الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الآنية
(1)
(لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة، في طهارة
(2)
ولا غيرها
، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صِحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة").
هذا التحريم يستوي فيه الرجال والنساء، بخلاف التحلِّي فإنه يختصّ بالرجال ويباح لهم منه أشياء مستثناة. وكلُّ ما يُلبَس فهو من باب الحلية سواء كان سلاحًا أو لباسًا، وما لم يُلبَس فهو من باب الآنية مثل المُكْحُلة والمحبرة والمِرْوَد والإبريق.
والأصل في ذلك ما روت أمُّ سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الذي يشرب في إناء الفضة إنما يُجَرْجِرُ
(3)
في بطنه نارَ جهنّم". متفق عليه
(4)
.
وفي لفظ لمسلم
(5)
: "إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة".
وعن حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تلبسوا
(1)
زاد في المطبوع هنا "مسألة" خلافًا للأصل ودون تنبيه. وانظر: "المستوعب"(2/ 806)، "المغني"(1/ 101 - 104)، "الشرح الكبير"(1/ 145 - 148)، "الفروع"(1/ 103).
(2)
في الأصل: "طهارته"، وهو خطأ.
(3)
في الأصل: "يخرج"، تحريف.
(4)
البخاري (5634) ومسلم (2065 - 1).
(5)
برقم (2065).
الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا [23/أ] ولكم في الآخرة". متفق عليه
(1)
.
فنهى صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب لأنهما أغلب الأفعال، وفي [معناهما]
(2)
التطهيرُ منها والاستمداد والاكتحال والاستصباح ونحو ذلك، لأنّ ذلك مظنَّة السرف باستعمال النقدين في غير ما خُلقا له، والله لا يحب المسرفين؛ ومظنَّة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما، ومظنَّة الفخر وكسر قلوب الفقراء، والله لا يحب كلَّ مختال فخور.
وكذلك يحرُم اتخاذها في المشهور من الروايتين، فلا تجوز
(3)
صنعتها ولا استصناعها
(4)
ولا اقتناؤها ولا التجارة فيها، لأنه متّخَذ على هيئة محرَّمة الاستعمال، فكان كالطنبور وآلات اللهو؛ ولأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها غالبًا فحَرُم كاقتناء الخمر والخلوة بالأجنبية.
ولا تصح الطهارة منها في أصحِّ الوجهين، اختاره أبو بكر
(5)
، وسواء اغترف منها أو اغتمس فيها لأنه أتى بالعبادة على الوجه المحرَّم، فأشبه
(1)
البخاري (5426) ومسلم (2067).
(2)
موضعها غطّى عليه الحبر إلا الألف الأخيرة. فأثبت ما قدَّرت. ولم يلتفت إليه في المطبوع.
(3)
في المطبوع: "يجوز" خلافًا للأصل، وهو منقوط هنا.
(4)
في الأصل والمطبوع: "استصياغها" وهو تصحيف.
(5)
انظر: "المغني"(1/ 103) و"مجموع الفتاوى"(21/ 89)، وهو اختيار القاضي أبي الحسين وابن عقيل أيضًا. والمذهب صحة الطهارة بها. انظر:"الإنصاف"(1/ 148).
الصلاة في الدار المغصوبة. فعلى هذا إن جعلها مصبًّا لما ينفصل عنه حين التوضؤ، فوجهان أصحُّهما عدمُ الصحة. وفي الثاني: يصح، اختاره الخِرَقي وغيره
(1)
؛ لأن التحريم لا يرجع إلى نفس العبادة ولا إلى شرط من شرائط وجوبها وأدائها، فأشبه
(2)
التوضؤَ في المكان المغصوب، والصلاةَ بخاتم ذهب؛ لأن الآنية ليست من الوضوء ولا من شروطه، بخلاف البقعة والسترة في الصلاة، والمالِ في الحج.
مسألة
(3)
: (وحكم المضبَّب بهما حكمُهما إلا أن يكون [23/ب] يسيرهُ من الفضَّة).
الضبَّة ثلاثة أقسام:
أحدها: الكثيرة، فتحرُم
(4)
مطلقًا، لما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من شرب في إناء ذهب أو فضة، أو في إناءٍ فيه شيء من ذلك، فإنما يُجَرجِر في بطنه نارَ جهنم" رواه الدارقطني
(5)
. وقال ابن عقيل: يباح الكثير
(1)
انظر: "مختصر الخرقي"(ص 12) و"الإنصاف"(1/ 148).
(2)
في المطبوع: "فأشبهه" خلافًا للأصل.
(3)
"المستوعب"(2/ 806)، "المغني"(1/ 104 - 105)، "الشرح الكبير"(1/ 147)، "الفروع"(1/ 104 - 108).
(4)
في المطبوع: "فحرام" خلافًا للأصل.
(5)
الدارقطني (1/ 40) من طريق أبي محمد الفاكهي في "فوائده"(270)، وأخرجه الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(400)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 29) جميعهم من طرق عن ابن أبي مسرة، نا يحيى الجاري، نا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله، عن أبيه، عن ابن عمر به.
والجاري متكلم فيه، وقد تفرد بهذه اللفظة:"أو إناء فيه شيء من ذلك"، وزكريا وأبوه مجهولان، قال الذهبي:"هذا حديث منكر، وزكريا ليس بالمشهور""ميزان الاعتدال"(4/ 406)، وأعله ابن القطان بالجهالة في "بيان الوهم"(4/ 604)، وقد صح عن ابن عمر من فعله نحو هذا، وسيأتي.
وعليه فإن قول الدارقطني عقب إخراجه له: "إسناده حسن"، ينصرف فيما يظهر إلى معنى الغريب أو المنكر لا الحسن الاصطلاحي؛ للقرائن المتقدمة، والله أعلم.
انظر: "البدر المنير"(1/ 650 - 653)، "الإشارات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات" لطارق عوض الله (148 - 150).
للحاجة
(1)
.
وثانيها: اليسير للحاجة، كتشعيب التاج وشَعيرة السكِّين، فيباح إجماعًا. وقد روى البخاري
(2)
عن أنس أنَّ قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشَّعْب سلسلةً من فضة.
ولأنه إنما قصد به الإصلاح ودفع الحاجة، دون الزينة والحلية.
ولا يباشرها بالاستعمال إلا أن يحتاج إلى ذلك كلَحْس الطعام، ويباشر بها الشُّرب إذا كانت في موضعه. فإن لم يحتج إليه فهو منهيٌّ عنه نهي تحريم في أصحِّ الوجهين، وفي الآخر نهي تنزيه. ومعنى الحاجة أن تكون الضبة مما يحتاج إليها سواء كانت من فضة أو نحاس أو حديد، فيباح من الفضة
(3)
.
(1)
انظر: "شرح الزركشي"(6/ 402) و"الإنصاف"(1/ 152).
(2)
في "الصحيح"(3109).
(3)
أثبت في المطبوع "فتباح"، وحذف "من الفضة".
فأما إن احتيج إلى نفس الفضة بأن لا يقوم غيرها مقامها، فيباح
(1)
وإن كان كثيرًا، ولو كان من الذهب
(2)
.
وثالثها: اليسير لغير حاجة، كحلقة الإناء، فيحرُم في المنصوص لما ذكرنا، ولأن ابن عمر كان يكره الإناء فيه حلقةٌ من فضة
(3)
. وقيل: يباح مطلقًا. وقيل: يباح منه ما لم يباشرها بالاستعمال كرأس المُكحُلة وتحلية الدواة والمِقلمة.
وأما المضبَّب بالذهب فحرام مطلقًا لما روت أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلح من الذهب شيء، ولا خَرْبَصِيصةٌ"[24/أ] رواه أحمد
(4)
. وهي مثل عين الجرادة.
فأما يسيره في اللباس، ففيه وجهان يومئ إليهما. وقيل: يباح حلية السلاح دون حلية اللباس، وقد أومأ إليه أيضًا.
(1)
في المطبوع: "فتباح"، والمثبت من الأصل صواب.
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(21/ 81) و"الفروع"(1/ 107).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (24629)، والبيهقي (1/ 29)، ولفظه: كان لا يشرب في قدح فيه حلقة فضة، ولا ضبة فضة، وصححه ابن دقيق العيد في "الإمام"(1/ 285).
(4)
برقم (27564)، من طريق داود الأودي، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، والأودي ضعيف، وشهر متكلم فيه، وبهما ضعفه ابن الجوزي في "التحقيق"(1/ 117).
وأخرجه مطولًا أحمد (27602)، والطبراني في "الكبير"(24/ 182)، والخطابي في "غريب الحديث"(1/ 594)، وفيه:"من تحلى ذهبًا، أو حلّى أحدًا من ولده مثل خربصيصة، أو رجل جرادة، كوي به يوم القيامة"، ومداره على شهر.