الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: "جُعلت لنا الأرضُ مسجدًا وطَهورًا"
(1)
أي مطهِّرًا
(2)
.
وهذه صفة للماء، دون غيره من المائعات؛ فلذلك طهَّر غيرَه، ودفَع النجاسةَ عن نفسه.
والحدَث: هو معنًى يقوم بالبدن تمتنع معه الصلاة والطواف.
والنجاسة: هي أعيان مستخبَثة في الشرع يمتنع [2/ب] المصلِّي من استصحابها. وهي في الأصل مصدر نجُس الشيءُ ينجُس نجاسةً فهو نَجِس، ويقال: نجِسَ الشيءُ ينجَس نجَسًا. ثم سُمِّي الشيء النجِس نجاسةً ونجَسًا، فلا يُثنَّى ولا يُجمع إلا أن تريد
(3)
الأنواع.
والماء يطهِّر من الحدث والنجاسة لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وقوله في آية الوضوء {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. وتطهُّرُ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالماء مشهور، وأجمعت الأمة على ذلك.
مسألة
(4)
: (ولا تحصل الطهارة بمائع غيره)
.
أمَّا طهارة الحدث، فهي كالإجماع لأنّ الله تعالى أمر بالتيمُّم عند عدم
(1)
أخرجه البخاري (335) ومسلم (521) من حديث جابر بن عبد الله.
(2)
في المطبوع: "مطهرة". وما أثبتناه من الأصل يصح تأويله بأنه فسَّر الطهور غير ناظر إلى "الأرض"، أو أراد تراب الأرض. وانظر مثله في كلام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (1/ 150):"بكونها طهورًا أي مطهرًا".
(3)
في الأصل أهمل حرف المضارع. وفي المطبوع: "يريد".
(4)
"المغني"(1/ 17 - 19)، "الشرح الكبير"(1/ 88 - 94)، "الفروع"(1/ 58).
الماء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصعيد الطيّب طَهور المسلم إذا لم يجد
(1)
الماء عشر سنين"
(2)
،
إلا في النبيذ، نبيذ التمر فإنّ بعض العلماء أجاز التوضُّؤ
(3)
به في الجملة على تفصيل لهم
(4)
، لما روى ابن مسعود قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة لقِيَ الجنَّ فقال: "أمعك ماء؟ ". قلتُ: لا. قال: "فما في هذه الإداوة؟ " قلتُ: نبيذ. قال: "أرنيها، تمرةٌ طيّبةٌ وماءٌ طهورٌ". فتوضأ، ثم صلّى بنا
(5)
. رواه الإمام أحمد وابن ماجه وأبو داود والترمذي
(6)
.
(1)
"إذا لم يجد": كذا ورد هنا ومرتين في باب التيمم. ولم أر هذا اللفظ في موضع آخر من كتب المصنف. وسيأتي مرتين في باب التيمم أيضًا بلفظ: "وإن لم يجد"، وهو الرواية.
(2)
أخرجه أحمد (21304)، وأبو داود (332، 333)، والترمذي (124)، والنسائي (322) من طرق عن أبي ذر رضي الله عنه مطولًا ومختصرًا.
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (1311)، والحاكم (1/ 176)، وأعله ابن القطان في "بيان الوهم"(3/ 327) بالاختلاف في إسناده، وانظر:"العلل" للدارقطني (6/ 254).
(3)
في المطبوع: "الوضوء". والمثبت من الأصل، ورسمه فيه دائمًا:"التوضي".
(4)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر (1/ 254) و"المحلى"(1/ 195) و"بدائع الصنائع"(1/ 15) و"المغني"(1/ 18).
(5)
"بنا" ساقط من المطبوع.
(6)
أحمد (3810)، وابن ماجه (384)، وأبو داود (84)، والترمذي (88) من طرق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا تخلو من مقال، وله شاهد غير محفوظ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قال ابن عدي: "ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خلاف القرآن". "الكامل"(9/ 194)، كما صح عن ابن مسعود أنه لم يشهد تلك الليلة، انظر:"سنن الدارقطني"(1/ 75)، "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 52). وأطال الزيلعي النفس في الجواب عن علل الحديث في "نصب الراية"(1/ 137).
وهذا الحديث قد ضعَّفه جماعة من الحفّاظ، ثم إن صحّ فلعله كان ماء قد طرح فيه تمرات تزيل ملوحته، بدليل قوله:"تمرة طيبة وماء طهور". ثم هو منسوخ بآية المائدة التي فرض فيها التيمم عند عدم الماء، فإنّ قصة الجنّ كانت بمكة في أول الإسلام.
وأمّا [3/أ] نجاسة الخبث، فعنه ما يدل على أنّها
(1)
تزال بكل مائع طاهر يزيل كالخل ونحوه
(2)
، وهو قول أبي حنيفة
(3)
؛ لأن المقصود هو زوال النجاسة. ولذلك يحصل بصَوب الغمام، وبفعل المجنون، وبدون النية.
وظاهر المذهب كما ذكره الشيخ
(4)
، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالماء في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، وفي دم الحيض، وغسل آنية المجوس؛ ولأنّ الطهارة بالماء يجوز أن تكون تعبُّدًا فلا يلحق به غيره كطهارة الحدث، ولأنَّ الماء ألطف وأنفذ في الأعماق، مع أنه ليس له في نفسه طعم ولا لون ولا ريح يبقى بعد زوال النجاسة. وهو مخلوق للطهارة،
(1)
في المطبوع: "أن".
(2)
ذكر أبو الخطاب في "الانتصار"(1/ 97) أنه ظاهر كلام أحمد في رواية المرُّوذي. وانظر "الهداية" له (ص 67)، و"المغني" (1/ 17). وفي "الفروع" (1/ 351):"اختاره ابن عقيل وشيخنا".
(3)
انظر: "بدائع الصنائع"(1/ 83) و"الهداية" للمرغيناني (1/ 36).
(4)
وبه قال أحمد في رواية ابنيه كما ذكر أبو الخطاب في "الانتصار"(1/ 96). وانظر "مسائل عبد الله"(ص 5 - 6).