الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا يصليها ولا يلزمه الحضور، ولكن يصليها ظهرًا كغيره من أهل الأعذار، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وهو الأقرب إلى الصواب.
صلاة النفل بعد الجمعة وأحكامها:
436 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا". رواه مسلم.
قوله: "إذا صلى أحدكم الجمعة" يعني: فرغ منها، "فليصل" الفاء رابطة لجواب، أين الجواب؟ الجواب:"يصلي"، والشرط:"إذا صلى"، وجواب الشرط يكون بعد فعل الشرط فورًا إلا بدليل، وعلى هذا فقوله:"فليصل بعدها أربعًا" يكون بعد الجمعة مباشرة، وقوله:"فليصل بعدها أربعًا" يعني: أربع ركعات، هذه الأربع ظاهرها أنها تصلى بتسليم واحد، وقيل: تصلى بتسليمين على ركعتين، فأما من قال بالأول فقال: هذا هو ظاهر الحديث، ومن قال بالثاني قال: إن الأحاديث المطلقة تحمل على الأحاديث المقيدة، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:"وصلاة الليل والنهار مثنى مثنى". فإن هذه الكلمة: "والنهار" اختلف فيها الحفاظ، ولكن الراجح أنها ثابتة، وعلى هذا فتكون مقيدة لكل الأحاديث المطلقة، والغريب أن الذين قالوا: إنها تصلى أربعًا بسلام واحد أيدوا مناسبة ذلك، قالوا: لئلا يظن إذا سلم من ركعتين أنه أتم الجمعة ظهرًا، أن هاتين الركعتين إتمام للجمعة ولكننا نقول: هذه المناسبة تعكس عليكم إذا قيل: إنه يصلى أربعًا، فيقال: إن الرجل صلى الجمعة، ثم صلى ظهرًا ثانيًا، وهذا القول بأن يصلي ركعتين ركعتين أبعد عن إعادة الظهر، وأبعد عن ألحاقها؛ لأن الإلحاق هنا ممتنع بواسطة السلام.
وقوله: "فليصلى بعدها أربعًا" اللام هنا لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، ولكن عندنا قرينة تخرجه عن الوجوب للاستحباب ما هي؟ حديث معاذ:"أعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات". وحديث الأعرابي قال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع".
حكم فصل الفريضة عن النافلة:
437 -
وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه: أن معاوية رضي الله عنه قال له: "إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاةٍ، حتى تتكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك: ألا نوصل صلاةً بصلاةٍ حتى نتكلم أو نخرج". رواه مسلم.
هذا الكلام كلام معارض، لكنه استدل له بقوله:"فإن رسول الله"، وقوله:"فلا تصلها بصلاة" يعني: لا تأت بعدها بصلاة مباشرة حتى تتكلم، والكلام يطلق على كلام الآدميين، ويطلق على الكلام كلام الذكر، فهل المراد هنا العموم يعني: حتى تتكلم بذكر أو مع الآدميين، أو أن المراد الثاني؟ الظاهر: أن المراد العموم؛ لأن الكل كلام، ويؤيد هذا الظاهر أن الفصل بين الفرض والسنة يحصل بمثل هذه الأذكار؛ إذ إن هذه الأذكار لا يشرع جنسها في الصلاة، فلا يقال: إنها صلاة واحدة، وأن هذا الذكر بينهما من الصلاة، فما دام لا يوجد في الصلاة:"اللهم إنك أنت السلام"، ولا "أستغفر الله" ولا "سبحان الله" وما أشبهها فإن الفصل يحصل بذلك، وقال بعض العلماء: إنه لا يحصل إلا بكلام لا تبطل به الصلاة حتى تتبين المباينة، وأنه لا يمكن أن يبنى هذا النفل على الفرض؛ لأن التسبيح والذكر إذا قاله إنسان في الصلاة فلا تبطل، فلابد أن يتكلم بكلام يبطل الصلاة ليتحقق الفرق والفصل، ولكن إذا أخذنا بالظاهر وقلنا: إن جنس هذا التسبيح وإن كان لا يبطل الصلاة لكن لا يشرع مثله، فإنا نكتفي بالفصل بهذا التسبيح.
وقوله: "أو نخرج" أي: من المسجد، ثم استدل لذلك:"فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك" معلوم أن المشار إليه مبهم حتى يتبين الكلام سابق أو لاحق وهنا بينه بقوله: "ألا نوصل صلاة بصلاة"، "ألا نوصل" هذه عطف بيان بالنسبة لاسم الإشارة؛ أي: بألا نصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج، وقوله:"صلاة بصلاة""صلاة" هذه نكرة في سياق النفي، فتكون عامة للفريضة والنافلة، وكذلك "بصلاة" عامة للفريضة والنافلة، "فالفريضة" نفصلها بذكر، وكذلك نفل بنفل كصلاة الليل، والوتر، وما أشبه ذلك، لا حاجة إلى أن نفصل بينهما إلا أنه روي عن ابن عمر في الوتر بثلاث أنه إذا سلم من ثنتين كان يأمر ببعض حاجته ليفصل بينهما، وكأنه رضي الله عنه أخذ هذا من العموم:"ألا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج".
فيستفاد من هذا الحديث: أولاً: بيان تبليغ الشرع؛ لأن معاوية رضي الله عنه أبلغ السائب مع أنه هو الخليفة، فلا ينبغي للإنسان أن يأنف ويقول: يبلغه غيري.
ومن فوائده أيضًا: الاستدلال بالأحاديث النبوية على المسائل العلمية؛ لأن معاوية استدل، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستدل بالقرآن مثل قوله عليه الصلاة والسلام:"اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ: {فأما من أعطى} [الليل: 5]، ومنه قوله: "الصدقة تطفئ الخطيئة،
وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا:{تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعلمون} [السجدة: 16]. وأمثلة ذلك كثيرة، والصحابة رضي الله عنهم يستدلون بالقرآن وبالسنة أيضًا.
ومن فوائد الحديث: أن الأفضل ألا توصل صلاة بصلاة حتى يكون كلام أو خروج؛ لقوله: "أمرنا ألا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج".
ومن فوائده أيضًا: أن للشارع نظرًا في الفرق بين الفرض والسنة حتى لا يلتبس الأمر على العامل فلا يحاول أحد أن يزيد في فرائض الله، بل يكون أمره واضحًا متميزًا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه". لأجل أن يبقى رمضان متميزًا عن الفرض، إلا من كان له صوم ولا صام عن رمضان فهذا لا بأس.
ومنها: الإشارة إلى أن الأفضل أن يصلي الإنسان النوافل في غير المسجد، من أين تؤخذ؟ من قوله:"أو يخرج"، ولا شك أن الأفضل في النوافل البيت كل النوافل، فما يفعله الناس الآن من كونهم يتنفلون في المسجد فهذا خلاف الأصل، وإن كان جائزًا خصوصًا فيما بعد السلام، أما ما قبل السلام فقد يقول الرجل: أنا أحب أن أتقدم إلى المسجد لأنال الأجر والفريضة، فهذا جائز، لكن بعد السلام أكثر الناس الآن تجدهم يصلون الراتبة في المسجد وهذا خلاف الأفضل، وإن كان جائزًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، لكن الناس يتعللون بعلتين:
العلة الأولى: يقولون: إذا خرجنا إلى البيت غفلنا عنها، أو اشغلنا الأولاد.
والعلة الثانية: أننا نصليها في المسجد لأجل تنشيط بعضنا بعضًا؛ لأننا إذا انصرفنا فإن الجاهل ما يدري يحسب أنه ليس هناك نافلة فنحن نفعلها ليقتدي بعضنا ببعض.
أما العلة الأولى فهي علة عليلة؛ لأننا نقول في جوابها: إذا مرنت نفسك على أن تصلي الراتبة في البيت فلا تنساها لأنك منظم نفسك.
وأما العلة الثانية فقد تكون وجيهة لكن جوابها أن تقول: نفهم الناس ونعودهم على السنة حتى يعرفوا، فيقال: السنة للمغرب بعده ركعتين، والعشاء كذلك، والأفضل أن تكون في البيت ويلاحظون في هذه الأمور، لأن الناس قد ينسون وقد يغفلون فيجب التنبيه.
ومن فوائد الصلاة في البيت: البعد عن الرياء، ومنها: أن الأولاد الصغار يتعلمون، فالصغار إذا رأوا أباهم يصلي يقتدون به لاشك، المهم يتعلمون، وهذا هو الحكمة من قوله عليه الصلاة والسلام:"لا تجعلوا بيوتكم قبورًا". يعني: لا تجعلوها بلا صلاة، بل صلوا فيها.