الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهلال، ولكن إن حصل من القاضي شك في شهادته فلا حرج عليه أن يتحرى، وذلك في كل الشهادات.
من السنة أكل تمرات قبل الخروج لعيد الفطر:
462 -
وعن أنس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمراتٍ وتراتٍ". أخرجه البخاري.
- وفي روايةٍ معلقةٍ ووصلها أحمد: "ويأكلهن أفرادًا".
هذا الحديث يقول: "لا يغدو يوم الفطر" ما معنى الغدو؟ الخروج في الغدوة التي هي أول النهار، وقوله:"يوم الفطر" يعني: من رمضان وهو يوم العيد، "حتى يأكل تمرات" وهي جمع، وأقل الجمع ثلاثة، لاسيما وأنه هنا أكد بقوله:"يأكلهن أفرادًا".
وقوله: "كان لا يغدو حتى يأكل" تقدم لنا أن "كان" تقيد الاستمرار غالبًا، وقوله:"في رواية معلقة"، المعلقة معناها: التي حذف أول إسنادها، وقد ذكر أعل العلم أن البخاري إذا ذكر التعليق جازمًا به دل ذلك على صحته عنده، لكن البخاري رحمه الله أحيانًا يصل سياقًا بسياق سابق، ويقول: قال فلان، فيظنه من يراه أنه معلق ولكنه يكون بالإسناد السابق، وهذا لابد من العلم به، يعني: حمل المعلق الذي أتى به بعد السياق الأول لابد أن يكون هناك قرينة تدل على أنه علقة بالإسناد الأول، وإلا فالأصل أنه معلق مطلقًا كما في هذه الرواية التي أشار إليها المؤلف هنا.
وقوله: "معلقة ووصلها أحمد" يعني: في المسند، قال:"ويأكلهن أفرادًا"، لكن لفظ البخاري:"ويأكلهن وترًا"، وفرق بين يأكلهن وترًا، ويأكلهن أفرادًا؛ لأن أفرادًا يعني: ضد الجمع لا يكون اثنين جمعًا أو ثلاثة جمعًا، ولكن وترًا ضد الشفع، يعني: معناه يكون آخرها وترًا ثلاثًا، أو خمسًا أو سبعًا، أو تسعًا .. إلخ، على كل حال: لاحظ أن تأكلها وترًا كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
463 -
وعن ابن بريدة، عن أبيه رضي الله عنهما قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعن، ولا يطعن يوم الأضحى حتى يصلي". رواه أحمد، والترمذي، وصححه ابن حبان.
قوله: "كان لا يخرج" نقول فيها كما قلنا في الأول، وقوله:"حتى يطعن"، أي: يأكل طعامًا، وهذه مجملة من حيث النوع ومن حيث العدد هو جنس الطعام، لكن ما نوع الطعام الذي
يأكله أيأكل خبزًا أو شعيرًا، أو ماذا يأكل؟ بينه الرواية السابقة وهي تمرات، لكنها أيضًا مجملة من حيث العدد، وبينتها الرواية السابقة، لكن في الأضحى "لا يطعن يوم الأضحى حتى يصلي"، وفي رواية أخرى وإن كان فيها مقال:"ويأكل من أضحيته". وفي بعضها تعيين ذلك من الكبد.
ففي هذين الحديثين تستفيد: أولًا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في عيد الفطر يأكل قبل أن يصلي، فما هي الحكمة من كونه يأكل قبل أن يصلي؟ قال أهل العلم: الحكمة في ذلك المبادرة إلى تحقيق الفطر في هذا اليوم؛ لأن هذا اليوم يوم يجب فطره ويحرم صومه، فإذا أكل من أوله دل ذلك على المبادرة، بماذا؟ بتحقيق فطر ذلك اليوم مثل ما يسن للصائم أن يبادر بالفطر إذا غابت الشمس، فنقول: هنا للأكل لأجل المبادرة بذلك.
ومن فوائد الأكل: أنه يعينه على أداء الصلاة، فإن الإنسان إذا قام من الليل في الغالب يكوم بطنه خاليًا فإذا أكل نشط، وقد يقول بعضكم: ومن فوائده: التأخر في صلاة العيد. وقد يقول آخر: لا ليس هذا من الفائدة؛ لأنه بإمكانه أن يتأخر بدون أكل، إذن فتلغي هذه الفائدة.
ثم قوله: "تمرات"، لماذا خص التمر دون غيره من الخبز أو الطبيخ أو نحو ذلك؟ أولًا قد يقول قائل: لأن ذلك هو الذي يوجد غالبًا في بيته كما حدثت بذلك عائشة أنه يمضي الشهران والثلاثة ما يوقد في بيته نار صلوات الله وسلامه عليه، "قالوا: فما طعامكم؟ قالت: الأسودان التمر، والماء". وقد يقال: إن تخصيص التمر ليس على سبيل التعبد لكن على أنه الميسور، والرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يتكلف مفقودًا ولا يرد موجودًا، كان يمشي على الأحوال كما كان صابرًا على الضراء شاكرًا على السراء، وقد يقال: إن ذلك من باب التعبد بدليل أنه أمر الصائم أن يفطر على التمر فيكون في التمر خصوصية ليست في غيره، وهو كذلك هذا هو الأقرب، بمعنى: أنه اختار التمر لذلك، وقد نقول: إن العلة الأمران جميعها، وهو أنه هو الميسور غالبًا عنده صلى الله عليه وسلم، وأنه أفضل من غيره؛ لأن التمر جمع بين ثلاث صفات: غذاء، وفاكهة، وحلوى، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلوى، ويعجبه ذلك؛ لأن الحلاوة خلق المؤمن، وأشبه شيء من بالمؤمن الأشجار هو النخلة التي هي صاحبة هذا التمر فيكون لذلك مزية، حتى إن بعضهم قال: إنه يؤثر في القلب في صلاح القلب، وقال الأطباء: إنه يؤثر في زيادة النظر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أنه من تصبح بسبع تمرات من العجوة"، وفي لفظ: "من تمر العالية لم يضره ذلك
اليوم سم ولا سحر". وهذه وقاية عظيمة، وعمم بعض أهل العلم ذلك إلى غير هذا التمر، وقال: إن النص على تمر العالية ليس لخصوصية فيه وأن المقصود التمر مطلقًا، ولهذا ينبغي للإنسان في كل يوم يفطر على سبع تمرات؛ لن فيها فائدة لمسها كثير من الناس، إذن نقول: الظاهر: أن تخصيص التمر راجع للأمرين ولا مانع.
وقوله: "يأكلهن وترًا" لماذا خص الوتر؟ قالوا: لأن الله وتر يحب الوتر وتبركًا به.
ثم أخبر ابن بريدة عن أبيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، وهذا الإجمال بينه أنس، وهو رضي الله عنه من أخص الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان من خدمه، وأخبر أنه لا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي، والحكمة هي أن الإنسان مأمور بالأكل من تسكه في يوم الأضحى، أليس الله يقول:{فكلوا منها} ؛ أي: الأضحية، فإذا كان لدينا أكل متعد به مأمور به شرعًا فالأفضل أن يكون أول ما يلاقى معدتنا في هذا اليوم هو هذا الأكل المأمور به شرعًا ليكون تناوله تعبدًا؛ ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الأكل حتى يأكل من أضحيته.
وفيه أيضًا فائدة: وهي أن الإنسان إذا قيل له: إن الأفضل ألا تأكل يوم الأضحى إلا من أضحيت أول شيء بادر إلى ذبحها؛ لأن النفوس مجبولة على محلة الأكل وتناول ما تشتهيه، فيكون في ذلك مصلحة وهي المبادرة بذبح الأضحية، ولا شك أن المبادرة بالذبح أفضل، حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذبح أضحيته في المصلى وليس في بيته صلى الله عليه وسلم، إذن كان تأخير الأكل يوم الأضحى له فائدة وتقديمه في عيد الفطر له فائدة أيضًا، وليس يوم الأضحى وإن كان يومًا يجب فطره لكنه ليس بعد يوم يجب صومه بخلاف عيد الفطر فإنه بعد يوم يجب صومه، ثم إن عيد الأضحى يسن فيه تقديم الصلاة، وعيد الفطر بالعكس يسن فيه تأخير الصلاة، فكون الإنسان ينتظر حتى يأكل ثم يخرج ربما يكون في ذلك تأخر، فلهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأكل يوم عيد الأضحى حتى يرجع ويأكل من أضحيته.
يستفاد من الحديث الأول: أنه يشرع للإنسان أن يأكل قبل الذهاب إلى صلاة عيد الفطر تمرات أقلها ثلاث وأكثرها ما تتحمله معدته، لكن ينبغي أن يكون ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه، فإن لم يجد تمرًا فهل الأكل مقصودًا لذاته، أو نقول: إذا لم تجد تمرًا فلا تأكل؟ الصحيح: الأول، بمعنى: أن المعنى الأول الأكل مقصودًا لذاته، وربما نأخذه من حديث ابن بريدة، عن أبيه:"حتى يطعن" فإن هذا داخل فيه، ثم نقول: التمر حلوى، وغذاء، وفاكهة، فإذا لم