُفيض على رأسه ثلاثًا: حَثْيةً على شِقِّه الأيمن، وحَثْيةً على شقّه الأيسر، وحَثْيةً على الوسط.
وثامنها: أن يُفيض الماء على سائر جسده ثلاثًا. هكذا قال أصحابنا
(1)
في الأصل: «وكذلك» ، وفي المطبوع:«ولذلك» ، ولعل الصواب ما أثبت.
(2)
حذف الواو في المطبوع، وجعل «الأفضل» نعتًا للغسل.
(3)
في الأصل: «وكذلك» .
(4)
في المطبوع: «إفاضة الماء» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
قياسًا على الرأس، وإن لم ينصَّ عليه في الحديث، وهو محلُّ نظر.
وتاسعها: أن يبدأ بشقِّه الأيمن، لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامنُ في طهوره
(1)
.
وعاشرها: أن يدلُكَ بدنَه بيديه كما تقدَّم.
وحادي عشرها: أن ينتقل من مكانه، فيغسل قدمَيه، كما في حديث ميمونة.
وإذا توضأ أولًا لم يجب أن يغسل أعضاءَ الوضوء مرةً ثانيةً في أثناء الغسل، بل الواجبُ عليه غسلُ بقية البدن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتمضمض ويستنشق إلا في ضِمن الوضوء. وكذلك
(2)
غسلُ الوجه واليدين
(3)
لم يُذكَر أنه فعله إلا في ضمن وضوئه.
وهذا على قولنا: يرتفع الحدَثانِ بالاغتسال، ظاهر. وأمّا على قولنا: لا بد من الوضوء، فكذلك على معنى ما ذكره أحمد وغيره، لأن المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين مرةً في الوضوء ومرةً في أثناء تمام الغسل غيرُ واجب قطعًا. وكلام بعض أصحابنا يقتضي إيجاب ذلك على هذه الرواية، وهو ضعيف، وإن كان متوجهًا في القياس؛ بل الصواب أنه لا يستحَبُّ على الروايتين.
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
قراءة المطبوع: «ولذلك» .
(3)
في الأصل: «البدن» ، تحريف.
مسألة
(1)
: [129/ب](ولا يجب نقضُ الشعر في غسل الجنابة إذا روَّى أصوله).
أمَّا تروية أصول الشعر وإيصال الماء إلى بشرته، فيجبُ كما تقدَّم. وكذلك يجب غسلُ ظاهره وأثنائه والمسترسِل منه وما نبَت
(2)
في الجسد، سواء كان مضفورًا
(3)
أو محلولًا
(4)
في المشهور من المذهب. وقيل: لا يجب غسلُ المسترسل منه وشعر الجسد، وإنما يجب غسلُ ما لم يتمَّ غسلُ البشرة إلا به، لأن الشعر ليس من أجزاء الحيوان. وقيل: إنما يسقط غسلُ
(5)
أثناءِ المسترسل إذا كان مضفورًا، لأنه لا يجب نقضه.
والأول هو المذهب المعروف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فبُلُّوا الشَّعرَ»
(6)
، وقد احتجَّ به الإمام أحمد؛ ولأنه إذا وجب غسلُ البشرة الباطنة، فغسلُ الشعر أولى. ولأنه يجب تطهيره من النجاسة، فكذلك من الجنابة كغيره. فعلى هذا لا تنقضه في غسل الجنابة إذا وصل الماء إلى أثنائه، وتنقُضه في غسل الحيض.
(1)
«المستوعب» (1/ 91)، «المغني» (1/ 298 - 305)، «الشرح الكبير» (2/ 137 - 143)، «الفروع» (1/ 267 - 268).
(2)
في المطبوع: «ثبت» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
(3)
في الأصل والمطبوع بالظاء المعجمة، تصحيف.
(4)
في المطبوع: «مجدولًا» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
(5)
في المطبوع: «غسله» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
(6)
تقدم تخريجه.
قال مهنَّا
(1)
: سألتُ أحمد عن المرأة تنقض شعرها إذا اغتسلت من الجنابة؟ فقال: لا. فقلت له: في هذا شيء؟ قال: نعم، حديث أم سلمة. قلتُ: تنقُض شعرها من الحيض؟ قال: نعم. فقلتُ له: وكيف تنقُضه من الحيض، ولا تنقضه من الجنابة؟ فقال: حديث أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تنقُضه»
(2)
.
أما الأول، فلما روى عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أنّ عبد الله بن عمرو
(3)
يأمر النساءَ إذا اغتسلن أن ينقُضْن رؤوسهنّ. فقالت: يا عجبًا لابن عمرو! هو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقُضن رؤوسهنّ، [130/أ] أوَما
(4)
يأمرهنّ أن يحلِقْن رؤوسهنّ! لقد كنتُ أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وما أزيد على أن أُفرِغَ على رأسي ثلاثَ إفراغات. رواه أحمد ومسلم
(5)
. ولغير ذلك من الأحاديث.
والرجل في ذلك كالمرأة. فإذا كان الشعر خفيفًا أو كان عليه سِدْرٌ رقيقٌ كفاه أن يصُبَّ الماء على رأسه، ويعصِرَ في إثر كلِّ صَبَّة بحيث يرى أن قد وصل الماء إلى باطن الشَّعر. وإن كان كثيفًا مجمَّدًا
(6)
أو عليه سدرٌ ثخينٌ أو
(1)
انظر: «المغني» (1/ 298).
(2)
تقدم تخريجه، وسيأتي تعقيب المؤلف على هذه اللفظة.
(3)
في الأصل هنا: «عمر» ، وفيما بعد:«عمرو» . وفي المطبوع في الموضعين: «عمر» . والصواب ما أثبتنا.
(4)
«ما» ساقطة من المطبوع.
(5)
أحمد (24160)، ومسلم (331).
(6)
في الأصل: «محمكًا» ، وفي المطبوع:«محكما» ، ولعل الصواب ما أثبت.
حشوٌ يمنع وصول الماء أزال ذلك.
وأما الحيض، فهل نقضُ الشعر فيه واجبٌ أو مستحبٌّ؟ على وجهين:
أحدهما: يجب، لما ذكره الإمام أحمد في حديث أسماء أنه قال:«تنقُضه» . وإن لم تكن هذه اللفظة فيه والسياق
(1)
الذي ذكرناه في المسألة قبل هذه، لكن فيه ذكر السِّدْر، والسِّدْر إنما يستعمل مع نقض.
وقد احتجَّ بعض أصحابنا لذلك بأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر عائشة لما أخبرت أنها حائض، فقال:«انقُضي رأسك، وامتشطِي» متفق عليه
(2)
. وفي لفظ: «انقُضي شَعرك، واغتسلي» . وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اغتسلَت المرأةُ من حيضها نقضَتْ شعرَها نقضًا، وغسلَتْه بالخِطْمِّي والأُشنان. وإذا اغتسلَتْ من الجنابة تصبُّ الماء على رأسها صبًّا وغسلَتْه» رواه ابن شاهين
(3)
.
ولأنَّ الحيض لا يتكرَّر، فلا يشقُّ إيجابُ نقضه، بخلاف الجنابة.
(1)
يعني: «وفي السياق» والعطف على الضمير المجرور جائز عند الكوفيين، وقد تكون «في» ساقطة.
(2)
البخاري (316) ومسلم (1211).
(3)
لم أقف عليه في المطبوع من كتبه، وأخرجه الدارقطني في «الغرائب والأفراد ــ الأطراف» (1060)، والطبراني في «الكبير» (1/ 260)، والبيهقي (1/ 182)، من طرق عن مسلم أو سلمة بن صبيح، عن حماد، عن ثابت، عن أنس به.
إسناده ضعيف، ابن صبيح مجهول، وقد انفرد به، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 609):«رواه الطبراني في «الكبير» وفيه سلمة بن صبيح اليحمدي، ولم أجد من ذكره»، وبنحوه قال ابن حجر في «الدراية» (1/ 48).
انظر: «فتح الباري» لابن رجب (1/ 479 - 480)، «السلسلة الضعيفة» (937).
والوجه الثاني: لا يجب، بل يستحبّ لما روت أمُّ سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، إنِّي امرأة أشُدُّ [130/ب] ضَفْرَ رأسي، أفأنقُضه
(1)
لغسل الجنابة؟ قال: «لا، إنما يكفيك أن تَحْثي على رأسكِ ثلاثَ حَثَيات، ثم تُفيضين عليكِ الماءَ، فتطهُرين» . رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح
(2)
. وفي رواية لمسلم
(3)
: أفأنقُضه للحَيضة وللجنابة
(4)
؟ وفي لفظ لأبي داود
(5)
: «واغمِزي قُرونَكِ عندَ كلِّ حَفْنة» .
وحملوا النقض على الاستحباب كالسِّدر والطِّيب فإنه يُستحبُّ في كلِّ غسل الحيض استحبابًا مؤكَّدًا، حتى قال أحمد: وإن كانت قد اغتسلت بالماء ثم وجدَت السِّدرَ أحَبُّ إليَّ أن تعود إلى السِّدر.
وقال
(6)
في الطِّيب: تُمْسِكُ في القُطنة شيئًا من طِيبٍ يقطع عنها رائحةَ الدم وزَفْرتَه. قال
(7)
القاضي: فإن لم تجد مسكًا، فغيرَه من الطيب. فإن لم تجِد فالطين. فإن لم تجِد، فالماءُ شافٍ كافٍ
(8)
.
وذلك لما تقدَّم من حديث الفِرْصة. قال إبراهيم الحربي: الفِرْصَة:
(1)
في المطبوع: «فأنقضه» . والمثبت من الأصل، وكذا في «المسند» و «سنن الترمذي» .
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
برقم (330).
(4)
كذا في الأصل و «المغني» (1/ 300)، وفي الصحيح:«والجنابة» .
(5)
برقم (252).
(6)
في رواية حنبل. انظر: «فتح الباري» لابن رجب (2/ 97).
(7)
في المطبوع: «وقال» خلافًا للأصل.
(8)
انظر نحوه في «المستوعب» (1/ 92).
قطعةُ قطن أو صوف، تُمَسُّ بشيء من طيب، وتُدخلها المرأةُ فرجَها لتطيِّب بذلك مخرجَ الدم. وهذا لأنَّ الحيض لمَّا طالت مدَّتُه، وحصل فيه وسخٌ وأذًى، شُرع فيه ما يُحصِّل
(1)
النظافة التامّة. ولهذا لما سئل أحمد عن النفساء والحائض كم مرةً يغتسلان؟ قال: كما يُغسَّل الميِّت. قال القاضي
(2)
: ومعنى هذا أنه يجب مرةً ويُستحبُّ ثلاثًا، ويكون فيه السِّدر والطيب، كما في غسل الميِّت.
مسألة
(3)
: (وإذا نوى بغُسله الطهارتين أجزأ عنهما. وكذلك لو تيمَّم للحدَثَين والنجاسةِ على بدنه أجزأه عن جميعها. [131/أ] وإذا
(4)
نوى بعضَها فليس له إلا ما نوى).
أمَّا المسألة الأولى، فظاهر المذهب: أنه إذا اغتسل غسلًا نوى به الطهارتين الصغرى والكبرى أجزأه وإن لم يتوضَّأ أو توضَّأ وضوءًا هو بعضُ الغسل ولم يُعِدْ غسلَ أعضاء الوضوء. وإذا نوى به
(5)
الأكبر فقط بقي عليه الأصغر. وإن نوى بوضوئه الأصغرَ فقط بقي عليه الأكبر، سواء وُجد سببٌ يختصُّ بالأصغر، أو كان سببه سببَ الأكبر مثل أن ينظر أو يتفكَّر فيُمْنِي، أو يجامع من وراء حائل ويُنزل، أو لا ينزل، على أحد الوجهين.
(1)
في الأصل: «تحصل» .
(2)
في «الجامع» . انظر: «الفروع» (1/ 267) و «المبدع» (1/ 171).
(3)
«المستوعب» (1/ 90)، «المغني» (1/ 289 - 292)، «الشرح الكبير» (2/ 149 - 151)، «الفروع» (1/ 269).
(4)
في مطبوعة العمدة: «وإن» .
(5)
«به» ساقط من المطبوع.
وعنه: أنه لا يرتفع الأصغر إلا بوضوء مع الغسل، يفعله
(1)
قبل الغسل أو بعده، حتَّى فيما إذا اتحد السبب مثل أن ينظر فيُمْني. وعلى هذه الرواية هل تجب إعادة أعضاء الوضوء على ما تقدَّم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضَّأ قبل الغسل، وفعلُه يفسِّر قولَه:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، ولأنهما عبادتان مختلفتا الصفة والقدر والفروض، فلم يتداخلا، كالطهارة الكبرى والصغرى.
وقال أبو بكر: يتداخلان في القدر المشترك بينهما، وعليه أن يأتي بخصائص الوضوء، وهي: الترتيب، والموالاة، ومسح الرأس على إحدى الروايتين
(2)
. فعلى قوله، إذا غسل وجهه ثم يديه، ثم مسح رأسه حتى أفاض عليه الماء، ثم غسل رجليه بعد ذلك= أجزأه، ولم يحتَجْ أن يُعيد غسلَ هذه الأعضاء. وبكلِّ حالٍ فإذا توضَّأ قبل غُسله كُرِه له إعادةُ وضوئه بعد غسله، إلا أن ينقض وضوءَه لمسُ [131/ب] فرجه أو غيرُ ذلك.
والأول أصح، لأن الله تعالى قال:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وفسَّر التطهير بالاغتسال في الآية الأخرى. ولا يقال: النهي هنا عن قربان مواضع الصلاة، وذلك يزول بالاغتسال. لأنَّا نقول: هو النهي عن الصلاة وعن مسجدها. ولا يجوز حملُه على المسجد فقط، لأنَّ سببَ نزول الآية صلاةُ من صلَّى بهم وخلَطَ في القراءة
(3)
، وسببُ النزول يجب أن يكون
(1)
في المطبوع: «بفعله» .
(2)
انظر قول أبي بكر في «حاشية ابن قندس» (1/ 269) و «المبدع» (1/ 173).
(3)
أخرجه أبو داود (3671)، والترمذي (3026)، والطبري (7/ 45 - 46)، والحاكم (2/ 307) من حديث علي رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
داخلًا في الكلام. ولأنه أباح القربانَ للمسافر إذا تيمَّم، والمساجد في الغالب إنما تكون في الأمصار، ولا مسافر هناك. وكذلك المريضُ في الغالب لا يمكنه قربان المسجد، ولا يحتاج إليه. ولأن الصلاة هي الأفعال نفسها، فلا يجوز إخراجها من الكلام. فإما أن يكون النهي عنهما
(1)
، أو عن الصلاة فقط، ويكون قوله:{إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] استثناءً منقطعًا. وهذا أحسن، إن شاء الله، كما في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وقوله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157].
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في المنيِّ الغُسل»
(2)
. وقال: «إذا أقبلت الحيضة فدَعي الصلاة، وإذا أدبرَتْ فاغتسِلي وصلِّي»
(3)
. ولم يذكر الوضوء.
وسئل جابر بن عبد الله: أيتوضَّأ الجنبُ بعد ما يغتسل؟ قال: يكفيه الغسل
(4)
. وقال عبد الله بن عمر: إذا لم يتوضَّأ الجنبُ أجزأه الغسل ما لم يمسَّ فرجَه
(5)
. رواهما سعيد.
ولأن الغسل الذي وصفته ميمونة ليس [132/أ] فيه مسحُ رأسه ولا غسلُ رجليه مرَّتين. وإنما فعل ذلك مرةً واحدةً مكمِّلةً لغسله، مع أن عائشة
(1)
يعني المساجد والصلاة. وفي الأصل والمطبوع: «عنها» .
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (1045).
(5)
أخرجه عبد الرزاق (1039).
قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضَّأ بعد الغسل. رواه الخمسة
(1)
(2)
.
أما المسألة الثانية، وهي: إذا تيمَّم للحدثين والنجاسة على بدنه، فإنَّه يجزئ عن جميعها في المشهور. وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى، لأنَّ التيمُّم لا يرفع الحدث، وإنما يبيح فعلَ الصلاة مع قيام مانعها، فلا يستبيح فعلَ الفرض بنية النفل. ولأنه إذا اغتسل لأحد الحدثين لم يرتفع الآخر، فأَنْ لا يجزئ التيمُّمُ لأحدهما عن الآخر أولى وأحرى.
وإذا اجتمعت عليه أحداث كبرى مثل أن يجامع ويحتلم، أو تكون المرأة حائضًا جُنبًا؛ أو صغرى مثل أن ينام ويخرج منه نجاسات ويمسَّ النساء= فنوى بطهارته عن جميعها أجزأه.
وإن نوى بطهارته عن إحداها ارتفعت جميعُها عند القاضي وغيره، لأنها أحداثٌ توجب طهارةً من نوع واحد، فكفَت النية عن أحدها؛ كما لو تكرَّر منه الحدث من جنس واحد، ونوى عن شيء منه. وقال أبو بكر: لا يرتفع إلا ما نواه؛ إذا لم يدخل الأصغر في الأكبر بدون النية، فالنظير مع النظير أولى؛
(1)
أحمد (24389)، وأبو داود (250) ـ بلفظ آخر ـ، والترمذي (107)، والنسائي (252)، وابن ماجه (579).
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح» ، وحسنه بطرقه ابن القطان في «بيان الوهم» (2/ 230)، والألباني في «صحيح أبي داود ــ الكتاب الأم» (245).
(2)
وانظر: «مجموع الفتاوى» (21/ 396 - 398)، ومما جاء فيه:«والمغتسل من الجنابة ليس عليه نية رفع الحدث الأصغر كما قال جمهور أهل العلم. والمشهور في مذهب أحمد أنه عليه نية رفع الحدث الأصغر» . وانظر أيضًا (21/ 299) و «الفروع» (1/ 269).
مع الظاهر من قوله: «إنما لامرئٍ
(1)
ما نوى» وقيل: إن كان حكم الحدثين واحدًا
(2)
، كالبول مع النوم، والوطء مع الإنزال= تداخلا، وإن كان مختلفًا كالحيض مع الجنابة لم يتداخلا.
وإذا تيمَّم لبعض الأحداث من جنس واحد، فعلى قول أبي بكر لا يجزئه إلا عمَّا [132/ب] نواه كالماء وأولى. وعلى قول القاضي فيها وجهان:
أحدهما: لا يجزئه أيضًا، لأن التيمم مسحٌ فلم يُبِحْ ما لم ينوِ
(3)
.
والثاني: يجزئه كالماء، لأن نية التطهير في التيمُّم تغني عن نية نظيره.
ولو تيمَّم لفرضٍ استباح فرضًا آخر، ولو تيمَّم لنفلٍ استباح نفلًا آخر، لأن ممنوعات أحد الحدثين هي ممنوعات الحدث الآخر بعينه، بخلاف الحدث والجنابة.
فصل
وقد تضمَّن هذا الكلام جوازَ التيمُّم للجنابة، كما يجوز للحدث؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] إلى آخر الآية.
وعن عمران بن حصين قال: كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فصلَّى بالناس، فإذا هو برجل معتزل، فقال:«ما منعك أن تصلِّي؟» قال: أصابتني جنابةٌ، ولا ماءَ. قال:«عليك بالصعيد، فإنه يكفيك» متفق عليه
(4)
.
(1)
في المطبوع: «إنما لكل امرئ» . والمثبت من الأصل، وهو لفظ الحديث في البخاري (6689) ومسلم (1907) وغيرهما.
(2)
في الأصل: «واحد» .
(3)
في الأصل: «لم ينوي» .
(4)
البخاري (344) ومسلم (682).
وحديث عمار بن ياسر وعمرو بن العاص وأبي ذر وغيرهم يدلُّ على ذلك، وهي في باب التيمم.
لكن يُكره لمن لم يجد الماء أن يطأ زوجته ما لم يخشَ العنتَ، في إحدى الروايتين؛ لما فيه من إزالةِ طهارة يمكن إبقاؤها، والتعرُّضِ لإصابة النجاسة، وحملًا لما جاء من الرخصة على من يخشى العنت. وفي الأخرى
(1)
: لا يُكره، لأنه مظنَّة الحاجة في الجملة، ولما فيه من الأثر.
وقد تضمَّن أيضًا جوازَ التيمُّم للنجاسة على بدنه إذا عَدِم ما يزيلها أو خَشي
(2)
الضرر بإزالتها، كما لو تيمَّم للحدث. وهذا ظاهر المذهب المنصوص، فإن صلَّى بغير تيمُّم لم يجزئه. قال ابن أبي موسى: لا يتيمَّم للنجاسة
(3)
، كما لا يتيمَّم لنجاسة الثوب ونجاسة [133/أ] الاستحاضة وسلس البول، ولأن طهارة الخبث
(4)
بالماء لا تتعدَّى محلَّها، فأن لا تتعدَّى طهارةُ التراب محلَّها
(5)
أولى، ولأنّ طهارة التراب تعبُّد. فإن
(6)
عجز عن إزالتها وعن التيمم لها، ففيه
(7)
روايتان.
(1)
في الأصل: «الآخر» . وهذه الرواية هي اختيار المصنف. انظر: «الفروع» (1/ 274).
(2)
في المطبوع: «وخشي» خلافًا للأصل.
(3)
راجع: «الإرشاد» (ص 37). وهو اختيار المصنف. انظر: «اختيارات» ابن عبد الهادي (رقم 42) وابن اللحام (ص 20).
(4)
في الأصل والمطبوع: «الجنب» تصحيف. وقد تكرر ذلك في الفقرات الثلاث الآتية.
(5)
في الأصل والمطبوع: «محلَّه» .
(6)
في الأصل والمطبوع: «قد» ، ولعل الصواب ما أثبتنا.
(7)
في الأصل والمطبوع: «وفيه» .
ووجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الصعيد الطيِّب طَهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشرَ سنين. فإذا وجد الماءَ فَلْيُمِسَّه بَشَرَتَه»
(1)
. وهذا يعُمُّ طهارتَي الحدث والخَبَث المتعلقةَ
(2)
بالبدن دون الثوب، لقوله:«فَلْيُمِسَّه بَشَرتَه» ، ولأنه محلٌّ من البدن يجب تطهيرُه بالماء مع القدرة عليه، فوجب بالتُّراب عند العجز، كمواضع الحدث وبدن المِّيت. وهذا لأنّ التيمُّم لا يرفع الحدث، وإنما يبيح فعلَ الصلاة معه، فكذلك التيمُّم عن الخبث. والمستحاضةُ يجب عليها غسلُ النجاسة لكلِّ صلاة، كما يجب عليها الوضوء لكلِّ صلاة، من غير تيمُّم في الموضعين.
وعلى هذا إن كانت النجاسة على جُرحٍ لم يجب تطهيره من الحدث تيمَّم لها خاصَّةً. [و]
(3)
إن كانت على محلِّ الحدث وهي غير معفوٍّ عنها يتيمَّم عن الحدث والخبث.
ويجزئه تيمُّم واحد كما ذكر الشيخ في أصح الوجهين، كما يجزئه عن الحدثين، وكما تتداخل طهارتا
(4)
الحدث والخبث في الماء. وفي الآخر: لا يجزئه لأنهما من جنسين. ولا إعادة عليه في المشهور من الروايتين، لأنه شرطٌ عجز عنه، فأشبه ما لو عجز عن التوضؤ لمرض.
وإن عجز عن إزالتها لعدم الماء فقال أبو الخطاب: يعيدها
(5)
، لأنه
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
كذا في الأصل والمطبوع.
(3)
زيادة منّي.
(4)
في الأصل: «طهارتي» .
(5)
انظر: «الهداية» له (ص 63).