الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينتقض [103/ب] إذا لم توجد فيه وإن وجدت في اللامس.
ولا ينقض اللمسُ من وراء حائل وإن كان لشهوة، لأن اللمس لم يوجد. ومجرَّدُ الشهوة لا تنقض الوضوء، كما لو وجدت في لمس البهيمة أو بنظر أو بفكر.
ولا ينقض لمسُ شعر المرأة ولا ظفرها ولا سنّها، كما لا ينقض لمسُها بالشعر والظفر والسنّ؛ ولا مسُّ الرجلِ الرجلَ وإن كان أمرد
(1)
، ولا مسُّ المرأةِ المرأةَ في المشهور المنصوص، لأنه ليس محلًّا
(2)
للشهوة في الأصل. ويتخرَّج أن ينقض إذا كان لشهوة، لأنه لمسُ آدميٍّ لشهوة. وقال القاضي
(3)
: ينقض لمسُ الرجلِ الرجلَ والمرأةِ المرأةَ، لأنه مباشرة لآدميٍّ حقيقةً، بخلاف الشعر والظفر.
مسألة
(4)
: (والردَّة عن الإسلام)
.
الذي عليه عامة الأصحاب أن الارتداد عن الإسلام ينقض الوضوء، ولم يذكره القاضي في «خصاله» و «جامعه» وأبو الخطاب في «الهداية» من النواقض، فمقتضى كلامهما عدم النقض بها، كما فهمه بعض أصحابنا. ويشبه ــ والله أعلم ــ أن يكونا تركا ذكرها لعدم ظهور فائدتها، لأن المرتدّ
(5)
(1)
في المطبوع: «أمردا» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
(2)
في الأصل: «محل» .
(3)
انظر: «الإنصاف» (2/ 43).
(4)
«المستوعب» (1/ 81، 82)، «المغني» (1/ 238 - 240)، «الشرح الكبير» (2/ 62 - 66)، «الفروع» (1/ 236 - 238).
(5)
في الأصل والمطبوع: «المراد» ، وهو تحريف.
إذا لم يعُدْ إلى الإسلام فلا معنى لنقض وضوئه، وإن عاد إلى الإسلام وجب عليه الاغتسال في المنصوص، وهو أكبر من الوضوء، فيدخل فيه الوضوء.
ثم رأيت القاضي قد صرَّح في «الجامع الكبير» بذلك، وقال: لا معنى لجعلها من النواقض مع وجوب الطهارة الكبرى بالإسلام. [104/أ] ويجاب عنه بأنه تظهر فائدته إذا عاد إلى الإسلام، فإنا نوجب عليه الوضوء والغسل. وإن نواهما بغسله أجزأه في المشهور، كما إذا نقض وضوءه بغير الردّة. ومن لم ينقض وضوءه بالردّة لم يوجب عليه إلا الغسل. ولو لبس الخفَّ على هذه الطهارة، ثم أسلم واغتسل في خفَّيه، لم يكن له
(1)
المسح، لأنه لبس الخفَّ محدثًا. ولو قلنا: هو طاهر، لجاز له المسح، لأنه لبسه على طهارة لم يُحدِث بعدها.
وقد احتجَّ جماعة من أصحابنا على ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] بناءً على أن الردَّة تُحبط العملَ بمجرَّدها، فإن الموت عليها في قوله تعالى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217]. شرطٌ للخلود، لا لحبَطِ
(2)
العمل.
والحجة على هذا الوجه فيها نظر، فإن المشهور عن أكثر أصحابنا أن الردّة لا تُحبط العمل إلا بالموت عليها. وبنوا على ذلك صحة الحج في الإسلام الأول، وقضاء الفوائت فيه من الصلاة والزكاة والصوم. وأيضًا فإنّ الإحباط إنما ينصرف إلى الثواب دون حقيقة العمل، بدليل صحة صلاةِ مَن صلَّى خلفه في الإسلام الأول.
(1)
«له» ساقط من المطبوع.
(2)
في الأصل والمطبوع: «يحبط» ، تصحيف.
والتحقيق: أن الردَّة إمَّا
(1)
تقع بعد انقضاء العبادة وأحكامها، أو بعد انقضائها وبقاء أحكامها، أو في أثناء وجودها.
أما الأول: فإنها إذا وقعت بعد انقضائها بالكلِّيّة، فإنها لا تبطلها أصلًا، وإنما تُحبط الثواب إمّا مطلقًا أو بشرط الموت عليها على اختلاف أصحابنا.
[104/ب] وأما الثالث: فإنها إذا وقعت في أثناء الصلاة والصيام والإحرام أفسدت العبادة. وأما الثاني: فهو الوضوء، لأن عمل الوضوء قد انقضى، وإنما حكم الطهارة باقٍ، فهنا تُبطل
(2)
حكم هذه الطهارة وتنقضها
(3)
. وليس هذا من الإحباط، وإنما هو من الإبطال، اللهم إلا أن يقال: إذا كانت تحبط ثوابَ ما مضى، فلَأَنْ تُفسِد
(4)
الحاضرَ أولى وأحرى. وذلك لأن الكفر ينافي العبادات بالكلية، ودوامُ الوضوء عبادة، لأنه مستحَبٌّ مأمور به، والكفرُ ينافي ذلك.
واحتجَّ أبو الحسن الخَرَزي
(5)
على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الطهور
(1)
في الأصل والمطبوع: «إنّما» ، تحريف.
(2)
في الأصل والمطبوع: «يبطل» .
(3)
حرف المضارع مهمل في الأصل. وفي المطبوع: «ينقضها» .
(4)
في الأصل والمطبوع: «يفسد» .
(5)
الكلمة مهملة في الأصل. وفي المطبوع: «الجزري» تبعًا للطبعة الأولى من «طبقات الحنابلة» . وفي الطبعة المحققة كما أثبتنا. وكذا في جميع نسخ الفروع كما صرَّح محققه (1/ 404). وذكر ابن أبي يعلى في ترجمته (3/ 301) أنه كان متخصصًا بصحبة أبي علي النجاد (ت 348). وهو غير القاضي أبي الحسن عبد العزيز بن أحمد الخرزي (ت 391) شيخ أهل الظاهر المترجم في «تاريخ بغداد (12/ 240)، و «تاريخ الإسلام» (8/ 704). انظر: تعليق الشيخ المعلمي على «الأنساب» (5/ 82).
شطر الإيمان»، فإذا بطل الإيمان بالكلية، فشطره أولى
(1)
. ولأنَّ ما منَع ابتداءَ الوضوء منَع استدامتَه، كانقضاء المدة وظهور القدم في حق الماسح، ورؤية الماء في حق المتيمِّم. ولأنّ ما منَع الكفرُ ابتداءَه منعَ دوامَه، كالنكاح، وأولى لأن النكاح ليس بعبادة. وعكسُه مِلْكُ المال، فإن الردَّة لما لم تمنع ابتداءَه لم تمنع دوامَه على المشهور.
وهذا لأن الكفر إنما منع نكاحَ
(2)
المسلمة، لأن الكافر ليس أهلًا لمِلكِ أبضاع المسلمات، وهذا يستوي
(3)
فيه الابتداء والدوام. وكذلك الطهارة مُنع منها الكافر لأنه ليس من أهل الطهارة والقُرَب والعبادات، وهذا يستوي فيه الابتداء والدوام، بل الدوام أولى، لأنه هو المقصود من أفعال الوضوء.
ويقوِّي الشَّبهَ أنّ كلًّا من الوضوء والنكاح يستويان في مفارقة الابتداء والدوام، بدليل ما لو حلَف: لا يتطهَّر، وهو متطهر؛ أو لا يتزوَّج [105/أ] وهو متزوِّج= لم يحنث. وقد أبطل الكفرُ النكاحَ، فكذلك يُبطل الوضوء.
فأما الكلام المحرَّم كالقذف والكذب والاغتياب فيستحَبُّ منه الوضوء ولا يجب، لما روى الإمام أحمد بإسناده
(4)
عن ابن عباس رضي الله عنه
(5)
قال: لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحبُّ إليَّ من أن أتوضَّأ من الطعام الطيِّب
(6)
.
(1)
انظر: «الفروع» (1/ 405).
(2)
في الأصل: «بنكاح» .
(3)
في الأصل والمطبوع: «لا يستوي» والظاهر أن «لا» مقحمة.
(4)
في الأصل: «بإسناد» .
(5)
كذا في الأصل.
(6)
لم أقف عليه.
وأخرجه من حديث عبد الله بن مسعود: عبد الرزاق (469)، وابن أبي شيبة (1435)، والطحاوي في «شرح المعاني» (1/ 68)، والطبراني في «الكبير» (9/ 248).
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 575): «رواه الطبراني في «الكبير» ، ورجاله موثقون».
ورُوي عنه قال: الحدث حدثان: حدث اللسان، وحدث الفرج. وحدثُ اللسان أشد من حدث الفرج
(1)
. ورواه ابن شاهين مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وقد حمله بعض أصحابنا على الردَّة، إذ ليس في اللسان ما يوجب الوضوء غيرها. ولعله أراد أنَّ الحدث باللسان وهو الكلام المحرَّم يوجب الإثم والعقاب، فهو أعظم مما يوجب الوضوء فقط. وروى حرب
(3)
عنه أنّ
(1)
أخرجه مختصرًا البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 79)، وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 232)، وبتمامه البيهقي في «شعب الإيمان» (9/ 89)، من طرق ضعيفة عن ابن عباس، وضعفه النووي في «الخلاصة» (1/ 144).
(2)
لم أقف عليه، وأخرجه الديلمي في «مسند الفردوس: زهر الفردوس» (2/ 108) ـ ومن طريقه الجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (1/ 352 - 353) ـ من طريق بقية بن الوليد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس به.
قال الجورقاني: «هذا حديث باطل، وبقية إذا تفرد بالرواية فغير محتج بروايته لكثرة وهمه» ، وانظر:«العلل المتناهية» (1/ 365)، «تنقيح التحقيق» للذهبي (1/ 72).
(3)
في «مسائله» (1/ 152) بتحقيق السريع، وأخرجه الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (104)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (9/ 91)، من طريقين عن المثنى بن بكر، عن عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
إسناده واه، المثنى متروك كما في «لسان الميزان» (6/ 93)، وعباد ضعيف صاحب مناكير، واشتهر بالتدليس عن عكرمة، وقد عنعن، كما في «تهذيب التهذيب» (2/ 282 - 283)، والطريق إليهما مظلم.
رجلين صلَّيا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر أو العصر، وكانا صائمين، فلما قضيا الصلاة قال: «أعيدا وضوءكما وصلاتكما، وامضيا في صومكما، واقضيا يومًا
(1)
آخر». قالا: لم يا رسول الله؟ قال: «اغتبتما فلانًا» . وفي إسناده نوع جهالة. ومعناه: الاستحباب، لأن إسباغ الوضوء يمحو الخطايا والذنوب، فسُنَّ عند أسبابها، كما تُسَنُّ الصلاة.
وقد روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعني الله بما شاء، وإذا حدّثني غيرُه استحلفتُه، فإذا حلف لي صدَّقتُه. وإنّ أبا بكر حدَّثني ــ وصدَق أبو بكر ــ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم[105/ب] قال:«ما من رجل يُذنب ذنبًا، فيتوضّأ، فيحسن الوضوء، ثم يصلِّي ركعتين، ويستغفر الله= إلا غفر له» رواه أحمد
(2)
.
ولأن الوضوء عبادة، فوجب تنزيهها عن الكلام الخبيث كالصيام
(1)
في الأصل: «يوم» .
(2)
برقم (2)، وأخرجه أبو داود (1521)، والترمذي (406)، وابن ماجه (1395)، من طرق عن عثمان بن المغيرة، عن علي بن ربيعة، عن أسماء بن الحكم، عن علي به.
قال الترمذي: «حديث علي حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه» ، وصححه ابن حبان (2454)، وحسنه الدارقطني في «العلل» (1/ 180)، وابن عدي في «الكامل» (2/ 143). وأعله قوم بتفرد أسماء مع جهالته، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 54):«لم يرو عن أسماء بن الحكم إلا هذا الواحد، وحديث آخر ولم يتابع عليه، وقد روى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم عن بعض فلم يحلف بعضهم بعضًا» ، ووافقه العقيلي في «الضعفاء» (1/ 107)، والبزار (1/ 64). ووقع في إسناده اختلاف أيضًا، انظر:«العلل» للدارقطني (1/ 176 - 180)، «صحيح أبي داود ــ الكتاب الأم» (1361).
والإحرام. وأما انتقاض الوضوء منه فقال ابن المنذر
(1)
: أجمَع من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أنّ القذف وقول الزور والكذب والغيبة لا توجب طهارةً، ولا تنقض وضوءًا. وقد رُوِّينا عن غير واحد من الأوائل أنهم أمَروا بالوضوء من الكلام الخبيث، وذلك استحباب عندنا ممن أمرَ به. قال: وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حلَف باللَّات والعُزَّى فليقل: لا إله إلا الله»
(2)
، ولم يأمر فيه بوضوء.
فصل
ومن الكلام: القهقهة، فإنها لا تنقض الوضوء في الصلاة ولا خارج الصلاة، لكنها تُبطل الصلاة فقط، كما يبطلها الكلام، لقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: من ضحك في الصلاة أعاد الصلاةَ ولم يُعِد الوضوءَ. رواه الدارقطني وصحَّحه
(3)
، ورواه مرفوعًا بإسناد فيه مقال
(4)
. وذكر الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري مثله
(5)
. ولم يثبت عن صحابيٍّ خلافُه، لأنه لا ينقض خارج الصلاة، فكذلك في الصلاة كالكلام المحرَّم، وأولى من وجهين:
(1)
في «الأوسط» (1/ 230 - 232).
(2)
أخرجه البخاري (4860) ومسلم (1647) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
الدارقطني (1/ 172).
(4)
الدارقطني (1/ 173).
إسناده تالف، فيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان متروك، وقد خالف الثقات في رفعه، وبه أعله البيهقي في «الخلافيات» (2/ 368 - 370)، وابن الملقن في «البدر المنير» (2/ 402 - 406).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (3935)، والدارقطني (1/ 174).
أحدهما: أن الكلام محرَّم في الموضعين، والقهقهة محرَّمة في الصلاة خاصّة. الثاني: أن الصلاة تمنع الوضوء مما لا يمنع منه خارجَ الصلاة خشيةَ [106/أ] إبطالها. ولهذا يُنهى
(1)
الشاكُّ في وضوئه أن يبطل صلاته لأجل تجديد الوضوء، ويستحبّ لمن شكَّ في غير الصلاة. والمتيمِّم إذا رأى الماء يبطل تيمُّمه اتفاقًا، إلّا أن يكون في الصلاة، ففيه خلاف.
وهل يستحبُّ الوضوء من القهقهة؟ فيه وجهان:
أحدهما: يستحبُّ، لما روى أبو العالية قال: جاء رجل في بصره سوء، فدخل المسجد، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي، فتردَّى في حفرة كانت في المسجد، فضحك طوائف منهم. فلما قضَى صلاته أمَر من كان ضَحِك أن يعيد الوضوء والصلاة. رواه الدارقطني وغيره مرسلًا عن الحسن وإبراهيم والزهري، ومراسيلُهم كلُّها ترجع إلى أبي العالية، ومراسيلُه قد ضُعِّفت
(2)
.
(1)
في المطبوع: «نُهي» ، والمثبت من الأصل.
(2)
أخرجها من طرق مختلفة الدارقطني (1/ 162 - 167) وخطّأها كلها وصوب مرسل أبي العالية، ثم أسند عن عبد الرحمن بن مهدي قوله:«هذا الحديث يدور على أبي العالية» ، وذكر سائر الطرق، وردها إليه، في حوار مع علي بن المديني.
وقال ابن عدي في «الكامل» (4/ 105) في سياق ترجمته: «أكثر ما نقم عليه من هذا الحديث حديث الضحك في الصلاة، وكل من رواه غيره فإنما مدارهم ورجوعهم إلى أبي العالية، والحديث له، وبه يعرف، ومن أجل هذا الحديث تكلموا في أبي العالية» .
وقال الذهلي: «لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك في الصلاة خبر» .
وانظر طرق الحديث وبيان عللها في: «السنن» للدارقطني (1/ 161 - 171)، «الكامل» (4/ 100 - 105)، «السنن الكبرى» للبيهقي (1/ 147 - 148).
ورُوي مسندًا من وجوه واهية جدًّا
(1)
.
وقد طُعِن فيه من جهة أنّ الصحابة كيف يُظَنّ بهم الضحك في الصلاة، وهذا ضعيف، فإن الذي ضحك بعضُهم، ولعلَّهم من الذين انفضُّوا من الجمعة لمَّا جاءت العِيرُ وسمعوا اللهو. ثم الضحك أمر غالب، قد يُعذر فيه بعضُ الناس.
ومثلُ هذا الحديث لا يوجب شريعةً ليس لها أصل ولا نظير من غيره. وإنما عملنا به في الاستحباب لثلاثة وجوه
(2)
:
أحدها: أنّ المستحبّات يُحتجّ فيها بالأحاديث الضِّعاف إذا لم يكن فيها تغييرُ أصلٍ، لما روى الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من بلغه عن الله شيءٌ فيه فضلٌ، فعمِل به رجاءَ ذلك [106/ب] الفضل، أعطاه الله ذلك، وإن لم يكن ذلك كذلك»
(3)
.
(1)
جاء ذلك من حديث أنس وأبي هريرة وعمران ومعبد الجهني، وتقدم ذكر مخرجها في الكلام على الحديث السابق.
(2)
ذكر فيما يأتي وجهان فقط، فلا أدري أسقط الوجه الثالث في النسخ أم نسي المصنف.
(3)
لم أقف عليه عند الترمذي، وعزاه إليه المؤلف أيضًا في «مجموع الفتاوى» (18/ 68).
وأخرجه بنحوه أبو يعلى (6/ 163)، وابن حبان في «المجروحين» (1/ 228)، وابن شاهين في «شرح مذاهب أهل السنة» (58)، من طريق بزيغ أبي الخليل، عن محمد بن واسع، وثابت بن أبان، عن أنس به.
وهو حديث موضوع، آفته بزيغ؛ متروك، ويأتي عن الثقات بأشياء موضوعة كأنه المتعمد لها، قاله ابن حبان.
وفي الباب أيضًا بأسانيد واهية من حديث ابن عمر وجابر، انظر:«الموضوعات» (1/ 420 - 421)(3/ 401 - 403).
وثانيها: أنه بتقدير صحته ليس فيها تصريح بانتقاض وضوئهم، بل
(1)
لعلَّهم أُمروا بذلك لأن القهقهة في الصلاة ذنب وخطيئة، فيستحبُّ الوضوء والصلاة عقبها، كما جاء في حديث أبي بكر المتقدِّم؛ وكما أمرَ اللذين اغتابا بأن يُعيدا الوضوء والصلاة في حديث ابن عباس، وكما قد حمل بعضُهم حديث معاذ في الذي لمس المرأة. وهذا لأن القهقهة في الصلاة استخفافٌ بها واستهانةٌ، فيستحبّ الوضوء منها، كالوضوء من الكلام المحرَّم. وهذا أقرب إلى قياس الأصول، وأشبه بالسنة، فحملُ الحديث عليه أولى.
والوجه الثاني
(2)
: لا يُستحَبّ ولا يُكرَه. وهو ظاهر كلامه، فإنه قال: لا أرى عليه الوضوء
(3)
. فإن توضَّأ فذلك إليه، إذ لا نصَّ فيه، والقياس لا يقتضيه.
ولو أزال من محلِّ وضوئه ظفرًا أو شعرًا، ظهرت بشرته أو لم تظهر، فإنّ وضوءه بحاله. نصَّ عليه، لأن الفرض متعلِّق بظاهر الشعر والظفر، فظهور الباطن لا يُبطله، كما لو انكشط
(4)
جلدُه أو قُطعت يدُه. ولهذا لا يجزئ غسل البشرة المستترة باللحية عن ظاهرها، بخلاف قدم الماسح ورأسه. وفرَّق أحمد بينهما بأن هذا شيء يسير، فهو كما لو نتَف شعرة.
(1)
«بل» ساقطة من المطبوع.
(2)
في المطبوع: «الوجه الثاني» دون الواو.
(3)
انظر: «مسائل عبد الله» (ص 99 - 100) وصالح (2/ 463) وأبي داود (ص 21).
(4)
في الأصل: «انكشطت» .