الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجب على هؤلاء المسافرين حضور المساجد، وإن قلنا بأنه لا يجب لم يجب على هؤلاء أن يذهبوا إلى المسجد، وقد سبق لنا أن الصواب: وجوب حضور المساجد، وعلى هذا فيجب عليهم أن يحضروا، ولكن مع ذلك نجد بعض الأحيان ناس عند المسجد هنا من المسافرين، نقول: صلوا، يقولوا: نحن مسافرون، وهذا بناءً على قول من يقول: إن الواجب الجماعة لا حضور المساجد، وقد سبق لنا أن هذا القول ضعيف.
بقي أن يُقال: هل يشترط نية الجمع قبل أن يسلم من الأولى، أو ليس بشرط؟ المذهب: أنه لا يشترط، والصحيح أنه ليس بشرط، وأن الإنسان إذا لم ينو الجمع إلا بعد أن سلّم فليجمع ولا حرج عليه ما دام سبب الجمع موجودًا.
الصلوات التي لا يجمع بينها:
416 -
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلّي الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا". رواه مسلم.
متى كانت الغزوة؟ في السنة التاسعة من الهجرة، وتبوك محل قريب من حدود الشام، وغزا النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه حدّث أن الروم قد جمعوا له فغزاهم- عليه الصلاة والسلام، وكانت هذه الغزوة في وقت الرُّطب ونضوج الثمار، ومع هذا المسافة بعيدة وتخلّف عنها كثير من المنافقين، وجاءوا كعادتهم يعتذرون إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام ويحلفون إنهم معذورون، وتخلف عن هذه الغزوة ثلاثة من الصحابة السابقين بدون عذر، وهم:"كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع" بدون عذر، وأنزل الله تعالى فيهم ما أنزل في سورة التوبة، لأنهم صدقوا- رضي الله عنهم، هذه الغزوة أقام الرسول- عليه الصلاة والسلام فيها كم من يوم؟ عشرون يومًا يقصر الصلاة فيها، ويقول معاذ:"إنه كان يصلي الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا"، فيجعل الوقتين وقتًا واحدًا، ولم يبين معاذ هل هو جمع تقديم أو جمع تأخير، وقد سبق أن الرسول- عليه الصلاة والسلام يراعي ما هو أيسر وأصلح، فقد يكون جمع تقديم، وقد يكون جمع تقديم وقد يكون جمع تأخير.
وفي الحديث: دليل على أن المسافر يجمع ولو طال سفره، لو بقي عشرين يومًا أو ثلاثين يومًا أو أكثر.
وفيه أيضًا: دليل على أنه لا جمع بين العصر والمغرب، من أين نأخذه؟ من الحديث:"الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا"، ومن المعنى: أن الظهر والعصر نهاريتان، والمغرب والعشاء ليليتان.
وفيه دليل أيضًا: على أن الفجر لا تجمع لصلاة أخرى؛ وجهه؟ أنها لم تُذكر، إذن هي باقية في محلها، ووجه آخر أنه لا صلة لوقتها بغيره من الأوقات، إذ إن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل، فيبقى نصف الليل الآخر ليس فيه وقت لصلاة مفروضة، وينتهي وقتها بطلوع الفجر، فيبقى نصف النهار الأول ليس وقتًا لصلاة مفروضة
…
انظر الحكمة: نصف الليل الأخير ليس وقتًا لصلاة مفروضة، ونصف النهار الأول ليس وقتًا لصلاة مفروضة؛ ولهذا في النصف الأخير من الليل يُسن التطوع صلاة الليل، وفي النهار يُسن صلاة الضحى، وهذا من الحكمة العظيمة في الشريعة.
في هذا الحديث: لو قال قائل: الوقت من زوال الشمس إلى نصف الليل متصل بعضه ببعض: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} [الإسراء: 78]. فلماذا لا تجمع العصر إلى المغرب، أو تجمع الصلوات الأربع جميعًا؟ الجواب: اختلاف الصلاتين وقتًا وهيئة، هذا العصر والظهر في النهار، والمغرب والعشاء في الليل هيئة هذه قراءتها سر، وهذه قراءتها جهر، فهي مختلفة، فلا يمكن أن يجمع بعضها إلى بعض، وبه نعرف خطأ من يفعل ذلك من بعض العمال، نسمع أن بعض العمال هما وفي أوربا وغيرها مساكين يخرجون للعمل من أول النهار، وإذا جاء اليوم صلوا صلاة الأربع، هذا خطأ، ولا يحل هذا الشيء وقد تقدم لنا أن الصحيح أن من أخّر الصلاة عن وقتها بدون عذر لال تُقبل، ولو قضاها لم تقبل منه.
417 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقصروا الصلاة في أقل من
أربعة بُردٍ؛ من مكّة إلى عسفان"، رواه الدّارقطنيُّ بإسناد ضعيف، والصحيح أنّه موقوف، كذا أخرجه ابن خزيمة.
إقرار المؤلف على الضعف فيه نظر؛ لأن الحديث فيه راوٍ متروك، فهو منكر ولا يصح أبدًا عن الرسول- عليه الصلاة والسلام، والصواب- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- أنه لم يرد تحديد مدة القصر، لا مسافة ولا زمنًا، وأن هذا أمر يرجع إلى العادة والعرف، فما سماه الناس سفرًا فهو سفر، وما لم يسموه سفرًا فليس بسفر، ولهذا قال المؤلف:"والصحيح أنه موقوف كما أخرجه ابن خزيمة" موقوف على ابن عباس من قوله، إذا كان من قوله أفلا يكون له حكم الرفع؟ لا، لماذا؟ لأن للرأي فيه مجالًا؛ إذ إن ابن عباس قد يكون أجاب به من يرى أن سيره