الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الله تعالى: {الله الذي خلق سبع سمواتٍ ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن} . ماذا قال؟ {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما (12)} [الطلاق: 12]. ولا يمكن أن يكون خلق بدون قدرة عليه، وبدون علم بتكوين ذلك الشيء.
ومن فوائد الحديث: إثبات سمع الله؛ كيف؟ أن الله تعالى استجاب دعاءه لأنه سمعه كما قال إبراهيم- عليه الصلاة والسلام: {إن ربي لسميع الدعاء} [إبراهيم: 39].
ومن فوائد الحديث: أن ابن آدم لا يتحمل لا من العدم ولا من الوجود، كيف ذلك؟ إنه في هذا الأسبوع جاء يطلب المطر وفي الأسبوع الثاني جاء يطلب إمساك المطر، فهذا دليل على أن الإنسان ليس صبورًا على كل شيء ولا يتحمل، فيكون هذا داخلًا في قوله تعالى:{وخلق الإنسان ضعيفًا} [النساء: 28].
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز الدعاء برفع المطر لا على سبيل الإطلاق، من أين يؤخذ؟ من قوله:"حوالينا ولا علينا"، لم يدع برفعه مطلقًا حتى نقول إن هذا جائز، والناس محتاجون إلى المطر، وإذا كان يضر ناحية فإنه ينفع ناحية أخرى، قال الله تعالى:{ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورًا (50)} [الفرقان: 50].
ويستفاد من الحديث في رواية البخاري: أن الصحابة رفعوا أيديهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء وهم جالسون.
وفيه أيضًا: أن الرسول لا يعلم الغيب، والدليل أنه لم يعلم: أن المال هلك والسبل انقطعت حتى جاء الرجل وذكره، وقد يقال: إن الرسول- عليه الصلاة والسلام علم وأنه سيسأل في وقت آخر، لكن الظاهر لنا والله أعلم أن هذا الرجل هو الذي بلغه.
أقسام التوسل وأحكامه:
491 -
وعنه رضي الله عنه: "أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب. وقال: اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون". رواه البخاري.
"قحطوا" يعني: امتنع المطر عندهم، والقحط هو امتناع المطر، و"إذا قحطوا" يعني: امتنع المطر عنهم، "استسقى بالعباس بن عبد المطلب"؛ لأن العباس بن عبد المطلب أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عمه، علي بن أب طالب أفضل من العباس لكنه ابن عمه، ولهذا كان يستسقي بالعباس، يقول:"اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا"، يعني: أننا نطلب السقيا منك بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، بواسطة دعائه لنا، هذا ما كنا يفعلونه مع الرسول- عليه الصلاة والسلام، ثم قال:"وإنا نتوسل إليك بعم نبينا" يعني: نتوسل إليك التوسل الذي عدم بوفاة الرسول- عليه
الصلاة والسلام- وهو التوسل الموجود في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتوسل الموجود في حياته بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم كما فعل الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، ومن حسن صنيع ابن حجر رحمه الله أنه أتى بحديث ابن عمر هذا بعد حديث أنس ليبين أن الاستسقاء بالرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يطلب منه أن يدعو الله تعالى بالسقيا، وعلى هذا قول أبي طالب في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم [الطويل]:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يعني: أن الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم لحسن خلقه وسماحته، يسألونه أن يدعو الله لهم بالسقيا فيسقيهم، والتوسل في قوله:"إنا نتوسل"، فعل مضارع مأخوذ من الوسيلة وهو التوصل إلى الشيء بالشيء، فكأن السين والصاد هنا متعاورتان يعني: كأن كل واحد منهما يكون في مكان الآخر، فالتوسل هو التوصل بالشيء إلى شيء آخر، وهو أقسام:
القسم الأول: التوسل إلى الوصل إلى رضوان الله تعالى وجنته، وهذا يكون بالإيمان وبالأعمال الصالحة، فإن الإيمان والأعمال الصالحة وسيلة إلى الوصل إلى دار كرامة الله عز وجل قال الله تعالى:{أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب} [الإسراء: 75]. فهذه هي الوسيلة الحقيقية التي فرض على كل أحد أن يقوم بها، وهي ما يوصل إلى رضوان الله، وتفسير الآية أن يقال: أولئك الذين يدعوهم هؤلاء ويتخذونهم أربابًا من دون الله هم بأنفسهم محتاجون إلى الله: {يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب} . يعني: يطلبون الطريق الذي يجعلهم أقرب إلى الله، ولا طريق يجعل الإنسان أقرب إلى الله إلا بالإيمان والعمل الصالح.
القسم الثاني: أن يتوسل الإنسان بالشيء بين يدي دعائه ليكون سببًا في إجابة الدعاء، يعني: التوسل في الدعاء لا في العبادة؛ لأن الأول متعلق بالعبادة، فهذه وسيلة ينجو بها الإنسان من النار ويدخل بها الجنة، أما هذا التوسل في الدعاء فيعني أن يتخذ الإنسان وسيلة يقدمها بين يدي دعائه لتكون سببًا في إجابته وهذا أقسام أو أنواع في الحقيقة؛ لأنه قسم، والقسم يتنوع إلى أنواع:
النوع الأول: أن يتوسل بالعمل الصالح، بمعنى: أن يسأل الله شيئا متوسلًا إليه- سبحانه وتعالى بعمله الصالح، وهذا في القرآن كثير، وهو مشروع، ومنه قوله تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل
…
} إلى قوله: {ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا} [آل عمران: 190 - 193]. أي: بسبب إيماننا فاغفر لنا، فتوسلوا بماذا؟
بالإيمان، التوسل بالعمل الصالح كتوسل أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، توسلوا إلى الله تعالى لإجابة دعائهم بماذا؟ بعملهم الصالح وإخلاصهم لله؛ لن كل واحد منهم ذكر عملا وقال:"اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه". فتوسلوا إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة، فالتوسل بالإيمان والعمل الصالح من دأب الصالحين، ووجه كون الإيمان والعمل الصالح وسيلة ظاهر جدًّا: لأن الله عز وجل يجيب دعوة المؤمن العامل، فمن كان لله عبدًا كان الله له ربًا، فإذا كن هذا الإنسان عابدًا لله بالإيمان به- سبحانه وتعالى وبطاعته كان ذلك من أسباب إجابة دعائه.
النوع الثاني: أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه المشهور عن النبي- عليه الصلاة والسلام:"أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك" هذه وسيلة، ما هو المقصود؟ "أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب غمي وهمي"؛ إذن توسل بماذا؟ بأسماء الله، فالتوسل إلى الله تعالى بأسمائه سواء كان على سبيل العموم كما في قوله:"أسألك بكل اسم هو لك"، أو على سبيل الخصوص كما لو قلت:"اللهم يا غفور فاغفر لي"؛ فقد توسلت بهذا الاسم إلى ما يقتضيه من المغفرة، "يا رحيم ارحمني" وما أشبه ذلك، فصار التوسل بالأسماء الحسنى له وجهان:
الوجه الأول: على سبيل العموم، فيقول:"اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى"، أو "بكل اسم هو لك" كما في الحديث.
والثاني: يتوسل باسم خاص معين يناسب ما دعا به مثل: "يا غفور اغفر لي، ويا رحيم ارحمني"، وما أشبه ذلك. ودليل هذا قوله تعالى:{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]. فقد أمر الله عز وجل أن ندعوه بأسمائه، وأن نجعلها وسيلة لنا في دعائنا، التوسل بالصفات دليله:"اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي". ما هي الوسيلة؟ صفة من صفات الله وهي العلم والقدرة، وربما يستدل لذلك أيضا ويجعل مثالا في حديث الاستخارة:"اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك". يعني: أسالك خير الأمرين بما تعلمه فإنك تعلم ولا أعلم، وأسألك أن تقدر لي أو أن تقدرني عليه، وجهان.
المهم: التوسل بالأسماء والصفات مشروع؛ لأن الله تعالى أمر به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله فهو من سنته.
النوع الثالث: أن يتوسل إلى الله عز وجل بذكر حاله التي تستجلب الرحمة، ومنه قوله تعالى عن موسى صلى الله عليه وسلم:{رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [القصص: 24]. ومنه قولنا: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فإن هذا تبرؤ من الحول والقوة إلا بالله، فهو استعانة بالله عز وجل، ومنه قولك:"اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا". ومنه قوله تعالى: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين} [الأعراف: 149]. المهم هذا النوع الثالث بذكر حال الداعي التي تستجلب الرحمة؛ لأن ذكر حال الداعي لا شك أنها تستجلب وتستعطف المسئول حتى يعطف ويرحم هذا السائل؛ ولهذا جاء في قصة الثلاثة الأبرص، والأقرع، والأعمى ماذا قال الملك لهما؟ "إني فقير وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري"، هذه الأوصاف ماذا تستوجب؟ تستوجب أن يعطف عليه؛ ولهذا إذا قدم إليك إنسان بطاقة يقول: والله أنا فقير وصاحب عائلة ولا أستطيع أن أشتغل، ما المراد؟ المراد: أنه يريد منك أن تعطيه، إذن هذه الوسيلة جائزة فيها دليل من القرآن في قوله تعالى:{رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [القصص: 24]. ومن السنة: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلًا كثيرًا"، وإن كان الحديث هذا مشتملًا على ذكر حال الداعي، وحال المدعو، والتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ يعني: هذا الحديث جامع بين الأنواع الثلاثة، إذن التوسل إلى الله تعالى بذكر حال الداعي.
النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله عز وجل بدعاء أحد من عباد الله الصالحين، ما مثاله؟ كحديث الاستسقاء الذي معنا، فإن الصحابي الذي جاء إلى الرسول قال:"ادع الله يغيثنا" هذا التوسل بدعاء الصالحين، وكذلك قول عكاشة بن محصن: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال:"أنتم منهم". وأمثلة هذا، التوسل بدعاء الصالحين كثيرة، ومنه أيضًا فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن عمر توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب لقربه من الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم الرسول صلى الله عليه سلم له؛ لأن الرسول قد جعل العباس بمنزلة الوالد له؛ لأن العباس أكبر من الرسول بسنتين.
إذن نقول: التوسل بدعاء الصالحين هذا جائز؛ لأن النبي- عليه الصلاة والسلام أقره، ولكن هل هو مشروع أم لا؟ هو من قسم الجائز، أما المشروع فليس بمشروع؛ لأن فيه نوعًا من التذلل للخلق، إذا قلت: يا فلان، ادع الله لي، فهذا فيه شيء من الخضوع للخلق وسؤال الخلق، ولا ينبغي للإنسان أن يسأل أحدًا من المخلوقين، لكنه- والحمد لله- لا بأس به؛ لأن الإنسان قد
يرى من نفسه أنه ليس أهلًا، ويرى في نفسه تقصيرًا فيخجل من الله عز وجل فيطلب من عباد الله الصالحين أن يدعو الله له، فهذا جائز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقره.
النوع الخامس: أن يتوسل بذات أحد من المخلوقين، مثل أن يقول:"اللهم إني أسألك بنبيك" بذاته، فما حكمه؟ هذا لا يجوز، لماذا؟ لأننا سبق أن قلنا: إن الوسيلة هي ما يتوصل به إلى الشيء، وذات النبي صلى الله عليه وسلم ليست موصلة لك إلى مقصودك، وعلى هذا فلا يجوز التوسل إلى الله تعالى بنبيه، وما ورد في ذلك من حديث ضعيف:"أسألك بنبيك نبي الرحمة". فإنه محمول على واحد من أمور ثلاثة: إما أن المعنى: أسألك بنبيك، أي: بإرسالك نبيك، فيكون هذا من باب التوسل، بماذا؟ بأفعال الله التي هي من صفاته، أو أن المعنى:"أسألك بنبيك" أي: بإيماني به، وعلى هذا فيكون التوسل بالأعمال الصالحة بالإيمان بالله والرسول- عليه الصلاة والسلام، أو أن المعنى: أسألك بنبيك؛ أي: بدعائك بأن يدعو الله لي، فيكون من باب التوسل بدعاء الصالحين، وهذا على تقدير صحة الحديث، فإن لم يصح فقد كفينا إياه، وإنما أولناه إلى أحد هذه الوجوه الثلاثة لأجل أن يطابق المعنى الذي شرعت من أجله الوسيلة وهو: أن تكون موصلة للمقصود.
النوع السادس: التوسل إلى الله بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنزلته عند الله، بأن يقول: أتوسل إليك يا رب بجاه نبيك ومنزلته عندك، فهذا الصحيح أنه لا يجوز ذلك؛ لأن هذا ليس بوسيلة، والوسيلة هي ما يوصل إلى المقصود، وهذا لا يوصل إلى المقصود؛ لأن جاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الله لا شك فيه، وهو أعظم الناس جاها عنده، ولكن جاهه لا ينفعني؛ لأن جاهه إنما يكون نافعًا له هو بنفسه، أما أنا فماذا يفيدني؟ لا يفيدني شيئا، فالصحيح: أن التوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم محرم ولا يجوز؛ لأنه ليس من الأمور الموصلة إلى المقصود، ولا شك أنك إذا قدمت بين يدي دعاء ربك شيئا ليس وسيلة أنه من باب الاعتداء في الدعاء، وقد نتجاوز قليلًا ونقول: إنه من باب الاستهزاء بالله عز وجل، لأن كونك تقدم شيئا تريد من الله عز وجل أن يجيب دعاءك به، وهو ليس بوسيلة، ليس معنى ذلك إلا الاستهزاء، ولكننا قد لا نتجاوز حتى نقول: إنه استهزاء، لكنه بالنسبة للمخلوقين لو أن أحدًا توسل إلي بشيء لا يفيد لعددت ذلك منه استهزاء بي. فهذه ستة أنواع.
التوسل إلى الله عز وجل بأشخاص غير صالحين ما حكمه؟ أعظم حرمة من الذي قبله، لماذا؟ لأنه إذا كان التوسل بالصالحين بذواتهم حرامًا فغير الصالحين من باب أولى؛ ولهذا الأنبياء الكرام- صلوات الله وسلامه عليهم- حين طلب منهم الشفاعة اعتذروا بما فعلوا من الأمور التي