الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الوصف المعين تحية المسجد ما سببها؟ دخول المسجد سبب لأصلها أو لوصفها؟ لأصلها؛ لماذا؟ لأن الوصف لم تتميز عن غيرها، الركعتان هما الركعتان لا تتميز.
إذن صلاة الخوف لو قال لنا قائل: هل هي من باب إضافة الشيء إلى سببه؟ نقول: نعم، فإذا رد علينا وقال: إن الصلوات التي تصلى مع الخوف مشروعة من قبل الخوف، قلنا: باعتبار الصفة، لا باعتبار الأصل، يعني: الصلاة التي يكون سببها الخوف بحيث تقوم على هذه الصفة المعينة لا على أنها مشروعة لأجل الخوف، لكن كونها على هذا الوصف المعين سببه الخوف.
شروط صلاة الخوف:
واعلم أن من شروط صلاة الخوف أن يكون القتال مباحًا، فإن كان القتال محرمًا فإنه لا تصح فيه صلاة الخوف؛ لماذا؟ لأن صلاة الخوف شرعت على هذا الوجه تخفيفًا على المقاتلين، وإذا كان القتال محرمًا فإنه لا يناسب التخفيف عنهم؛ لهذا نقول له: اترك القتال وصل صلاة آمن.
وهذه المسألة يمكن أن يقال فيها ما يقال في حل أكل الميتة للمسافر سفرًا محرمًا، فإن العلماء اختلفوا فيمن سافر سفرًا محرمًا هل يجوز له أكل الميتة عند الضرورة أو لا؟ فالمشهور من المذهب: أنه لا يحل له أكل الميتة عند الضرورة حتى لو مات لا يأكلها، لماذا؟ لأن السفر محرم، وأكل الميتة رخصة، وإن كان رخصته واجبة فماذا نقول له؟ نقول له: تب وكل وارجع إلى بلدك، ويمكن أن يفرق بينها وبين السفر المحرم، أو بين جواز أكل الميتة في السفر المحرم، فالمهم: أنه يشترط عندنا أن يكون القتال مباحًا، فإن كان محرمًا فإنه لا يصلي صلاة الخوف، ولكن يجب أن نعرف الفرق بين رجل مدافع ورجل مهاجم فيما إذا كان القتال محرمًا كالقتال بين المسلمين فإنه يجب أن نفرق بين رجل مهاجم ورجل مدافع، أيهم الذي يحرم عليه؟ المهاجم، أما المدافع فإنه معذور، بل مأمور بان يدافع عن نفسه؛ ولهذا في قتال الخوارج وقتال أهل البغي الجانب الذي فيه الإمام معذور ويصلي صلاة الخوف، والجانب الآخر غير معذور فلا يصلي صلاة الخوف بناء على اشتراط أن يكون القتال مباحًا.
الصفة الأولى لصلاة الخوف:
450 -
عن صالح بن خواتٍ رضي الله عنه، عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: "أن طائفًة من أصحابه صلى الله عليه وسلم صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعًة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى،
فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم". متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
- ووقع في المعرفة لابن منده، عن صالح بن خواتٍ، عن أبيه.
قوله: "عمن صلى" مبهم، وإبهام الصحابي لا يضر؛ لأن أهل العلم بالحديث يقولون: إن جهالة الصحابي لا تقدح في صحة الحديث؛ وذلك لأن الصحابة كلهم عدول عند أهل السنة إلا من ثبت في حقه ما ينافي ذلك، وهذا في المبهم لا يتحقق، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم كما قال شيخ الإسلام إذا كان صدر عن أحد منهم ما صدر من الذنوب فإن لديه مكفرات تكفر هذه الذنوب، منها مثلًا فضل سابقته في الإسلام وفي بدر كما في حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه حيث تجسس على المسلمين في مكاتبته قريشًا لما استأذن عمر رضي الله عنه أن يقتله قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر وقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". المهم أن جهالة الصحابي لا تضر، هذا هو المعروف عند أهل العلم بالحديث.
وقوله: "يوم ذات الرقاع" الرقاع جمع رقعة، وهي من الجلود أو نحوها، وسميت بذلك لأنهم كانوا مشاة كثير منهم ونقبت أقدامهم من الأرض، فصاروا يلبسون أو يلفون على أرجلهم رقاعًا للوقاية فسميت بهذا الاسم.
وقوله: "صلاة الخوف" هل ترونها مصدرًا أو مفعولًا به؟ إذا قلت: "صليت صلاة الظهر" مفعول به؛ لأن الفعل وقع عليها، هذا هو الفرق بين المفعول به والمفعول المطلق، المفعول به يكون الفعل وقع عليه، والمفعول المطلق يكون دالًا على أحد مدلولي الفعل الذي هو المعنى.
قال: "أن طائفة من أصحابه صلى الله عليه وسلم صفت معه" وطائفة بالرفع أو بالضم؟ جائز الأمرين، قال ابن مالك:
وجائز رفعك معطوفًا على
…
منصوب إن بعد أن تستكملا
"وطائفة وجاه العدو" وجاه؛ أي: مقابل، قبل وجهه، و"العدو" المراد به: الكافر، فالكافر عدو للمؤمن بلا شك: } يأيها الذين امنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء {[الممتحنة: 1]. فأعدى الأعداء هو من عداك من أجل الدين؛ لأن عداوته - والعياذ بالله - أصيلة في قلبه.
يقول: "وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائمًا، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا
وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم". هذا الحديث صورته: قسمهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى قسمين، ولابد أنه أعلمهم بذلك قبل أن يصلي وإلا ما عرفوا كيف يتصرفون، طائفة وجاه العدو تحجزه أن يهجم عليهم وطائفة أخرى تصلي معه صلت معه ركعة كاملة، ولما قام بقي قائمًا عليه الصلاة والسلام والذين معه أتموا لأنفسهم، يعني: ركعوا وسجدوا وتشهدوا وسلموا، وانصرفوا، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم وحده في هذه الحال هل هو إمام أو لا؟ الآن ما معه أحد ثبت قائمًا ولابد أنه يقرأ؛ لأن الصلاة ليست فيها سكوت فلابد أن يقرا، لكن ما نعرف ماذا قرأ، فجاءت الطائفة الأخرى التي كانت وجاه العدو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم فكبروا ودخلوا معه وركعوا معه وسجدوا معه حتى جلس للتشهد وهم قاموا وهو باق على جلوسه، ثم قرءوا وركعوا وسجدوا وجلسوا للتشهد مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك سلم بهم.
انظر العدل في الإسلام الطائفة الأولى أدركت معه تكبيرة الإحرام، والطائفة الثانية أدركت معه التسليم، فكان ذلك من تمام العدل، والنبي عليه الصلاة والسلام أراد منهم أن يكونوا جماعة واحدة وإلا فإمكانه أن يقول: أنتم في هذا الوقت احرسوا وأنتم صلوا معي، ويقول للحارسين في الوقت الثاني: صلوا معي، وأولئك يحرسون، لكن من أجل أن يشعروا بأنهم أمة واحدة وطائفة واحدة جعلهم النبي عليه الصلاة والسلام ينقسمون هذا الانقسام وإن حصل فيه شيء من المخالفات لكنها تغتفر من أجل المصلحة والاجتماع.
شروط هذه الصفة:
هذه صفة هذه الصلاة، فإذا قال قائل: ما شرط هذه الصلاة؟ قلنا: شرطها ألا يكون العدو في جهة القبلة، فإن كان العدو في جهة القبلة ما نصلي هذه الصلاة، نصلي بصفة أخرى ستأتينا - إن شاء الله تعالى - قريبًا، وأما إذا كان العدو يمينًا أو يسارًا، أو خلفًا في هذه الجهات الثلاث فنصلي هذه الصلاة، هذه الصفة توافق ظاهر القرآن؛ ولهذا قال الإمام أحمد في صلاة الخوف، أنها جائزة على جميع الوجوه التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"وأما حديث سهل - يعني: ابن أبي حثمة - فأنا أختاره"، إنما اختاره رحمه الله من أجل موافقته لظاهر القرآن: } وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم {[النساء: 102].
يقول: "ووقع في المعرفة لابن منده، عن صالح بن خوات، عن أبيه"، الآن تعارض عندنا تعيين مسلم وتعيين ابن منده، فأيهما يقدم؟ الجمع الآن ممكن فنقول: رواه عن صالح، وعن أبيه، فحينئذٍ يكون الجمع غير متعذر، وكلما أمكن الجمع فهو أولى؛ لأننا إذا رجحنا فمعناه: إلغاء
إحدى الروايتين، هذه الصورة كما قلنا هي الموافقة لظاهر القرآن في قوله: } فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم {[النساء: 102]. ومن قوله في الطائفة الثانية: } ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك {[النساء: 102]. أما الطائفة الأولى فما أدركت الصلاة كلها حقيقة وحكمًا؛ لأنه قال: } فلنقم طائفة {، والثانية أدركتها حقيقة وحكمًا؛ لأنه قال: } فليصلوا معك {، ولأن الطائفة الثانية كبرت مع الإمام وسلت مع الإمام، والطائفة الأولى كبرت مع الإمام وسلمت قبل الإمام.
حكم حمل السلاح في صلاة الخوف:
في القرآن ذكر الله عز وجل: } وليأخذوا أسلحتهم {، فيجب أخذ السلاح لهذه الصلاة، لا نصلي ونجعل أسلحتنا بالأرض، يجب أن نأخذ الأسلحة، وحمل السلاح هنا واجب أو سنة؟ وإذا قلنا بالوجوب فهل تصح الصلاة بدونه أو لا تصح؟ الصحيح: أنه يجب أو يستحب حسب الحاجة، وعند الشك نقول: الأصل في الأمر الوجوب فيجب الحمل، ثم هل تصح الصلاة بدونه أو لا؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة لا تصح بدونه، والصواب: أن الصلاة تصح بدونه، لأن هذا ما يعود إلى الصلاة وإنما يعود إلى الحذر، فليس له تعلق بالصلاة، ثم إن الله عز وجل قال في الطائفة الثانية: } فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم {، وفي الأولى قال: } وليأخذوا أسلحتهم {، وهنا أوجب أمرين: أخذ الحذر والأسلحة؛ لماذا؟ لأن في الطائفة الثانية قد يكون العدو عرف أنهم يصلون فتأهب للهجوم بخلاف الطائفة الأولى، فالعدو قد يكون غافلًا وهذا من براعة القرآن، ومن حكمة الله عز وجل في إرشاد عباده إلى ما فيه مصلحتهم وإلى الحذر من أعدائهم قال: } وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم {، ثم إن أهل العلم قالوا في هذا الباب يجوز أن يحمل السلاح ولو كان نجسًا للضرورة حتى لو فرض أن فيه نجاسة من دماء لم تغسل على القول بنجاسة دم الآدمي، أو لو كانت من جلود نجسة أو ما أشبه ذلك، لقد اختلفت الأسلحة الآن، ولكن على كل حال الذي يحمل منها يحمل، والذي لا يحمل لابد أن يكون عنده أحد حارس له وحارس للمقاتلين.
يستفاد من هذا الحديث: وجوب صلاة الجماعة، من أين تؤخذ؟ يعني: إذا كان أمر بها حال القتال فدونه من باب أولى.
ويستفاد من الحديث: حسن تدبير الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قسم أصحابه إلى قسمين على الوجه المذكور.
ومن فوائده أيضًا: أن صلاة الخوف الركعة الثانية أطول من الأولى بخلاف سائر الصلوات فإن الركعة الأولى أطول من الثانية.
ومن فوائد الحديث: جواز الانفراد للحاجة، من أين تؤخذ؟ من أن الطائفة الأولى انفردت،