الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هي أكثر من أربع أصابع فإنه حرام، وإن كان أربع فأقل فهو جائز مباح.
فإن قال قائل: الأصابع تختلف: من الناس من تكون أصابعه دقيقة، ومنهم من تكون غليظة غير دقيقة، فأيهما نعتبر؟ نقول المتوسط، أو نقول: الأمر في هذا واسع، وأنه ما دام ما قيد فإذا صار في أربع أصابع فأقل فهو جائز.
يستفاد من الحديث الأول: أولًا: تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة.
ثانيًا: حل استعمالهما في غير ذلك، وقد سبق لنا ذكر الخلاف فيه، والمشهور من المذهب تحريم استعمالهما أكلًا وشربًا واستعمالًا .... إلخ.
ويستفاد منه: تحريم لبس الحرير؛ لقوله: ((وعن لبس الحرير))، وعن تحريم لبس الديباج في الحرير، وتحريم الجلوس على الحرير.
فإن قلت: لو أن أحدًا خاط على الحرير ثوبًا من الكتان أو من القطن حتى لا يظهر الحرير هل يجوز أو لا؟ نقول: إنه يجوز؛ لأنه ليس بظاهر فيكون جائزًا، وهذا قد يضطر الإنسان إليه، أما مع عدم الضرورة فقد لا ينبغي لكن قد يضطر، يكون الفراش الذي عنده لا يستغني عنه، ولكن لا يستطيع أن يشقه، فنقول: إذا خاط عليه ليس إذا وضع، لكن إذا خاط عليه خرقة فلا بأس، أما لو وضع عليه فراضًا أو كساءً فإن هذا لا يصلح، والفرق بينهما: أنه إذا خاط عليه صار متصلًا ببعضه، لكن إذا وضع فهذا لا يجوز.
ويستفاد من الحديث الثاني: النهي عن لبس الحرير كالأول، وهل نستفيد النهي من هذا الحديث الثاني لأننا نقول: إن التحريم مستفاد من الحديث الأول؟ الجواب: نعم نستفيد؛ لأنه كلما كثرت الأدلة قوي الحكم.
ويستفاد منه: جواز أربع أصابع فما دون في موضع واحد لقوله: ((إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع)).
حكم لبس الحرير لعذر أو مرض:
500 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رخَّص لعبد الرَّحمن بن عوفٍ والزُّبير في قميص الحرير، في سفر؛ من حكَّةٍ كانت بهما)). متَّفقٌ عليه.
((الرخصة)) في اللغة بمعنى: السهولة، وعند الأصوليين يقولون: إن الرخصة ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، هذا التعريف فيه شيء من التعقيد، مثال ذلك: في الذي معنا الحرير حرام، الحكة تحله، إذن ثبت الحل على خلاف دليل شرعي، وهو التحريم لمعارض راجح، وهو الضرر أو الحكة هذه الرخصة، ولو قيل: إن الرخصة في اللغة هي الرخصة في الشرع، وأن المراد بها: التسهيل لسبب من الأسباب، لكنهم يقولون: غنك إذا قلت:
الرخصة هي السهولة؛ لزم أن يشمل ذلك جميع الدين؛ لأن كل يسر وسهولة، ولكننا ننفصل عن هذا الإيراد ونقول: إنه من السهولة فيما ثبت فيه الإيجاب أو التحريم، فمثلًا هذا الحكم واجب ثم نقول لهذا الرجل لا يجب عليك لسبب وهذا الحكم محرم، ونقول لهذا الرجل: لا يحرم عليك لسبب هذه الرخصة، فالتسهيل إذن يكون لسبب، بمعنى: أننا نخرج بعض الناس من الإيجاب أو من التحريم لسبب هذا هو الرخصة.
قال: ((لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير))، القميص: هو الثوب ذو الأكمام، وقوله:((في سفر)) هل هذا بيان للواقع أو قيد؟ بيان للواقع، فهو إذن ليس بقيد، قوله:((من حكة كانت بهما)) ((من)) سببية فتكون دالة على العلة، و ((الحكة)) معروفة هي: ما يصيب البدن، مما يسمى في الوقت الحاضر ((حساسية)). وقوله:((في قميص الحرير في سفر)) قميص الحرير يعني: قميص من الحرير، فالإضافة هنا على تقدير ((من))، وقد سبق أن الإضافة تكون على تقدير ((من، واللام، وفي))، فإذا كان المضاف إليه ظرفًا للمضاف فهذا على تقدير ((في)) كقوله تعالى:{بل مكر الَّيل والنَّهار إذ تأمروننا أن نَّكفر بالله} [سبأ: 33]. مكر الليل، يعني: مكر في الليل، وإذا كان المضاف إليه جنسًا للمضاف فالإضافة على تقدير ((من))، كما تقول:((خاتم حديد)) و ((ثوب حرير)) وما أشبهها، أي: خاتم من حديد، وثوب من حرير، والحرير تقدم لنا أنه نسج دود القز، أما ما عدا ذلك فالإضافة على تقدير اللام وهي كثيرة جدًا.
يقول: ((في سفر من حكة)) ((من)) هنا للتعليل؛ أي: بسبب حكة، والحكة هي ما يعرف عندنا الآن بالحساسية ((كانت بهما))، وإنَّما رخص في ثوب الحرير من الحكة؛ لأن الحرير فيه خاصية حيث إنه فيه تبريد هذه الحكة، بل فيه شفاء هذه الحكة، ولهذا رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم لهما في استعمال هذا الحرير.
فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: أن تحريم الحرير ليس لخبثه؛ لأنه لو كان لخبثه ما كان فيه فائدة ولا شفاء؛ لأن الشفاء لا يمكن أن يكون فيما حرم الله صلى الله عليه وسلم ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستشفاء بالخمر وأنها تتخذ دواء قال: ((إنها داء وليست بدواء)). لأنها محرَّمة لخبثها، وما حرَّم لخبثه كيف يكون مفيدًا، لكن الحرير إنما حرِّم لما فيه من النعومة التي لا تليق بالرجل، ولهذا جاز للمرأة، ولو كان التحريم لخبث هذا النوع من اللباس لكان هذا شاملًا للرجال والنساء، وبهذا يندفع الإشكال الذي قد يستشكله البعض، حيث يقول: كيف كان الشفاء في شيء محرم والله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرمه عليها؟ فنقول: إن التحريم هنا ليس بمعنى يتعلق بذات الحرير، ولكن لمعنى خارجي، ما هو المعنى
الخارجي؟ أنه يحصل بلباسه من النعومة ما لا يليق بالرجال؛ ولهذا حلَّ للنساء.
ويستفاد من هذا الحديث: أن تحريم الحرير ليس كالتحريم الباقي الذي لا يجوز إلا أيضًا، ولهذا أبيح للحاجة؛ لأن الحكة من الجائز أن تزول بغيره، ومن الجائز ألا تزول به أيضًا وهكذا جميع الأدوية يمكن أن يزول المرض بها ويمكن ألا يزول بها؛ ولهذا سهل تحريمه.
ويستفاد من هذا الحديث: جواز لبس الحرير للحكة لقوله: __من حكة كانت بهما))، وهل يشترط أن يكون ذلك في السفر؟ لا؛ هذا القيد بيان للواقع، يعني: أن الترخيص كان في سفر، فلو كان في حضر لم يختلف الحكم، وهذا ما يسمى عند الأصوليين بمفهوم اللقب، مفهوم اللقب هو الذي ليس له تأثير في الحكم فكل ما ليس له تأثير في الحكم فإنهم يسمونه مفهوم لقب لا يختلف فيه الحكم.
سؤال: هل هذا الحكم خاص بعبد الرحمن بن عوف والزبير؟
أجاب الشيخ: لا؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فإن قال قائل: هذا ليس فيه عموم.
قلنا: إن العموم نوعان: عموم لفظي، وعموم معنوي؛ فالعموم اللفظي: أن يوجد لفظ من ألفاظ العموم ورد على سبب خاص فيكون عامًا ولا عبرة لسببه، والعموم المعنوي هو أن نقول: إن العلة التي أبيح من أجلها الحرير لهذين الرجلين عامة وليست خاصة، وهي الحاجة إلى لبسه، فهذا نقول: إنه عموم معنوي، ثم إنه قد سبق لنا قاعدة نافعة في هذا الباب، وهي أنه لا يوجد أحد يخصص بحكم من الأحكام لهينه أبدًا، وإنَّما يخصص من يخصص بالأحكام لوصف كان فيه، أما أن الحكم شرعي هو لهذا الرجل دون غيره فهذا لا يمكن؛ لأن الأحكام الشرعية مربوطة بعللها ومعانيها، والأشخاص ليسوا عللًا ومعاني، إلا أنه يرد على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن نيار حيث ضحى بشاته قبل صلاة العيد يريد أن تكون هي أول ما يؤكل في البيت، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، وأمر من ذبح قبل الصلاة أن يذبح مكانها أخرى، قال: يا رسول الله، أن عندي عناقًا هي أحب إلي من شاتين أفتجزئ عني؟ قال:((نعم، ولن تجزئ عن احد بعدك)). أليس في هذا دليلٌ على التخصيص؟ نقول: نعم عند بعض أهل العلم يقولون إن هذا دليل على التخصيص العيني دون الوصفي؛ لأنه قال: ((ولن تجزئ عن أحد بعدك))، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إن المراد بالبعدية هنا أي: بعد حالك، وأنه لو وجد إنسان على الوصف الذي وقع لأبي بردة فإنه يحل له أن يضحي بعناق، يعني: لو ضحى إنسان بشاته قبل الصلاة جهلًا ثم لم يكن عنده إلا عناق
فإننا نقول: تجزئ عنك في هذه الحال استدلالًا بحديث أبي بردة، وما ذهب إليه شيخ الإسلام لا شك في أنه خلاف ظاهر اللفظ، ولكن المعنى الذي نعلمه من الشريعة أن أحكامها معللة بالمعاني والأوصاف دون الأشخاص يرجح ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وعلى هذا فتكون الشريعة ليس فيها تخصيص حكم لشخص بعينه.
فإن قلت: هذا ينتقض بالخصائص التي ثبتت للرسول صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص بخصائص؛ لأنه رسول الله، هذه الخصائص علِّقت بوصف وهو الرسالة، ولا يشاركه أحد في هذا الوصف؛ لأنه- عليه الصلاة والسلام كان خاتم النبيين فتبين أن هذا الحديث يعم من سوى عبد الرحمن بن عوف والزبير.
وبقي أن يقال: إذا احتيج إلى لبس الحرير لغير الحكة آخر فهل يجوز؟
الجواب: أنه يجوز؛ لأن القياس في الشريعة الإسلامية أحد الأصول يستدل بها في الأحكام، فالأصول التي يستدل بها في الأحكام: الكتاب والسنة، والإجماع، والقياس الصحيح، وهذا الذي تكلمنا عليه يسمى التخصيص بالحكم، ولكن هناك تخصيص بالفضيلة ممكن أن يخص أحد من الناس بفضيلة لا يشاركه أحد فيها، مثل: أبي بكر والخلفاء من بعده، هذه الفضائل غير الأحكام، لكن الأحكام التي هي مناط التكليف هذه ما أحد يختص بها دون الآخر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لمَّا خلفه في أهله في غزوة تبوك:((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)). هذه الخصيصة كون الرسول صلى الله عليه وسلم يخص علي بن أبي طالب من بين سائر أهله وأصحابه أن يكون خليفة في أهله هذه ما تدل على أنه انفراد بحكم من الأحكام، وكذلك: ((لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله ويحبهم الله ورسوله كثير.
جواز إهداء الحرير للرجال لا ليلبسوه:
501 -
وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: ((كساني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حلَّةً سيراء، فخرجت فيها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي)). متَّفقٌ عليه، وهذا لفظ مسلم.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو أفضل آل البيت لقرابته من الرسول، أو لما يتصف به من الخصال؟ لهما كليهما، وما فضِّل على آل البيت لقرابته، بل لما كان له من الصفات الحميدة، ولو قلنا: إن فضله لآل البيت من أجل القرابة لكان العباس أفضل منه؛ لأن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم والعم أقرب إلى ابن أخيه من ابن العم إلى ابن عمه، ولكن عليًّا رضي الله عنه تميز بخصائص من
الفضيلة لا يشاركه فيها العباس، ولهذا نعرف أن أبا بكر وعمر وعثمان امتازوا بالفضيلة على علي بن أبي طالب، وإن كان هو أفضل منهم بالقرب؛ لأن مدار الفضائل الأصلي هو الأشياء التي يتخلق بها والقرابة إلى ذلك، لاشك أن لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم حقًا على أمته؛ ولهذا الذين ليسوا بمؤمنين من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب علينا أن نكرههم وألا نولي لهم المحبة، وذلك لنهم أعداء لله وأعداء للرسول، ونوح- عليه الصلاة والسلام قال الله له عن ابنه:{إنَّه ليس من أهلك} [هود: 46]. ولهذا آل الرسول صلى الله عليه وسلم أو قرابته الذين لا يؤمنون به ليسوا من أهله.
يقول: ((كساني حلَّة سيراء)) يجوز حلة سيراء بالقطع عن الإضافة وتجوز الإضافة، فيجوز أن نقول:((حلَّة سيراء)) ويجوز أن نقول: ((حلَّة سيراء)).
على الوجه الأول نقول: ((حلة)) مفعول كسا الثاني، والمفعول الأول الياء، وحلة مضاف، وشيراء مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه لا ينصرف، والمانع من الصرف ألف التأنيث الممدودة، وعلى هذا فتكون الإضافة على تقدير:((من))، و ((السيراء)) هي: بردة فيها أعلام من الحرير؛ يعني: خطوط من الحرير تشبه السيور؛ ولهذا سميت سيراء من السيور.
أما على الوجه الثاني فنقول: ((حلة)) مفعول كسا الثاني منصوب بالفتحة الظاهرة، وسيراء صفة لحلة، وصفة المنصوب منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، وإذا أردنا أن نحول سيراء إلى حرير نقول:((حلة حرير)) أو ((حلة حريرًا)) فإذا جاءك ((حلة حريرًا)) فإنها إما أن تكون صفة، وإما أن تكون عطف بيان؛ لأنها بينت نوع هذه الحلة.
وعلى كل حال: فما هي الحلة؟ الحلة قالوا: إنها الإزار والرداء، وقيل: الثوبان المترادفان مطلقًا، فكل ثوب فوقه ثوب فهو حلة، أو أنه الإزار والرداء، وأما السيراء فهو الحرير.
يقول: ((كساني، فخرجت فيها))، لبسها رضي الله عنه وخرج، ((فرأيت الغضب في وجهه))، أولًا هذه الجملة فيها إيجاز بالحذف، وما هو الإيجاز بالحذف؟ أن يكون في الجملة شيء محذوف دل عليه السياق، ما هو الشيء المحذوف الذي دل عليه السياق. ((فرآني فرأيت الغضب في وجهه)) الرؤية هنا بصرية، وقوله:((رأيت الغضب)) أي: أثر الغضب؛ لأن الغضب محله القلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه جمرة يقيها الشيطان في قلب ابن آدم)). لكنه يظهر على الوجه فيحمر الوجه وتنتفخ الأوداج وربما تقف الأشعار؛ أي: يقف شعر الإنسان من شدة الغضب.
((فشققها بين نسائي)) يعني: شققت هذه الحلة، وفي رواية مسلم:((أنه جعلها خمرًا)) جمع خمار، أي: جعلها لنسائه، لكن في بعض روايات الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إليه بالحلة
ففهم منه أنه يريد أن يلبسها فقال: ((كساني))، وهذا اللفظ متعين يجب أن نفهمه؛ لأننا لو أخذنا هذا الحديث على ظاهر اللفظ الذي معنا لكان هناك تناقض؛ إذ كيف يكسوه الرسول- عليه الصلاة والسلام ثم يغضب، ولكن الروايات الأخرى تبين ذلك، بعث إليه بهذه الحلة فظن أنه يريد أن يلبسها فلبسها، وعبر عن ذلك في قوله:((كساني)) بناء على ظنه، وأيضًا لما رآه الرسول قال له:((إنَّما بعثت بها لتكسوها الفواطم)) يعني: لتعطيها نشاءك، ولهذا فعل رضي الله عنه فشق هذا لنسائه.
يستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: الفائدة الأولى: جواز إهداء الشيء المحرم على المهدى إليه إذا كان يحل لغيره؛ وجهه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أهداه عليًا، وهو حرام على الرجال لكنه حلال للنساء، فعلى هذا لو أهديت لشخص خاتمًا من ذهب- وهو رجل- يجوز ذلك، ولكن يجعله لنسائه، إلا إذا علمت أنك إذا أهديت له هذا المحرم ربما يستعمله هو، فإذا خشيت ذلك صار حرامًا؛ لماذا؟ من باب سد الذرائع، والقاعدة المعروفة في أصول الفقه: أن للوسائل أحكام المقاصد، وهناك عبارة أخرى يقولون: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أي العبارتين أحسن؟ أن للوسائل أحكام المقاصد؛ لأنك إذا قلت: للوسائل أحكام المقاصد صار وسيلة الواجب واجبة، فتكون بمعنى: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وصارت وسيلة المحرم محرمة لا تدخل في قولك: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب إلا عن طريق العكس، مثل أن تقول: المحرم يجب اجتنابه وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الخلاصة أن نقول: يجوز أن تهدي شخصًا شيئًا محرمًا عليه إلا إذا خشيت أن يستعمله في الحرام فلا يجوز.
ويستفاد من هذا الحديث: استحباب الغضب إذا انتهكت محارم الله، من أين يؤخذ؟ من قوله:((فرأيت الغضب في وجهه)).
ويستفاد منه أن عليًا رضي الله عنه ليس بمعصوم، أنه أخطأ في لبس هذا الحرير، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب عليه، فإذا كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه غير معصوم وهو إمام الأئمة عند من يثبتون الأئمة فمن دونه من باب أولى.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الغضب ليس صفة ذم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب.
ويستفاد منه: أن معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب)). ليس معناه: أنه لا يعتريك الغضب، لماذا؟ لأن الرسول نفسه يغضب، فكيف ينهي عن شيء يكون فيه هو، لكن معنى ((لا تغضب)) يعني: لا تفعل فعلًا تذم عليه يكون سببه الغضب، أو أن المعنى: لا تغضب: لا تتعرض لما يغضبك، وأما الغضب الطبيعي فهذا لا يمكن النهي عنه.
ويستفاد من الحديث: جواز تمزيق الثوب لجهة أخرى ينتفع به فيها؛ لأنه شق هذه الحلة