الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذا الحديث فوائد منها: حرص السلف الصالح على العلم، حتى الأولاد يسألون آباءهم.
ومنها: جواز سؤال الابن لأبيه عن مسائل العلم، ومعنى ((جواز)) أي: أنه ليس بممنوع، وإلا فالأصل أن يسأل.
ومن فوائد الحديث: أن ما ورد عن الخلفاء الراشدين فهو حجة، ومنها أنه سأل عن الخلفاء الراشدين لئلا يقال: إنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان موجودًا ثم نسخ، ليبين أنه ليس بموجود، ولذلك لم يفعله الخلفاء الراشدين.
ومنها: التلطف بالابن وكذلك البنت بما يدل على الحنان والرأفة والرقة لقوله: ((أي بني))، وهل يؤخذ أيضًا الرفق والعطف والحنان من حرف النداء ((أي)) بدل الياء؟ الجواب: نعم، يمكن أن يؤخذ لأنه ما دام ينادي بها القريب، فكأن هذا المنادي يقول لمن يخاطبه: أنت مني قريب.
ومنها: أن القنوت في الفجر بدعة وهو كذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا لسبب، فإذا فعلته بدون سبب فهذا إحداث في دين الله ما ليس منه.
ومنها: التحذير عن الشيء ببيان وصفه المنفر عنه بدلًا عن ذكر حكمه لقوله: ((أي بني محدث))؛ لأن نفور النفس من الشيء المحدث المبتدع أشد من أن يقال: هذا حرام، أو ما أشبه ذلك.
دعاء القنوت:
296 -
وعن الحسن بن علي رضي الله عنهم أنه قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)). رواه الخمسة، وزاد الطبراني والبيهقي:((ولا يعز من عاديت))، زاد النسائي من وجه آخر في آخره:((وصلى الله تعالى على النبي)).
الحسن بن علي بن أبي طالب هو سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مع أخيه الحسين رضي الله عنهم سيدا شباب أهل الجنة، ولكن أيهما أفضل؟ الحسن بن علي أفضل من أخيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصه
ذات يوم وقال: ((إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين)). ووقع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما مات علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع بعض الناس الحسن، وقالوا: إنه أحق بالخلافة، ولما خاف الفتنة رضي الله عنه تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه، فانطفأت بذلك فتنة عظيمة وشكر المسلمون الحسن رضي الله عنه، والعجب أن الرافضة تتعلق بالحسين أكثر من تعلقها بالحسن؛ وذلك لأن قصة مقتل الحسين تهيج الأحزان، وهم يريدون تهيج أحزان الناس، حتى بزعمهم يتشيعون للحسين رضي الله عنه ويعطفون عليه، ويكرهون معاوية وأمراءه، فالمسألة سياسية لا دينية، والمسألة لإضلال الناس لا لهدايتهم، نسأل الله أن يهديهم سواء السبيل.
قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر)) ظاهر اللفظ: أن هناك كلمات أخرى لقوله: ((في قنوت الوتر))، ولم يقل: أقنت بهن في الوتر. ((اللهم أهدني فيمن هديت)) اللهم بمعنى: يا الله أهدني فيمن هديت، الهداية هنا تشمل هداية العلم والإرشاد وهداية التوفيق والسداد؛ يعني: العلم والعمل. وقوله: ((فيمن هديت)) أي: في جملة من هديت، وفيها نوع توسل إلى الله بأفعال الله.
((وعافني فيمن عافيت)) المعافاة: السلامة من كل ما يؤذي من أمراض وهموم وعدوان على الغير، ولهذا قال بعض العلماء: المعافاة أن يمنع الله شرك عن الناس، ويمنع شر الناس عنك، فهي لفظ عام، وتشمل المعافاة في أمور الدين وأمور الدنيا، ونقول:((فيمن عافيت)) كما قلنا ((فيمن هديت)).
((وتولني فيمن توليت)) والمراد هنا: الولاية الخاصة؛ لأن الله عز وجل ولي كل أحد بالمعنى العام وهو التدبير والتصريف وما أشبه ذلك، ولاية خاصة وهي الولاية التي تقتضي العناية، فمن علامات من تولاه الله: اللطف به، ودلالته على الخير إعانته عليه، وهذا الأخير هو المراد بهذا الدعاء.
((وبارك لي فيما أعطيت)) أي: أنزل البركة لي فيما أعطيت من علم وولد ومال وغير ذلك مما أعطى الله؛ لأن الله تعالى إذا أنزل البركة في شيء سد ما يسده غيره بأضعاف مضاعفة، وإذا نزعت البركة من شيء فإنه أسرع ما يزول ولا ينتفع به الإنسان، البركة في العلم أن الله يوسع العلم للإنسان، ويوسع انتشار العلم على يديه، ويجعله عاملًا بعلمه، كل هذا من بركة العلم.
وقوله: ((وقني شر ما قضيت)) ((وقني)) فعل أمر ونون الوقاية وياء المتكلم فهي من ثلاث كلمات؛ القاف التي هي فعل أمر، والنون التي للوقاية، والياء التي هي ضمير، ومعنى ((قني)): اجعل لي وقاية من شر ما قضيت، بحيث لا يرد على، أو إذا ورد علي لم يضرني، فوقاية الشر على وجهين:
الأول: ألا ينزل بالإنسان شر.
والثاني: أنه إذا نزل لا يضره.
كلمة ((ق)) فعل أمر من وقى، حذف منها حروف العلة وهي الواو في أولها والألف في آخرها ولها نظائر مثل ((ع)) من الوعي ((ف)) من الوفاء، وقد ذكر الخضري رحمه الله في حاشيته على شرح ابن عقيل عدة كلمات من هذا النوع، وعلى هذا لو قال قائل: زن ((ف)) أمرًا من وفى، فما وزنها؟ الآن وفى يفي ما الذي حذف منها؟ الفاء واللام، فيكون ((ف)) على وزن ((ع)). ((ع)) من الوعي.
وقوله: ((شر ما قضيت)) أي: شر الذي قضيته، فالشر هنا في المقضي وليس في القضاء، واعلم أن أفعال الله عز وجل لها جهتان:
الجهة الأولى: صدورها من الله عز وجل، فليس في شر إطلاقًا، كلها خير، أما من حيث المفعول المخلوق فهذا فيه خير وفيه شر، قال الله تعالى:{قل أعوذ برب الفلق* من شر ما خلق} [الفلق: 1 - 2]. فما وقع من الشر بالنسبة لفعل الله فهو خير، وبالنسبة للمفعول فمنه خير ومنه شر.
مثال ذلك: إن الله عز وجل يقدر الجدب والقحط، القحط: قلة المطر، والجدب: قلة النبات نفس هذا الشيء شر، لا يلائم الطبيعة، وربما يضر، لكن كون الله يقدره خير؛ لأن فيه مصلحة أشار الله إليها في قوله:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم: 41].
كذلك المرض من حيث هو مرض شر، لكن من حيث تقدير الله له خير؛ وذلك لأن أي مريض ربما يحمله مرضه إلى اللجوء إلى الله عز وجل وكم من إنسان كان مرضه سببا لاستقامة دينه، ولأجل أن يعرف الإنسان به قدر نعمة العافية؛ لأنه لا يعرف العافية إلا من ابتلي بضدها، كما قال الأول ((وبضدها تتميز الأشياء))، وأيضًا ما يترتب على هذا المرض من كفارة الذنوب والثواب عند الاحتساب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((والشر ليس إليك)). يعني: لا ينسب الشر إلى الله عز وجل قضاء وقدرًا وإنما ينسب الشر إلى المقضيات والمخلوقات أما فعل الله فكله خير، هذا هو الفرق بين القضاء والمقضي، القضاء خير كله يجب علينا أن نرضاه، المقضي منه خير ومنه شر، ولا يجب علينا أن نرضى به إذا كان معصية لله، لو قدر الله انتشار الفواحش والربا والخمر فنحن نرضى بقضاء الله أي يكون الله قضى أن تنتشر هذه الأشياء، لكن بالنسبة لهذه الأشياء لا نرضاها، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
فلذاك نرضى بالقضاء ونسخط ال مقضي مضا الأمرين متحدان
إذن ((شر ما قضيت)) لا يقال: هذا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الشر ليس إليك))، ((وقني شر ما قضيت)) وقوله:((قضيت)) اعلم أن القضاء نوعان: قضاء شرعي، وقضاء كوني، أما الشرعي فمثاله قوله تعالى:{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 23].هذا قضاء شرعي، وهل يلزم امتثال النفي له؟ لا، من الناس من يعبد الله وحده، ومن الناس من يشرك، الثاني: القضاء الكوني القدري، وهذا لابد أن ينفذ في الإنسان على كل حال مثل قوله تعالى:{فلما قضينا عليه الموت} [سبأ: 14]. هذا قضاء قدري، ومثل قوله تعالى:{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا} [الإسراء: 4]. هذا قضاء قدري؛ لأن الله لا يقضي عليهم شرعا أن يفسدوا في الأرض بل ينهاهم عن هذا.
قوله: ((وقني شر ما قضيت)) القدري أو الشرعي؟ القدري؛ لأن الشرعي ليس فيه شر.
((وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك))، تقضي: تحكم بما شئت، ولا يقضى عليك لا أحد يحكم عليك، واسمع إلى قوله تعالى:{والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء} [غافر: 20]. لا حق ولا باطل، لأنهم لا يملكون نفعا ولا ضرا، وتأمل بلاغة القرآن لم يقل: لا يقضون بالحق، لأنهم لا يقضون بشيء ولا يملكون القضاء بشيء، وهل يقضي على نفسه؟ نعم يقضي على نفسه، قال الله تبارك وتعالى:{كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام: 54]. ((كتب)) بمعنى: أوجب، فهو يقضي على نفسه، ويقضي على غيره، لكنه لا يقضي عليه فإنه لا يذل، والمعروف أنه بدون فاء ((إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت))، إنه لا يذل من واليت: أي من كنت وليا له، والمراد بالولاية هنا: الولاية الخاصة، أما الولاية العامة الشاملة لجميع الخلق، فهذه قد يذل من يولى، لكن الولاية الخاصة لا يمكن أن يذل، ((تباركت ربنا وتعاليت)) تباركت ربنا؛ أي: عظم شأنك وحلت البركة باسمك، ((ربنا)) يعني: يا ربنا ((تعاليت)) ترفعت عن كل نقص، و ((تعاليت)) أيضًا يمكن أن نحملها معنى آخر أي: ترفعت فوق كل شيء؛ أي: علوا ذاتيا.
وزاد الطبراني: ((ولا يعز من عاديت)) بعد قوله: ((لا يذل من واليت)) يعني: لا يمكن لمن كان عدوا لله أن تكتب له عزة، والعزة هي الغلبة والرفعة والظهور على الغير.
وزاد النسائي من وجه آخر في آخره: ((وصلى الله تعالى على النبي)) يعني: يختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
في هذا الحديث فوائد منها: أهمية هذا الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه سبطه، فدل ذلك على فضله وأهميته.
ومنها: مشروعية هذا الدعاء في قنوت الوتر؛ لأن قال: ((علمني كلمات أقولهن في قنوت الوتر)).
ومنها: أنه قد يظهر منه أن قنوت الوتر أوسع من هذا، ولهذا قال:((أقولهن في قنوت الوتر))، و ((في)) للظرفية، ويحتمل أن المعنى: أن هذا هو قنوت الوتر فقط والعمل على الأول، وأنه لا بأس بأن يزيد في قنوت الوتر ما يناسب الحال، ولكن لا يطيل إذا كان إماما إطالة تمل من وراءه وتتعب من وراءه.
ومنها: ثبوت القنوات في الوتر لقوله: ((في قنوت الوتر))، ولكن هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقنت في الوتر؟ لكن تعليمه الحسن يكفي في إثبات مشروعيته، ولكن مع ذلك الذي أرى الأ يداوم عليه حتى نأخذ بالسنة القولية والسنة الفعلية.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان مفتقر إلى الهداية: هداية العلم والإرشاد، وهداية التوفيق منه- سبحانه وتعالى وهو كقوله:((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)).
ومن فوائد هذا الحديث: سؤال العافية، وأن الإنسان مفتقر إليها؛ لأن الإنسان مفتقر إلى الكمال وإلى زوال النقص، فالكمال:((اللهم أهدني))، وزوال النقص:((عافني)) ويشمل العافية من مرض القلب ومرض البدن، أما مرض القلب فإنه يدور على شيئين: شبهة وشهوة، ولست أريد بالشهوة: شهوة الجماعة، لكن أريد بالشهوة: الهوى مرض القلب؛ إما شبهة بالأ يعرف الحق أو يلتبس عليه الحق نسال الله العافية، وإما شهوة بألا يريد الحق يتبع هواه، وهو يعلم أن الحق في خلافه.
ومن فوائد هذا الحديث: سؤال العبد ربه أن يبارك له فيما أعطاه؛ لأن الله إذا لم يبارك في الشيء لم ينتفع به العبد، وإذا بارك فيه انتفع به واتسع انتفاعه، وللبركة أسباب كثيرة منها: في المعاملات قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((البيعان بالخيار؛ فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما))، ومنها- أي: من أسباب البركة-: لعق الصفحة والأصابع بعد الأكل، ومنها: ألا يكيل الإنسان طعام البيت، يعني مثلا: إنسان أتى بكيس رز للبيت لا يكيله؛ لأنه إذا كاله نزعت منه البركة، وإذا تركه أنزل الله فيه البركة، يأخذ كل يوم ما يحتاج بدون ما يكيله ويمضي هكذا جاءت به السنة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ما بأيدينا من خير، علم أو مال أو ولد أو جاه فهو من الله لقوله:((فيما أعطيت)).
ومن فوائد هذا الحديث: سؤال العبد ربه أن يقية شر المخلوقات من الإنس والجن والحيوان والقريب والبعيد، بل ومن نفس الإنسان كما جاء في الحديث:((نعوذ بالله من شرور أنفسنا))، وفي القرآن الكريم:{وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} [يوسف: 53].
ومن فوائد هذا الحديث: أن في مقضيات الله عز وجل ما هو خير وما هو شر وهذا من حكمة الله؛ لأنه لا يمكن أن يعرف الخير إلا إذا كان شرا لو كانت مقضيات الله عز وجل كلها خير ما عرفنا الشر أبدًا، لو كانت مخلوقات الله- تبارك وتعالى كلها على نمط واحد مهتدين ما عرفنا الكافر من المؤمن؛ ولا يمكن أن نعرف الأشياء إلا بضدها.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الله- سبحانه وتعالى له الحكم المطلق من كل وجه لقوله: ((إنك تقضي ولا يقضى عليك))، وهذه المسألة على أربعة أقسام: من الناس من لا يقضي ولا يقضى عليه، ومنهم من يقضي ويقضى عليه، ومنهم من يقضي ولا يقضى عليه، وهذا خاص بالله عز وجل، ومنهم من لا يقضي ويقضى عليه ولا شك أن أعلى الأقسام ما يثبت لله من ذلك وهو أنه يقضي ولا يقضى عليه، وهذا خاص به- تبارك وتعالى.
ومن فوائد هذا الحديث: تمام سلطان الله تعالى يكون القضاء بيده، وأنه لا أحد يسلط عليه فيقضي عليه.
ومنها: أن من والاه عز وجل فلا ذل له لقوله: ((ولا يذل من واليت)).
فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد وصفهم الله بالذل في قوله تعالى: {وأنتم أذلة} [آل عمران: 123]؟
فالجواب: بلى، والمراد بالذل هنا: الذل النسبي، يعني: بالنسبة لقوة الكفار أنتم أذلة ومع ذلك نصركم الله.
إذن من فوائد هذا الحديث: أنه لا يذل من والاه الله عز وجل لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا يذله أمام نفسه ولا أمام غيره، فإنه يغلب نفسه الأمارة بالسوء، ويفعل ما به رضا الله عز وجل ولا يرد على هذا ما يقع بعض الأحيان من ذل أولياء الله عز وجل لأن هذا الذل شيء طارئ عاقبته العزة كما قال الله- تبارك وتعالى في سورة آل عمران حين بين الفوائد العظيمة في غزوة أحد التي
انهزم فيها المسلمون: {ويتخذ منكم شهداء} [آل عمران: 140]. وهذه غنيمة، ومنها أنه من أجل أن يمحق الكافرين، ومعنى ذلك: أن الكافر إذا انتصر ازداد طمعا فقاتل، فإذا قاتل صارت الهزيمة عليه هو، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله على قصة أحد فوائد عظيمة فقهيه وعقدية من أحب أن يراجعها فليفعل فإنه مفيد، فصار هذا الأمر أمرًا طارئا، لكن عواقبه العز.
((تباركت ربنا وتعاليت)) تبارك هذه فعل يوصف الله به عز وجل ومعنى تبارك: أنه متعال، وأنه ذو بر وإحسان، فكل ما في الكون من بركة فهو من آثار تباركه- تبارك وتعالى.
فإن قال قائل: هل هذا الفعل مختص بالله، بمعنى: أنه لا يجوز أن يقول لشخص: تباركت؟
فالجواب: إن كان مطلقا فلا يجوز، وإن قيده بأن قال: تباركت علينا، أي: أصابتنا البركة لحضورك؛ فهذا لا بأس به بشرط أن تكون هذه البركة محسوسة معلومة، مثل أن يكون مجلس هذا الذي قدم إلى البيت مجلس علم ودعوة وإرشاد، بعض الناس يكون فيه بركة كما قال أسيد بن حضير لما أنزل الله آية التيمم بسبب انحباس الناس في طلب عقد عائشة رضي الله عنها أنزل الله آية التيمم، وآية التيمم فيها فرج وتيسير قال:((ما هذه أول بركتكم يا آل أبي بكر))، أما إن قصد التبارك الشخصي الجسدي فهو لا يجوز إلا واحد من الخلق- وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
((تعاليت)) من العلو، والتاء هذه تدل على المبالغة؛ أي: ترفعت عن كل نقص، وترفعت أيضًا فوق كل شيء، فالتعالي هنا يشمل التعالي المعنوي والتعالي الذاتي.
ثم قال: زاد الطبراني والبيهقي ((ولا يعز من عاديت)) هذه ضد قوله: ((لا يذل من واليت)) من عاداه الله عز وجل فلا عزة له وهو وإن صار له عزة في الوقت فالعاقبة الذل، واسمع إلى قول الله عز وجل في سورة المنافقون قال:{ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 8]. ويعنون بالأعز: هم أنفسهم، والأذل يعنون به: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله عز وجل ردًا عليهم:{ولله العزة وللاسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: 8]. كان المتوقع أن يكون الجواب: والله هو الأعز ورسوله والمؤمنون، لكن لو كانت العبارة هكذا لصار للمنافقين عزة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعز، لكن نفى عنهم العزة مطلقا ولله العزة وحده ولرسوله وللمؤمنين، وهذا نظير قول الله تعالى:{والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء} [غافر: 20]. لا حق ولا باطل {إن الله هو السميع البصير} [غافر: 20]. هذا نفي العز لمن عادى الله، كما أنه أيضًا قد يحصل العز لمن عادى الله لمصالح أخرى.
ثم قال: ((وصلى الله تعالى على النبي)) يعني: محمد صلى الله عليه وسلم هذه زادها النسائي، والصلاة على
النبي يعني: طلب الصلاة عليه من الله، أنت إذا قلت: صلى الله على نبينا محمد، فهو مثل قولك:((اللهم صل على محمد)) وإن قولك: ((صلى الله على محمد)) خبرًا، لكنه بمعنى الدعاء، فالمعنى واحد، لكن ما هي الصلاة على النبي؟ قيل: إن الصلاة على النبي يعني: الرحمة، فمعنى ((اللهم صل على محمد)): اللهم ارحمه، لكن هذا القول ضعيف يضعفه قول الله تعالى:{أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 157]. والعطف يقتضي المغايرة، لكن لنا أن نقول: إن الصلاة أخص من الرحمة؛ لأنها تفيد معنى الصلة، فهي أخص من الرحمة، وإن كان فيها رحمة لكن ليست الرحمة العامة، ونقل العلماء عن أبي العالية رحمه الله من التابعين أنه قال:((صلاة الله على عبده: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى))، وهذا الكلام لأبي العالية يحتاج إلى نقل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله، وإن لم يصح فلا يجوز أن نفسره بهذا؛ أي: بأنها ثناؤه عليه في الملأ الأعلى؛ لأن هذا يحتاج إلى دليل، ولكنا نقول: هو رحمة أخص من الرحمة العامة، وهذا لا يضرنا. أبو سيف محمد يحيي.
كثيرًا ما يقول الناس: ((فلان- رضي الله عنه))، ((فلان رحمه الله) التعبير هذا صحيح أو لا؟ صحيح، لأنه ليس خبرا حتى نقول: إن هذا من باب الشهادة بما لا يعلم العبد، ولكنه دعاء، والدعاء يأتي بلفظ الماضي، بعض الناس المتأخرين عدلوا عن كلمة:(رحمه الله) إلى كلمة: ((يرحمه الله))، ولكنهم عدلوا وما عدلوا في الواقع؛ لأن ((يرحمه الله)) دعاء وهي بمعنى:(رحمه الله) وإن كان المضارع يفيد الاستمرار فهي أبلغ إذا جعلناها خبرًا. لذلك نرى أن يسير الناس على ما سار عليه العلماء السابقون، كل العلماء السابقين يقولون:(رحمه الله)، ((تغمده الله برحمته)) وما أشبه ذلك، ولكن مع هذا لا نحرم أن يقول الإنسان:((يرحمه الله))، أما لو كان مخاطبا فنعم يقال:((يرحمه الله))، وقد قالت عائشة:((يرحم الله أبا عبد الرحمن)) تعنى: عبد الله بن عمر، كذلك أيضًا قال بعض الصحابة لصاحب له رآه ميتا:((يرحمك الله يا أبا فلان))، يخاطبه، فالشاهد: أن ((يرحم)) و ((رحم)) معناهما واحد، لكن إتباع ما كان عليه الناس أولًا أولى.
297 -
وللبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة الصبح)). وفي سنده ضعف.
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء))، وأطلق الدعاء لم يبينه، ولا ندري ما هذا الدعاء، وإذا جاء مطلقا فلنا أن ندعو بما شئنا، ولكن قوله:((ندعو به في صلاة الصبح)) هذا ضعيف، لأن