الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
468 -
وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: "كان النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلَّى ركعتين". رواه ابن ماجة بإسنادٍ حسنٍ.
هذا الحديث إسناده حسن عبد المؤلف، وبعض أهل العلم ضعفه وقال: إنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا ينافي حديث ابن عباس السابق، ولكن كثيرًا من الحفاظ ضعفوا هذا الحديث، وعلى تقدير ثبوته فهل نقول إن هاتين الركعتين راتبة لصلاة العيد، أو نقول إنهما ركعتا الضحى؟ الظاهر هذا إن صح الحديث.
صلاة العيد في المصلى:
469 -
وعنه رضي الله عنه قال: "كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلَّى، وأوَّل شيءٍ يبدأ به الصَّلاة، ثمَّ ينصرف فيقوم مقابل النَّاس والنَّاس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم". متَّفقٌ عليه.
تقدم لنا أن "كان" تفيد الاستمرار غالبًا، وقوله:"المصلى" أي: مصلَّى العيد، وهو مكان معد لذلك، واعلم أن للنبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة مساجد: المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس وهو المعروف الآن، والثاني: مصلى الجنائز، والثالث: مصلى العيد، وهي معروفة في المدينة، فمصلى الجنائز كان يصلي على الجنائز غالبًا فيه، وربما يصلي على الجنازة في المسجد كما صلى على ابني بيضاء في المسجد، وأمَّا مصلى العيد فهو خارج البلد، يخرج النبي عليه الصلاة والسلام فيصلي فيه.
قال: "وأول شيء يبدأ به الصلاة، "أول" خبر أو مبتدأ؟ مبتدأ، و"الصلاة" خبره، أول ما يبدأ به الصلاة، يعني: صلاة العيد، "ثم ينصرف من صلاته" يعني: ينتهي منها، "ثم يقوم مقابل الناس"، يقف عليه الصلاة والسلام مقابل الناس وظهره إلى القبلة والناس على صفوف لا يقوم إليه أحد ولا يجتمع إليه أحد، وذلك لئلًا يحصل ضجة أو تشويش أو زحام، يبقى الناس على أماكنهم ما يقربون إليه، ولكن الله عز وجل يجعل في صوته بركة فيسمعونه جميعًا، "فيعظهم"، ما هي الموعظة؟ قالوا: إنها الإعلام المقرون بترغيب أو ترهيب حسب ما يقتضيه المقام، وقوله: "ويأمرهم"، يعني: يأمرهم بما يقتضي أن يأمر به، فمثلًا في الأضحى يأمرهم بالأضاحي وكيف يضحون، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "من لم يذبح فليذبح باسم الله". وكذلك إذا كان هنالك بعث - يريد أن يبعثه - من السرايا يأمر به عليه الصلاة والسلام.
يستفاد من هذا الحديث فوائد: أولًا: مشروعية الخروج في صلاة العيد إلى المصلى خارج البلد، والدليل عليه قوله:"كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى".
ثانيًا: أن المدينة كغيرها من المدن يصلى فيها العيد خارج المسجد خلافًا لعمل الناس اليوم، فهم يصلون العيدين في المدينة في المسجد، ولكن السُّنَّة بلا شك أن يكون ذلك خارج المسجد.
ومن فوائد الحديث: أن الصلاة لا يسبقها شيء في هذا المكان لقوله: "أول ما يبدأ به الصلاة".
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للخطيب أن يكون وجهه نحو الناس لقوله: "ثم ينصرف فيكون وجهه مقابل الناس"، حتى ولو كانت القبلة خلفه، وبهذا نعرف أن استقبال القبلة له أحكام، فهو تارة يكون واجبًا، وتارة يكون مكروهًا وهو خلاف الأولى، وتارة يكون محرمًا، وتارة يكون مستحبًا، فله أربع حالات، يكون واجبًا في الصلاة، ويكون حرامًا حال قضاء الحاجة، سواء كان الإنسان في الفضاء أو في البنيان فإنه يحرم على الإنسان أن يستقبل القبلة ببول أو غائط حال قضاء الحاجة، حتى لو كان في البنيان، ويكون مستحبًّا عند الدعاء، حتى قال صاحب "الفروع": يتوجه أن يكون استقبال القبلة مشروعا في كل عبادة إلا بدليل.
ثم ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يشرع للمتوضئ أن يستقبل القبلة حال الوضوء، قال في "الفروع":"هو متوجه في كل عبادة ألا بدليل، وصاحب "الفروع" هو محمد بن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام الكبار، وقد كان من أعلم الناس باختيارات شيخ الإسلام، حتى كان ابن القيم - مع كونه من خواص الشيخ - يراجعه أحيانًا ليتبين له اختيارات شيخه رحمهم الله جميعا - وكتاب والفروع؟ تكلمنا عنه كثيرًا، وقلنا: إنه يسمى عند الناسي مكنسة الملهب، يعني: أنه حاوٍ لجميع ما في مذهب الإمام أحمد من الأقوال والروايات والأوجه والتخريجات، بل إنه رحمه الله حاوٍ لمذهب الإمام أحمد ولغيره من المذاهب فيشير إليها، ثم إن فيه التوجيهات الدقيقة التي تدل على أن الرجل عنده فقه كبير، وفيه مباحث لا تكاد تجدها في غيره من الكتب كبحثه في أول صلاة التطوع، وبيان تفاضل الأعمال، وكبحثه أيضًا في أول الحج في بر الوالدين، وهل يجوز معصيتهما أو لا يجوز؟ فهو يأتي ببحوث لا تكاد تجدها في غيره.
يقول - أي: ابن مفلح -: يتوجه أن يجب استقبال القبلة في كل طاعة ألا بدليل، ومتى يكون استدبارها أولى من استقبالها؟ حال الخطبة، وإذا انصرف الإمام من الصلاة بعدما يقول:"أستغفر الله ثلاثًا"، "اللهم إنك أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، فإن الأفضل أن يستقبل الناس.
ويستفاد من هذا الحديث: أنه لا يشرع المنبر في صلاة العيد، من أين يؤخذ؟ لأنه قال:"ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس"، ولو كان ثمة منبر لقال: ثم يصعد المنبر فيقابل الناس.