الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة وضع اليدين في القيام:
267 -
وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره". أخرجه ابن خزيمة.
"صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم"، المعية هنا تقتضي المصاحبة في المكان، أي: معه في المسجد، أو غير المسجد، المهم أن المعية هنا المصاحبة في المكان، وقوله:"فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره" في أي موضع من الصلاة؟ نرجع إلى البخاري من حديث سهل بن سعد: "أن الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"، وهذا في القيام الذي قبل الركوع والذي بعده، لكن الفرق بين حديث وائل وحديث سهل: أن حديث وائل بين أين يكون موضع اليدين، ولم يرد حديث صحيح صريح في موضعهما وأمثل ما في ذلك هذا الحديث حديث وائل بن حجر -على ما فيه من المقال- أنه يضع يده على صدره هذا أمثل ما جاءت به السنة، وقيل: على نحره، وقيل: على سرته، وقيل: أسفل، فالأقوال إذن أربعة، وأمثلها وأقربها للسنة حديث وائل أنها على الصدر، أما الذين قالوا: إنها على النحر، فاستدلوا بقول الله تعالى:{فصل لربك وانحر} وقالوا: معنى النحر المأمور به: أن يضع يده اليمنى على اليسرى على النحر، وأما الذين قالوا: على الصدر، فاستدلوا بحديث وائل، وأما الذين قالوا: إنه أسفل من السرة أو على السرة، ففي حديث عن علي رضي الله عنه لكنه ضعيف، فأمثل ما ورد في هذه المسألة هو حديث وائل.
نرى بعض الناس -من العجب العجاب- يضع يده اليمنى على اليسرى على الجنب الأيسر، وسألناهم لماذا؟ فقالوا: لأن القلب في الجانب الأيسر، فمن المناسبة أن تكون اليدان على القلب، وهذا غلط، إحداث شريعة لم ترد بها السنة، ولنا أن نجيبهم ونقول: أيضًا الفهم والإدراك يكون في المخ لأنه -والله أعلم- كان الإنسان يكون به، فهذه المسائل -مسائل العبادات- توقيفية تمامًا.
إذا قال قائل: ما الحكمة من وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة؟
قلنا: الإشارة إلى ذل العبد بين يدي ربه؛ لأن هذه صفة الذليل. هذا من جهة، من جهة أخرى: أنه أتم للخشوع؛ لأنه كأنه والله أعلم أن الإنسان يجمع نفسه على نفسه.
فإن قال قائل: تجد بعض الناس يسدل؛ أي: يرسل يديه إما في جميع القيام، وإما في القيام بعد الركوع.
نقول: هؤلاء -عفا الله عنهم- ليسوا على صواب من جهة السنة، فالإرسال ليس بسنة لا قبل الركوع ولا بعد الركوع، والإمام أحمد رحمه الله قال: إنه إذا قام من الركوع يخير بين أن يضع اليمنى على اليسرى أو يرسل، وكأنه -والله أعلم- لم يصح عنده، فقال: إن شاء الأمر على طبيعته وأرسل يديه، وإن شاء وضع اليمنى على اليسرى، لكن الأرجح أن يضع يده اليمنى على اليسرى قبل الركوع وبعد الركوع.
فإن قال قائل: إذا كنت أصلي خلف إمام يرسل يديه، وأنا أرى أن السنة خلاف ذلك، فهل أتابع إمامي أو لا؟ الصواب: لا، لأن وضع اليد اليمنى على اليسرى لا يقتضى مخالفة الإمام ولا في التخلف عنه؛ لأنه يتابعه في القيام والركوع والسجود والقعود، ونظير ذلك: لو كان الإمام لا يرى التورك في التشهد الأخير من الثلاثية والرباعية، وأنا أرى التورك في التشهد الأخير من الثلاثية والرباعية، فهل أوافق الإمام أو لا؟ لا أوافقه؛ لأني إن توركت لا أختلف عليه، وكذلك بالعكس لو كان الإمام يرى التورك وأنا لا أرى التورك فلا يلزمني أن أتابعه في هذا.
مسألة الجلسة في الوتر من الصلاة، يعني: إذا أراد أن يقوم للثانية أو للرابعة يرى الإمام الجلوس فيجلس والمأموم لا يرى الجلوس، فهل يجلس أو لا؟
نقول: يجلس لمتابعة إمامه، لأنه لو لم يتابعه لنهض قبله، وهذه مخالفة، لو كان الأمر بالعكس الإمام لا يرى الجلوس والمأموم يرى الجلوس، فهل يجلس أو لا يجلس؟
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: لا يجلس، لأنه إذا جلس لزم أن يتخلف عنه، والجلسة التي تسمى جلسة الاستراحة ليست كما يفعله بعض الناس الآن تجده يجلس ثم يقوم مع أن حديث مالك بن الحويرث يقول:"حتى يستوي قاعدًا" إذا كان في وتر من صلاة لم ينهض حتى يستوي قاعدًا، ثم وصف قيامه فقال:"فيعتمد بيديه على الأرض ثم يقوم"، وإذا تأملت هذه الصفة وهذا الفعل علمت يقينا -أو قريب اليقين- أن الصواب في جلسة الاستراحة إنما هي للحاجة فقط؛ لأن كونه يعتمد على يديه بعد أن يجلس يدل على أنه لا يستطيع أن ينهض بسرعة، وهذا القول هو الوسط في هذه المسألة: أنها للحاجة سنة، ولغير الحاجة لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها عند الحاجة فيما يظهر، وهذا هو الذي يقتضيه المعنى، ومالك بن الحويرث من الوفود، والوفود أكثر ما كانوا في السنة التاسعة بعد أن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم اللحم.
* * *