الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس سنه فيها، وقد سبق لنا عدة مرات أن ما كان مشروعًا في العبادة فهو أولي بالمراعاة مما كان مشروعًا للعبادة، وعلي هذا فنقول: الأفضل أن تبادر بمتابعة إمامك، فإذا قال: أنا أحب أن أتأخر في السجود لأدعو الله عز وجل فما هو الجواب؟ الجواب علي ذلك: أن لك أن تتأخر في السجود لو صليت وحدك، أما مع الإمام فأنت تبع لإمامك لا تتأخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا سجد فاسجدوا"، فأمرنا أن نتابع الإمام بدون تأخير، ولمسألة الدعاء في السجود إذا كنت وحدك فادع الله تعالي بما شئت.
أما الحال الرابعة: فهي التخلف عن الإمام، وهذا إن كان لعذر فلا حرج علي الإنسان فيه، كما لو تخلف الإنسان عن إمامه لعدم علمه بانتقاله إلي الركن مثل أن يكون لم يسمع أن الإمام قد كبر فكبر وشرع في الصلاة.
385 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي في أصحابه تأخرًا، فقال: "تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم". رواه مسلم.
386 -
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة مخصفة، فصلي فيها، فتتبع إليه رجال، وجاءوا يصلون بصلاته
…
". الحديث، وفيه: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" متفق عليه.
387 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "صلي معاذ بأصحابه العشاء، فطول عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتريد أن تكون يا معاذ فتانًا؟ إذا أممت الناس فاقرأ: بـ {والشمس وضحاها} ، و:{سبح أسم ربك الأعلى} ، و:{اقرأ باسم ربك} ، و:{والليل إذا يغشي} . متفق عليه، واللفظ لمسلم.
حكم الصلاة قيامًا خلف إمام قاعد:
388 -
وعن عائشة رضي الله عنها في قصة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وهو مريض- قالت: "فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر، فكان يصلي بالناس جالسًا وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر". متفق عليه.
هذا الحديث تقدم الكلام علي أوله، وبينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف معاذ بن جبل بكونه "فتانًا"، يعني: صادًا للناس عن دين الله، وذلك بتطويله فيهم حتى أدي أن ينصرف بعضهم من الصلاة؛ لأنه رضي الله عنه أطال إطالة غير مشروعة، فلا يجوز للإمام أن يطيل بالناس إطالة غير مشروعة.
أما إذا صلى بنفسه فليطل ما شاء، وإذا صلى لغيره فلا يتجاوز المشروع، فإن تجاوز المشروع فقد شق عليهم وحينئذ يكون آثمًا كما يدل عليه هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث عائشة في قصة صلاة أبي بكر رضي الله عنه بالناس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان مريضًا وقد استناب أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس فكان يصلي بهم رضي الله عنه، ففي يوم من الأيام أحس النبي صلى الله عليه وسلم بخفة فجاء وجلس إلي يسار أبي بكر فصلي بالناس جالسًا وأبو بكر يصلي بهم قائمًا يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسمع صوته ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر لأنهم لا يسمعون إلا صوته.
هذا الحديث لا شك أنه في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه متأخر بالنسبة للحديث السابق المروي عن أبي هريرة:"إذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين"؛ ولهذا اختلف العلماء-رحمهم الله فيما إذا صلى الإمام جالسًا لمرض هل يصلي المأمومون جلوسًا أو يصلون قيامًا؟ فذهب الإمام أحمد رحمه الله إلي أنهم يصلون جلوسًا تبعًا لإمامهم، وذهب غيره إلي أنهم يصلون قيامًا، أما الإمام أحمد فاستدل بعموم حديث:"إذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا" وقال: إن مثل هذا الحكم يبعد أن ينسخ لأنه من الائتمام بالإمام، فلو نسخ لكان في ذلك إخلال بحكمه الجماعة، وهي: عدم الائتمام بالإمام، ولكن غير الإمام أحمد قال: إنه منسوخ بحديث عائشة الذي ذكره المؤلف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته كان يصلى قاعدًا والناس يصلون قيامًا، ولكن الإمام أحمد رحمه الله أجاب عن هذا بأن أبا بكر رضي الله عنه كان قد ابتدأ بهم الصلاة قائمًا، فلزمهم حكم القيام، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء في أثناء الصلاة فصلي قاعدًا ولهذا أذن لهم صلى الله عليه وسلم أن يبقوا قيامًا، وهذا الذي أجاب به الإمام أحمد رحمه الله هو المتعين؛ لأن به تجتمع الأدلة، وقد قررنا غير مرة: أنه إذا أمكن الجمع بين الأدلة فإنه هو الواجب ولا يصار إلي النسخ مع إمكان الجمع، لكنك إذا صرت إلي النسخ مع إمكان الجمع أبطلت أحد الدليلين بالآخر، وإذا جمعت عملت بالدليلين كليهما، وهذا هو الواجب.
فالصواب: أن الإمام إذا صلى قاعدًا أن نصلي خلفه قعودًا ولو كنا قادرين علي القيام، لكن لو ابتدأ بنا الصلاة قائمًا ثم حصلت له علة وجلس ما كمل الصلاة قائمًا، ففي هذه الحال يجب علينا أن نصلي قيامًا، بدليل حديث عائشة الذي ساقه المؤلف رحمه الله، وفي حديث عائشة فائدة وهي: أن الإمام الراتب يبني علي صلاة من استخلفه ولا يستأنف الصلاة من جديد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستأنف الصلاة بالناس، بل أبقاهم علي صلاتهم، ولما أكمل الناس صلاتهم لم يتابعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بقي من صلاته، فالإمام الراتب إذا وكل شخصًا ثم حضر في أثناء الصلاة وتقدم الإمام الراتب فإنه يبني علي صلاة من استخلفه، مثال ذلك: وكل رجل شخصًا