المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب صفة الصلاة

- ‌صفة الاستفتاح ومعانيه:

- ‌الاستعاذة ومعناها:

- ‌أوضاع منهي عنها في الصلاة:

- ‌مواضع رفع اليدين وصفته:

- ‌صفة وضع اليدين في القيام:

- ‌حكم قراءة الفاتحة:

- ‌هذه الروايات فيها فوائد:

- ‌أحكام البسملة:

- ‌شروط كون قول الصحابي حجة:

- ‌التأمين وأحكامه:

- ‌متى تسقط الفاتحة:

- ‌كيفية القراءة في الصلاة:

- ‌مقدار القراءة في صلاتي الظهر والعصر:

- ‌قدر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء والفجر:

- ‌صفة القراءة في فجر الجمعة:

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تدبر القراءة في الصلاة:

- ‌أذكار الركوع والسجود ومعانيها:

- ‌تكبيرات الانتقال وأحكامها:

- ‌أذكار القيام من الركوع ومعانيها:

- ‌هيئة السجود وأحكامه:

- ‌صفة الأصابع في السجود والركوع:

- ‌الجلوس في محل القيام وأحكامه:

- ‌الدعاء بين السجدتين:

- ‌حكم جلسة الاستراحة:

- ‌القنوت وأحكامه:

- ‌دعاء القنوت:

- ‌حكم تقديم اليدين قبل الركبتين للسجود:

- ‌صفة وضع اليدين في التشهد:

- ‌صيغ التشهد ومعانيها:

- ‌صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الدعاء بعد التشهد وأحكامه:

- ‌صفة التسليم وأحكامه:

- ‌الأذكار دبر الصلوات ومعانيها:

- ‌وجوب تعلم صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌صلاة المريض:

- ‌8 - باب سجود السهو وغيره من سجود التلاوة والشكر

- ‌صفة سجود السهو:

- ‌السجود للسهو بعد السلام وحكمه:

- ‌حكم التشهد لسجدتي السهو:

- ‌حكم سجود السهو قبل الكلام:

- ‌السهو مبني على غلبة الظن:

- ‌سقوط سجود السهو:

- ‌حكم سهو الإمام والمأموم:

- ‌سجود التلاوة:

- ‌حكم سجود التلاوة:

- ‌أحكام سجود التلاوة:

- ‌بعض مواضع سجود التلاوة في القرآن:

- ‌حكم سجود القارئ والمستمع والسامع:

- ‌التكبير لسجود التلاوة:

- ‌9 - باب صلاة التطوع

- ‌السنن الرواتب:

- ‌فضل ركعتي الفجر:

- ‌النفل قبل العصر والمغرب:

- ‌التخفيف في ركعتي الفجر والاضطجاع بعدها:

- ‌قيام الليل:

- ‌صلاة الوتر:

- ‌صفات صلاة الوتر:

- ‌الحث على قيام الليل والوتر:

- ‌لا وتران في ليلة:

- ‌ما يقرأ في الوتر:

- ‌صلاة الضحى:

- ‌10 - باب صلاة الجماعة والإمامة

- ‌حكم صلاة الجماعة:

- ‌وجوب الحضور للجماعة في المسجد:

- ‌عدم سقوط الجماعة عن الأعمى:

- ‌صلاة المفترض خلف المتنقل:

- ‌حكم الصلاة قيامًا خلف إمام قاعد:

- ‌مراعاة حال المأمومين في الصلاة:

- ‌إمامة الصغير المميز:

- ‌يقدم في الإمامة الأكثر قرآنًا:

- ‌تسوية الصفوف والمقاربة بينها:

- ‌أفضلية الصف الأول للرجال:

- ‌صلاة المرأة والصغير خلف الإمام:

- ‌حكم صلاة المنفرد خلف الصف:

- ‌المشي إلى الصلاة بالسكينة والوقار:

- ‌استحباب الكثرة في الجماعة:

- ‌حكم إمامة المرأة لأهل دارها:

- ‌الدخول مع الإمام على أي حال أدركه:

- ‌11 - باب صلاة المسافر والمريض

- ‌حقيقة السفر ومعناه:

- ‌قصر الصلاة في السفر وحكمه:

- ‌مسائل مهمَّة:

- ‌الصلوات التي لا تقصر في السفر:

- ‌الفطر في السفر وحكمه:

- ‌عدد الأيام التي يجوز فيها القصر:

- ‌حكم الجمع بين الصلاتين في السفر:

- ‌حالات جمع التقديم والتأخير:

- ‌حالات الجمع بين الصلاتين في الحضر:

- ‌الصلوات التي لا يجمع بينها:

- ‌صلاة المريض وكيفيتها:

- ‌12 - باب صلاة الجمعة

- ‌التحذير من ترك الجمع:

- ‌وقت صلاة الجمعة:

- ‌العدد الذي تنعقد به الجمعة:

- ‌حكم إدراك ركعة من الجمعة:

- ‌حكم الخطبة قائمًا:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌استحباب طول الصلاة وقصر الخطبة:

- ‌قراءة سورة (ق) في الخطبة:

- ‌حكم تحية المسجد والإمام يخطب:

- ‌ما يقرأ في الجمعة والعيدين:

- ‌صلاة النفل بعد الجمعة وأحكامها:

- ‌حكم فصل الفريضة عن النافلة:

- ‌فضل الاغتسال والتطيب يوم الجمعة:

- ‌ساعة الإجابة يوم الجمعة:

- ‌استغفار الخطيب للمؤمنين:

- ‌حكم قراءة آيات من القرآن في الخطبة:

- ‌الذين تسقط عنهم الجمعة:

- ‌13 - باب صلاة الخوف

- ‌شروط صلاة الخوف:

- ‌الصفة الأولى لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثانية لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثالثة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الرابعة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الخامسة لصلاة الخوف:

- ‌14 - باب صلاة العيدين

- ‌حكم صلاة العيد في اليوم الثاني إذا ترك لعذر:

- ‌من السنة أكل تمرات قبل الخروج لعيد الفطر:

- ‌حكم خروج النساء لصلاة العيد:

- ‌مشروعية الخطبة بعد صلاة العيد:

- ‌صلاة العيد ركعتان بلا نفل:

- ‌صلاة العيد بلا أذان ولا إقامة ولا نفل:

- ‌صلاة العيد في المصلى:

- ‌التكبير في صلاة العيد:

- ‌قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد:

- ‌مخالفة الطريق والتكبير في الطريق:

- ‌15 - باب صلاة الكسوف

- ‌مشروعية صلاة الكسوف والدعاء فيها:

- ‌القراءة في صلاة الكسوف جهرًا:

- ‌صفة صلاة الكسوف:

- ‌الدعاء عند هبوب الريح:

- ‌حكم الصلاة للزلازل:

- ‌16 - باب الاستسقاء

- ‌صفة صلاة الاستسقاء والخطبة لها:

- ‌الدعاء في صلاة الاستسقاء:

- ‌تحويل الرداء في الاستسقاء والجهر بالقراءة:

- ‌مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء:

- ‌أقسام التوسل وأحكامه:

- ‌ما يفعل عند هطول المطر:

- ‌الدعاء عند رؤية المطر:

- ‌مشروعية الاستسقاء في الأمم السابقة:

- ‌17 - باب اللباس

- ‌تحريم الزنا والخمر والغناء:

- ‌تحريم لبس الحرير والجلوس عليه:

- ‌مقار ما يباح من الحرير:

- ‌حكم لبس الحرير لعذر أو مرض:

- ‌إباحة الذهب والحرير للنساء والحكمة منها:

- ‌حبُّ الله عز وجل لرؤية أثر نعمته على عبده:

- ‌النهي عن لبس القسيِّ والمعصفر:

- ‌جواز كف الثياب بالحرير وضوابطه:

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الترغيب في تذكر الموت:

- ‌كراهة تمني الموت:

- ‌تلقين المحتضر الشهادة:

- ‌حكم قراءة يس عند المحتضر:

- ‌تغميض الميت:

- ‌حكم تسجية الميت:

- ‌حكم تقبيل الميت:

- ‌الإسراع في قضاء دين الميت:

- ‌حكم تحنيط الميت المحرم:

- ‌حكم تجريد الميت عن تغسيله:

- ‌صفة الغسل:

- ‌تكفين الميت وأحكامه:

- ‌استحباب الكفن الأبيض:

- ‌استحباب إحسان الكفن:

- ‌هل يجمع بين الرجال في الدفن، ومن يقدَّم:

- ‌كراهة المغالاة في الكفن:

- ‌حكم الصلاة على المقتول في حد:

- ‌حكم الصلاة على قاتل نفسه:

- ‌حكم الصلاة على القبر:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌موقف الإمام في الصلاة على المرأة:

- ‌حكم الصلاة على الميت في المساجد:

- ‌عدد التكبير في صلاة الجنازة:

- ‌قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للميت في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للمسلمين في صلاة الجنازة:

- ‌الإخلاص في الدعاء للميت:

- ‌استحباب الإسراع بالجنازة:

- ‌فضل اتباع الجنائز والصلاة عليها:

- ‌النهي عن اتباع النساء للجنازة:

- ‌كيفية إدخال الميت القبر:

- ‌الميت يتأذى بما يتأذى به الحي:

- ‌اللحد والشق في القبر:

- ‌النهي عن البناء على القبور وتجصيصها:

- ‌حكم تلقين الميت عند القبر:

- ‌زيارة النساء للقبور:

- ‌جواز البكاء على الميت:

- ‌النهي عن الدفن ليلًا:

- ‌استحباب إيناس أهل الميت:

- ‌آداب زيارة القبور:

- ‌النهي عن سب الأموات:

الفصل: ‌مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء:

‌مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء:

490 -

وعن أنش رضي الله عنه: "أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب. فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله عز وجل يغيثنا، فرفع يديه، ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا

". فذكر الحديث، وفيه الدعاء بإمساكها. متفق عليه.

يقول: "والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب" هذه الجملة في موضع نصب على الحال، وقوله:"قائم" خبر المبتدأ، و"يخطب" يجوز أن تكون خبرًا ثانيًا، ويجوز أن تكون حالًا من الضمير المستتر في "قائم".

وقوله: "هلكت الأموال" ما المراد بالأموال؟ الأموال التي يتوقف بقاؤها على السبيل والخصب مثل الإبل، والبقر، والغنم، ومثل الزروع أيضًا.

"انقطعت السبل" السبل: الطرق، وانقطاعها لأجل ضعف الإبل التي تحمل الناس في هذه الطرق؛ حيث إنها قد هزلت حتى كادت لا تسير بالناس.

وقوله: "فادع الله عز وجل يغيثنا" يعني: اسأله: لأن الله عز وجل هو الذي إليه الملجأ: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله- الجواب: لا- قليلًا ما تذكرون} [النمل: 62]. فالله عز وجل هو ملجأ الخلق إذا أصابتهم الضراء ما يجأرون إلا إلى الله- سبحانه وتعالى، قال الله تعالى:{وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجرون تخوفٍ (53)} [النحل: 53].

وقوله: "فادع الله عز وجل يغيثنا" فيها إشكال من الناحية اللغوية، فما هو الإشكال؟ هو "يغيثنا" جواب طلب، فلا بد أن يكون يغيثنا مجزومًا، فالجواب: أنها ليست جوابًا للطلب، بل هي بيان لما يقصده السائل من الدعاء، بمعنى: أن الجملة استئنافية بيان ما يريده السائل مما طلبه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه يريد الغيث.

قال: "فرفع يديه نحو السماء ثم قال: اللهم أغثنا"، سبق لنا أن "اللهم" يعني: يا الله، فحذفت ياء النداء، وعوض عنها الميم، وجعلت الميم في الآخر تيمنا بالبداءة باسم الله عز وجل، "أغثنا" هذه فعل دعاء؛ لأن كل طلب موجه إلى الله عز وجل، لا يمكن أن يكون أمرًا وإنما هو دعاء، ومعنى "أغثنا": أزل عنا الشدة؛ لأن الغوث هو إزالة الشدة.

وهذا الحديث- كما ترون- معناه: أن هذا الرجل دخل والرسول- عليه الصلاة والسلام يخطب الناس يوم الجمعة فتكلم مع الرسول- عليه الصلاة والسلام هذا الكلام، وبين له أنه في حاجة إلى الكلام؛ حيث إن الأموال قد هلكت والسبل قد انقطعت، وهو في حاجة إلى أن يطلب من النبي- عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله له بالغيث، فأجابه النبي- عليه الصلاة والسلام ودعا الله، ورفع يديه وقال:"اللهم أغثنا".

ص: 448

قال أنس رضي الله عنه راوي الحديث: "والله ما في السماء من سحاب- يعني: منتشر- ولا قزعة- قطعة من الغيم- وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار". "سلع": جبل في المدينة معروف تأتي من نحوه السحب، يعني: السماء صافية صحوة فأنشأ الله تعالى سحابة فخرجت من وراء السلع، مثل: الترس صغيرة، ثم ارتفعت في السماء وانتشرت ورعدت وبرقت فأمطرت، "فلم ينزل الرسول صلى الله عليه وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته"، هذه قدرة عظيمة من الرب عز وجل، لو اجتمع الخلق كلهم على أن يأتوا بمثل هذا ما أتوا به، وهي آية للرسول- عليه الصلاة والسلام دالة على صدقه؛ لأن الله تعالى أجاب دعاءه في هذا المشهد العظيم، وبهذه القدرة التامة، والسرعة البالغة، "ثم بقي المطر سبتًا كاملًا" يعني: من الجمعة إلى الجمعة، والسماء تمطر، فجاء رجل من الجمعة الثانية- أو الرجل الأول- فقال:"يا رسول الله، غرق المال، وتهدم البناء"- من كثرة السيول- غرق الزرع، وربما تكون الأودية حملت بعض المواشي فأغرقتها "غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله يمسكها، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر"، وجعل يشير حواليه بيده- عليه الصلاة والسلام، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت بإذن الله، ليس بقدرة النبي- عليه الصلاة والسلام، ولكن بإذن الله، لأنه يسأل الله يقول: "اللهم حوالينا"، فكانت المدينة ما عليها صحو خرج الناس يمشون في الشمس، وما حولها يمطر.

قال أنس: "وسال قناة شهرًا". "قناة": وادٍ بالمدينة جعل يمشي شهرًا كاملًا من هذا المطر، وبهذا يتبين تمام قدرة الله عز وجل، في سوق السحاب، وفي تفريق السحاب، ويتبين أيضًا آية للرسول صلى الله عليه سولم كما مر.

يستفاد من هذا الحديث: أولًا: جواز الكلام مع الخطيب؛ لأن الصحابي تكلم، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره؟ الثاني، وقد سبق أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم من سنته، وسبق أيضًا الاحتجاج بما وقع في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام ولم ينكر، وإن كنا لا نعلم أن الرسول- عليه الصلاة والسلام علم به، ما وجهه؟ وجهه: إقرار الله له؛ ولهذا قال جابر رضي الله عنه: كنا نعزل والقرآن ينزل. فكل في دفع فعلًا وقع في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام ولم نعلم أنه علم به كل من دفعه بهذه العلة، فإن دفعه مدفوع، وضربنا فيما سبق مثلًا بقصة معاذ بن جبل حيث كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفريضة ويذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فهي له نافلة ولهم فريضة، وقلنا: إن فيه دليلًا على جواز ائتمام المفترض بالمتنفل، وإن الذين منعوا ذلك قالوا: إننا لا نعلم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم علم بفعل معاذ، وأجبنا عن ذلك بأن هذا بعيد، وأنه لو فرض أنه لم يعلم فإن الله تعالى يعلم ذلك؛ ولهذا إذا وقع شيء لا يعلمه الرسول- عليه

ص: 449

الصلاة والسلام- وهو مما لا يرضاه الله بينه الله، ما الدليل؟ {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطًا (108)} [النساء: 108].

ويستفاد من الحديث: أن المشروع للخطيب القيام لقوله: "وهو قائم".

ويستفاد منه: مشروية الخطبة للجمعة، والصواب أنها واجبة، وأن الجمعة لا تصح بدونها؛ لأن الله أوجب السعي إليها وما وجب السعي إليه فهو واجب.

ويستفاد من الحديث: جواز الإخبار عن الحال لا على سبيل الشكاية، من أين يؤخذ؟ من قول الرجل:"هلكت الأموال وانقطعت السبل"، هو ما أراد أن يشكو الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن أراد أن يبين الحال التي تقتضي أن يطلب منه الدعاء.

ومن فوائد الحديث: أن الأشياء إنما تتبين بضدها، من أين يؤخذ؟ من هلاك الأموال وانقطاع السبل لفقد المطر، فلا تتبين نعمة الله على عباده بالمطر إلا إذا فقدوه وعرفوا ما يترتب على فقده.

ومن فوائد الحديث: إثبات الأسباب، كيف ذلك؟ من قوله:"هلكت الأموال وانقطعت السبل"؛ فإن سبب ذلك القحوط: قحوط المطر، وإجداب الأرض.

ومن فوائد الحديث: جواز التوسل بدعاء الصالحين الأحياء، من أين يؤخذ؟ من قول الرجل:"فادع الله يغيثنا"، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، ولم يقل: ادع أنت لنفسك، وما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه جائز، وعلى هذا فيجوز أن تطلب من رجل صالح أن يدعو لك.

فإن قال قائل: أليس في هذا تزكية لهذا المطلوب وتغريرًا به يدعوه إلى الإعجاب بنفسه؟

فالجواب: أما التزكية فلا حرج علينا أن نزكي غيرنا إذا كان أهلًا لذلك، وما الجرح والتعديل الذي يتكلم الناس عليه في المصطلح إلا من هذا النوع، وما طلب تزكية الشهود في المحاكمة إلا من هذا النوع، وما الثناء على الميت الذي وقع بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأقره إلا من هذا النوع. والمنهي أن يزكي الإنسان نفسه:{فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (32)} [النجم: 32].

وأما الثاني: وهو تغرير هذا الرجل حتى يصل به الأمر إلى الإعجاب بنفسه، وأنه أهل لأن يقصد ويطلب منه الدعاء، فإذا خفنا ذلك فإننا نكف عنه رحمة بهذا الرجل حتى لا يهلك؛ لأن رجلًا امتدح رجلًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:"قطعت عنق- أو ظهر- صاحبك". فإذا خيف من طلب الدعاء من هذا الرجل الصالح أن يغتر فإنه لا يطلب منه.

فإن قال قائل: هل طلب الدعاء من الرجل الصالح من باب المشروع أم من باب الجائز؟

فالجواب: الثاني، وإلا فالأفضل أن يباشر الإنسان الدعاء بنفسه من ربه لكنه من باب الجائز.

ص: 450

ومثل هذه المسألة التي وقعت إنما اتجه الرجل إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام لسببين:

أولًا: أن دعاء الرسول- عليه الصلاة والسلام أقرب من دعاء الناس إلى الإجابة.

وثانيًا: أن هذا أمر يتعلق بالمسلمين عمومًا، المنفعة من المطر لجميع الناس، والنبي- عليه الصلاة والسلام هو الإمام، فكان توجه الدعاء منه أولى من أن يكون من غيره.

ومن فوائد الحديث: مشروعية رفع اليدين حال الدعاء لقوله: "فرفع يديه"، ولكن الرسول- عليه الصلاة والسلام لم يحفظ عنه أنه رفع يديه حال الخطبة إلا في دعاء الاستسقاء فقط؛ ولهذا أنكر الصحابة على بش بن مروان حين جعل يدعو في خطبته ويرفع يديه. لكن ثبت الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في حال الاستسقاء.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يشرع مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، من أين يؤخذ؟ أنه لم يذكره، ولو كان ذلك واقعًا لذكر كما ذكر الرفع، ولهذا اختلف العلماء هل يسن للداعي أن يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من الدعاء أم لا؟ فقال بعض العلماء: إنه يسن، واستدلوا بأحاديث لكنها ضعيفة؛ إلا أن بعضهم قال: إن مجموعها يقتضي أن تكون من قبيل الحسن لغيره، كما مشى على ذلك الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، أما شيخ الإسلام رحمه الله فقد قال: إنها أحاديث ضعيفة لا ينجبر بعضها على بعض، وعلى هذا فمسح الوجه باليدين بعد الدعاء بدعة، وأما تقبيل اليدين بعد مسح الوجه بهما فهو بدعة لا شك فيها؛ لأنه لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا في حديث صحيح، ولا ضعيف ولا غيره.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجب البداءة بالحمد والثناء على الله، ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، من أين يؤخذ؟ الرسول دعا بدون أي حمد وثناء قال:"اللهم أغثنا".

فإن قال قائل: إنه دعا في أثناء خطبة مبدوءة بالحمد والثناء؟

قلنا: إن الحمد والثناء الذي في الخطبة لم يكن من أجل الدعاء، فلا يكون في ذلك دليل على وجوب البداءة بالحمد والثناء، وأما قول الرسول- عليه الصلاة والسلام في رجل دعا الله تعالى ولم يحمد الله، ولم يثن عليه، قال:"عجل هذا". فإنه من باب ترك المستحب لا ترك الواجب.

ومن فوائد الحديث: بيان قدرة الله عز وجل؛ كيف؟ حيث أنشأ السحاب في هذه المدة الوجيزة وأمطر وما نزل الرسول- عليه الصلاة والسلام إلا والمطر يتحادر من لحيته.

وفي هذا إثبات علم الله، كيف ذلك؟ كل صفة خلق فهي دالة على العلم والقدرة؛ ولهذا

ص: 451