الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم صلاة الجماعة:
والعلماء اختلفوا فيها علي ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: إنها سنة مؤكدة، ومنهم من قال: إنها فرض كفاية، ومنهم من قال: إنها فرض عين، وعلي الأقوال الثلاثة لا تبطل الصلاة ولو تركها الإنسان ولو بلا عذر، ومنهم من قال: إنها شرط لصحة الصلاة، وعلي هذا القول فإذا ترك صلاة الجماعة بلا عذر بطلت صلاته، وهذا القول الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ورواية عن أحمد أن الرجل إذا ترك الجماعة بلا عذر فإنه لا تقبل صلاته، ولو صلى ألف مرة وأنه إذا تركها بلا عذر فهو كمن صلى بلا وضوء، يعني: لا تصح صلاته ويجب عليه أن يطلب الجماعة في أي مسجد، ولكن القول الراجح من هذه الأقوال: أنها فرض عين؛ أي: أنه واجب علي كل مسلم من الرجال أن يصلى مع الجماعة، ولكنه لو ترك الصلاة مع الجماعة أثم وصحت صلاته، ويدل لذلك حديث ابن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد، وهذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف تدل علي أن صلاة الفذ صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"؛ ولو كانت صلاة الفرد غير صحيحة ما صار فيها فضل أبدًا.
وعليه يكون حمل هذه الأحاديث علي المعذور فيه نظر؛ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن هذه الأحاديث في المعذور إذا تأخر عن صلاة الجماعة بعذر، فإنه يفوته خمس وعشرون درجة، ولكن كلامه هذا أيضًا فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا"، والحديث في الصحيح، فدل ذلك علي أن المريض الذي يعتاد صلاة الجماعة إذا تخلف عنها كتب له أجرها كاملة.
فالحاصل: أن القول الصواب أنها واجبة وأنها فرض عين، ويدل علي وجوبها الكتاب والسنة والإجماع الفعلي من الصحابة- رضي الله عنهم أما الكتاب فقوله تعالي:{وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأركعوا مع الراكعين (43)} [البقرة: 43]، لأن الله عز وجل، يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا} [النساء: 102]، يعني: أتموا صلاتهم، {فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخري لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} [النساء: 102]، ووجه الدلالة من الآية: أن الله أوجب علي المؤمنين أن يصلوا جماعة في حال القتال، وما وجب في حال القتال فوجوبه في حال الأمن من باب أولي، ثم في قوله في الآية:{ولتأت طائفة أخري لم يصلوا فليصلوا معك} [النساء: 102]، دليل علي أنها فرض عين؛ لأنها لو كانت فرض كفاية لسقطت بالطائفة الأولي، فلما وجب علي
الطائفة الثانية أن يصلوا دل ذلك علي أنها واجبة وجوب عين، وأما من السنة فالأدالة في ذلك كثيرة منها هذا الحديث:
380 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمره بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلًا فيؤم الناس، ثم أخالف إلي رجال لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء". متفق عليه. واللفظ للبخاري.
انظر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أقسم، هل أحد استحلفه؟ لا، إذن لماذا أقسم بدون أن يستحلف؟ لأهمية الأمر، لا يقسم الرسول صلى الله عليه وسلم علي شيء بدون أن يستحلف إلا لما في ذلك من الأهمية، أقسم صلى الله عليه وسلم أنه هم وأكد هذا الهم بالقسم واللام وقد- فقال:"والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب" يجمع، "ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس"، يعني: إمامًا، "ثم أخالف إلي رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم" بالنار، الرسول صلى الله عليه وسلم أحرق عليهم، هل نقول: إن المراد يحرقها وهم فيها أو يحرقها عليهم، أي: يفسدها عليهم بالإحراق؟ لفظ الحديث يحتمل أنه يحرقها وهم فيها، أو يحرقها عليهم، أي: يفسدها عليهم، وأيا كان- فسواء كان علي الاحتمال الأول أو الثاني- فإن إحراقها إفساد للمال، ولا يجوز إفساد المال إلا بشيء واجب؛ أن المحرم لا ينتهك إلا من أجل شيء واجب، لا ينتهك من أجل شيء مباح.
فعلي كل حال: أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه هم أن يحرق بيوت المتخلفين عن الصلاة؛ يعني: يحرقها عليهم بالنار، فدل ذلك علي وجوب حضور الجماعة، ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما هم بشيء محرم لولا أن ذلك في مقابل ترك واجب.
قال بعض الناس الذين يرون أنها لا تجب: إنه هم ولم يفعل، نقول: لكن لولا أن هذا الهم له أثر لكان ذكره عبثًا ولغوًا، ما الفائدة في أن يخبرنا إذا صار همًا ولم يفعل ولم يرد أن يفعل فيكون إبلاغه إيانًا بذلك لغوًا لا فائدة منه، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك لنعلم مدي أهمية الصلاة مع الجماعة، وأنها تصل إلي هذه الدرجة أن يهم أرحم الخلق بالخلق بتحريق بيوت هؤلاء المتخلفين عليهم بالنار، ودلالة هذا علي الوجوب من أوضح ما يكون، ثم إنه قال صلى الله عليه وسلم ذلك مبينًا أن هؤلاء المتخلفين عن الجماعة مع عظم فضلها لو أنهم حصلوا علي شيء من الدنيا زهيد لكانوا يأتون إليه بكل سهولة، وهذا كقوله تعالي:{بل قلوبهم في غمرة من هذا} [المؤمنون: 63]، يعني: قلوبهم مغطاة عن أحوال الآخرة، {ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون (63)}
[المؤمنون: 63]، أي: أن هؤلاء لهم أعمال الدنيا يعملونها تمامًا، ولهذا أتي بالجملة الاسمية {هم لها عاملون} يعني: يعملونها تمامًا، لكن أمر الآخرة قلوبهم في غمرة من هذا:{ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون} ، وهو كقوله تعالي:{لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (22)} [ق: 22]، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان حال هؤلاء المتخلفين عن الصلاة مع فضلها وأن همتهم دنيا فاسدة، قال:"والذي نفسي بيده لو يجد أحدهم عرقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء"، العشاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كما في عهدنا، في عهدنا الأنوار مضيئة والشوارع مزفلتة لا غبار ولا ظلمة، لكن في عهد الرسول مشقة في الحضور إلي صلاة العشاء، هؤلاء لو يجد أحدهم عرقًا سمينًا أتدري ما هو العرق؟ العرموش: العظم إذا أكل لحمه ولم يبق إلا بقية لحم أو ما أشبه ذلك، هذا هو العرق، "أو مرماتين"، المرماتان هما: ما بين أظلاف الشاة من اللحم أو ما بين أضلاعها، وكلاهما شيء زهيد وحقير، لكن هؤلاء لو يجدون من الدنيا هذا الشيء الحقير لشهدوا العشاء مع مشقة حضورها، لكن لأنهم يريدون الدنيا وهذه حال كثير من الناس لا أقول حال أكثر الناس، لا، حال كثير من الناس، تجده مثلًا يقف عند واحد يشتري حاجة يربح فيها نصف ريال أو مائة ريال ويترك الجماعة التي يربح فيها الريالات والحسنات المضاعفة تصل سبعًا وعشرين درجة! يترك هذا مع أن نصف الريال الذي يكسبه في الدنيا أين يذهب؟ يذهب بولًا أو غائطًا أو عرقًا كله منتن الرائحة، وما يبقي بعده يرثه من لا يقل رحمه الله وربما يبذله في معصية الله فيكون خسارة عليه من الناحيتين، لكن ثواب الآخرة يبقي إلي أبد الآبدين، ما يزول ولا يفني ولا ينقص، مدخر عند الله عز وجل؛ {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره (7)} [الزلزلة: 7]، إذن في هذا الحديث دليل علي حبوط همة هؤلاء وعلي قصر نظرهم، كيف يأتون إلي الحقير من الدنيا ويدعون الآخرة وهي أعظم وأكثر أجرًا، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أخالف إلي رجال" دليل علي النساء لا تجب عليهن الجماعة وهو كذلك، وهو محل إجماع من أهل العلم أن المرأة لا تجب عليها الجماعة، لكن لها أن تحضر بشرط ألا تكون متبرجة ولا متطيبة ولا مرتدية ما يكون فيه فتنة.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يشهدون الصلاة" دليل علي أنه يجب الحضور مع جماعة المسلمين، وجماعة المسلمين أين تكون؟ في المساجد، فيكون فيه دليل علي وجوب حضور الجماعة في المساجد، وأما من قال من أهل العلم: إن الواجب إقامة الجماعة ولول في البيوت فإنه قول ضعيف، وقد ذهب إلي هذا من ذهب من أهل العلم وقال: إن الواجب الجماعة دون المساجد، وقال بعضهم: الواجب الجماعة، أما المساجد ففرض كفاية؛ بمعني: إذا صلى بها من يكفي وجب علي