الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكلٍّ جائز، لكن المشهور من مذهبه ما دل عليه هذا الحديث من أنها خمس تكبيرات زوائد في الثانية وست تكبيرات زوائد في الأولى، وهذا هو المعمول به الآن.
ثم في هذا بحث هل يقول بين التكبيرتين شيئًا أو لا؟ ليس في هذا سنَّة عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولكنه يروى عن ابن مسعود أنه يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. فإن فعل فلاك لأنه قول صحابي، وإن لم يفعل وكبَّر بدون أن يأتي بشيء بين التكبير فلا حرج عليه، إنما التكبير سنته أظهر وأشهر.
هذه التكبيرات لو تركها الإنسان هل تبطل صلاته؟ لا، ألا تكبيرة الإحرام، لأنها ركن ما تنعقد الصلاة بدونها، وأما الزوائد فإنها سنَّة فلو تركها فلا شيء عليه.
ثم هل يرفع يديه في كل تكبيرة أو في تكبيرة الإحرام والباقي بدون رفع؟ هذا أيضًا محل خلاف بين العلماء؛ لأن السُّنَّة ليست صريحة فيه، فقال بعض العلماء: يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وأما في بقية التكبير فإنه لا يرفع يديه، ولكنه ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة، وعلى هذا فيكون هو الأولى، لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان من أشد الناس تحريًا لاتباع سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إنه قول صحابي أو فعل صحابي قد يقال: إنه لا مجال للاجتهاد فيه، وفعل الصحابي أو قوله إذا كان لا مجال للاجتهاد فيه فله حكم الرفع، وقد يقال: إن للاجتهاد فيه مجال، إذ قد يكون فعله على سبيل القياس؛ لأن كل تكبير في قيام ترفع فيه الأيدي تكبيرة الإحرام، تكبيرة الركوع، وتكبيرة الرفع من الركوع، فربما يقيس مجتهد من أهل العلم من الصحابة أو من بعدهم هذا على ما ثبت به الحديث من رفع اليد عند تكبيرة الإحرام، وعلى كل حال حتى لو ثبت ذلك بالاجتهاد، فإن اجتهاد الصحابي خير من اجتهاد من بعده وأقرب إلى الصواب؛ ولهذا اعتمده الإمام أحمد خله، لاسيما إذا كان الاجتهاد قد جاء من الصحابة المعروفين بالعلم والفقه كابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ، وزيد بن ثابت وغيرهم.
والحاصل: أن السُّنَّة في هذه التكبيرات أن يرفع اليدين فإن لم يفعله فلا شيء عليه.
قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد:
471 -
وعن أبي واقدٍ اللِّيثيِّ رضي الله عنه قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفطر والأضحى بـ {ق}، و {اقتربت} ". أخرجه مسلمٌ.
تقدم لنا أن لفظ "كان" يشعر بالدوام غالبًا، ويدل على ذلك ما نحن فيه الآن "كان يقرأ
بـ {ق} ، و {اقتربت} "، وثبت لنا من حديث النعمان بن بشير أنه كان يقرأ بسبح، وهل أتاك. وبهذا نعرف أن "كان" لا تقبل الاستمرار دائمًا بل غالبًا.
قال: "يقرأ في الفطر والأضحى"، أي: في العيدين في الصلاة بـ {ق} ، {ق والقرءان المجيد} ق: 1]. كلمة "ق" حرف من حروف الهجاء، هل له معنى؟ قال بعض أهل العلم: إن له معنى وأنه رمز إلى أشياء يعينونها، وقال بعض أهل العلم: إن له معنى الله أعلم به، وقيل: لا نقول: له معنى، ولا معنى له، إنما تقول: الله أعلم، وقال بعض العلماء: بل نقول: لا معنى له، فعندنا الآن أربعة أقوال، والصواب أننا نقول: أنه لا معنى له.
فإن قلت: كيف تجزم بأنه لا معنى له وهو كلام الله عز وجل؟
قلت: أجزم بذلك استنادًا إلى قوله تعالى: {نزل به الروح الأمين * على فلبك لتكون من المنذين * بلسانٍ عربيٍ مبينٍ} [الشعراء: 193 - 195]. واللسان العربي المبين لا يجعل لهذه الحروف معني، فحينئذٍ يتبين أنه لا معنى له، واستنادا إلى أن الله عز وجل يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44]. وهذا مما تزِّل، ولو كان له معنى لبيَّنه النبي عليه الصلاة والسلام، فلمَّا لم يبينه علم أنه لا معنى له.
إذن يرد علينا مسألة عظيمة كبيرة وهي أن يكون في كلام الله تعالى ما هو لغو، قلنا: هذا إيراد صحيح، لكن عنه جواب صحيح، اللغو: هو الذي لا فائدة منه، وهذه الحروف لها فائدة عظيمة، وهي: أن القرآن الكريم الذي عجز هؤلاء الفصحاء البلغاء لم يأت بحروف لا يعرفونها وإنَّما أتى بحروف يعرفونها ويبنون منها كلماتهم ثم كلامهم، ومع ذلك أعجزهم.
وأما "اقتربت" ففيها الإشارة إلى الأمم السابقين ومواقفهم من أقوامهم وماذا حلَّ بهم - أي: بالمكذبين بالرسل - ففيها موعظة عظيمة لمن كان له قلب، وفيها أيضًا ذكر الجنة والنار، ومآل المؤمنين المتقين:{إن المتقين في جنتٍ ونهرٍ * في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر} [القمر: 54 - 55].
وعلى هذا فنقول: يشرع أن يقرأ الإمام في صلاة العيدين بـ "ق"، و"اقتربت الساعة" أحيانًا، وأحيانًا بـ "سبح" و"الغاشية"، أيهما أفضل أن يقتصر على واحد منها دائمًا، أو أن يقول هذا مرة وهذا مرة؟ الثاني هو الصحيح، ولهذا نقول: إن الأفضل في جميع العبادات التي وردت على وجوه متنوعة أن يقرأ بهذا تارة وهذا تارة فيكون قائما بالسُّنَّة كلها.
* * *