الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] ، ولأنّ العصَب يحسّ ويألم، وكذلك الضرس، وذلك دليل الحياة.
وأما ما لا يحسّ منه، مثل القرن والظفر والسنّ إذا طال، فإنما هو لمفارقة الحياة ما طال. وقد كان مقتضى القياس نجاسته، لكن منع من ذلك اتصاله بالجملة تبعًا لها ودفعًا للمشقة بتنجيس ذلك، كما قلنا فيما جَسَا
(1)
على العقب، وسطا
(2)
على الأنامل، وسائر ما يموت من اللحم ولم ينفصل. فإذا انفصل أو مات الأصل زال المانع، فطهر على السبب
(3)
. وتعليل نجاسة اللحم باحتقان الرطوبات فيه، قد تقدَّم الجواب عنه.
مسألة
(4)
: (وكلُّ ميتةٍ نجسةٌ إلا الآدميَّ)
.
أما نجاسة الحيوان بالموت في الجملة، فإجماع. وقد دلَّ على ذلك قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وذلك يعمُّ أكلَها والانتفاعَ
بها وغير ذلك.
و
(5)
روى جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله حرَّم بيعَ الخمر والميتةَ والخنزيرَ والأصنام". فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة
(1)
رسمها في الأصل: "حسا"، فقرأها في المطبوعة:"حُثِي". والصواب ما أثبتنا، وجَسَا: غلظ ويبس.
(2)
في الأصل: "بسطا"، وفي المطبوع:"بسط". ولعل الصواب ما أثبتنا.
(3)
كذا في الأصل.
(4)
"المستوعب"(1/ 113)، "المغني"(1/ 100 - 101)، "الشرح الكبير"(1/ 175 - 176)، "الفروع"(1/ 118، 123).
(5)
حذف الواو في المطبوع وأثبت مكانها "لما" دون تنبيه على ما في الأصل.
فإنه يُطلى بها السفن، ويُدهَن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال:"لا، هو حرام". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "قاتل الله اليهود، إنَّ الله لما حرَّم شحومها جمَّلوه، ثم باعوه وأكلوا ثمنه" رواه الجماعة
(1)
.
والكلام في فصلين: في أجزاء الميتة، وفي أجناسها.
أمّا أجزاؤها، فاللحم نجس، وكذلك الجلد. وقد تقدّم القول في العظم والشعر. وأمّا ما لا يموت بموتها كالبيض واللبن فإنه لا ينجس بالموت، لكن هل ينجس بنجاسة وعائه؟
أمّا البيض، فإذا كان قد تصلَّب قشره فهو طاهر مباح؛ لأنه لا يصل إليه شيء من النجاسة، كما لو غُمِس في ماء نجس، وكما لو طُبِخ في خمر أو ماء نجس. وكذلك لو سُلِق
(2)
في ماء ملح أو مُرٍّ لم يتغير طعمه. وقال ابن عقيل: هو طاهر مباح وإن لم يتصلَّب، لأنّ جمودها وغشاءها الذي هو كالجلد مع لينه يمنع نفوذ النجاسة إليها، كما لو وقعت في مائع نجس
(3)
. والمشهور أنها تتنجَّس إذا لم تتصلَّب؛ لأنها في النمو، والحاجز غير حصين، فلا ينفك غالبًا من أن يشرب أجزاء عقيب الموت قبل ذهاب حرارة الحياة.
وأمّا اللبن والإنفَحَة فطاهر في إحدى الروايتين، لأن الصحابة فتحوا بلاد المجوس وأكلوا من جبنهم، مع علمهم بنجاسة ذبائحهم وأنَّ الجبن
(1)
أحمد (14472)، والبخاري (2236)، ومسلم (1581)، وأبو داود (3487)، والترمذي (1297)، والنسائي (4256)، وابن ماجه (2167).
(2)
يحتمل قراءة "سلقه" كما في المطبوع، والسياق يؤيد ما أثبتنا.
(3)
انظر: "المغني"(1/ 101).
إنما يصنع بالإنفحة؛ وأنَّ اللبن لم ينجس بالموت إذ لا حياة فيه، ولا بملاقاة وعائه لأن الملاقاة في الباطن لا حكم لها، إذ الحكم بالتنجيس إنما [29/ب] يتسلَّط على الأجسام الظاهرة. ولذلك لم ينجس المني، والنجاسة تخرج من مخرج المني. وعلى هذه الرواية، فجلد الإنفحة نجسٌ كجلد الضرع، وإنما الكلام فيما فيهما.
والرواية الأخرى: هما نجس، وهي المنصورة
(1)
، لأنه
(2)
مائع في وعاء نجس، فأشبه ما لو أعيد في الضرع بعد الحلب، أو حُلِب
(3)
في إناء نجس. وما علَّلوا به ينتقض بالمخّ في العظم، فإنه نجس. وأما المني والنجاسة فيميز له
(4)
اللبن الخارج في الحياة؛ لأنه لو نجُس ما خُلِق طاهرًا في الباطن بما يلاقيه لنجُس أبدًا، بخلاف ما بعد الموت فإنَّ
(5)
خروجه نادر، كما لو خرج المني والنجاسة بعد الموت.
وما ذُكِر عن الصحابة لا يصحّ، لأنهم وإن أكلوا من جبن بلاد فارس، فلأنه كان بينهم يهود ونصارى يذبحون لهم، فحينئذ لا تتحقَّق نجاسة الجبن. ولهذا كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر يذكر أنَ المجوس لمَّا رأوا أنّ المسلمين لا يشترون جبنهم، وإنما يشترون جبن أهل الكتاب، عمد
(1)
واختيار المصنف: طهارتهما. انظر: "مجموع الفتاوى"(21/ 103) و"اختيارات" ابن عبد الهادي (رقم 25) و"الإنصاف"(1/ 175).
(2)
في الأصل والمطبوع: "ولأنه"، والظاهر أن الواو زائدة.
(3)
في الأصل: "حلبتِ" بكسر التاء، وهو تصحيف.
(4)
"فيميز له" كذا في الأصل، والظاهر أنه محرف. وفي المطبوع:"فميز له".
(5)
في المطبوع: "فإنه"، والمثبت من الأصل.