المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب صفة الصلاة

- ‌صفة الاستفتاح ومعانيه:

- ‌الاستعاذة ومعناها:

- ‌أوضاع منهي عنها في الصلاة:

- ‌مواضع رفع اليدين وصفته:

- ‌صفة وضع اليدين في القيام:

- ‌حكم قراءة الفاتحة:

- ‌هذه الروايات فيها فوائد:

- ‌أحكام البسملة:

- ‌شروط كون قول الصحابي حجة:

- ‌التأمين وأحكامه:

- ‌متى تسقط الفاتحة:

- ‌كيفية القراءة في الصلاة:

- ‌مقدار القراءة في صلاتي الظهر والعصر:

- ‌قدر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء والفجر:

- ‌صفة القراءة في فجر الجمعة:

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تدبر القراءة في الصلاة:

- ‌أذكار الركوع والسجود ومعانيها:

- ‌تكبيرات الانتقال وأحكامها:

- ‌أذكار القيام من الركوع ومعانيها:

- ‌هيئة السجود وأحكامه:

- ‌صفة الأصابع في السجود والركوع:

- ‌الجلوس في محل القيام وأحكامه:

- ‌الدعاء بين السجدتين:

- ‌حكم جلسة الاستراحة:

- ‌القنوت وأحكامه:

- ‌دعاء القنوت:

- ‌حكم تقديم اليدين قبل الركبتين للسجود:

- ‌صفة وضع اليدين في التشهد:

- ‌صيغ التشهد ومعانيها:

- ‌صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الدعاء بعد التشهد وأحكامه:

- ‌صفة التسليم وأحكامه:

- ‌الأذكار دبر الصلوات ومعانيها:

- ‌وجوب تعلم صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌صلاة المريض:

- ‌8 - باب سجود السهو وغيره من سجود التلاوة والشكر

- ‌صفة سجود السهو:

- ‌السجود للسهو بعد السلام وحكمه:

- ‌حكم التشهد لسجدتي السهو:

- ‌حكم سجود السهو قبل الكلام:

- ‌السهو مبني على غلبة الظن:

- ‌سقوط سجود السهو:

- ‌حكم سهو الإمام والمأموم:

- ‌سجود التلاوة:

- ‌حكم سجود التلاوة:

- ‌أحكام سجود التلاوة:

- ‌بعض مواضع سجود التلاوة في القرآن:

- ‌حكم سجود القارئ والمستمع والسامع:

- ‌التكبير لسجود التلاوة:

- ‌9 - باب صلاة التطوع

- ‌السنن الرواتب:

- ‌فضل ركعتي الفجر:

- ‌النفل قبل العصر والمغرب:

- ‌التخفيف في ركعتي الفجر والاضطجاع بعدها:

- ‌قيام الليل:

- ‌صلاة الوتر:

- ‌صفات صلاة الوتر:

- ‌الحث على قيام الليل والوتر:

- ‌لا وتران في ليلة:

- ‌ما يقرأ في الوتر:

- ‌صلاة الضحى:

- ‌10 - باب صلاة الجماعة والإمامة

- ‌حكم صلاة الجماعة:

- ‌وجوب الحضور للجماعة في المسجد:

- ‌عدم سقوط الجماعة عن الأعمى:

- ‌صلاة المفترض خلف المتنقل:

- ‌حكم الصلاة قيامًا خلف إمام قاعد:

- ‌مراعاة حال المأمومين في الصلاة:

- ‌إمامة الصغير المميز:

- ‌يقدم في الإمامة الأكثر قرآنًا:

- ‌تسوية الصفوف والمقاربة بينها:

- ‌أفضلية الصف الأول للرجال:

- ‌صلاة المرأة والصغير خلف الإمام:

- ‌حكم صلاة المنفرد خلف الصف:

- ‌المشي إلى الصلاة بالسكينة والوقار:

- ‌استحباب الكثرة في الجماعة:

- ‌حكم إمامة المرأة لأهل دارها:

- ‌الدخول مع الإمام على أي حال أدركه:

- ‌11 - باب صلاة المسافر والمريض

- ‌حقيقة السفر ومعناه:

- ‌قصر الصلاة في السفر وحكمه:

- ‌مسائل مهمَّة:

- ‌الصلوات التي لا تقصر في السفر:

- ‌الفطر في السفر وحكمه:

- ‌عدد الأيام التي يجوز فيها القصر:

- ‌حكم الجمع بين الصلاتين في السفر:

- ‌حالات جمع التقديم والتأخير:

- ‌حالات الجمع بين الصلاتين في الحضر:

- ‌الصلوات التي لا يجمع بينها:

- ‌صلاة المريض وكيفيتها:

- ‌12 - باب صلاة الجمعة

- ‌التحذير من ترك الجمع:

- ‌وقت صلاة الجمعة:

- ‌العدد الذي تنعقد به الجمعة:

- ‌حكم إدراك ركعة من الجمعة:

- ‌حكم الخطبة قائمًا:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌استحباب طول الصلاة وقصر الخطبة:

- ‌قراءة سورة (ق) في الخطبة:

- ‌حكم تحية المسجد والإمام يخطب:

- ‌ما يقرأ في الجمعة والعيدين:

- ‌صلاة النفل بعد الجمعة وأحكامها:

- ‌حكم فصل الفريضة عن النافلة:

- ‌فضل الاغتسال والتطيب يوم الجمعة:

- ‌ساعة الإجابة يوم الجمعة:

- ‌استغفار الخطيب للمؤمنين:

- ‌حكم قراءة آيات من القرآن في الخطبة:

- ‌الذين تسقط عنهم الجمعة:

- ‌13 - باب صلاة الخوف

- ‌شروط صلاة الخوف:

- ‌الصفة الأولى لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثانية لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثالثة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الرابعة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الخامسة لصلاة الخوف:

- ‌14 - باب صلاة العيدين

- ‌حكم صلاة العيد في اليوم الثاني إذا ترك لعذر:

- ‌من السنة أكل تمرات قبل الخروج لعيد الفطر:

- ‌حكم خروج النساء لصلاة العيد:

- ‌مشروعية الخطبة بعد صلاة العيد:

- ‌صلاة العيد ركعتان بلا نفل:

- ‌صلاة العيد بلا أذان ولا إقامة ولا نفل:

- ‌صلاة العيد في المصلى:

- ‌التكبير في صلاة العيد:

- ‌قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد:

- ‌مخالفة الطريق والتكبير في الطريق:

- ‌15 - باب صلاة الكسوف

- ‌مشروعية صلاة الكسوف والدعاء فيها:

- ‌القراءة في صلاة الكسوف جهرًا:

- ‌صفة صلاة الكسوف:

- ‌الدعاء عند هبوب الريح:

- ‌حكم الصلاة للزلازل:

- ‌16 - باب الاستسقاء

- ‌صفة صلاة الاستسقاء والخطبة لها:

- ‌الدعاء في صلاة الاستسقاء:

- ‌تحويل الرداء في الاستسقاء والجهر بالقراءة:

- ‌مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء:

- ‌أقسام التوسل وأحكامه:

- ‌ما يفعل عند هطول المطر:

- ‌الدعاء عند رؤية المطر:

- ‌مشروعية الاستسقاء في الأمم السابقة:

- ‌17 - باب اللباس

- ‌تحريم الزنا والخمر والغناء:

- ‌تحريم لبس الحرير والجلوس عليه:

- ‌مقار ما يباح من الحرير:

- ‌حكم لبس الحرير لعذر أو مرض:

- ‌إباحة الذهب والحرير للنساء والحكمة منها:

- ‌حبُّ الله عز وجل لرؤية أثر نعمته على عبده:

- ‌النهي عن لبس القسيِّ والمعصفر:

- ‌جواز كف الثياب بالحرير وضوابطه:

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الترغيب في تذكر الموت:

- ‌كراهة تمني الموت:

- ‌تلقين المحتضر الشهادة:

- ‌حكم قراءة يس عند المحتضر:

- ‌تغميض الميت:

- ‌حكم تسجية الميت:

- ‌حكم تقبيل الميت:

- ‌الإسراع في قضاء دين الميت:

- ‌حكم تحنيط الميت المحرم:

- ‌حكم تجريد الميت عن تغسيله:

- ‌صفة الغسل:

- ‌تكفين الميت وأحكامه:

- ‌استحباب الكفن الأبيض:

- ‌استحباب إحسان الكفن:

- ‌هل يجمع بين الرجال في الدفن، ومن يقدَّم:

- ‌كراهة المغالاة في الكفن:

- ‌حكم الصلاة على المقتول في حد:

- ‌حكم الصلاة على قاتل نفسه:

- ‌حكم الصلاة على القبر:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌موقف الإمام في الصلاة على المرأة:

- ‌حكم الصلاة على الميت في المساجد:

- ‌عدد التكبير في صلاة الجنازة:

- ‌قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للميت في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للمسلمين في صلاة الجنازة:

- ‌الإخلاص في الدعاء للميت:

- ‌استحباب الإسراع بالجنازة:

- ‌فضل اتباع الجنائز والصلاة عليها:

- ‌النهي عن اتباع النساء للجنازة:

- ‌كيفية إدخال الميت القبر:

- ‌الميت يتأذى بما يتأذى به الحي:

- ‌اللحد والشق في القبر:

- ‌النهي عن البناء على القبور وتجصيصها:

- ‌حكم تلقين الميت عند القبر:

- ‌زيارة النساء للقبور:

- ‌جواز البكاء على الميت:

- ‌النهي عن الدفن ليلًا:

- ‌استحباب إيناس أهل الميت:

- ‌آداب زيارة القبور:

- ‌النهي عن سب الأموات:

الفصل: ‌صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

‌صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

302 -

وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته، ولم يحمد لله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عجل هذا، ثم دعاه، فقال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لما شاء". رواه أحمد، والثلاثة، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم.

هذا الحديث- كما ترون- مطلق أو مجمل، لم يبين الرسول- عليه الصلاة والسلام كيف يحمد الله، وكيف يثنى عليه، وكيف يصلى عليه صلى الله عليه وسلم، فيمكن أن يفصل بالتشهد، لأن التشهد أوله ثناء على الله، ثم سلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عباد الله الصالحين، ثم صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك يدعو الإنسان، فيحمل هذا الحديث الذي أجمل فيه الرسول- عليه الصلاة والسلام حمد الله، والثناء عليه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم على التشهد، وأنه ينبغي للإنسان في تشهده أن يبدأ بالتشهد، ثم بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم على عباد الله الصالحين، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك، ثم يدعو، والأفضل في هذا المقام وفي غيره: أن يتخير الإنسان من الأدعية ما وردت به السنة قبل كل شيء، حتى وإن لم يكن من الدعاء الواجب فإنه ينبغي أن يختاره قبل كل شيء، ثم بعد هذا يدعو بما شاء، هذا هو الأفضل، ولا نقول كما قال بعض الناس: لا تدع إلا بما جاءت به السنة ولا تزد عليه، فإن هذا خطأ، لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام قال في حديث ابن مسعود:"ثم ليتخير من الدعاء ما شاء" وأطلق، فنقول: ما وردت به السنة هو خير مما تدعو به أنت، ثم بعد ذلك تدعو بما شئت، مما وردت به السنة ما سيأتي- إن شاء الله تعالى- وهو أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ الإنسان من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، فإن الدعاء هذا واجب عند كثيرٍ من أهل العلم، حتى إن أحد التابعين- وهو طاوس- لما صلى ابنه لم يدع بذلك أمره أن يعيد الصلاة.

فالدعاء بهذا- أي: التعوذ من هذه الأربعة- واجب عن بعض أهل العلم، وهو أحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، فلا ينبغي للإنسان أن يدعه، وكون الناس يتهاونون به لاسيما في صلاة التراويح هذا من الجهل، كيف يتساهل بهذا الدعاء العظيم؟ تستعيذ بالله من

ص: 159

كل شرٍ في الحقيقة من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. لو جمعت لك هذه الأدعية جمعها لك الرسول- عليه الصلاة والسلام متى تحصل هذه الأدعية الجامعة النافعة التي أمرت أن تدعو الله بها في التشهد الأخير وتدعها على أساس أنها ليست بواجبة، وما يدريك أنها ليست واجبة، إذا كان الرسول أمر بها، فلقائلٍ أن يقول: ما أمر به الرسول فالأصل فيه الوجوب، وألزمت بأن تقولها، وإن كان جمهور أهل العلم يرون أنها ليست بواجبة، ولكنهم متفقون على أنها من السنة، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يدعها.

303 -

وعن أبي مسعودٍ الأنصاري رضي الله عنه قال: قال بشير بن سعد: يا رسول الله، أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فسكت، ثم قال: قولوا: "اللهم صل على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما بارك على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم". رواه مسلم.

- وزاد ابن خزيمة فيه: "فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ "

تقدم لنا التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وذكرنا أن اختلاف الروايتين، بل اختلاف الصيغتين أن هذا مما جاءت به السنة في بعض العبادات، وبينا أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوعةٍ أن الصحيح فيها أن يفعل الإنسان هذا تارةً وهذا تارةً، لأجل أن يجمع بين السنن ويفعل جميع ما ورد، وبينا أن تنوع العبادات من رحمة الله بالعباد ومن حكمته لم يتضمنه من المصلحة، وأشرنا إليها فيما سبق، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التسليم عليه أمر الله تعالى بها في القرآن فقال:{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56]. فأمر الله تعالى بالصلاة عليه، السلام علمه النبي- عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن أمرهم أن يقولوا:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته". أما الصلاة فلم يعلمهم، ولكن إذا صلى الإنسان على أي صيغةٍ كانت حصل بذلك الامتثال، لأن ما طلبه بشير بن سعد رضي الله عنه ليس كطلب اليهود في قصة البقرة التي أمروا أن يذبحوها فقالوا: ما هي؟ ما هي؟ ما هي؟ وإنما أراد رضي الله عنه أن يتبين له الكمال وإلا فإنه يعرف، وكل عالمٍ باللسان العربي يعرف أن المطلق يكتفى فيه بأي صيغةٍ كانت، فلو أن الإنسان قال:"اللهم صل على محمد" لكان قد امتثل قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} ، ولكن

ص: 160

بشيرًا رضي الله عنه أراد الكمال، كما أن قوله:{وسلموا تسليمًا} لو قال: السلام على رسول الله كفى، ولكن الرسول- عليه الصلاة والسلام علمهم صفةً أكمل:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، فكان بشيرًا رضي الله عنه أراد أن يتعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم الصيغة الكاملة فقال:"قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم في العالمين".

قوله: "اللهم صل على محمد" اختلف العلماء في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: إن الصلاة من الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدعاء، ولكن هذا لا دليل عليه، بل إن الدليل على خلافه، لأن الله قال في القرآن:{أولئك علهم صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة: 157]. فدل على ذلك أن الصلاة غير الرحمة، وهنا أضافها الله؟ على نفسه {عليهم صلوات من ربهم ورحمة} ، فدل هذا على أن الصلاة من الله ليست هي الرحمة، إذ لو كان كذلك لكان الله تعالى عطف الشيء على نفسه، وهذا خلاف بلاغة القرآن.

فما هي الصلاة من الله؟ أحسن ما قيل في ذلك ما قاله أبو العالية رحمه الله: "بأن الصلاة من الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى" أن الله تعالى يذكره بالصفات الحميدة في الملأ الأعلى من الملائكة- عليهم الصلاة والسلام- الذي يحملون العرش ومن حوله، هؤلاء هم الملأ الأعلى، فيثني الله على عبده محمد- عليه الصلاة والسلام بأن يصفه بصفاتٍ كثيرةٍ صفات المحامد التي يستحقها صلى الله عليه وسلم، وأما صلاتنا نحن فإذا قلنا:"اللهم صل على محمد" فإننا ندعو الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى وكذلك الملائكة؛ فإن دعاء الملائكة بالصلاة على الإنسان معناه: أنها تسأل الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى كما جاء في الحديث الصحيح في منتظر الصلاة، الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه تقول:"اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه"، وهذا أيضًا مما يدل على أن الصلاة غير الرحمة، بل هي أبلغ.

والحاصل: أن معنى قولك: "اللهم صل على محمد": اللهم أثن عليه في الملأ الأعلى، أي: اذكره بصفات الكمال في الملأ الأعلى، وهذا من رفع الذكر له صلى الله عليه وسلم الذي أخبر الله به في قوله:{ورفعنا لك ذكرك} [الشرح: 4]. إذا كان كذلك فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن فيما أوحاه الله إليه أن من صلى عليه مرةً واحدةً صلى الله عليه بها عشرًا، فأنت إذا قلت:"اللهم صل على محمد" تسأل الله أن يثني عليه مرة، فإن الله يثني عليك عشر مرات، ولهذا ينبغي الإكثار من

ص: 161

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما في يوم الجمعة، فإن الرسول أمر أن نكثر عليه في هذا اليوم من الصلاة.

"اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد"، "على محمد" من الذي قال:"قولوا: اللهم صل على محمد"؟ محمد- عليه الصلاة والسلام وهو أعلم الناس بما يستحق من الأوصاف، وهو أيضًا أنصف الناس للأمة بما يعلمها من الصفات الكاملة والصيغ المحبوبة إلى الله وإلى رسوله، وبهذا عرفنا أن قول بعض الناس:"اللهم صل على سيدنا محمد" أنه قول مخالف لما جاءت به السنة، وأنك لا تقل:"اللهم صل على سيدنا محمد" هو سيد لك قلته أم لم تقله، لكن إذا كنت تعتقد أنه سيد حقيقةً فالتزم قوله، لأن السيد هو المتبوع، فإذا كنت تقول:"سيد" لا تخرج عن قوله، ولا تخرج عن توجيهه وإرشاده وتعليمه، وهو لم يقل لأمته:"قولوا: اللهم صل على سيدنا" قال: "قولوا: اللهم صل على محمد"، وأنت إذا كنت تعتقد أنه سيدك حقيقة، فإن السيد لابد أن يكون مطاعًا.

"اللهم صل على محمد" ومحمد اسمه، وله أسماء أخرى منها: أحمد، وقد ذكر هذين الاسمين في القرآن فقال:{محمد رسول الله والذين معه} [الفتح: 29]. {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} [آل عمران: 144]. وقال عن عيسى أنه قال لبني إسرائيل: {ومبشرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصف: 6]. وتأمل الحكمة في إخبار عيسى بأنه أحمد دون محمد، لأن أحمد اسم تفضيلٍ مبني من اسم الفاعل واسم مفعولٍ فهو حامد محمود، ليتبين بذلك فضله في بني إسرائيل؛ لأن أحمد اسم تفضيل، والصحيح أنه مأخوذ من المبني للفاعل والمبني للمفعول، يعني: هو أحمد الناس لله، وهو أحق الناس أن يحمد- عليه الصلاة والسلام، فهو جامع بين الأمرين: اسم فاعلٍ واسم مفعول، ولهذا جاء بلفظ أحمد، ولا شبهة للنصراني في قوله:"إن الذي بشر به عيسى أحمد، وإن نبيكم أيها العرب اسمه محمد". نقول: لا مانع من أن يسمى الإنسان باسمين أو أكثر، فالمسيح اسمه المسيح، واسمه عيسى فله اسمان، ولا مانع من ذلك، ثم إن عيسى- عليه الصلاة والسلام بشركم به، وجاءكم محمد بالبينات، ولهذا قال {فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين} [الصف: 6]. وهل جاءكم أحد غير محمد- عليه الصلاة والسلام ما جاءكم إلا محمد، فلا شبهة له فيما ادعى.

والحاصل: أن محمدًا علم من أسمائه صلى الله عليه وسلم وله أسماء متعددة، واعلم أن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 162

أعلام وأوصاف، فهي من حيث دلالتها على الذات أعلام، ومن حيث دلالتها على المعنى أوصاف، فـ"محمد" اسم مفعول من حمدت، وجاء بلفظ التشديد للمبالغة لكثرة الخصال التي يحمد عليها صلى الله عليه وسلم.

"اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد" من هم آل محمد؟ قال بعض العلماء: آل الرسول صلى الله عليه وسلم هو أزواجه وقراباته، وقال آخرون: بل آله: أتباعه على دينه، والصحيح: أن "آل" من الكلمات المشتركة التي تصلح لهذا ولهذا، فإن قيل: آل: أصحابه وأتباعه، فالمراد بـ"الآل": الأقارب لكن المؤمنون منهم، لأن غير المؤمن من قرابة الرسول- عليه الصلاة والسلام ليس من آله، بدليل أن الله قال لنوحٍ لما قال:{إن ابني من أهلي} [هود: 45]. قال: {إنه ليس من أهلك} [هود: 46]. وعلى هذا فآل النبي إذا جيء بالآل والأصحاب والأتباع صار المراد بالآل: الأقارب المؤمنون، وصار المراد بالصحابة: أصحابه، وبالأتباع: كل من تبعه إلى يوم القيامة، وأما إذا جاءت "آل" مفردة فإنها للأتباع على الدين، والآل تطلق على الأتباع على الدين وإن كانوا غير قرابة، قال الله تعالى:{ويوم تقوموا الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46]. يعني: أتباعه على ما هو عليه من الباطل.

وقوله: "كما صليت على إبراهيم"، هذه الكاف كثر خوض العلماء فيها وأوردوا إشكالًا، فقالوا:"كما صليت" المعروف أنه المشبه أدنى من المشبه به، وهنا ضبه الصلاة المطلوبة لمحمدٍ- عليه الصلاة والسلام بالصلوات التي كانت على إبراهيم، ومعلوم أن محمدًا- عليه الصلاة والسلام أشرف الخلق عند الله- سبحانه وتعالى، فكيف تطلب صلاة دون الصلاة على إبراهيم على هذه القاعدة، ولكن نقول: إن الكاف هنا ليست للتشبيه ولكنها للتعليل، يعني:"اللهم صل على محمد"، لأنك صليت على إبراهيم، وهذا كقوله تعالى:{واذكروه كما هداكم} [البقرة: 198]. يعني: لأنه هداكم، وإذا كانت للتعليل صارت الفائدة منها التوسل إلى الله- عز وجل بإنعامه السابق اللاحق، يعني: فكأنما هذه عادتك وكرمك وإحسانك وقد صليت على إبراهيم، فإنا نسألك أن تصل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقوله:"إبراهيم" هو أبو الأنبياء وهو مع نوحٍ هما اللذان جعلت في ذريتهما النبوة والكتاب كما قال تعالى: {ولقد أرسلنا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} [الحديد: 26]. وبهذا نعرف بأن من قال إن إدريس قبل نوح فإن قوله خطأ؛ لأن الله قال: {وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} ، قال:{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده} [النساء: 163]. فلا نبي قبل نوح، وقوله: كما صليت على إبراهيم، إبراهيم صلى الله عليه وسلم هو أبو الأنبياء وهو الذي أمرنا باتباع ملته، لأن ملته الحنيفة- عليه الصلاة والسلام {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النحل: 123].

ص: 163

إبراهيم- عليه الصلاة والسلام من أشد الناس صبرًا على أقدار الله، صبر على أمرٍ يتعجب الإنسان من صبره عليه، كان له ابن وحيدًا فريدًا أتاه على كبر، ولم يكن له ولد غيره، ومن المعلوم بطبيعة البشر أن الإنسان يحب ولده، ولاسيما إذا أتاه على كبر {فلما بلغ معه السعي} [الصافات: 102]. لم يكن في حالة طفولةٍ لم يلتفت إليه ولم يكن في حال كبر انعزل عنه وفارقه، بل كان في أشد حالٍ يتعلق بها الوالد بولده، قد بلغ معه السعي وصار يمشي معه، أمره الله تعالى بأن يذبح ابنه، سبحان الله العظيم! إن هذا لهو البلاء المبين أمره الله أن يذبحه، فعرض ذلك على الابن امتحانًا له لا استشارة له، أو أخذ برأيه لكن ليمتحنه قال:{إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات: 102]. كان جواب الابن سديدًا عظيمًا: {قال يا أبت افعل ما تؤمر} الله أكبر! هذا هو المفروض أن يكون ابنك عونًا لك على طاعة ربك، ومع ذلك من الذي سيفقد الحياة؟ هذا الابن، فقدم طاعة الله على فقد حياته {افعل ما تؤمر} أيضًا لم يقل: افعل ما رأيت، {افعل ما تؤمر} إشارةً إلى أن هذا الأمر لابد أن يطاع، {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات: 102]. انظر الأمر، ما قال: إن شاء الله افعل ما تؤمر، لكن فيما يتعلق بفعل نفسه قال:{ستجدني إن شاء الله من الصابرين} وفعلًا صبر، {فلما أسلما} [الصافات: 103]. يعني: استسلما لأمر الله استسلامًا تامًا كاملًا {وتله للجبين} [الصافات: 103]. أي: على الجبين، وإنما تله على الجبين، وتله أيضًا ليس بالفرق الكامل لأجل ألا يعجز عن كبح نفسه في امتناعه من ذبحه، جعل جبينه إلى الأرض حتى لا يشاهد وجهه حين ذبحه {فلما أسلما وتله للجبين} أتى الفرج من رب العالمين- سبحانه وتعالى، ولهذا حذف الجواب ليذهب في تقديره كل مذهب، كل ما يمكن أن تقدره جوابًا فهو صالح إذا كان السياق يساعد عليه {فلما أسلما وتله للجبين* وناديناه أن يا إبراهيم} [الصافات: 104].

وقول من قال من المعربين: إن الواو هنا زائدة غلط، ولكنها عاطفة على شيْ محذوف {قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين} [الصافات: 105]. صدق الرؤيا؛ لأنه فعل كل الأسباب التي أراد ما بقي إلا أن يذبحه.

وقول من قال- بناءً على ما جاء في الإسرائليات-: إنه وضع السكين على رقبته فانقلبلت وما أشبه ذلك، كل ذلك كذب، لأنه لم يذكر في القرآن، ولأنه لو كان الأمر كذلك لعرف أن المسألة امتحان وانتهى الأمر، لكن جاء الفرج من الله عز وجل {قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين* إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات: 105، 106]. يعني بالبلاء: الاختبار المظهر لصدق المختبر، و {مبين} هنا بمعنى: مظهر: قال تعالى: {وفديناه بذبحٍ عظيم} [الصافات: 107]. إلخ، ولهذا سمي إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن كما قال تعالى:{واتخذ الله إبراهيم خليلًا}

ص: 164

[النساء: 125]. وكما اتخذ الله إبراهيم خليلًا اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خليلًا كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا".

وبهذا نعرف أن ما يوجد في بعض صيغ الصلاة على الرسول- عليه والصلاة والسلام- أن إبراهيم خليل الرحمن، ومحمد حبيب الرحمن، هذا غلط عظيم، وفيه تنقص للرسول- عليه الصلاة والسلام لماذا؟ لأن الخليل أشرف من الحبيب، كل مؤمنٍ حبيب الله {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222]. والله يحب المؤمنين وما أشبه ذلك، لكن الخلة لا، ما تعلم أن أحدًا خليل الله إلا محمدًا وإبراهيم هذا الذي نعلمه، وعلى هذا فالذي يقول: محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله مخطئ، بل محمد خليل الله وإبراهيم خليل الله، والخليل أشرف وأعظم مرتبةً من الحبيب.

وأما قوله: "إنك حميد مجيد" فالحميد فعيل بمعنى فاعل وبمعنى مفعول، فحميد بمعنى فاعل، أي: حامد، فالله عز وجل حامد لكل من يستحق الحمد من عباده، ولذلك يثني على من يستحق الحمد من الأنبياء والصالحين، فهو فاعل، أي: فاعل للحمد، ومنه "سميع" بمعنى: سامع، وبصير بمعنى: مبصر، ومحتمل أن يكون (حميد) بمعنى: محمود، لأن الله- سبحانه وتعالى محمود على كل حال، وهو محمود أيضًا على نعمه السابغة الكثيرة، وإذا كان اللفظ محتملًا للمعنيين ولا تناقض بينهما، فإن الصحيح أنه شامل لهما، وهذا ما يعرف عند العلماء بالمشترك، فإذا كان اللفظ المشترك صالحًا للمعنيين بدون تناقضٍ ولا تنافر، فإن الأول حمله على المعنيين جميعًا ما لم يوجد دليل على أن المراد أحدهما.

وقوله: "وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد" البركة: كثرة الخير واستقرار الخير، ومنه سميت البركة لكثرة ما فيها من الماء وقراره، فمعنى البركة: أن نسأل الله عز وجل أن ينزل الخير الكثير على محمدٍ صلى الله عليه وسلم وكذلك على آل محمدٍ صلى الله عليه وسلم بأن يجعل فيهم الخير الكثير الدائم من علمٍ نافعٍ وعملٍ صالحٍ ومصالح في الدنيا والآخرة، وبهذا عرفنا أن هذه الصلاة التي علمها النبي- عليه الصلاة والسلام أمته هي أفضل ما يكون من صيغ الصلاة، وأن تلك الصيغة التي ابتدعها من ابتدعها من الناس كلها عند هذه الصيغة لا تساوي شيئًا، ونحن نحث جميع من أرادوا الصيغة المفضلة في الدعاء والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها على أن يلتزموا بما جاء في الشرع، فإنه خير من كل ما أحدث، وكثير مما أحدث تجده دائمًا قليل البركة وقليل النفع.

* * *

ص: 165