الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دون غيره من المائعات فإنَّها خُلقت للأكل والادِّهان
(1)
وغير ذلك، وأعمُّها وجودًا. وهو طهور يدفع النجاسة عن نفسه، ولا ينجُس بوروده
(2)
عليها، إلى غير ذلك من الصفات التي اختصَّ بها، فلا يجوز إلحاق غيره به.
مسألة
(3)
: (فإذا بلغ الماءُ قلَّتين أو كان جاريًا لم ينجِّسه شيء إلا ما غيَّر لونه أو طعمه أو ريحه
. وما سوى ذلك يتنجَّس
(4)
بمخالطة
(5)
النجاسة).
أمّا الماء الدائم، فظاهر المذهب أنه لا يتنجَّس بوقوع النجاسة فيه إذا كان كثيرًا إلا أن يظهر فيه طعم النجاسة أو لونها أو ريحها، وأنّ القليل ينجس بالملاقاة.
وعنه رواية أخرى أنَّ الجميع لا يتنجَّس
(6)
إلا بالتغير
(7)
، لما روى أبو سعيد الخدري قال:"قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بُضاعة، [3/ب] وهي بئر يُلقى فيها الحِيَضُ ولحومُ الكلاب والنَّتَنُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء طَهور لا ينجِّسه شيء". وفي رواية: أنه يستقى لك من بئر بُضاعة وهي بئرٌ يُطرَح فيها محايضُ النساء ولحومُ الكلاب وعَذِرُ الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
في المطبوع: "وللدهان". والصواب ما أثبتنا من الأصل.
(2)
في المطبوع: "يتنجس في وروده". والمثبت من الأصل.
(3)
"المستوعب"(1/ 48 - 52)، "المغني"(1/ 36 - 55)، "الشرح الكبير"(1/ 95، 124 - 127)، "الفروع"(1/ 82 - 87)، "مجموع الفتاوى"(21/ 30).
(4)
في "العمدة": "ينجس".
(5)
في المطبوع: "بمخالطته". وفي الأصل والعمدة ما أثبتنا.
(6)
في المطبوع: "ينجس" خلافًا للأصل.
(7)
اختاره المصنف فيما بعد. انظر: "مختصر الفتاوى المصرية"(ص 19) و"اختيارات" ابن عبد الهادي (رقم 14) والبرهان ابن القيم (رقم 40) وابن اللحام (ص 4).
"إن الماء طَهور لا ينجِّسه شيء". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. قال الإمام أحمد: هو حديث صحيح
(1)
(2)
.
والصحيح: الأول، لما روى عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة
(3)
من الأرض وما ينوبه من السباع والدوابّ فقال: "إذا كان الماء قُلَّتين لم يحمِل الخبَث". رواه الأئمة الخمسة. ولفظ ابن ماجه وأحمد في رواية: "لم ينجِّسه شيء". قال الترمذي: حديث حسن
(4)
. فلو كان القليل لا يحمل الخبث ولا يتنجّس لم يكن
(1)
تكررت بعده في الأصل الرواية السابقة بلفظ: "يستسقي" ــ ولعله تصحيف ــ و"لحم الكلاب". وقد حذفت في المطبوع أيضًا دون تنبيه.
(2)
أحمد (11257، 11815)، وأبو داود (66، 67)، والترمذي (66)، والنسائي (26، 27) من طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ووقع في إسناده اضطراب كثير.
وصححه أحمد وابن معين وابن حزم كما في "البدر المنير"(1/ 382، 388)، وأعله ابن القطان بالاضطراب في "بيان الوهم"(3/ 308)، انظر:"علل الدارقطني"(11/ 285)، "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 257).
(3)
في المطبوع: "الفلا".
(4)
أخرجه أحمد (4961)، وأبو داود (63، 65)، والترمذي (67) وخلت النسخ التي بين يدي من تحسينه، والنسائي (52)، وابن ماجه (517، 518) من طرق عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وجوّد إسناده ابن معين في "التاريخ برواية الدوري"(4/ 240)، وصححه ابن خزيمة (92)، وابن حبان (1249، 1253)، وأعله قوم من جهة النظر والأثر كابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 328 - 329، 335)(24/ 18 - 19)، وابن القيم في "تهذيب مختصر السنن"(1/ 56 - 74)، انظر:"سنن الدارقطني"(1/ 13 - 27)، "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 260 - 263).
لتقديره فائدة.
وصحّ عنه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الدائم ثم الاغتسال منه، ونهى عن اغتسال الجنب فيه، وأمر المستيقظ من نوم الليل ألا يغمِس يده فيه، وأمر بإراقة الإناء من ولوغ الكلب فيه. وهذا كلّه يدلّ على أنّ القليل تؤثّر فيه النجاسة. [4/أ] ولأنه لقلّته قد تبقى النجاسة فيه غير مستهلكة، فيفضي استعماله إلى استعمالها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينجِّسه شيء" يريد ــ والله أعلم ــ أنّ ذات الماء لا تنقلب نجسةً بالملاقاة فرقًا بينه وبين المائعات حيث تنقلب نجسة بوقوع النجاسة فيها، لأنه طهور يطهِّر غيرَه، فنفسه أولى. فأما إذا تغيّر بالنجاسة فإنما حرم استعماله كما يحرم استعمال الثوب الملطّخ بالدم والبول، فإذا زال التغيّر كان كزوال النجاسة عن الثوب. ولهذا السبب كان سائر المائعات غير الماء يتنجَّس
(1)
بوقوع النجاسة فيه، قليلًا كان أو كثيرًا، في المشهور من المذهب.
وعنه: اعتبار القلّتين فيها كالماء. وعنه: اعتبارها فيما أصله الماء منها كخلّ التمر، دون ما ليس أصله الماء كالعصير والدُّهن
(2)
.
(1)
في المطبوع: "ينجس" خلافًا للأصل.
(2)
"والدهن" ساقط من المطبوع. واختار المصنف فيما بعد أن المائع كالماء لا يتنجس إلا بالتغيّر قليلًا كان أم كثيرًا. انظر "مجموع الفتاوى"(21/ 488) و"العقود الدرية"(ص 391) و"اختيارات" ابن عبد الهادي (رقم 14) والبرهان ابن القيم (رقم 40) وابن اللحام (ص 5).
وحدُّ الكثير: هو القلّتان في جميع النجاسات على إحدى الروايتين، كما ذكره الشيخ، واختاره أبو الخطاب وابن عقيل وأكثر متأخري أصحابنا
(1)
، على ظاهر حديث ابن عمر.
والرواية الأخرى: أنّ البول من الآدمي والعَذِرة الرطبة خاصة ينجِّسان الماء، إلا أن يكون مما لا يمكن نزحُه كالمصانع
(2)
التي بطريق مكة. وأكثر نصوص أحمد على هذا
(3)
، وهو قول أكثر المتقدمين من أصحابنا
(4)
، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"[4/ب] رواه الجماعة
(5)
. وقال الخلال: وحُدِّثنا
(6)
بإسناد صحيح عن علي أنه سئل عن صبي بال في بئر، فأمرهم أن ينزحوها
(7)
(8)
.
(1)
انظر: "الانتصار"(1/ 523) و"المغني"(1/ 56).
(2)
جمع مصنعة، وهي كالحوض كانوا يحتفرونها ليجتمع فيها ماء المطر، ويشربونه.
(3)
انظر مسائل ابنيه عبد الله (ص 4، 5) وصالح (1/ 301) وأبي داود (ص 5 - 6) وابن هانئ (1/ 1) والكوسج (2/ 303).
(4)
عقَّب الزركشي (1/ 133) على قول المصنف بقوله: "قلت: وأكثر المتوسطين كالقاضي والشريف وابن البنا وابن عبدوس وغيرهم".
(5)
أحمد (8186) والبخاري (239) ومسلم (282) وأبو داود (69) والترمذي (68) والنسائي (58) وابن ماجه (344).
(6)
في الأصل والمطبوع: "وجدنا"، وهو تحريف ما أثبتنا من "المغني"(1/ 56).
(7)
أشار في حاشية الأصل إلى أن في نسخة: "أن ينزفوها".
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة (1732) من طريق أبي خالد الأحمر، عن خالد بن سلمة: أن عليًّا سئل
…
، وظاهره الإرسال إن كان ابن سلمة هو المخزومي، ولم أقف على إسناد الخلال، والله أعلم.
وأمّا الماء الجاري، فعن أحمد ما يدل على روايتين
(1)
. إحداهما: أنه كالدائم، إذا كانت عين النجاسة في جِرية منه تبلغ قلّتين ولم تتغير فهي طاهرة، وإن نقصت عنها فهي نجسة، وإن كانت النجاسة واقفةً فكلُّ جِرية
(2)
تمرُّ عليها ولم تتغير إن بلغت قلّتين فهي طاهرة، وإلا فهي نجسة.
والجِرية: ما تحاذي النجاسة من فوقها وتحتها وعن يمينها وعن شمالها ما بين جانبي النهر. فأما [ما] أمامها فهو طاهر لأنها لم تلحقه، وكذلك ما وراءها لأنها لم تصل إليه.
وإن اجتمعت الجريات كلّها، وفيها جرية طاهرة تبلغ قلّتين، فالجميع طاهر ما لم يتغيَّر، وإلا فهو نجس في المشهور. وعلى قولنا: إنَّ ضمَّ القليل إلى القليل أو الكثير النجس يُوجب طهارةَ الجميع إذا زال التغيّر، فهنا كذلك.
وقال ابن عقيل: متى بلغ المجموع هنا قلّتين وكانت النجاسة في جِرية منه فهو طاهر لأنه ماء واحد
(3)
.
وقال السامرِّي
(4)
: إن كانت الجرية التي فيها النجاسة قلَّتين أو مجموع المتقدم والمتأخر قلتين فهو طاهر وإلا فلا.
وهذه الرواية اختيار القاضي وجمهور أصحابنا، لعموم حديث القلّتين،
(1)
انظر: "المغني"(1/ 47) و"الشرح الكبير"(1/ 124).
(2)
في المطبوع: "واقعة بكل جرية". والصواب ما أثبتنا من الأصل.
(3)
نقله في "المستوعب"(1/ 52) عن "تذكرة ابن عقيل"، وفيه نظر.
(4)
في "المستوعب"(1/ 52).
وقياسًا للجاري على الدائم.
[5/أ] والرواية الأخرى: أنَّ الجاري لا ينجس إلا بالتغير
(1)
قليلًا كان أو كثيرًا، اختاره الشيخ وغيره. وهي
(2)
أظهر
(3)
، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه". وفي لفظ: "يتوضأ منه"
(4)
. ومفهومه جواز ذلك في الجاري مطلقًا.
وكذلك قوله: "لا يغتسلْ أحدكم في الماء الدائم وهو جنب"
(5)
، ومفهومه جواز الاغتسال في الجاري وإن استدبر الجرية.
وكذلك نهيه صلى الله عليه وسلم أن يبال في الراكد، ومفهومه الإذن في البول في الماء الجاري، ولو نجَّسَه
(6)
لم يأذن فيه. وكذلك حديث بئر بضاعة عامّ.
ومفهوم حديث القلّتين لا يعارض هذا، لأنّ قوله:"إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبَث" دليل على أنّ ما دون القلتين بخلاف ذلك، وإذا فرَّقنا بين جاريه وواقفه حصلت المخالفة، لا سيّما وسبب الحديث هو السؤال عن
(1)
في الأصل: "التغيير"، والظاهر أنه تصحيف.
(2)
أثبت في المطبوع: "وهو" ليوافق قوله: "اختاره".
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(21/ 73، 326) و"اختيارات" ابن اللحام (ص 4). وفي الموضع الأول: "وهو أنصُّ الروايتين عن أحمد واختيار محققي أصحابه".
(4)
الحديث رواه الجماعة كما سبق، وهذا اللفظ عند أحمد (7525) والترمذي (68) والنسائي (57).
(5)
أخرجه مسلم (283) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
أثبت في المطبوع: "ينجِّسه" مع التنبيه على ما في الأصل. والذي فيه صواب محض.