الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أليتاه عقبية- فإنه في هذا الحال يجلس، يعني: يستقر في جلوسه، ثم لا يجب عليه سجود السهو؛ لأنه لم يزد في صلاته ما زال على حد الجلوس فلا يكون عليه سجود سهو؛ فالفقهاء يقولون من قام عن التشهد الأول فله ثلاث حالات:
- إما ألا ينهض، يعني: يعزم ويتهيأ ولكن ما ينهض، فهذا يأتي بالتشهد ولا شيء عليه؛ لأنه ما زاد في صلاته ولا نقص.
- وإما أن ينهض ولا يستتم، فهذا يجب عليه الرجوع وسجود السهو.
- وإما أن يستتم فهم يقولون أيضًا: إن شرع في القراءة حرم الرجوع، وإن لم يشرع كره الرجوع، ومع ذلك فعليه السجود هنا لأنه ترك التشهد.
أما الحديث فإنه يقتضي أن يكون لتارك التشهد الأول حالان فقط: إما أن يذكر بعد أن يستتم قائمًا فلا يرجع وعليه سجود السهو، أو يذكر قبل أن يستتم قائمًا فيرجع وليس عليه سجود السهو، فإن صح الحديث- كما قال الطحاوي- فهو حجة، ولا قول لأحد بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لم يصح فإن ما ذكر الفقهاء- رحمهم الله هو الصواب؛ لكن نرى أنه إذا استتم قائمًا لا يرجع مطلقًا، يعني أن الرجوع حرام عليه.
حكم سهو الإمام والمأموم:
323 -
وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه". رواه الترمذي والبيهقي بسندٍ ضعيفٍ.
هذا الحديث- كما قال المؤلف-: سنده ضعيف، لكن إذا رجعنا إلى الأصول وجدنا أن أصول الشريعة تشهد له، فالمأموم إذا سها ولم يجب عليه إلا سجود السهو فإن الإمام يتحمله عنه، بشرط ألا يفوته شيء من الصلاة؛ وذلك لأن الإنسان المأموم مأمور بمتابعة الإمام، حتى إن الإمام إذا قام عند التشهد الأول- وهو من واجبات الصلاة- سقط عن المأموم، وجب عليه متابعة إمامه؛ كذلك إذا سها المأموم ولم يجب عليه في سهوه هذا إلا سجود السهو ولم يفته شيء من الصلاة فإنه يسقط عنه السجود، فصار سجود السهو يسقط عن المأموم بشرطين: الأول: ألا يوجب سهوه سوى السجود، والثاني: ألا يكون قد فاته شيء من الصلاة، وفي هذه الحال يتحمل الإمام عنه سجود السهو؛ لأنه لو سجد معناه: أنه خرج عن متابعة الإمام، أما إذا كان سهو المأموم يوجب أكثر من سجود السهو كما لو سها المأموم عن قراءة الفاتحة مثلًا
على القول بأنها ركن في حق المأمومين وهو الصحيح- فإنه في هذه الحال لا يحتمل عنه الإمام سجود السهو؛ لأنه لابد أن يقضي هذه الركعة التي فاتته، وحينئذ يكون سجوده وحده ليس مع الإمام، كذلك إذا كان المأموم قد فاته شتى من الصلاة وسها سواء مع الإمام أو بعدما انفرد فإنه يجب عليه سجود السهو.
أما المسألة الثانية: فهي: إذا سها الإمام فهل يجب على المأموم سجود السهو؟ نقل: نعم، يجب عليك أن تسجد مع إمامك حتى لو ما سهيت أنت، فلو فرض أن الإمام نسى أن يقو:"سبحان ربي العظيم" في الركوع، فهنا نسى ذكرا ما نوعه؟ ذكر واجب، فيجب عليه سجود السهو، أنت أيها المأموم لم تنس شيئًا لكن إمامك نسى واجبًا من واجبات الصلاة يجب عليه بذلك سجود السهو. فهل إذا سجد الإمام يجب عليك أن تتابعه؟ نعم؛ لن متابعة الإمام واجبة حتى وإن كنت في محل لا يجب عليك السجود يجب أن تتابعه؛ بدليل أن الإنسان إذا كان قد فاته ركعة من الظهر بأن يكون مثلًا دخل مع الإمام في الركعة الثانية، وجلس الإمام للتشهد الأول يجب عليك- أيها المأموم- أن تجلس معه، وهل هو محل جلوس لك؟ لا، ولكن من أحل متابعة الإمام، كما أنه إذا قام إلى الرابعة فهي في حقك ثالثة، وهو لا يجلس، لكن تجلس أنت للتشهد الأول، أو تتابع الإمام؟ تتابع الإمام، فمتابعة الإمام أمر مهم، وعلى هذا فإذا سها الإمام وجب على المأموم أن يسجد وإن لم يسه هو.
وها هنا مسألة وهي: لو سها الإمام وكان محل سجوده بعد السلام وأنت قد فاتك شيء من الصلاة فهل يسلم ثم يسجد بعد السلام، هذه المسألة اختلف فيها العلماء، فقال بعضهم: تنتظر وتسجد معه ثم تقوم لقضاء ما فاتك. وقال بعضهم: لا تنتظر؛ لأنه لما سلم انتهت صلاته. فمتابعته الآن معتذرة؛ لأنك إن تابعته لابد أن تسلم وصلاتك ما تمت فالمتابعة إذن متعذرة، وحينئذ تقوم أنت وتقضي ما فاتك، وهل يجب عليك سجود السهو عند تمام صلاتك؟ فيها خلاف، وأرجح الأقوال عندي: أنه إن كنت قد أدركت سهوا الإمام فإنك تسجد للسهو؛ لأن السهو لحقك إن كنت لم تدركه فإنك لا تسجد، وإن سجدت فلا حرج، لكن لا يجب إلا إذا كنت قد أدركت سهوه.
324 -
وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل سهوٍ سجدتان بعدما يسلم". رواه أبو داود، وابن ماجه بسندٍ ضعيفٍ.
325 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في: {إذا السماء انشقت} (الانشقاق: 1) و: {اقرأ باسم ربك} (العلق: 1). رواه مسلم.
كان المؤلف رحمه الله أنهى الأحاديث التي أتى بها لبيان سجود السهو، وقد سبق لنا عدة أنواع مما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم، منها: أنه قام من الركعتين ولم يسجد، يعني: لم يتشهد التشهد الأول، هذا واحد.
والثاني: أنه صلى خمسًا، ومنها: أنه سلم من ركعتين في إحدى صلاتي العشي: إما الظهر وإما العصر، وسبق لنا أن فيما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم من السهو دليلًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم تلحقه أحكام البشر، وسبق لنا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب أيضًا، وبهذا نعلم خطأ ما يفعله بعض الناس إذا انتهوا من بعض الأعمال حيث تراهم يكتبون:{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} (التوبة: 105). إن هذا خطأ كبير؛ لأنه وإن كان الله يراه لكن الرسول لا يراه، ثم ن هذه الآية نزلت في تهديد المنافقين. فكيف تجعل مكتوبة على أعمال خيرية؟ لكن ظني أن أول من وضعها رجل جاهل لا يعرف القرآن، وأخذها الناس عنه تقليدًا، وهذا مما يجعلنا نتأمل غاية التأمل فيما يقال بين الناس من هذه الكلمات وغيرها؛ لأنها ربما تحمل معاني لا تصح ونحن أخذناها مسلمة.
فالحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولا يرى شيئًا بعد وفاته حتى لو قلنا: بأنها تعرض عليه أعمال أمته إن صح ذلك فإنه لا يراها لكنه يعلمها، وفرق بين العلم وبين الرؤية، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لا يعلم إلا ما علمه الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال الله تعالى {وعلمك ما لم تعلم} (النساء: 113). وهو من دعائه صلى الله عليه وسلم، بل إن الله أمره أن يقول: } وقل زدني علمًا} (طه: 114). وكان من دعائه: "اللهم علمني ما ينفعني وانفعني بما علمتني وزني علمًا" فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فهو مكذب لله ولرسوله والإجماع المسلمين، ثم إن المؤلف أتى بالحديث بعد أن ذكر الكلام على السهو.
فإن قال قائل مثلًا: هل نسيان الرسول صلى الله عليه وسلم هل يوجب نقصًا، وهل كونه لا يعلم إلا ما علمه الله هل يوجب ذلك نقصًا؟
الجواب: لا، هو أكمل البشر في علمه بالله عز وجل فإنه أعلم البشر بالله وبأحكامه، ولكنه صلى الله عليه وسلم بشر كغيره خرج من بطن أمه لا يعلم شيئًا، ثم علمه الله سبحانه وتعالى ما من به عليه من