الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعلامها كلها حمرًا صح أن نطلق عليها أنها حلة حمراء مثل ما نقول لكم الآن: الشماغ هذا أحمر أم أبيض؟ أحمر وإن كان فيه بياض، فابن القيم يرى أن لبس الأحمر محرمًا، وأن ما ورد من كون الرسول صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء فالمراد: أن أعلامها حمر وليس حمراء خالصة.
فبناء على ذلك فإن ما يوجد من الثياب التي يلبسها بعض الناس- بعض فئات الناس مثل الكنّاسين، ومثل العاملين في الأندية الرياضية يلبسون أحمر خالصًا- نقول لهم: إن هذا إما مكروه وإما محرم، فإن كان فيه أعلام بيض أو صفر أو لون آخر زالت الكراهة؛ لأنه ليس أحمر خالصًا، والحكمة من النهي أما بالنسبة للقسي فظاهرة لأنه من الحرير، أما للمعصفر فقد قيل: إنه لباس أهل النار فلا ينبغي للإنسان أن يتشبه بهم.
505 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((رأى عليَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم معصفرين، فقال أمُّك أمرتك بهذا؟ )). رواه مسلمٌ.
((رأى عليَّ)) هل هي رؤية عين؟ نعم، فقال:((أمُّك أمرتك بهذا؟ )) ((أمك)) مبتدأ، ولكنه على تقدير همزة الاستفهام، والتقدير: أؤمك أمرتك بهذا، و ((أمرتك)) الجملة خبر المبتدأ، وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن ذلك من لباس النساء لا يلبسه الرجال، ولا يخفي ما في هذا القول من التوبيخ والتقريع لعبد الله بن عمرو بن العاص؛ مثل ما يقول الناس الآن: تربية هذا الرجل تربية امرأة، يعنون: أنه ناقص التربية، فكذلك قوله:((أمك امرأتك بهذا))؛ لأن تربية الأم ناقصة، ولأن هذا من لباس النساء.
فيستفاد من هذا الحديث: وجوب الإنكار على من تلبس بالمنكر لقوله: ((أمك أمرتك بهذا)).
ويستفاد منه: أن لباس الأحمر جائز للنساء؛ لأن قوله: ((أمك أمرتك بهذا)) من أجل أن النساء يعتدن ذلك فتظن المرأة أنه يجوز للرجل أن يلبسه.
ومن فوائد الحديث: أن تربية الأم ناقصة لقوله: ((أمك أمرتك بهذا))، ولذلك قال أهل العلم في باب الحضانة: أنه إذا خيِّر الغلام الذي بلغ سبع سنين واختار أمه فإنه يكون عندها ليلًا وعند أبيه نهارًا لأجل أن يؤدبه ويقوم بمصالحه.
جواز كف الثياب بالحرير وضوابطه:
506 -
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: ((أنَّها أخرجت جبَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم مكفوفة الجيب والكمَّين والفرجين بالدِّيباج)). رواه أبو داود، وأصله في مسلمٍ.
قولها: ((الجيب)) هو الطريق يوصل معه الرأس، وقولها:((الكمين)) معروف، وقولها:((الفرجين))
هما شقان تشق بهما الجبة أحدهما من الأمام والثاني من الخلف، وسمي فرجين؛ لأنها تنفرج الجبة إذا شقت من الأسفل، وقولها:((مكفوفة)) يعني: أنها كف بعضها على بعض؛ يعني: ثني بعضها على بعض وخيط بالديباج، فهذا دليل على أنه يجوز أن يكون طوق الجبة، وأن يكون أكمام الجبة، وأن يكون فرج الجبة من الحرير؛ لأن هذا يسير تابع، فهو داخل في حديث عمر السابق:((إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع)).
- وزاد: ((كانت عند عائشة حتَّى قبضت، فقبضتها، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها)).
- وزاد البخاريُّ في الأدب المفرد. ((وكان يلبسها للوفد والجمعة)).
((زاد)) يعني: مسلم ((كانت هذه الجبة عند عائشة حتى قبضت)) يعني: ماتت، ((فقبضتها))، ولكن يشكل على هذا الحديث كيف كانت عند عائشة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إنَّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة)). والجواب على ذلك: أن عائشة رضي الله عنها لم تتملكها، ولهذا من الذي أخذها؟ أسماء بنت أبي بكر، أخذتها أختها، ولكنها كانت عندها لنفع الناس بها.
قالت: ((وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها))، و ((كان يلبسها للوفد والجمعة)) يعني: الجبة، فهذا دليل على أن عائشة رضي الله عنها ما اقتنتها لنفسها، ولكن لنفع المسلمين كانوا يغسلونها للمرضى يستشفون بها، لماذا؟ لأنها جبة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق لنا أن يجوز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا بأس بها، ومن آيات الله عز وجل، أن هذه الجبة تغسل للمريض ويؤخذ الماء ثم تغسل لمريض ويؤخذ الماء، ثم لمريض ثالث، وكل ذلك ببركة النبي صلى الله عليه وسلم.
الشاهد من هذا الحديث: أن جبة الرسول- عليه الصلاة والسلام كانت مكفوفة الجيب والكمين والفرجين والديباج، فدلّ ذلك على أنه يجوز أن تكفَّف مثل هذه الأشياء وأن تخاط بالديباج، وقاس شيخ الإسلام رحمه الله على هذه المسألة مسألة الذهب، وقال: إن الذهب والحرير بابهما واحد، وأن العباءة التي تجعل بالزر الذي يكون من الذهب لا بأس بها لأنها تابعة وليست مستقلة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز الذهب ولو كان يسيرًا تابعًا، وقال: إن الأصل بقاء الأحاديث على عمومها، وخرج ما كان موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع من الحرير بالنص فبقي الذهب على حاله محرمًا.
من فوائد الحديث: جواز كف الطوق والكم والفرج من الجبة بالحرير، وجه ذلك: أن
ومن فوائد الحديث أيضًا: جواز الاستشفاء والتبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أن آثار الرسول صلى الله عليه وسلم قد تكون سببًا للشفاء كما كان عند أم سلمة جلجل من فضة وفيها شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفي بها.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يتجمل للوفد، وأن يتجمل للجمعة لقوله:((وكان يلبسها للوفد والجمعة)) فعلى هذا لا يلام الإنسان إذا جاءه ضيف وذهب إلى بيته ولبس ثيابًا جميلة لا يلام على ذلك، بل إنه يحمد على ذلك؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن تأتي إلى ضيوفك وأنت حاسر عن رأسك فاتح عن صدرك مشمر لأكمامك فهذا لا ينبغي؛ لن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتجمل للوفد وهو من مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، وكذلك في الجمعة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس فيه أحسن ثيابه، ومنها أنه كان يلبس هذه الجبة التي فيها الحرير.
* * *
كتاب الجنائز