الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترتيب مطلقًا في جميع الكفّ
(1)
على ظاهر الآية والحديث.
فأما الترتيب [في التيمم]
(2)
عن الجنابة، فقال القاضي أبو الحسين: يجب فيه الترتيب هنا اعتبارًا بأصله
(3)
، ولأنَّ عمارًا لما تمعَّك لم يؤمر بإعادة الصلاة، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال له:«إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا» ثم ضرب بيديه الأرض ضربةً واحدةً، ثم مسح الشمالَ على اليمين وظاهرَ كفَّيه ووجهه. رواه مسلم
(4)
.
وفي لفظ: ثم مسَح كلَّ واحدة منهما بصاحبتها، ثم بهما وجهَه. رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح
(5)
.
مسألة
(6)
: (وله شروط أربعة: أحدها: العجزُ عن استعمال الماء، لعدمِه أو خوفِ الضرر باستعماله لمرضٍ أو بردٍ شديد
، أو خوفِ العطش على نفسه أو ماله أو رفيقه، أو خوفٍ على نفسه أو ماله في طلبه، أو إعوازِه
(1)
«الكف» ساقطة من المطبوع في الطباعة.
(2)
زيادة مني.
(3)
لعل في الكلام سقطًا، إذ الاعتبار بأصله ــ وهو غسل الجنابة ــ دليل على عدم وجوب الترتيب، وكذا حديث عمار الآتي في تمعُّكِه وعدم أمره صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة، وكذا حديث مسلم في بيانه صلى الله عليه وسلم صفة التيمم.
(4)
برقم (368) وقد تقدَّم.
(5)
أحمد (18328)، وأبو داود (321).
وصححه الألباني في «صحيح أبي داود ــ الكتاب الأم» (2/ 131).
(6)
«المستوعب» (1/ 100 - 102)، «المغني» (1/ 313 - 319)، «الشرح الكبير» (2/ 168 - 186)، «الفروع» (1/ 274 - 278).
إلا بثمن كثير).
في هذا الكلام فصول:
أحدها: أن التيمم إنما يجوز إذا لم يمكن استعمالُ الماء، إمَّا لعدمه حقيقةً أو حُكمًا، وإمّا لضررٍ
(1)
باستعماله. والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ
…
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] فذكر المريض والمسافر العادم، فهما أغلب الأعذار، وأُلحِقَ المسافرَ المحبوسُ في [152/ب] مصر ونحوه ممَّن عدِم الماء. والمريضُ مثلُ المجدور والمجروح ممن يتضرَّر باستعمال الماء، وفي معناه من يخاف البرد. وأما من يقدر على استعمال الماء، لكن لا يقدر على تحصيله إلا بضرر في نفسه أو ماله، كمن بينه وبين الماء سبُع أو حريق أو فُسَّاق= فقد أُلحِق بالمريض، لأنه واجدٌ للماء وإنما يخاف الضرر. وربما أُلحِق بالعادم، لأنه لا يخاف الضرر بنفس الاستعمال، وإنما يخاف التضرر في تحصيله فصار كالعادم عن تحصيله لا عن استعماله، وهذا أحسن.
فأما من لا ضرر عليه في استعماله، وهو واجدٌ له، فلا يجوز له التيمم، سواء خشي فوتَ الوقت للصلاة أو لم يخشه، إذا كان في الحضر لأنه واجد للماء، ولأنَّ
(2)
الوقت الذي يجب فيه أداء الصلاة هو الوقت الذي يمكن فيه فعلُها بشروطها، إلا الجنازة في إحدى الروايتين، لأن ابن عمر فعل ذلك
(3)
،
(1)
في الأصل: «الضرر» ، وقد يكون مصحفًا عن «للتضرُّر» .
(2)
في المطبوع: «ولأنه» .
(3)
أخرجه الدارقطني (1/ 202)، من طريق محمد بن عمرو بن أبي مذعور، عن ابن نمير، عن إسماعيل بن مسلم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر به.
قال البيهقي في «معرفة السنن» (1/ 303): «حديث ابن أبي مذعور يشبه أن يكون خطأ» ، وضعفه في «السنن الكبرى» (1/ 231).
وجاء الإذن فيه عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا. رواهما الدارقطني
(1)
.
ولأنه تيمُّمٌ لِما يكثُر ويخاف فوته غالبًا، فأشبَه ردَّ المسلَّم [عليه]
(2)
، كما فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي جهيم
(3)
وحديث المهاجر بن قنفذ
(4)
. والأخرى: لا يتيمَّم لها كغيرها، وهي المنصورة
(5)
.
وأما العيد، فلا يتيمَّم للعيد لأنه يمكن التأهُّب له قبل الذهاب.
وأما [ما]
(6)
يستحبُّ له الوضوء كردِّ السلام ونحوه، إذا خشي فوتَه إن توضَّأ
(7)
، فإنه يتيمَّم له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
(1)
لم أقف عليهما في المطبوع من كتبه. والموقوف أخرجه ابن أبي شيبة (11586).
والمرفوع أخرجه ابن عدي في «الكامل» (8/ 73)، وابن الجوزي في «التحقيق» (1/ 248)، من طريق المغيرة بن زياد، عن عطاء، عن ابن عباس يرفعه.
حديث منكر، المغيرة ضعيف صاحب مناكير، قال أحمد:«حدث بأحاديث مناكير، وكل حديث رفعه فهو منكر» ، وبنحوه قال ابن عدي، والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 231). وانظر:«معرفة السنن» (1/ 303)، «الأباطيل والمناكير» (2/ 164)، «نصب الراية» (1/ 157).
(2)
زيادة من المطبوع.
(3)
تقدَّم تخريجه.
(4)
أخرجه أحمد (19034)، وأبو داود (17)، والنسائي (38)، ابن ماجه (350).
وصححه ابن خزيمة (206)، وابن حبان (3803).
(5)
انظر: «الانتصار» لأبي الخطاب (1/ 454).
(6)
ساقط من الأصل، وقد زاده في المطبوع دون تنبيه.
(7)
في الأصل: «يتوضأ» .
الفصل الثاني
(1)
: أن العاجز عن استعمال الماء [153/أ] لعدمه قسمان:
أحدهما: ما يُعدَم فيه الماءُ كثيرًا، وهو السفر.
والثاني: ما يندر فيه عدمُ الماء.
فأمّا المسافر، فيتيمَّم في قصير السفر وطويله، في المشهور من المذهب، ولا إعادة عليه لقوله تعالى:{أَوْ عَلَى سَفَرٍ .. فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6].
وسواء كان السفر إلى قرية أخرى، أو أرض من أعمال مصره، كالحرَّاث والحصَّاد والحطَّاب وأشباههم، إذا حضرت الصلاة، ولا ماء معه، ولا يمكنه الرجوع إلى المصر إلا بتفويت حاجته. وفيه وجه: أنه يعيد، لأنه في عمل مصره، بخلاف من كان في عمل قرية أخرى.
وسواء أمكنه حملُ الماء لوضوئه، أو لم يمكنه، لأنَّ الاستعداد للوضوء قبل وجوبه لا يجب. وعنه: إنما ذلك إذا لم يمكنه حملُ الماء. فإن أمكنه حملُ ماءٍ لوضوئه وجب عليه، ولم يجُز له التيمُّم.
وسواء كان سفرَ طاعة أو معصية، لأنه عزيمة، ولأن التيمُّم لا يختصُّ بالسفر بل يجب حضرًا وسفرًا. ويخرَّج أن يجب عليه الإعادة في سفر المعصية، لأنَّ التيمم رخصةٌ من حيث عدم وجوب القضاء، عزيمةٌ من حيث وجوب فعل الصلاة، فيجمع بين العزيمة ووجوب القضاء المُنْتفي
(2)
بسبب الرخصة. وهذا يُشبه ما إذا عَدِم الماءَ بعد الوقت، فإنه عدِمَه بسبب محرَّم.
الثاني: كالمحبوس في المصر، وأهلِ بلدٍ قطع الماءَ عدوُّهم، فهذا
(1)
في الأصل: «فصل الثاني» .
(2)
في الأصل والمطبوع: «المتبقي» ، تصحيف.
يصلِّي بالتيمم. وعنه: لا يصلِّي حتى يجد الماء أو يسافر. اختارها الخلال
(1)
، [153/ب] لأن الله إنما أذِن في التيمُّم للمسافر.
والصحيح: الأول، لما روى أبو ذرٍّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الصعيدُ الطيِّب طهورُ المسلم، وإن لم يجد الماء عشرَ سنين. فإذا وجد الماءَ فَلْيُمِسَّه بشَرتَه، فإنَّ ذلك خير» . رواه أحمد، والترمذي وصحَّحه
(2)
. ولأنه عادمٌ للماء، فأشبه المسافر، وإنما خُصَّ بالذكر لأنه إنما يعدَم غالبًا فيه
(3)
. والمنطوق إذا خرج على الغالب لم يكن له مفهوم مراد.
وإذا صلَّى لم يُعِدْ في المشهور من المذهب. ومن قال: يعيد في الأعذار النادرة، مثل عدم الماء والتراب، ومن خشي البرد فتيمَّم= قال: يعيد هنا، لأن القياس يقتضي أن من أخلَّ بشرط من شروط الصلاة أعاد إذا قدرَ عليه، إلا أنه عُفي عنه فيما يكثُر ويشُقُّ، كما قلنا: إنَّ الحائض تقضي الصوم لأنه لا يتكرَّر، ولا تقضي الصلاة لأنها تتكرَّر. ولأنَّ الصلاة المفعولة على وجه الخلل غيرُ مبرئة للذمة في الأصل، وإنما فُعِلت إقامةً لوظيفة الوقت.
والصحيح: الأول لأنَّ الله إنما خاطب بصلاة واحدة يفعلها بحسب الإمكان، والشرطُ المعجوز عنه ساقط بالعجز. وفي قوله:«الصعيد الطيّب طهور المسلم»
(4)
وقوله: «التراب كافيك»
(5)
دليل على أنه يقوم مقام الماء مطلقًا.
(1)
انظر: «شرح الزركشي» (1/ 326).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
يعني: في السفر.
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
تقدَّم تخريجه.
فصل
ولا يكون عادمًا حتى يطلب الماء بعد دخول الوقت في رَحْله ورُفْقته وما قرُبَ منه. وعنه: لا يجب طلبه إلا إذا غلب على ظنِّه وجودُه، أو رأى أماراتِ وجوده بأن يرى خضرةً أو حفرةً أو ركبًا أو طيرًا يتساقط على مكان؛ لأنه عادمٌ للماء، فجاز له التيمُّم، كما لو طلب. ولأنَّ الأصل عدمُ طلب الماء، ولا أمارةَ تُزيل حكمَ الأصل، فوجب العمل به، كاستصحاب الحال.
والمشهور: أنه يجب الطلب إذا رجا وجودَ الماء. فأمَّا إن
(1)
تيقَّن أن لا ماء، فلا يجب الطلب قولًا واحدًا؛ لأن الله تعالى قال:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} ولا ينفي عنه الوجود إلا بعد سابقة الطلب، كما في قوله:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وقوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89].
ولأن التيمُّم بدلٌ عن غيره، مشروط بعدمه، فلم يجُز إلا بعد الطلب، كالصيام الذي هو بدلٌ عن الرقبة وعن الهدي وعن التكفير بالمال، والقياس الذي هو بدل عن النصّ، والميِّت الذي هو بدل عن المذكَّى.
ولأنَّ البدل في مثل هذا إنما أبيح للضرورة، وإنما تستيقن الضرورة بعد الطلب. وصفته أن يفتِّش على الماء في رَحْله، ويسأل رُفقته عن موارده، أو عن ماء معهم
(2)
ليبيعوه أو يبذلوه. قال القاضي: سواء قالوا: لو سألتَنا أعطيناك أو منعناك. وفي إلزامه سؤالهم البذل
(3)
نظر. ويسعى أمامه ووراءه،
(1)
في المطبوع: «فإن» ، وقد أصلحه الناسخ فوق السطر بزيادة «ما ا» قبل النون.
(2)
في المطبوع: «ما معهم» ، والصواب ما أثبتنا، والناسخ لا يكتب الهمزة. وانظر:«الإنصاف» (2/ 198).
(3)
في المطبوع: «البدل» ، تصحيف.
وعن يمينه وعن شماله، إلى حيث جرت عادة السُّفَّار
(1)
بالسعي إليه لطلب الماء والمرعى. هكذا قال بعض أصحابنا.
وقال القاضي
(2)
: لا يلزمه المشيُ في طلبه وعدولُه عن طريقه، لأنه ليس [154/ب] في تقدير ما يلزمه من المشي توقيفٌ يرجع إليه، وليس المِيل بأولى من الميلين. واحتجَّ إسحاق
(3)
على ذلك بأن ابن عمر لم يكن يعدل إلى الماء، وهو منه [على]
(4)
غَلْوةٍ
(5)
أو غَلْوتَين. وحمل القاضي قول أحمد، وقد قيل له: وعلى كم يطلب الماء؟ فقال: إن لم يصرفه عن وجهٍ يريده
(6)
الميلَ والميلَين. وإن اشتدَّ
(7)
عليه الميلان والثلاثة فلا يطلبه
(8)
. وهذا في السائر. فأما النازل فلا تردُّد أنه يلزمه المشي في طلبه. وإذا رأى نَشَزًا
(9)
أو حائطًا
(10)
قصد ذلك، وطلب الماء عنده، فإذا لم يجد الماء حينئذ ظهر عجزه.
(1)
جمع سافر، وهو المسافر.
(2)
انظر: «المبدع» (1/ 186).
(3)
انظر: «مسائل الكوسج» (2/ 374) و «الأوسط» (2/ 35).
(4)
زيادة من «مسائل الكوسج» و «الأوسط» .
(5)
الغلوة: رمية سهم أبعد ما يقدر عليه.
(6)
في الأصل: «وجه نريه» . وفي المطبوع: «وجهه نراه» . وفي «مسائل الكوسج» : «وجه يريد به» .
(7)
في الأصل والمطبوع: «استدل» . والتصحيح من «مسائل الكوسج» .
(8)
انظر: مسائل الكوسج (2/ 373) ولفظها: «إن لم يصرفه عن وجه يريد به الميلين والثلاثة. وإن اشتد عليه المشيء فلا يطلبه» .
(9)
في المطبوع: «بشرًا» ، وهو تصحيف ما أثبته من الأصل. والنَّشز: المرتفع من الأرض. وانظر: الإنصاف (2/ 198).
(10)
في الأصل: «حائط» .
قال القاضي وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا: ولا يعتدُّ بطلبه قبل الوقت، بل يلزمه إعادة الطلب في وقت كلِّ صلاة
(1)
، لأنَّ طلب الماء شرط لصحة التيمم، فلا يصحُّ في وقت لا يصحُّ فيه التيمم، و
(2)
لأنه في وقت كلِّ صلاة مخاطب بقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}
(3)
[المائدة: 6]، وذلك لا يلزمه إلا بعد الطلب. وهذا إنما يكون مع الطمع بحصول الماء. فأمَّا مع اليأس، فلا.
وإذا كان معه ماء، فأراقه قبل الوقت، صلَّى بالتيمُّم، لأنه لم يكن وجب عليه الوضوء؛ نصَّ عليه. وإن أراقه بعد دخول الوقت، أو مرَّ بماء في الوقت فلم يتوضَّأ، مع أنه لا يرجو وجود ماء آخر؛ فقد عصى بذلك. فيتيمَّمُ ويصلِّي، ويُعيدُ في أحد الوجهين؛ لأنه فرَّط بترك المأمور به. ولا يعيد في الآخر، كما لو كسر ساقه فعجز عن القيام، أو مزَّق ثوبه فصار عاريًا.
وكذلك لو وهبه بعد دخول الوقت أو باعه [155/أ] لم يصحَّ في أشهر الوجهين، لأنه قد تعيَّن صرفُه في الطهارة. ولا يصح تيمُّمه إلا أن يكون بعد استهلاكه، ففيه الوجهان.
وإذا نسي الماء في رحله وصلَّى بالتيمم لزمه الإعادة. وكذلك إن جهل
(4)
بموضع ينسب فيه إلى التفريط، مثل أن يكون بقربه بئرٌ [أو ماءٌ]
(5)
(1)
نقله في «المغني» (1/ 314) عن ابن عقيل.
(2)
الواو ساقطة من المطبوع.
(3)
في الأصل: «فإن لم تجدوا ماء» .
(4)
في الأصل والمطبوع: «جهله» .
(5)
كلمة «بئر» تقتضي «أعلامها» ، كما جاء النص في «الإنصاف» (2/ 203)، ولكني زدت ما بين المعقوفين لإقامة السياق استئناسًا بما جاء في «المغني» (1/ 319) و «الشرح الكبير» (2/ 203).
أعلامُه ظاهرة، لأنه شرط فعليٌّ يتقدَّم الصلاة، فلم يسقط بالنسيان كالسترة؛ ولأنه
(1)
تطهير واجب، فلم يسقط بالنسيان
(2)
؛ كما لو نسي بعض أعضائه، أو انقضت مدةُ المسح ولم يشعر. وهذا لأن النسيان والجهل إذا كان عن تفريط، فإنه قادرٌ على الاحتراز منه في الجملة؛ ولهذا يقال: لا تنسَ. وإن أضلَّ راحلته، أو أضلَّ بئرًا كان يعرفها، ثم وجدها، فلا إعادة عليه. وقيل: يعيد. وقيل: يعيد في ضلال البئر، لأن مكانها واحد. وإن كان الماء مع عبده، أو وضَعه في رَحْله من حيث لا يشعر، أعاد في أقوى الوجهين.
الفصل الثالث: إذا كان واجدُ الماء يخاف إن استعمله أن يعطَش هو، أو أحد من رفقته، أو بهائمه، أو بهائم رفقته المحترمة= فإنه يتيمَّم. قال الإمام أحمد رضي الله عنه: عدَّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتيمَّمون، ويحبِسون الماءَ لشفاههم
(3)
.
فأما البهائم التي يشرع قتلها، كالخنزير، والكلب الأسود البهيم
(4)
، والكلب العَقور؛ فلا يُحبَس لها الماء.
ثم إن كان هو العطشان، أو يخاف العطشَ على نفسه أو بهائمه أو من يلزمه نفقتُه، وجب [155/ب] تقديمُ الشرب، لأنه
(5)
من الحوائج الأصلية الواجبة،
(1)
في الأصل والمطبوع: «فلأنه» ، تصحيف.
(2)
بعده في الأصل: «بالسهو» ، ونسي الناسخ أن يضع علامة الحذف عليه أو على ما قبله.
(3)
«مسائل ابن هانئ» (1/ 13). وانظر: «المغني» (1/ 344).
(4)
في المطبوع: «والبهيم» خطأ.
(5)
في الأصل: «لأنَّ» .
فتقدَّمُ على العبادات؛ كما تقدَّمُ نفقةُ النفس والأقارب المتعيِّنة على الحجِّ.
وإن كان العطشان رفقته أو بهائمه
(1)
، فالأفضل حبسُ الماء لهم. وهو واجب في أحد الوجهين، اختاره الشريف أبو جعفر وابن عقيل وغيرهما. وفي الآخر: لا يجب. قاله أبو بكر والقاضي لأنه محتاج إليه
(2)
. وقد قال أحمد: إذا كان معه إداوة فيها ماء، فرأى قومًا عطاشًا، فأحَبُّ إليَّ أن يسقيهم ويتيمَّم
(3)
.
وقد صرَّح القاضي بأنّ ذلك لا يجب [إلا] إن خيف
(4)
عليهم التلف. والصواب أن يُحمَل كلام أحمد وأبي بكر على عطش لا يُخاف معه التلف. وقيل: إنما الوجهان فيما إذا خيف أن يعطَشوا. فأما العطش الحاضر فيجب تقديمُ سقيهم له وجهًا واحدًا.
ولا فرق بين أن يكون العطشانُ
(5)
، أو المخوفُ عطشُه
(6)
رفيقَه المزامِل، أو أحدًا
(7)
من أهل القافلة، أو من غيرهم؛ لأنَّ ذلك إنما كان لحرمة الآدميّين والبهائم، وهي لا تختلف بالمرافقة وعدمها. وكذلك البهائم المباحة المحترمة فإنّ في سقيها أجرًا وثوابًا.
(1)
في الأصل: «بهائم» .
(2)
«المبدع» (1/ 181).
(3)
«مسائل ابن هانئ» (1/ 13).
(4)
كتب ناسخ الأصل أولًا: «لا ان خيف» ثم زاد «يجب» فوق «لا» والواو تحت النون، فيقرأ:«لا يجب وإن خيف» . وتصحيحه من المطبوع.
(5)
في المطبوع: «هو العطشان» . زاد «هو» من غير تنبيه، وخفي عليه سياق الكلام.
(6)
في المطبوع: «لخوف عطش» .
(7)
في المطبوع: «أحد» خلافًا للأصل.
ولو كان معه ماءان: نجس وطاهر، و هو عطشان، شرب الطاهر، وتيمَّم، ولم يشرب النجس. فإن خاف العطش فهل يتوضَّأ بالطاهر ويحبس النجسَ، أو يتيمَّم ويحبس الطاهر؟ على وجهين.
الفصل الرابع: إذا كان يخاف على نفسه أو ماله في طلبه، بأن يكون بينه وبين الماء عدوٌّ أو سبعٌ، أو
(1)
يخاف أنه إن طلبه [156/أ] انقطع عن رفقته، أو ضياعَ أهله أو ماله، أو شرودَ دوابِّه= جاز له التيمُّم. إذا كان للخوف 0 سبب مظنون، وإن لم يعلم وجوده، فأمَّا إن كان جُبْنًا
(2)
لزمه الوضوء. وإن
(3)
رأى سوادًا فظنَّه عدوًّا أو سبُعًا، فتيمَّم وصلَّى، ثم تبين بخلافه، فلا إعادة عليه
(4)
في أقوى الوجهين، لكثرة البلوى بذلك، بخلاف صلاة الخوف. فإن لم [يَخَف]
(5)
شيئًا من [ذلك] وقد دلّه على الماء ثقة، لزمه طلبه قولًا واحدًا، كما لو تيقَّنه لأنَّ الماء غلب هنا الظنُّ بوجوده
(6)
. ثمّ لا يخلو إمَّا أن يكون المكان قريبًا أو بعيدًا، و
(7)
على التقديرين فإمَّا أن يمكنه الوضوءُ منه
(1)
«أو» ساقطة من المطبوع.
(2)
يعني: إن كان خوفه لجُبنه. وقرأها محقق المطبوع: «جُنُبًا» ، فظن الجملة سبق قلم من الناسخ.
(3)
قراءة المطبوع: «ولو» ، وما أثبت أقرب إلى رسم الكلمة.
(4)
«عليه» ساقط من المطبوع.
(5)
زيادة ليستقيم السياق، وكذا زيادة «ذلك» الآتية. وفي المطبوع:«فإن لم [ير] شيئًا» وحذف «من» .
(6)
في الأصل والمطبوع: «وجوده» .
(7)
أثبت في المطبوع: «بعيدًا أو» ، وقال في تعليقه:«في الأصل: بعيد» . وإنما كتب الناسخ الألف من «بعيدًا» في أول السطر.
والصلاةُ في الوقت وقتِ الاختيار، أو يخاف إن طلبه أن يفوت الوقت. فأما إن كان قريبًا ويمكنه الصلاة به في الوقت لزمه قصدُه قولًا واحدًا. وإن كان بعيدًا يخشى إن طلبه أن يفوت الوقتُ لم يجب عليه طلبهُ، ولم يجز له تأخير الصلاة حتى تفوت قولًا واحدًا.
وإن كان بعيدًا ويمكنه
(1)
الصلاة به في الوقت، من غير ضرر ولا مشقة كثيرة، بأن يكون في طريقه أو في مقصده، وجب قصدُه أيضًا في إحدى الروايتين، لأنه قادر على تأدية فرضه بالماء في الوقت من غير ضرر، فأشبه القريبَ.
والرواية الثانية: لا يجب قصدُه ولا تأخيرُ الصلاة، بل يصلِّي بالتيمم. هذا هو المشهور في المذهب، لما احتجَّ به الإمام أحمد عن ابن عمر أنه تيمَّم [156/ب] على رأس ميل أو ميلين من المدينة، فصلَّى العصر، فقدِمَ والشمسُ مرتفعة، فلم يُعِد الصلاة
(2)
. وعنه أيضًا أنه تيمَّم بمِرْبَد النَّعَم، وصلَّى
(3)
، وهو على ثلاثة أميال من المدينة. ثم دخل المدينة
(4)
، والشمس مرتفعة، فلم يُعِد
(5)
. رواهما الدارقطني، ورواه مرفوعًا أيضًا
(6)
.
(1)
في الأصل والمطبوع: «لا يمكنه» وهو خطأ يُفسد المعنى.
(2)
أخرجه الدارقطني (1/ 186)، والحاكم (1/ 289).
وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (6/ 267).
(3)
«صلى» ساقط من المطبوع.
(4)
«ثم دخل المدينة» ساقط من المطبوع.
(5)
أخرجه الدارقطني (1/ 186)، والبخاري معلقًا مجزومًا به في باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة.
(6)
(1/ 185)، من طريق عمرو بن محمد، عن هشام بن حسان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر يرفعه.
قال البيهقي في «معرفة السنن» (1/ 299): «تفرد به عمرو بن محمد بإسناده هذا، والمحفوظ عن نافع، عن ابن عمر من فعله» .
ولأنَّ
(1)
به حاجةً إلى تعجيل الصلاة في أول الوقت لبراءة ذمّته، فلم يجب عليه تأخيرُها. وطردُ ذلك أن نقول
(2)
فيمن عجز عن بعض الشرائط والأركان في أول الوقت، وعلم أنه يقدر عليه في آخره: إنَّ له أن يصلِّي بحسب حاله ولأنَّ سبب الرخصة قائم في الحال، فتثبت
(3)
به وإن تيقن زواله في المآل
(4)
، كالقصر في سفر يعلم أنه يقدَم منه قبل خروج الوقت.
وإن كان الماء قريبًا يخاف فوتَ الوقت إن قصَده، أو تشاغل بالوضوء، أو كان الواردون عليه كثيرًا لا تنتهي إليه النوبة حتى يخرج
(5)
الوقت، أو كان في بئر إن اشتغل بالاستقاء ونحوه خرج الوقت= تيمَّم في أحد الوجهين، لأنَّ فرضه كان هو التيمُّم، ولم يجد الماء على وجه يمكنه الصلاة به في الوقت، فاستمرَّ حكمُ العدم في حقِّه، كما لو علم أنه لا يجده إلا بعد خروج الوقت وإن كان الوضوء في الوقت لا أثر له لأن الوقت للصلاة.
والوجه الثاني: يشتغل بأسباب الوضوء وإن فات الوقت، كما لو كان في الحضر. وإذا خشي دخولَ وقت الضرورة، فهو كما لو خشي خروجَ
(1)
في الأصل: «ولا به» . وفي المطبوع: «ولأنه به» .
(2)
أثبت في المطبوع: «يقال» ، وذكر أن في الأصل:«يقول» . والصواب ما أثبتنا.
(3)
يعني الرخصة. وفي المطبوع: «فيثبت» .
(4)
أثبت في المطبوع بين القوسين «الحال» مع الإشارة إلى أن في الأصل: «المال» .
(5)
كتب في المتن: «يفوت» ، ثم كتب فوقه:«يخرج» دون علامة.