الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة"، يعني: ولا ثلاثة؛ لأن نفي الاثنين يقتضي نفي الثلاثة، علي أن المثني أحيانًا يراد به مطلق التكرار وإن زاد علي الاثنين كما في قول الملبي:"لبيك اللهم لبيك"، فإن هذا صورته صورة المثني، ومعناه: العدد الكثير وكما في قوله تعالي: {ثم أرجع البصر كرتين} [الملك: 4]، يعني: لو رجعت البصر كرات كثيرة لرجع إليك البصر خاسئًا وهو حسير، وبذلك نعرف ضعف قول من يقول: إن الإنسان إذا أوتر في أول الليل ظنًا منه أنه لا يقوم ثم قام في آخره أنه يصلي أول ما يصلي ركعة؛ لينتقض بها الوتر الأول ثم يصلي ركعتين ركعتين، ويختم صلاته بوتر، وهذا ضعيف، بل نقول لمن أوتر في أول الليل ظنًا منه أنه لا يقوم، ثم قام: صل ركعتين ركعتين؛ "صلاة الليل مثني مثني"، وأما الوتر السابق فهو علي ما هو عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" ولم يقل: لا تصلوا بعد الوتر، وقد سبق لنا الفرق بين العبارتين.
ما يقرأ في الوتر:
365 -
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1]، و: {قل يأيها الكافرون} [الكافرون]. و: {قل هو الله أحد} [الإخلاص] ". رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. وزاد:"ولا يسلم إلا في آخرهن".
366 -
ولأبي داود، والترمذي نحوه عن عائشة رضي الله عنها وفيه:"كل سورة في ركعة، وفي الأخيرة: {قل هو الله أحد} [الإخلاص]. والمعوذتين".
هذه الأحاديث فيها بيان ما يقرأ في الوتر، والوتر كغيره من الصلوات لا يجب فيه إلا قراءة الفاتحة، هي التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وما سوي ذلك فهو سنة، لكن ما ورد معينًا فالأفضل أن يقرأ به الإنسان، وما كان مطلقًا فإن الإنسان يقرأ بما يشاء، مما ورد معينًا، إذا أوتر الإنسان بثلاث فإنه يقرأ في الركعة الأولي:{سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الثانية:{قل يأيها الكافرون} ، وفي الثالثة:{قل هو الله أحد} ، والإيتار بهذه السور الثلاث ظاهر؛ لأن في قوله تعالي:{سبح اسم ربك الأعلى (1) الذي خلق فسوي (2)} [الأعلى: 1 - 2]
…
إلخ، فيها ذكر ابتداء الخلق وتقدير الله عز وجل له والإخبار بأن من تزكي فهو مفلح، وفيه أيضًا الحث علي الرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا.
وأما قوله: {قل يأيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} ففيهما الإخلاص؛ ففي {قل يأيها الكافرون} الإخلاص بالقصد والإرادة، بل والعمل أيضًا، وفي {قل هو الله
أحد} الإخلاص بالعقيدة، بأن تعتقد أن الله -سبحانه وتعالي- واحد في ذاته وصفاته، وأما حديث عائشة الذي فيه الزيادة بأن يقرأ مع {قل هو الله أحد} أحد المعوذتين، فإن أتي بها الإنسان فهو حسن، وإن لم يأت فلا حرج.
367 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوتروا قبل أن تصبحوا". رواه مسلم.
-ولابن حبان: "من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له".
هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "أوتروا قبل أن تصبحوا"، وفي الحديث الثاني أن من أدركه الفجر قبل أن يوتر فلا وتر له.
فيستفاد منه: أنه إذا طلع الفجر وأنت لم توتر، فلا توتر ولا قبل صلاة الفجر، خلافًا لمن أجاز ذلك من أهل العلم، وقال: إنه يجوز إذا طلع الفجر وأنت لم توتر يجوز لك أن توتر بعد طلوع الفجر، وقبل الصلاة، ولكن ظاهر الأحاديث يدل علي أنه إذا طلع الفجر ينتهي الوتر، ولكن ماذا يصنع الإنسان إذا لم يوتر؟ يصنع ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو وجع صلى في النهار ثنتي عشرة ركعة، وعلي هذا يصلي من الضحى عدد وتره، ولكن يضيف إليها ركعة ليكون شفعًا، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث ولم يتيسر له الوتر، فإنه يقضي في النهار أربعًا، وإذا كان يوتر بخمس يوتر بست، وهكذا.
وفي هذا دليل علي أن العبادات المؤقتة لا تصح بعد وقتها، كما أنها لا تصح قبل وقتها، وبناء علي ذلك يتبين أن الصواب أن من ترك فريضة حتى خرج وقتها متعمدًا بدون عذر فإنه لا صلاة له ولو صلى ألف مرة، ولكن ليس عليه إلا أن يتوب ويستغفر ويخلص لله عز وجل في توبته، وأما أن يلزم بالقضاء وقد ترك الصلاة عمدًا حتى خرج وقتها فإنه لا يلزم بها ليس رأفة به وتسهيلًا عليه، ولكنه لعدم قبولها منه، والله عز وجل لا يقبل إلا ما كان خالصًا صوابًا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، أي: مردود، فإذا كانت صلاة العبد مؤقتة بوقتها فإنها لا تصح بعد وقتها إلا في حال العذر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك".
368 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر". رواه الخمسة إلا النسائي.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فليصل إذا أصبح أو ذكر"، لم يبين كيف يصلي، ولكن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لقوله، فتكون صلاة الوتر قضاء مشفوعًا بركعة، وقوله:"فليصل إذا أصبح أو ذكر" يدل علي أنه لو فرض أنك نسيت الوتر هذه الليلة ولم تذكره إلا في الليلة الثانية، فإنك توتر، لكن تقضيه شفعًا؛ لأنه فات وقته.
شبهة والرد عليها:
369 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل". رواه مسلم.
تقدم الكلام علي ما يقتضيه هذا الحديث، ولكن في قوله صلى الله عليه وسلم:"فإن صلاة آخر الليل مشهودة" يعني: تشهدها الملائكة، وتكون موافقة لوقت نزول الرب عز وجل، فإن الله تعالي ينزل كل ليلة حين يبقي ثلث الليل الآخر إلي السماء الدنيا ويقول:"من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر"، كل ليلة في كل ليالي السنة، وليس في رمضان وحده، وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم، حتى قال بعض أهل العلم: إنه من المتواتر، ولم يسأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم: من الذي ينزل؟ لأن الأمر أوضح من أن يسأل عنه، وكل شيء من الأفعال يضيفه الله إلي نفسه فإن المراد به: ذات الله عز وجل، فمثلًا {خلق السموات والأرض} [الأعراف: 54]، يعني: هو بنفسه الذي خلقها، وكذلك {استوي علي العرش} [الأعراف: 54]، ما حاجة أن نقول: بذاته؛ لأنه فعل أضيف إلي الله، فمن يقوم به؟ يقوم به الله عز وجل، وهكذا كل شيء أضافه الله إلي نفسه فالمراد به: ذاته، وعلي هذا فالصحابة رضي الله عنه ما سألوا ما الذي ينزل يا رسول الله: هل هو أمره؟ هل هو رحمته؟ هل هو ملك من ملائكته؟ هل هو نفسه ينزل؟ ما سألوا عن ذلك، لماذا؟ لأنه أضيف إلي نفسه "ينزل ربنا"، فكما أنهم لم يسألوا عن قوله تعالي:{خلق السموات والأرض} ، فهم-هنا-نفس الشيء؛ لأنه فعل أضيف إلي الله، فيكون من الله- سبحانه وتعالي-، ولهذا يخطئ خطأ كبيرًا من يظن أن الصحابة- رضي الله عنهم لم يفهموا معاني أسماء الله وصفاته وأنهم فوضوها تفويضًا، وأنهم لا يعرفون إلا مجرد التلاوة فقط، بل نقول: هم أعلم الناس بمعناها، ويعرفونها معرفة
تامة، والذين قالوا: إن الله لا ينزل وإنما الذي ينزل ملائكته أو رحمته أو أمره، جنوا علي النص جنايتين-والعياذ بالله-:
الجناية الأولي: أنهم صرفوه عن ظاهره، وهذه جناية كبيرة؛ لأنها من تحريف الكلم عن مواضعه. والجناية الثانية: أنهم أثبتوا له معني ما ذكره الله تعالي ولا رسوله، فيكونوا قد ألحدوا من وجهتين من جهة نفي ما دل عليه اللفظ، ومن جهة إثبات ما لم يدل عليه، والإلحاد في كلام الله ليس بالأمر الهين، قال الله تعالي:{إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} [فصلت: 40]، وقد ذم الله تعالي بني إسرائيل لكونهم يحرفون الكلم عن مواضعه:{من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه} [النساء: 46]، ولهذا كل من حرف كلام الله أو كلام رسول صلي الله عليه وسلم فإنه فيه شبه من اليهود، فالحذر الحذر من أتباع أولئك الذين يحرفون ما نطق الله به وما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم بأبلغ كلام وأوضحه، صادر عن عالم به وبمقتضاه، وصادر عن ناصح لمن يخاطب، فالله عز وجل يقول:{يبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: 176]، إذن هل أراد الله منا بكلامه أن نضل؟ لا، {يبين الله لكم أن تضلوا} ، {يريد الله ليبين لكم ويهديكم} [النساء: 26].
هذا ما يريده الله لعباده، والنبي صلي الله عليه وسلم مبلغ عن ربه ومبين، قال الله تعالي:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44]. فهو صلى الله عليه وسلم يريد البيان، ولا أحد يشك في أنه صلي الله عليه وسلم أصلح الخلق للخلق كما أنه لا أحد يشك في أنه أعلم الخلق بالله، ولا أحد يشك في أنه أفصح الخلق، فقد أجتمع في كلامه كمال الإرادة، وكمال النصح، وكمال البيان، وما بعد ذلك إمكان لأن يحرف كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يقال: أن المراد به كذا وكذا ويصرف عن ظاهرة، ثم إن في تفسير ذلك بنزول أمره فيه أيضًا خطأ من جهة: أن أمر الله هل ينتهي بالسماء الدنيا؟ لا؛ {يدبر الأمر من السماء إلي الأرض} [السجدة: 50]، ليس منتهاه السماء الدنيا، فإذا قالوا: الرحمة نفس الشيء، نقول: رحمة الله ليست تنتهي إلي سماء الدنيا، بل تنزل في الأرض، ورحمة الله أيضًا في الثلث الأخير أو في كل وقت؟ وكذلك لو قال أحد: إنه ملك ينزل، نقول: سبحان الله هل يمكن للملك أن يدعي لنفسه الإلوهية ويقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ، المهم: أن تحريف الكلم عن مواضعه هذا من أخطر ما يكون علي الإنسان، ونحن في الحقيقة لا نعلم عن الله إلا ما أخبرنا الله به ورسوله؛ لأن هذا من أمور الغيب، فما الواجب علينا إذا كنا لا نعلم إلا ما أخبرنا الله به ورسوله؟ الواجب علينا: أن نقول ما قال الله وقال رسوله ولا نتبع ذلك بعقولنا، علي أن هذه العقول التي أوجبت علي المتصفين بها أن يحرفوا كلام الله ورسوله لا شك في أنها عقول فاسدة باطلة؛ لماذا؟ لأنه لقصورهم ما فهموا من هذه النصوص إلا مثل ما يفهمون منها أنه متصف به الشبر فإنهم لما فهموا منها ذلك وأنها تقتضي التمثيل صاروا يحرفونها عن مواضعها
فعطلوها، ولهذا نقول إن أهل التأويل جمعوا بين التمثيل والتعطيل؛ لأنهم مثلوا أولًا ثم عطلوا ثانيًا، ولهذا نقول: كل معطل ممثل شاء أم أبي؛ لأنك لو سألته: لماذا حرفت هذا الكلام بأن صرفته عن ظاهرة؟ قال: لأن ظاهره يقتضي التمثيل؛ سبحان الله، الله ورسوله يخاطبان الناس فيما يقتضي أن يكون الله له مثيل، هل هذا معقول؟ يعني: أمعقول أن يكون الكتاب والسنة لا يدلان فيما يتعلق بصفات الله إلا علي ما هو كفر؟ ! لأن تمثيل الله بخلقه كفر لا شك فيه! وهو تكذيب لقوله تعالي: {ليس كمثله شيء} فهل يقول أحد: إن ظاهر كتاب الله وسنة رسوله هو: التمثيل الذي هو كفر؟ لا أحد يقول إلا من اجتالته الشياطين فصرفته عن فطرته، ونحن نقول: بل ظاهر كلام الله ورسوله حق علي الوجه اللائق به، والعقل السليم يستوجب الجمع بين ثبوت الصفة، ونفي المماثلة، فنقول: كل هذه الصفات حقيقية، لكن بدون مماثلة، وهذه القاعدة هي القاعدة السليمة الواجبة علي كل من أراد الخلاص ماذا تقول إذا وقفت بين يدي الله عز وجل والله سبحانه يقول: قال لك رسولي: "ينزل ربنا إلي السماء الدنيا"، وأنت تقول: لا، لا ينزل، لكن ينزل أمره. ما الجواب؟ والله ما يجدون جوابًا.
وكذلك: {وجاء ربك والملك} [الفجر: 22]، إذا قالوا: الله لا يجيء. قلنا: سبحان الله، الله يقول:{وجاء ربك والملك} وأنتم تقولون: وجاء أمر ربك والملك، ما الذي يجعل الملك يأتي والرب لا يأتي؟ ثم من الذي يقول: إن الله أراد الأمر ولم يبينه لعباده ولا بينه رسوله؟ هل هذا إلا غاية ما يكون من التضليل وجعل كلام الله تعالي بمنزلة الأحادي والألغاز التي لا يفهمها إلا ذاك عن ذلك؟ !
فأنا أحذركم أيها الإخوة من أن تضلوا في مثل هذه التأويلات الباطلة، وأن تقولوا: كل من عند الله وهو صادر عن علم ولسنا أعلم بالله من نفسه، ولسنا أعلم بالله من رسوله، ولسنا أصدق نية ونصحًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسنا أبلغ كلامًا ولا أفقه. إذن يجب علينا أن نتلقى هذه الأمور الغيبية علي ما جاءت به بدون تحريف وبدون تعطيل، ونكون بذلك سالمين، وإن أي إنسان يؤول فإننا سنقول له: ما دليلك علي تأويلك، وما دليلك علي المعني الذي أثبته لهذا النص؟ نطالبه بأمرين، ولا يمكن أن يجد لذلك جوابًا أبدًا، نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق.
370 -
وعن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا طلع الفجر فقد ذهب وقت كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر". رواه الترمذي.