الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين يقولون: إن الله سبحانه وتعالى لم يقدر أفعال العبد، وأن العبد مستقل بفعله إيجادًا ومشيئة، وهذا لا شك أنه باطل، وقد سبق الكلام عليه في الشرح.
ومن فوائد الحديث: فضيلة الإنصات حال خطبة الإمام لقوله: "ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته".
ومنها: أنه ينبغي أن يكون الخطيب هو الإمام لقوله: "الإمام من خطبته"، ولم يقل: الخطيب من خطبته، بل قال: الإمام، ولهذا قال العلماء: يسن أن يتولى الخطبتين من يتولى الصلاة، ولو لم يتولهما من يتولى الصلاة فلا حرج، لكن هذا أفضل.
ويستفاد منه: جواز الكلام بين الخطبتين لقوله: "حتى يفرغ من خطبته".
ويستفاد منه أيضًا: عظم كرم الله سبحانه وتعالى؛ حيث جعل المحافظة على صلاة الجمعة على هذا الوصف بدلاً لمغفرة الذنوب، ولكن هل هذا يشمل الكبائر والصغائر، أو الصغائر فقط؟ الصحيح أنه لا يتناول الكبائر وأنه يختص بالصغائر؛ لأن الكبائر لابد لها من توبة خاصة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر".
ساعة الإجابة يوم الجمعة:
439 -
وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي، يسأل الله عز وجل شيئًا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها". متفق عليه.
- وفي رواية لمسلم: "وهي ساعة خفيفة".
440 -
وعن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة". رواه مسلم، ورجح الدارقطني أنه من قول أبي بردة.
441 -
وفي حديث عبد الله بن سلام عند ابن ماجه.
442 -
وعن جابر عند أبي داود والنسائي: "أنها ما بين صلاة العصر وغروب الشمس". وقد اختلف فيها على أكثر من أربعين قولًا، أمليتها في شرح البخاري.
هذه الأحاديث في بيان ما من الله به على هذه الأمة من ساعة الإجابة يوم الجمعة، قال الرسول عليه الصلاة والسلام:"إن فيه ساعة"، والمراد بالساعة: الزمن، وليس المراد بها الساعة الواحدة من أربعة وعشرين جزءًا من الليل والنهار، "لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم"، القيد الثالث:"وهو قائم يصلي" والجملة هذه حال، "يسأل الله" حال أيضًا، "يسأل الله عز وجل شيئًا إلا أعطاه إياه" أي: إلا أعطاه ذلك الشيء.
وقوله: "يسأل الله شيئًا" نكرة في سياق الإثبات فتكون مطلقة أي شيء يكون، ولكنها مقيدة بما إذا لم يعتد في دعائه، فإن اعتدى فإن الله لا يجيبه لقوله تعالى:{ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: 55]. فالمعتدي في الدعاء لا يجاب له حتى في وقت الإجابة؛ لأن الله تعالى لا يحب المعتدين فكيف يجيبهم، والاعتداء في الدعاء أن يدعو الإنسان بما لا يحل له إما أن يدعو بما لا يمكن شرعًا، أو بما لا يمكن قدرًا، أو بما هو محرم شرعًا، فهذا كله اعتداء في الدعاء، فلو دعا على شخص غير مستحق للدعاء عليه هل يستجاب له؟ لا؛ لأنه ظالم، والله لا يجيب دعوة الظالم، كذلك لو دعا با لا يمكن شرعًا مثل أن يقول:"اللهم اجعلني نبيا" فلا يجوز، أو دعا بما لا يمكن قدرًا، يعني مثلًا: بأن دعا أن يجعل الله له ملك السموات والأرض، فلا يصلح، لماذا؟ لا يمكن قدرًا وإن كان الله على كل شيء قديرًا لكن نعلم أن الذي له ملك السموات والأرض هو الله سبحانه وتعالى، فالمهم أن الاعتداء في الدعاء لا يقبل حتى في ساعة الإجابة.
وقوله: "إلا أعطاه إياه""أعطاه" فعل مطلق؛ لأنه يدل على الفورية، فقد يعطيه الله تعالى إياه فورًا وقد يتأخر، لكن لا يستبطئ الإجابة إذا استبطأ الإجابة حرمها إذا دعا ثم قال: دعوت فلم يستجب لي فإنه يحرم، بل الواجب أن يحسن الإنسان ظنه بربه، والله تعالى له الحكمة البالغة في إجابته وعدم إجابته.
وقوله: "إلا إعطاه إياه" قد يقول قائل: هذا مطلق أفلا نقيده بالأحاديث الخرى الدالة على أن من دعا الله عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى يجيبه، أو يدخر ذلك له إلى يوم القيامة، أو يدفع عنه من البلاء ما هو أعظم مما يدعو به، أو يترك، هل يصلح أن يقيد هذا الحديث بذلك؟ نقول: لا يصح؛ لماذا؟ ؟ لأننا لو قيدناه بذلك لم يكن لذكره في هذا الوصف فائدة؛ إذ إن هذا الحكم آنفًا: "أو يستجيب، أو يدخر، أو يدفع عنه" هذا الحكم عام في كل الدعوات.
لكن لو قال قائل: نحن نجد كثيرًا من الناس يدعون في ساعة هي أرجى ما تكون من الساعات ومع ذلك لا يستجاب لهم؟
فنقول: صدق الله ورسوله وكذبت، كما قال الرسول في قصة العسل: "كذب بطن
أخيك". نقول: كلام النبي عليه الصلاة والسلام حق وصدق، ولكن تخلف الإجابة قد يكون لوجود مانع إما أن يدعو وهو شاك في الإجابة غير موقن فهذا سبب مانع من الإجابة، وإما أن يكون ممن يأكل الحرام، وأكل الحرام مانع من إجابة الدعاء، فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: "رجلًا أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، قال: فأنى يستجاب لذلك". والعياذ بالله مع أن الأوصاف الموجود كلها من أسباب إجابة الدعاء، كونه أشعث أغبر سبب من أسباب إجابة الدعاء، ولهذا يباهي الله الملائكة بالواقفين بعرفة، ويقول: "أتوني شعثًا غبرًا". كونه يمد يديه إلى السماء هذا من أسباب إجابة الدعاء، وكونه في سفر من أسباب إجابة الدعاء، وكونه ينادي يارب يا رب من أسباب إجابة الدعاء، ومع ذلك منع من إجابة الدعاء، أو استبعد النبي صلى الله عليه وسلم إجابته؛ لأنه كان يتغذى بالحرام والعياذ بالله.
ثم قال: "وأشار بيده يقللها"، كيف الإشارة بالتقليل؟ المهم: أنه أشار بيده بما يدل على أنها قريبة، وفي رواية لمسلم:"وهي ساعة خفيفة" يعني: يسيرة ليست بطويلة، هذه الساعة اختلف فيها أهل العلم، يقول ابن حجر رحمه الله على أكثر من أربعين قولًا، وهي ساعة واحدة، وكم عدد الساعات؟ أربع وعشرون ساعة، ومع ذلك وصل اختلافهم إلى أكثر من أربعين قولًا هذه الأقوال قيل فيها من جملة ما قيل فيها: إنها - أي: الساعة - قد رفعت مثل ما قيل في ليلة القدر، ولكن الصواب: أنها موجودة، وأن أرجى ساعتها ساعتان بعد العصر وإذا خرج الإمام حتى تنقضي الصلاة، ويدل لذلك قوله:"وعن أبي بردة عن أبيه" أبو بردة ابن أبي موسى، عن أبيه أبي موسى قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة". رواه مسلم، ورجح الدارقطني أنه من قول أبي بردة. هذا الحديث بعض العلماء أعله بالوقف، وبعضهم أعله بأنه أخذ من صحيفة وما أشبه ذلك، ولكن هذا ليس بعلة؛ لأنه إذا تعارض رفع ووقف فمع الرافع زيادة علم إذا كان الرافع ثقة فإنه يؤخذ بقوله، وأيصًا أحيانًا يحدث الراوي عن النبي عليه الصلاة والسلام بالحديث معزورًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك فيما إذا أراد إسناده، وأحيانًا يقوله هو عن نفسه بناء على أن ذلك هو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحدث به أحيانًا يرفعه وأحيانًا بقوله من عند نفسه، مثال ذلك أن أقول - وأنا الآن معكم - لو صلى الإنسان بلا نية فإنه لا صلاة له، إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. أقول هذا فيظن الظان أن
هذا من عندي، ولكنه في مرة أخرى أسوق الحديث، أقول: حدثني فلان عن فلان، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالآن رفعته، فإذا صح الرفع فإنه لا يعارض بكونه قد روي موقوفًا على شخص؛ وذلك لأن الرافع ربما يحدث به قائلًا به لا راويًا له، قائلًا به لأنه صح عنه.
وهذا الوقت لا شك أنه من أرجى ما يكون من أوقات الإجابة لعدة أسباب:
أولًا: أنه وقت اجتماع الناس على صلاة مفروضة، والاجتماع له أثر في إجابة الدعاء؛ ولذلك كان يوم عرفة يومًا يجاب فيه الدعاء، ولذلك أيضًا أمر النبي عليه الصلاة والسلام الحيض وذوات الخدور أن يخرجن إلى العيد؛ قالت أم عطية: ليشهدن الخير ودعوى المسلمين. فاجتماع الناس على هذه الفريضة لا شك أنه من أسباب إجابة الدعاء.
ثانيًا: أن الحديث فيه: "وهو قائم يصلي"، ومن صعود الإمام إلى أن تقضى الصلاة إما أن يكون الإنسان في صلاة فعلًا كصلاة الجمعة مثلًا، وإما أن يكون منتظرًا للصلاة ومنتظر الصلاة إذا صلى ثم جلس ينتظر فهو في صلاة كما ثبت به الحديث.
ثالثًا: أن هذا الوقت الذي هو وقت صلاة الجمعة لا شك أنه أفضل الأوقات بالنسبة ليوم الجمعة؛ لأنه تؤدي فيه فريضة نص الله تعالى فيها على أن لها نداء وأن لها حضور، أما الساعة الثانية فهي ما بين صلاة العصر وغروب الشمس؛ يعني: أن الساعة في هذا الوقت ما بين صلاة العصر وغروب الشمس.
وقوله: "وهو قائم يصلي" يتحقق هنا؟ لا، لكن يتحقق فيما لو دخل الإنسان المسجد، لو دخل المسجد وصلى ركعتين تحية المسجد يستقيم، ثم إذا جلس بعد ذلك ينتظر الصلاة فهو في صلاة، وعلى هذا فآرجاها هذان الوقتان من خروج الإمام إلى أن تفرغ الصلاة، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس، فينبغي لنا أن نحافظ على الدعاء في هذين الوقتين.
المعتبر في عدد الجمعة:
443 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: "مضت السنة أن في كل أربعين فصاعدًا جمعةً". رواه الدارقطني بإسنادٍ ضعيفٍ.
قال: "مضت السنة" إذا قال الصحابي: "السنة" فالمراد بها: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال أهل العلم بمصطلح الحديث: ومثل هذا التعبير يكون له حكم الرفع، ثم أعلم أن السنة في لسان الصحابة
ليست هي السنة في اصطلاح الفقهاء، الفقهاء يريدون بالسنة: ما أمر به لا على سبيل الوجوب، وأما في لسان الصحابة فالمراد بها: طريقة النبي عليه الصلاة والسلام سواء كانت واجبة أو مستحبة، فمن الواجبة قول أنس:"من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا، ثم دار". هذا وجوب من السنة الواجبة، ويروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:"من السنة وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة". هذه من السنة المستحبة.
هنا قال: "مضت السنة" يعني: سنة الرسول عليه الصلاة والسلام "أن في كل أربعين فصاعدًا جمعة". "في كل" جار ومجرور خبر مقدم، و"جمعة" بالنصب اسمها مؤخر، وأما قوله:"فصاعدًا" فمنصوبة على الحال، وقد اختلف العلماء في هذا العدد على نحو عشرة أقوال، ولكن الأقوال المشهورة هذا الحديث، وهو حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، وأما اثنا عشر فمستنده ما رواه مسلم في قصة انتظار الصحابة رضي الله عنهم حي جاءت العير من الشام فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلًا، وهذا لا دليل فيه؛ لأنها قضية عين، فلا ندري لو بقي عشرة ماذا يكون الحكم، لو بقي أربعة عشر ماذا يكون، فما دام أن هذا العدد وقع اتفاقًا فإنه لا يمكن أن يؤخذ شرطًا من الشروط، وذكرنا قاعدة فيما سبق أن كل ما وقع اتفاقًا فإنه لا يعتبر حكمًا شرعيًا؛ لأنه لو الأمر اتفق على سوى ذلك ما تغير الحكم، والدليل على أنه لا يتغير الحكم أنه لو كان الحكم يتغير لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يبينه، وعلى هذا فإنه لا يكون فيه دليل على أنه - أي: العدد المشترط للجمعة - اثنا عشر.
لكن علىقول من يقول إن العدد أربعون ماذا يجيبون عن هذا الحديث - وهو في صحيح مسلم - قالوا: لعلهم رجعوا - أي: الأربعون - قبل أن تنقضي الصلاة؛ بل قبل أن يفوت ركن من أركان الخطبة، وهذا لا شك أنه بعيد جدًا، والقول الثالث في المسألة: أن الذي يشترط ثلاثة فقط، وهذا القول هو الراجح، وسبق لنا أنه به يتحقق الجمع، وبه يتضح معنى قوله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9]. فإنه منادٍ وإمام وساعٍ، وهذا أحسن الأقوال، ولكن هذا لابد أن يكونوا في قري مستوطنين، وأما إذا كانوا في البر فإنه لا جمعة عليهم، وهناك من قال: تنعقد باثنين، فيرد عليهم بما ورد في السنين:"ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجمعة إلا استحوذ عليهم الشيطان". وإن الذي يتحقق به معنى الجمع ولاشك فيه هو الثلاثة فأكثر، ولأن الآية تشير إلى ذلك وإن كانت صريحة.