الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له الدعاء" أي: اجعلوه خاصًّا به، فهو مرادف لقولنا: خصصوه بالدعاء؛ لأن الصلاة إنما أقيمت من أجله، فيكون هو أحق الناس بالدعاء فيها، ويمكن أن يكون الإخلاص بمعنى: الإخلاص لله عز وجل وأن يكون الإنسان في دعوته صادقًا حاضر القلب، فهناك فرق بين دعاء الإنسان المخلص وبين دعاء الغافل اللاهي، وهل يمكن أن يراد الأمران؟ نعم، وبناء على ذلك نستفيد من هذا الحديث أنه لابد أن يخصص الميت بالدعاء، وأن الدعاء العام لا يكفي، ولهذا ذكر العلماء من أركان صلاة الجنازة: أدنى دعاء للميت، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أخلصوا له الدعاء"، الدعاء: اسم مطلق يشمل أي دعاء كان حتى لو دعوت له مرة واحدة، لو قلت: "اللهم اغفر له" لكفى، وعلى هذا فيمكن أن تقتصر في صلاة الجنازة على التكبيرات الأربع والفاتحة واللهم صلِّ على محمد فقط واللهم اغفر له وتسلِّم، ثم قال:
استحباب الإسراع بالجنازة:
542 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحةً فخيرٌ تقدِّمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم". متَّفقٌ عليه.
قوله- عليه الصلاة والسلام: "وأسرعوا بالجنازة"، الإسراع بها يتناول الإسراع في تجهيزها والإسراع في حملها ودفنها، وظاهر الإسراع في حملها من قوله:"إن تك صالحة .... إلخ"؛ لأن الذي يكون على الرقاب هو الحمل، ولكن مر علينا أنه إذا جاءنا لفظ عام ثم فرّع على هذا اللفظ العام حكم خاص فإنه يشمل العام والخاص، ويكون ذكر هذا الحكم المرتب من باب التمثيل مثل:"قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة".
فقوله: بالشُّفعة في كل ما لم يقسم" عام، "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق"، هذا خاص بالأرض؛ لأن الأرض هي التي يكون فيها الحدود وفيها الطرق، لكن في كل ما لم يقسم يشمل حتى السيارة إذا كانت بين شخصين فباع أحدهما نصيبه منها على ثالث فإن للشريك الأول أن يشفِّع، وهذا القول هو الصحيح، وإن كان المشهور من المذهب أنه لا يشفع إلا في الأراضي، لكن الصحيح أنه عام، ومر علينا أيضًا قول بعض أهل العلم في قوله تعالى:{والمطلَّقات يتربصن .... } إلَّى قوله: {وبعولتهن أحقُّ بردهنَّ في ذلك إن أرادوا إصلاحًا} [البقرة: 228]. فإن بعض أهل العلم يقول: {والمطلَّقات} يشمل المطلقة ثلاثًا ومن لها رجعة، وقوله:{وبعولتهنَّ} لمن لها رجعة، ولكن هناك آخر أن:{وبعولتهنَّ} عام حتى فيمن
طلقت ثلاثًا، وهذا قبل أن يحدد الطلاق بالثلاث، وقد أشرنا إليه فيما سبق، لشاهد أن قوله:"أسرعوا بالجنازة" عام يشمل الإسراع في تجهيزها وفي حملها وفي دفنها، كلما أسرعنا فهو أولى؛ لأن الجنازة إن كانت صالحة فإن روح الميت تقول:"قدموني قدموني"، وإن كانت غير صالحة فلا خير في جثة غير صالحة أن تبقى عند أهلها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أسرعوا"، الإسراع معروف وهو المشي بسرعة، إلا أن أهل العلم يقولون: بشرط ألا يشق ذلك على المشيعين، وألا يخشى منه تفسخ الميت أو خروج شيء منه مع الخضخضة، فإن خيف تفسخه- كما لو كان الميت حريقًا وخيف من الإسراع به أن يتمزق- فإنه لا يسرع به، أو خيف أن يخرج منه شيء لكونه مصابًا بالبطن، وأنه مع الخضخضة ربما يخرج شيء فإنه لا يسرع به الإسراع الذي يخشى منه ذلك، وإلا فالأفضل أن يسرع، كذلك لو كان يشق على الناس بأن حمله شباب أقوياء صاروا يطيرون به والآخرون يشق عليهم ومتابعتهم فإن هذا أيضًا ليس مقصود الشارع؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الماشي يكون أمامها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهذا يدل على ألا يكون الإسراع إسراعًا شديدًا يشق على الناس.
وقوله: "فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه"، نعم إذا كانت صالحة فإنكم تقدمونها إلى خير؛ لأنكم تقدمونها إلى الجنة، فإن أول مراحل نعيمه هو قبره، فإذا قدمته إلى هذا القبر فقد قدمته إلى خير من الدنيا وما فيها، ولهذا قال:"فخير تقدمونها إلى"، وقال:"وإن تك سوى ذلك"، ولم يقل: وإن تك طالحة، وهذا من حسن التعبير. قال:"سوى ذلك" كراهة أن يقول: طالحة، أو سيئة، أو ما أشبه ذلك، وهذا كما قلت: من حسن تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم.
"فشر تضعونه عن رقابكم" ولم يقل: فشر تقدمونها إليه؛ لأنه لا ينبغي لنا أن نقدم أخانا المسلم إلى شر، لكنه قال: شر تتخلصون منه، وهذا صحيح، أي: أن الإنسان يؤمر أن يتخلص من الشر، وهذا أيضًا من بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم في لفظه قال:"فشر تضعونه عن رقابكم"، ما إعراب قوله:"فخير تقدمونها إليه""فخير": خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: فذلك خير، وعلى كونها خبرًا لمبتدأ محذوف تكون الجملة "تقدمونها إليه" صفة لخير، وعلى أن "خير" مبتدأ تكون الجملة خبر المبتدأ، وكذلك نقول:"فشر تضعونه عن رقابكم" إما أن تكون مبتدأ خبرها "تضعونه"، أو خبلا لمبتدأ محذوف؛ أي: فذلك شر تضعونه عن رقابكم.
يستفاد من هذا الحديث: أولًا: كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، وذلك من قوله:"أسرعوا بالجنازة"، ثم ذكر العلة، ومن هذا المنطلق نعرف أن ما جاء به من أسماء الله وصفاته فهو مبنى على كمال العلم وكمال النصح، فليس فيه ألغاز، وليس فيه أحاج، وليس فيه تضليل للناس، فإذا قال:"إن الله يفرح بتوبة عبده؛ يعني: أشد من فرح الإنسان ببعيره التي ضلت ثم وجدها"، هل نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد الفرح؟ لا، لو كان المراد سوى الفرح لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه