الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تابوا منها آدم اعتذر بأكله من الشجرة، ونوح اعتذر بأنه سأل ما ليس به علم، وإبراهيم اعتذر بأنه كذب ثلاث كذبات، وموسى اعتذر بأن قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها؛ لأن من لم يكن عابدًا قانتًا لله ليس أهلًا للشفاعة، حتى لو طلبت أن يدعو لك وهو ليس من الصالحين فهذا غلط؛ لأنه ليس محلًا لأن يكون مجاب الدعوة لكونه غير صالح، والله تعالى إنما يتقبل من المتقين، ولكن مع هذا قد يتقبل من غير المتقين لحكمة يريدها- سبحانه وتعالى.
الحاصل: أن هذه الأنواع منها جائز ومنها ما هو ممنوع، وكل هذا بمقتضى الأدلة الشرعية.
شبهة والرد عليها:
فإن قلت: ما نوع التوسل في قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم"؟ توسل بفعل الله، فهو من التوسل بصفات الله، أفعاله من صفاته، لكن أفعاله صفات غير ذاتية يسمونها صفات فعلية، بخلاف صفاته الذاتية الدائمة التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها، وعلى هذا فتوسل عمر رضي الله عنه لو تمسك به متمسك وقال إن عمر يقول:"كنا نتوسل إليك بنبينا وإننا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا فيسقون"، وليس فيه أن العباس دعا؟ قلنا: الجواب على ذلك من وجهين:
الأول: أنه قد روي في غير البخاري أن العباس قام فدعا الله، وأن عمر قال: قم يا عباس فادع الله، فقام فدعا. هذه واحدة.
الوجه الثاني: نقول في رواية البخاري التي معنا ما يدل على أن عمر رضي الله عنه أراد أن يدعو العباس الله، كيف؟ لأنه قال: نتوسل إليك بنبيك، وقد علم أنهم لا يتوسلون بالنبي- عليه الصلاة والسلام إلا بدعائه، فيكون توسل عمر بدعاء العباس كما كانوا يتوسلون بالنبي- عليه الصلاة والسلام، فيكون حديث البخاري فيه إشارة إلى أن التوسل بالعباس ليس بذاته، ولكن بدعائه.
فإن قلت: لماذا خص العباس مع أن في القوم من هو أفضل منه؟
أجبنا على ذلك فيما سبق: بأنه أقرب الناس إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظمه حتى كان له بمنزلة الوالد، فلهذا توسل به عمر رضي الله عنه.
ما يفعل عند هطول المطر:
492 -
وعنه رضي الله عنه قال: "أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر قال: فحسر ثوبه، حتى أصابه من المطر، وقال إنه حديث عهد بربه". رواه مسلم.
قوله: "أصابنا ونحن مع رسول الله"، الجملة هذه حالية، يعني: والحال أننا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحلها النصب على الحال.
وقوله: "أصابنا مطر" يعني: نزل علينا، فإما أن يكون من الإصابة، وإما أن يكون من الصوب للنزول، وكلاهما صحيح بالنسبة للمطر.
وقال: "فحسر ثوبه""حسر" يعني: رفعه حتى أصابه من المطر، ثم علل- عليه الصلاة والسلام وقال:"إنه حديث عهد بربه" يعني: قريب عهد بالله عز وجل لماذا؟ لأنه خلق الآن فهو حديث عهد بربه، ولاحظ أن الرسول- عليه الصلاة والسلام فعل ولم يأمر، فيكون هذا الفعل دالًا على الاستحباب وليس بواجب؛ لأنه سبق لنا قاعدة أن الفعل المجرد من الرسول- عليه الصلاة والسلام لا يدل على الوجوب، لكن إن ظهر فيه قصد التعبد كان دالًا على الاستحباب، وإن كان على سبيل العادة أو الجبلة فإنه لا يدل على الاستحباب.
وقوله: "إنه حديث عهد بربه"، هل هذه العلة متعدية أو إنها لازمة؛ لأن بعض العلل تكون لازمة؟ الظاهر أنها لازمة لا متعدية، بمعنى: أنه لا يشرع أن كل شيء يخلقه الله من جديد نمسه بأبشارنا؛ يعني: لو أن الإنسان يقول: إذا نبت الزرع أول ما ينبت هل يسن لي أن أحسر عن ثوبي وأمس هذا الزرع الأخضر مثلًا؟ لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يفعله، فتكون هذه العلة قاصرة على معلولها لا نتعدى لغيره، ودليل ذلك التتبع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل هذا.
وقوله: "حديث عهد بربه" يستفاد منه فائدة في أصول الدين: وهو تجدد فعل الله عز وجل، - وأن الله عز وجل يفعل ما يشاء، وفعله هنا المتجدد بالنسبة إلى المفعول، يعني: خلقه لهذا الشيء الجديد غير خلقه للشيء القديم، أما أصل الصفة وهي الخلق فهي قديمة لازمة لله عز وجل لم يزل ولا يزال خلاقًا، لكن لا شك أنه يخلق الولد بعد خلق أبيه، ويأتي الليل بعد النهار، والنهار بعد الليلة السابقة، وكل ذلك مخلوق يتجدد.
فيستفاد منه: قيام الأفعال الاختيارية بالله عز وجل، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، وإن كان الأشاعرة وكثير من المتكلمين ينكرون هذا ويقولون: إنه لا يمكن أن نقول لله أفعال اختيارية؛ لماذا؟ قالوا: لأن الفعل الحادث لا يكون إلا بحادث، والله عز وجل ليس بحادث، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، ولا ريب أن هذا التعليل لا أقول: إنه عليل، لكن أقول: إنه ميت، إذ كيف ينكر ما جاء في الكتاب والسنة من ثبوت الأفعال الاختيارية الكثيرة التي أثبتها الله لنفسه، والتي عبر عنها بقوله:{إن ربك فعال لما يريد} [هود: 107]. {فعال} صيغة مبالغة، كيف ننكر هذا من أجل حجة ضعيفة؟ من يقول: إن الفعل الحادث لا يكون إلا بحادث؟ هذه القاعدة يبطلها العقل والشرع، بل إن القديم المتصف بالصفات الكاملة أولى أن يكون قادرًا على الفعل متى شاء، هم عندهم أن الله لا يفعل فعلًا اختياريًا أبدًا؛ ولهذا يقولون: إن الله لا يتكلم بكلام يسمع، وإنما كلامه هو المعنى القائم بالنفس كالعلم والقدرة، والكلام المسموع هذا شيء مخلوق خلقه الله، وهم مع ذلك يقولون: إنها لا تقوم بها الأفعال الاختيارية، ولهذا تجد