المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صلاة المريض وكيفيتها: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب صفة الصلاة

- ‌صفة الاستفتاح ومعانيه:

- ‌الاستعاذة ومعناها:

- ‌أوضاع منهي عنها في الصلاة:

- ‌مواضع رفع اليدين وصفته:

- ‌صفة وضع اليدين في القيام:

- ‌حكم قراءة الفاتحة:

- ‌هذه الروايات فيها فوائد:

- ‌أحكام البسملة:

- ‌شروط كون قول الصحابي حجة:

- ‌التأمين وأحكامه:

- ‌متى تسقط الفاتحة:

- ‌كيفية القراءة في الصلاة:

- ‌مقدار القراءة في صلاتي الظهر والعصر:

- ‌قدر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء والفجر:

- ‌صفة القراءة في فجر الجمعة:

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تدبر القراءة في الصلاة:

- ‌أذكار الركوع والسجود ومعانيها:

- ‌تكبيرات الانتقال وأحكامها:

- ‌أذكار القيام من الركوع ومعانيها:

- ‌هيئة السجود وأحكامه:

- ‌صفة الأصابع في السجود والركوع:

- ‌الجلوس في محل القيام وأحكامه:

- ‌الدعاء بين السجدتين:

- ‌حكم جلسة الاستراحة:

- ‌القنوت وأحكامه:

- ‌دعاء القنوت:

- ‌حكم تقديم اليدين قبل الركبتين للسجود:

- ‌صفة وضع اليدين في التشهد:

- ‌صيغ التشهد ومعانيها:

- ‌صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الدعاء بعد التشهد وأحكامه:

- ‌صفة التسليم وأحكامه:

- ‌الأذكار دبر الصلوات ومعانيها:

- ‌وجوب تعلم صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌صلاة المريض:

- ‌8 - باب سجود السهو وغيره من سجود التلاوة والشكر

- ‌صفة سجود السهو:

- ‌السجود للسهو بعد السلام وحكمه:

- ‌حكم التشهد لسجدتي السهو:

- ‌حكم سجود السهو قبل الكلام:

- ‌السهو مبني على غلبة الظن:

- ‌سقوط سجود السهو:

- ‌حكم سهو الإمام والمأموم:

- ‌سجود التلاوة:

- ‌حكم سجود التلاوة:

- ‌أحكام سجود التلاوة:

- ‌بعض مواضع سجود التلاوة في القرآن:

- ‌حكم سجود القارئ والمستمع والسامع:

- ‌التكبير لسجود التلاوة:

- ‌9 - باب صلاة التطوع

- ‌السنن الرواتب:

- ‌فضل ركعتي الفجر:

- ‌النفل قبل العصر والمغرب:

- ‌التخفيف في ركعتي الفجر والاضطجاع بعدها:

- ‌قيام الليل:

- ‌صلاة الوتر:

- ‌صفات صلاة الوتر:

- ‌الحث على قيام الليل والوتر:

- ‌لا وتران في ليلة:

- ‌ما يقرأ في الوتر:

- ‌صلاة الضحى:

- ‌10 - باب صلاة الجماعة والإمامة

- ‌حكم صلاة الجماعة:

- ‌وجوب الحضور للجماعة في المسجد:

- ‌عدم سقوط الجماعة عن الأعمى:

- ‌صلاة المفترض خلف المتنقل:

- ‌حكم الصلاة قيامًا خلف إمام قاعد:

- ‌مراعاة حال المأمومين في الصلاة:

- ‌إمامة الصغير المميز:

- ‌يقدم في الإمامة الأكثر قرآنًا:

- ‌تسوية الصفوف والمقاربة بينها:

- ‌أفضلية الصف الأول للرجال:

- ‌صلاة المرأة والصغير خلف الإمام:

- ‌حكم صلاة المنفرد خلف الصف:

- ‌المشي إلى الصلاة بالسكينة والوقار:

- ‌استحباب الكثرة في الجماعة:

- ‌حكم إمامة المرأة لأهل دارها:

- ‌الدخول مع الإمام على أي حال أدركه:

- ‌11 - باب صلاة المسافر والمريض

- ‌حقيقة السفر ومعناه:

- ‌قصر الصلاة في السفر وحكمه:

- ‌مسائل مهمَّة:

- ‌الصلوات التي لا تقصر في السفر:

- ‌الفطر في السفر وحكمه:

- ‌عدد الأيام التي يجوز فيها القصر:

- ‌حكم الجمع بين الصلاتين في السفر:

- ‌حالات جمع التقديم والتأخير:

- ‌حالات الجمع بين الصلاتين في الحضر:

- ‌الصلوات التي لا يجمع بينها:

- ‌صلاة المريض وكيفيتها:

- ‌12 - باب صلاة الجمعة

- ‌التحذير من ترك الجمع:

- ‌وقت صلاة الجمعة:

- ‌العدد الذي تنعقد به الجمعة:

- ‌حكم إدراك ركعة من الجمعة:

- ‌حكم الخطبة قائمًا:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌استحباب طول الصلاة وقصر الخطبة:

- ‌قراءة سورة (ق) في الخطبة:

- ‌حكم تحية المسجد والإمام يخطب:

- ‌ما يقرأ في الجمعة والعيدين:

- ‌صلاة النفل بعد الجمعة وأحكامها:

- ‌حكم فصل الفريضة عن النافلة:

- ‌فضل الاغتسال والتطيب يوم الجمعة:

- ‌ساعة الإجابة يوم الجمعة:

- ‌استغفار الخطيب للمؤمنين:

- ‌حكم قراءة آيات من القرآن في الخطبة:

- ‌الذين تسقط عنهم الجمعة:

- ‌13 - باب صلاة الخوف

- ‌شروط صلاة الخوف:

- ‌الصفة الأولى لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثانية لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثالثة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الرابعة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الخامسة لصلاة الخوف:

- ‌14 - باب صلاة العيدين

- ‌حكم صلاة العيد في اليوم الثاني إذا ترك لعذر:

- ‌من السنة أكل تمرات قبل الخروج لعيد الفطر:

- ‌حكم خروج النساء لصلاة العيد:

- ‌مشروعية الخطبة بعد صلاة العيد:

- ‌صلاة العيد ركعتان بلا نفل:

- ‌صلاة العيد بلا أذان ولا إقامة ولا نفل:

- ‌صلاة العيد في المصلى:

- ‌التكبير في صلاة العيد:

- ‌قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد:

- ‌مخالفة الطريق والتكبير في الطريق:

- ‌15 - باب صلاة الكسوف

- ‌مشروعية صلاة الكسوف والدعاء فيها:

- ‌القراءة في صلاة الكسوف جهرًا:

- ‌صفة صلاة الكسوف:

- ‌الدعاء عند هبوب الريح:

- ‌حكم الصلاة للزلازل:

- ‌16 - باب الاستسقاء

- ‌صفة صلاة الاستسقاء والخطبة لها:

- ‌الدعاء في صلاة الاستسقاء:

- ‌تحويل الرداء في الاستسقاء والجهر بالقراءة:

- ‌مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء:

- ‌أقسام التوسل وأحكامه:

- ‌ما يفعل عند هطول المطر:

- ‌الدعاء عند رؤية المطر:

- ‌مشروعية الاستسقاء في الأمم السابقة:

- ‌17 - باب اللباس

- ‌تحريم الزنا والخمر والغناء:

- ‌تحريم لبس الحرير والجلوس عليه:

- ‌مقار ما يباح من الحرير:

- ‌حكم لبس الحرير لعذر أو مرض:

- ‌إباحة الذهب والحرير للنساء والحكمة منها:

- ‌حبُّ الله عز وجل لرؤية أثر نعمته على عبده:

- ‌النهي عن لبس القسيِّ والمعصفر:

- ‌جواز كف الثياب بالحرير وضوابطه:

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الترغيب في تذكر الموت:

- ‌كراهة تمني الموت:

- ‌تلقين المحتضر الشهادة:

- ‌حكم قراءة يس عند المحتضر:

- ‌تغميض الميت:

- ‌حكم تسجية الميت:

- ‌حكم تقبيل الميت:

- ‌الإسراع في قضاء دين الميت:

- ‌حكم تحنيط الميت المحرم:

- ‌حكم تجريد الميت عن تغسيله:

- ‌صفة الغسل:

- ‌تكفين الميت وأحكامه:

- ‌استحباب الكفن الأبيض:

- ‌استحباب إحسان الكفن:

- ‌هل يجمع بين الرجال في الدفن، ومن يقدَّم:

- ‌كراهة المغالاة في الكفن:

- ‌حكم الصلاة على المقتول في حد:

- ‌حكم الصلاة على قاتل نفسه:

- ‌حكم الصلاة على القبر:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌موقف الإمام في الصلاة على المرأة:

- ‌حكم الصلاة على الميت في المساجد:

- ‌عدد التكبير في صلاة الجنازة:

- ‌قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للميت في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للمسلمين في صلاة الجنازة:

- ‌الإخلاص في الدعاء للميت:

- ‌استحباب الإسراع بالجنازة:

- ‌فضل اتباع الجنائز والصلاة عليها:

- ‌النهي عن اتباع النساء للجنازة:

- ‌كيفية إدخال الميت القبر:

- ‌الميت يتأذى بما يتأذى به الحي:

- ‌اللحد والشق في القبر:

- ‌النهي عن البناء على القبور وتجصيصها:

- ‌حكم تلقين الميت عند القبر:

- ‌زيارة النساء للقبور:

- ‌جواز البكاء على الميت:

- ‌النهي عن الدفن ليلًا:

- ‌استحباب إيناس أهل الميت:

- ‌آداب زيارة القبور:

- ‌النهي عن سب الأموات:

الفصل: ‌صلاة المريض وكيفيتها:

هذا يسمى سفرًا في العرف فخاطبه بما يراه في ذلك الوقت، ثم لو كان هذا مرفوعًا فمما يضعف حكم الرفع أنه لو كان كذلك لكان نقله أمرًا مشهورًا معلومًا لدعوة الحاجة إلى بيانه هذا من أشد الأمور حاجة إلى بيانه إذ إنه فيصل بين ما يمكن أن يقصر فيه وبين ما لا يمكن أن يقصر فيه، وهذا لا يمكن أن يغفله الرسول- عليه الصلاة والسلام حتى يأتي ابن عباس فيقول ذلك.

418 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي الذّين إذا أساءوا استغفروا، وإذا سافروا قصروا وأفطروا"، أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف، وهو من مرسل سعيد بن المسيب عند البيهقي مختصرًا.

هذا الحديث- كما رأيتم- ضعيف، لكن معناه صحيح، فإن خير الناس من إذا أساء استغفر، كما قال الله تعالى في وصف المتقين:{والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} [آل عمران: 135].

‌صلاة المريض وكيفيتها:

419 -

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: صلّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، وإن لم تستطع فعلى جنب". رواه البخاريّ.

قوله: "كانت بي بواسير" البواسير: جمع باسور، فيها- أي: في البواسير- صيغة منتهى الجموع؛ لأنها على وزن "فواعيل"، والبواسير جمع باسور كما قلت، وهو داء في المقعدة، وهناك داء آخر يسمى ناسورًا، وكلاهما داءان في المقعدة، والبواسير كانت بالأول من الأمراض المؤلمة المزمنة؛ لأنه قطعها ليس بالأمر السهل، ولهذا تجدون في كتب أهل العلم هل يجوز للإنسان أن يقطع البواسير، أو يحرم عليه أن يقطعها؟ قال بعضهم: إنه يحرم عليه قطعها؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى نزيف الدم حتى يموت، هل هذا القول يرد في وقتنا الحاضر؟ لا، لأن هذا الخوف الذي رتب عليه الحكم مأمون والحمد لله.

وقوله: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة" يعني: كيف أصنع فيها؛ لأن الصحابة- رضي الله عنهم كانوا حريصين على العلم، فأشكل عليه ماذا يصنع مع المشقة والألم، فقال له الرسول- عليه الصلاة والسلام:"صلِّ قائمًا""صلّ" فعل أمر وهو للإرشاد، لكنه للوجوب، يعني: يرشده إلى

ص: 315

الصفة الواجبة، والدليل قوله:"فإن لم تستطع" واعلم أن الأمر الوارد في جواب السؤال إن كان المسئول عنه شيئًا واجبًا فهو للواجب، وإن لم يكن شيئًا واجبًا فهو للإرشاد، قال الصحابة: كيف نصلي عليك، قال: قولوا: اللَّهم صلِّ على محمد

". هل تجب هذه الصيغة، أو لو صلى بغيرها أجزأ؟ لو صلى بغيرها أجزأ، لأنه لم يجب عن أمر واجب، ولكن سألوا عن الكيفية، فقال: كيفيتها كذا وكذا، هذه "صلّ قائمًا" نقول: مثل هذه للإرشاد، لكن قوله: "فإن لم تستطع" يدل على أن الإرشاد إلى الكيفية أنه إرشاد إلى كيفية واجبة، "صل قائمًا" "قائمًا" حال من فاعل "صلّ" يعني: صلّ حال كونك قائمًان وقوله: "قائمًا" يشمل ما إذا كان قائمًا بدون اعتماد، أو قائمًا معتمدًا، فلو فُرض أن هذا الرجل لا يستطيع أن يقف قائمًا بدون اعتماد ويستطيع أن يقوم باعتماد على عصا، أو على عمود، أو على جدار، فإنه يلزمه القيام.

وقوله: "فإن لم تستطع" هل المراد: العجز مطلقًا بحيث تكون رجلاه ميتتين مثلًا أو يكون زمنًا، أو أن المراد:"إن لم تستطع" يعني: ما تقدر إلا بمشقة؟ الظاهر الأخير؛ لأن البواسير من المعروف أن المصاب بها ليس بعاجز عن القيام لكن يشق عليه، وضابط المشقة التي يسقط بها القيام ما هو؟ ضابطها أقرب شيء أنها ما يزول بها الخشوع، يعني: لا يحضر قلبه لأنه متعب فيشق عليه، هذا أحسن ما قيل فيها، وإلا لو قلنا: إن المشقة المطلقة أو مطلق المشقة ليس عندنا ضابط، لكن نقول: المشقة التي تذهب الخشوع.

"فإن لم تستطع فقاعدًا" أي: فصل قاعدًا، ولم يبين الرسول- عليه الصلاة والسلام كيف يقعد، لكن في آخر حديث في الباب حديث عائشة:"كان النبي- عليه الصلاة والسلام يصلي متربعًا، فعلى هذا يكون هذا القعود متربعًا، ويكون متربعًا في حال القيام، وفي حال الركوع، قيل: يفترش، وقيل: يتربع يبقى على تربعه، وهذا القول الثاني هو الصحيح، أنه في حال الركوع يبقى متربعًا، كيف يركع؟ يركع بالإيماء، فيومئ أي: يخفض ظهره، قال العلماء: حتى يقابل ما وراء ركبتيه أدنى مقابلة وتتمتها الكمال بحيث يكون وجهه كله خارج حدود الركبتين، في السجود ماذا يفعل؟ إن كان لا يستطيع يسجد، وفي الجلوس بين السجدتين يجلس كالعادة مفترشًا، هذا معنى قوله: "صلِّ قاعدًا"، فإن لم يستطع السجود لأثر في رأسه أو في عينه، أو ما أشبه ذلك فماذا يفعل؟ يومي بالسجود أيضًا ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولكن هل يجب عليه أن يسجد على بقية الأعضاء إذا عجز بالجبهة؟ قال بعض العلماء: إذا عجز بالجبهة سقط ما سواها، لأنها هي الأصل، فعلى هذا ما يجب عليه يسجد لا على كبتيه ولا على أطراف القدمين ولا على الكفين ما دام عجزت الجبهة، مثل: أن يكون في الجبهة جروح لا يستطيع أن يسجد عليها، نقول: يومئ إيماء، والصحيح أن العجز بالجبهة لا يسقط ما سواها،

ص: 316

يجب عليه أن يسجد على ما سواها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". فعلى هذا نقول: اسجد على الكفين والركبتين وأطراف القدمين وأقرب من الأرض بقدر ما تستطيع.

يقول: "فإن لم تستطع فعلى جنب"، "إن لم تستطع" يعني: القعود، "فعلى جنب" أيُّ الجنبين؟ الحديث مطلق فعلى جنبك، ولكن ورد حديث أنه على الجنب الأيمن إذا استطاع، فإن لم يستطع فعلى الجنب الأيسر، ووجهه في جميع الأحوال إلى القبلة.

يستفاد من هذا الحديث عدة فوائد:

الفائدة الأولى: مشروعية عيادة المريض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد عمران بن حصين.

ثانيًا: جواز التصريح بما يستحيا منه لنشر العلم، يؤخذ من قوله:"كانت بي بواسير".

ثالثًا: حرص الصحابة- رضي الله عنهم على العلم، من أين؟ من سؤال عمران بن حصين.

رابعًا: أنه ينبغي لكل من نزلت به نازلة أن يسأل عن حكم الله في هذه النازلة، ولهذا عمران سأل النبي- عليه الصلاة والسلام.

خامسًا: وجوب الصلاة على المريض قائمًا لقوله: "صلِّ قائمًا"، والمراد الفريضة، أما النافلة فلا يجب فيها القيام، والدليل على أنه لا يجب فيها القيام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر بدون ضرورة، ولو كان القيام واجبًا ما صلى هذه من فعله، كذلك لمّا ثقل كان صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل جالسًا حتى إذا قارب الركوع قام فركع هذا أيضًا من فعله، الدليل الثالث من قوله:"صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم"، ما وجه الدلالة؟ لأنه جعل ثواب القاعد على النصف، وهذا في غير العذر؛ لأنه في العذر يكون الثواب واحدًا فلا شك أن هذا الحديث في غير المعذور، وعلى هذا فيحمل على النفل، ولذلك أخرنا الاستدلال بهذا القول على الاستدلال بالفعل، وإلا ففي حال سياق الأدلة نقدم الاستدلال بالقول على الاستدلال بالفعل، لكن إذا كان فيه احتمال أو إشكال لا بأس أن نؤخره كما أنه يقدم في الاستدلال القرآن قبل السنة، فإذا كانت السنة صريحة والقرآن فيه احتمال أو السنة تدل على هذا الشيء بعينه والقرآن يدل عليه بعمومه تقدم السنة، إذن هذا في الفرض.

ومن فوائد الحديث: أنه يجب القيام ولو معتمدًا على عصا، أو على جدار، أو على عمود لقوله:"صلِّ قائمًا"، وهذا يشمل أي صفة تكون في القيام.

ومن فوائد الحديث: أن من عجز عن القيام يُصلي قاعدًا، وصفته على ما شرحنا.

ومن فوائده: أن من عجز عن القعود صلّى على جنبه.

ص: 317

ومن فوائد الحديث: تيسيرًا أحكام الشريعة والحمد لله، والشريعة كلها يسر، ثم إن طرأ ما يوجب تيسير هذا الميسر يسر أيضًا، فأصل الشريعة يسر كما قال الرسول- عليه الصلاة والسلام:"إن الدين يسر"، وإذا طرأ تيسير ما يوجب هذا اليسر يسر أيضًا، وهذا من نعمة الله علينا.

مسألة: عدم سقوط الصلاة عن المريض:

ومن فوائد الحديث: أن الصلاة لا تسقط عن [المريض] فيصليها على أي حال كان، ولكن إذا عجز عن هذه المراتب الثلاث هل تسقط؟ قيل: إنها تسقط؛ لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام ما جعل إلا ثلاث مراتب فقط، فإذا عجز عن الصلاة على الجنب فإنه تسقط عنه الصلاة، وقال بعض العلماء: لا تسقط، الرسول قال:"صلِّ على جنب"، ولم يبين كيف يصلي، فمعنى ذلك: أن يُصلي على حسب حاله، يصلي برأسه إن أمكن، أو بعينه إن لم يمكن، فإن لم يمكن بالعين فإنه يصلي بالقلب: أنوي القيام، وأنوي الركوع وأنوي الرفع منه، وأنوي السجود وأنوي الرفع منه، وأنوي الجلوس للتشهد وأنطق، فإن لم يمكنه النطق ولا الفعل، هذا رجل لا يمكن لا نطق ولا فعل ماذا يفعل؟ ينوي بقلبه؛ لأن الصلاة نية وعمل، فإذا تعذر العمل وجبت النية، ولا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتًا، والدليل على هذا قوله تعالى:{فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، والآن هذا ما نستطيع فعلينا أن نصلي بالنية، فنقول: إن قدرنا على النطق أو ننوي إذا لم نقدر على النطق، أما أن نقول لإنسان: ليس عليك صلاة وهو عاقل يدري ما يقول، ويدري ما يفعل لكنه عاجر عنه، ونقول: ليس عليك صلاة، ونقطع صلة الإنسان بينه وبين ربه، قد يبقى أيامًا أو شهورًا أو ربما سنين يكون أشل اللسان، وأشل الجوارح، لكنه عاقل ونقول: لا، لا تصلّ هذا في النفس منه شيء، فالصواب: أنها لا تسقط ما دام العقل ثابتًا، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه، مثل رجل أصيب بحروق في جنبه أو بالتهابات أو ما أشبه ذلك يُصلي مستلقيًا ويتوجه للقبلة، فإن لم يستطع الاستلقاء صلى على بطنه، أي شيء يكون فإن لم يستطع على بطنه، أو على أي شيء كيف يصلي؟ يُصلي على أي حال كان عليها، يُقال: إن بعض العامة سمع رجلًا يحدِّث بحديث: "إذا سرق تقطع يده اليمنى، فإن سرق ثانية فليقطع رجله اليسرى، فإن سرق ثالثة فليقطع يده اليسرى، فإن سرق رابعة تقطع رجله اليمنى، فإن سرق فاقتلوه"، قال العامي: كيف

ص: 318

يسرق بعد الرابعة؟ نقول: ربما يسرق بأسنانه، ربما يُذكر أن بعض الناس حمل على إبله فيما سبق بأسنانه.

المهم: أن نقول في مسألة الجنب إذا عجز عن الأيمن يكون بالأيسر، فإذا عجز فعلى الظهر، فإذا عجز فعلى البطن.

المهم: أن الصلاة لا تسقط، مشتهر عند العامة أن للإنسان يصلي بأصبعه، هذا لم يرد عن الرسول- عليه الصلاة والسلام وإنّما يومئ، وما علمت أحدًا من أهل العلم قال بذلك، فلا أدري من أين جاء به العامة؟ !

420 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: "عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضًا، فراه يُصلي على وسادة فرمى بها، وقال: صلِّ على الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك"، رواه البيهقيُّ، وصحح أبو حاتم وقفه.

ما معنى: "وقفه" يعني: أنه من قول جابر ليس مرفوعًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال: "عاد النبيُّ مريضًا فراه يصلي على وسادة"، المريض يصلي على وسادة، وهل المراد: أن الوسادة صارت مصلى له؟ لا، لأن هذا ما يمكن، المراد: يسجد على وسادة، قد رفعها، لأنه ما يستطيع السجود على الأرض، "فرمى بها"، من الذي رمى بها؟ الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له:"صلِّ على الأرض" يعني: اسجد على الأرض، "إن استطعت، وإلا فأوم إيماء، واجعل سجودك أخفض ركوعك"، لكن هذا الحديث- كما رأيتم- موقوف على الأصح، إنّما معناه صحيح؛ لأن الإنسان لا ينبغي له أن يتكلف في دين الله، وأن يصنع شيئًا يرفع له، وإنّما المشروع أن تُصلي بدون كلفة ومشقة بأن تحاول أن تسجد على الأرض أولًا، فإن لم تستطع أومأت إيماء، بماذا يومئ إيماء؟ بالركوع والسجود بالرأس، قال النبي صلى الله عليه وسلم إن صحَّ الحديث-:"واجعل سجودك أخفض من ركوعك" لماذا يجعلها أخفض؟ لأن السجود أخفض حتى في الركوع يحني ظهره، والسجود يصل إلى الأرض.

421 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي متربعا"، رواه النَّسائي، وصححه الحاكم.

يصلي متربعًا كما أشرنا من قبل إلى أن التربع يكون في حال القيام، وفي حال الركوع أيضًا، أمّا الجلوس بين السجدتين وفي حال التشهد فعلى العادة.

ص: 319