الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين النساء، لا يقال: إن هذا إفساد للثوب، يعني: لو قال قائل: لماذا لم يبق علي رضي الله عنه هذا الثوب ويعطيه إحدى النساء؟ فالجواب: أنه لا حرج عليه أن يشقه ويحوله إلى صفة أخرى، فقد حوله هنا وصيره خمرًا.
ويستفاد منه: أن علي بن أبي طالب له نساء كثيرات؟ محتمل لكنه لم يتزوج على فاطمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفيت.
إباحة الذهب والحرير للنساء والحكمة منها:
502 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أحلَّ الذهب والحرير لإناث أمَّتي، وحرِّم على ذكورها)). رواه أحمد، والنَّسائيُّ، والتِّرمذيُّ وصحَّحه.
قوله: ((أحل الذهب والحرير)) هذا فعل ماض مبني للمجهول، والرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال ((أحل)) فالمراد: أحله الله، والصحابي إذا قال:((أحل)) فالمراد: أحله النبي صلى الله عليه وسلم، قوله:((أحل الذهب والحرير)) الذهب هو هذا المعدن المعروف الأصفر ويقابله الفضة وليس من الذهب ما اشتهر في الزمن الأخير فيما يسمى بالذهب الأبيض وهو الماس والبلاتين هذه تسمية اصطلاحية، لكن الذهب المقصود هنا هو الذهب الأصلي الذي هو الذهب الأحمر المعدن المعروف، وقوله:((الحرير)) سبق أن المراد به: منسوج دود القز.
وقوله- عليه الصلاة والسلام: ((لإناث أمتي)) إنا جمع أنثى، وهو شامل للصغيرة والكبيرة؛ لأنها أنثى، والأنثى تحتاج إلى الزينة وإلى اللباس الجميل لما في زينتها وجمالها من جلب مودة زوجها لها، وجلب مودة الزوج لزوجته هذا من الأمور المشروعة، فلهذا كان من حكمة الشارع أن أباح للنساء الذهب والحرير؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة الزخرف:{أو من ينشَّؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبينٍ} [الزخرف: 18]. من يعني بذلك؟ النساء؛ لن المرأة تنشأ- يعني: تربى من أول نشأتها- في الحلية، وهي إذا بلغت تكون في الخصام غير مبينة لا تستطيع أن تفصح وأن تغلب غيرها، وهذا باعتبار الجنس، وإلا فقد يكون من النساء من تكون في الخصام مبينة لكن العبرة بالأعم، فالمرأة ناقصة ولذلك جبر الله نقصها بإباحة التحلي لها.
وإباحة التحلي للمرأة بالذهب وإباحة لبس الحرير لها هل هو من مصلحتها الخاصة فقط، أو م مصلحتها ومصلحة الرجل؟ الثاني؛ فإن الرجل لا شك أنه يتمتع بزوجته بالنظر إليها إذا كانت على هذا الوصف.
وقوله: ((حرم على ذكورها)) قد تقول: لماذا لم يقل: حرمًا على ذكورها؟ لأن الضمير يعود
على اثنين، والقاعدة المطردة في اللغة العربية أن الضمير إذا كان يعود إلى اثنين فإنه يجب أن يثنَّى موافقة لمرجعه وهنا قال:((وحرّم على ذكورها))، والجواب على ذلك: أن مثل هذا وارد في اللغة العربية، بل في القرآن الكريم، وهو أن يذكر ضمير لأحد المرجعين ويحذف ما يماثله من الضمير الراجع للآخر، مثاله قوله تعالى:{والله ورسوله أحقُّ أن يرضوه} [التوبة: 62]. كان المفترض في السياق أن يقول: أحق أن يرضوهما؛ لأنه جمعهما بحرف العطف الدال على الجمع، لكننا نقول في مثل هذا: إنه حذف من الجملة ما يشبه الموجود وهو أبلغ من ذكر الفعل للضمير المطابق؛ لأنه إذا حذف من الجملة صار كأنه ذكر مرتين بخلاف ما إذا جمعا في ضمير واحد.
وعلى هذا فنقول: ((وحرِّم)) أي: الذهب، و ((حرم)) أي: الحرير، وقوله- عليه الصلاة والسلام:((على ذكورها)) ولم يقل: على رجالها؛ لأن الذكر يقابل الأنثى، والرجل يقابل المرأة، والحكم يتعلق بمجرد الذكورة لا بالبلوغ، ولهذا قال:((حرِّم على ذكورها)) سواء كانوا بالغين أم غير بالغين.
قوله: ((على إناث أمتي)) ما المراد بالأمة هنا، أمة الدعوة أم أمة الإجابة؟ هذا ينبني على خلاف أهل العلم في الكفار هل هم مخاطبون بفروع الإسلام أو ليسوا مخاطبين؟ وقد درستم في أصول الفقه أنهم مخاطبون بفروع الإسلام، وعلى هذا فيكون المراد: أمة الدعوة، فالرجل إذا كان كافرًا ولبس الحرير والذهب فإنه سيعاقب على هذا بالإضافة إلى معاقبته على الكفر وأدلة هذا مبسوطة في أصول الفقه.
ويستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: حكمة الشرع في التحليل والتحريم، من أين تؤخذ؟ من تحليل الحرير والذهب للإناث وتحريمه على الذكور؛ لأن هذا هو مقتضى الحكمة؛ لأن الرجل لو يلبس الذهب ويلبس الحرير فمعنى ذلك: أنه يميل إلى النعومة وبالتالي يدعو الناس إلى الافتتان به؛ ولهذا كم من إناث سقطوا في شرك هذا الأمر حين يأتي شاب مائع يتزين ويلبس سلاسل الذهب وثياب الحرير، ثم يخرج إلى الناس ماذا يحصل من الفتنة؟ يحصل فتنة عظيمة حتى ينقلب الرجال إناثًا؛ ولهذا كان من الحكمة تحريمه على الذكور.
ويستفاد من هذا الحديث: أن تحليل الذهب والحرير للإناث يشمل الصغيرة والكبيرة، من أين يؤخذ؟ من قوله:((لإناث أمتي)).
فإن قلت: تعميمك الحكم للصغيرة والكبيرة من النساء ينافي ما ذكرت من الحكمة من أن في ذلك مصلحة للمرأة ولزوجها.
فالجواب أن نقول: إنه أبيح لها وهي صغيرة وإن كانت ليست في حاجة أن تتحلى بهذا من أجل تنشَّأ عليه: {أو من ينشَّؤا في الحلية} وتعتاده ولا يضر هذا.
ويستفاد من هذا الحديث: أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه لقوله: ((أحل)) و ((حرِّم))، وإنما قال ذلك دون أن ينسبه إلى نفسه، لأننا إذا علمنا أنه من عند الله عز وجل صار اجتنابنا لما حرم علينا منه أوكد وأعظم وإن كان من يطع الرسول فقد أطاع الله لكن هذا أوكد وأبلغ.
ويستفاد من هذا الحديث: جواز لبس الحرير والذهب للنساء ولو كثر، لكنه كغيره من النصوص المطلقة، فالأكل والشرب حلال لكن إذا وصل إلى حد الإسراف صار حرامًا، كذلك الذهب والحرير إذا وصل إلى حد الإسراف صار حرامًا، وما ميزان الإسراف؟ ميزانه: أن يتجاوز الإنسان بفعله ما كان معروفًا عند الناس، فلو أن امرأة من التاجرات وذوات الهيئات الكبيرة لبست شيئًا كثيرًا من الذهب وجاءت امرأة صغيرة فقيرة وقالت: أرد أن ألبس مثلها ماذا نقول، هل نمنعها أو نقول: يجوز لك ذلك؟ إن منعناها احتجت علينا وقالت: الفقير ليس له قيمة عندكم حتى في هذه الأمور، وكما قال أحد الناس لما وصفوا له ديكًا صغيرًا يذبحه ويجعل في مرقه دواء؛ لأنه مريض لم يكن منه إلا أن قال: أحضروا الديك هذا الذي وصفتم لي وأمسك به وقال: استصغروك فوصفوك فهلا وصفوا شبل الأسد. لكن المعري إذا لم يكن قد تاب مما هو عليه فهو زنديق؛ لأنه ينكر حل اللحم ولا يأكل من اللحم شيئًا، المهم أن هذه المرأة فقيرة قلنا لها: حرام عليك تلبسين هذا اللباس من الذهب وعند جارتها من ذوات الهيئات والغني تلبس هذا وقلنا لجارتها في المنزل حلال ولها حرام أما تحتج علينا؟ نعم، لكن نقول: إن الله عز وجل جعل للباس المحلل والطعام المحلل، والشراب المحلل قاعدة، قال الفقهاء- رحمهم الله: ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن يلبسه.
وقوله: ((أحل الذهب والحرير)) هل يشمل الذهب الذي صنع على صورة حيوان؟ ظاهر الحديث أنه يشمله وأن الذهب لو كان على شكل حيوان كثعبان وفراشة وسمكة فإنه جائز، ولكننا نقول كما قلنا في القاعدة السابقة: الشريعة من مشرع واحد، فيحمل مطلق كلامه على مقيده، وعمومه على مخصصه، وعلى هذا فنقول: قد رددت أحاديث كثيرة في تحريم الصور ولا سيما المجسمات، وعلى هذا فلا يجوز أن تتخذ المرأة سوارًا على شكل ثعبان أو أن تتخذ قلادة على شكل فراشة أو سمكة أو ما أشبه ذلك، ظاهر الحديث: انه لا فرق بين أن يكون الذهب محلقًا أو مرصَّعًا، ما وجهه؟ العموم:((أحل الذهب)) وهو عام يشمل المرصَّع والمحلق.
وعلى هذا فنقول: إن الحديث يدل على إباحة الذهب مطلقًا ولو كان محلقًا، ولكن بعض أهل العلم ذهب إلى تحريم المحلَّق مستدلين بأحاديث- إن شاء الله- يأتي الكلام عليها.