الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون الصغير- الذي لم يبلغ- إمامًا لمن كان كبيرًا بالغًا؛ لأن هذا حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت: ما الذي يدرينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره، ربما لم يعلم بذلك؟
فالجواب: أن الله قد علمه بلا شك، وكون الله تعالي يقره ولم ينزل قرآنًا يبين بطلانه دليل علي أنه حق، ولهذا كان الصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يجوز أن يكون الصغير- الذي لم يبلغ- إمامًا للكبير البالغ، وإذا كان هكذا فإنه يجوز أن يكون الصغير الذي لم يبلغ يكون مضافًا للرجل البالغ، فإذا وجد رجلان وطفل وأرادوا أن يصلوا جماعة، فإن الإمام يتقدم ويكون الطفل والبالغ خلفه لا في الفريضة ولا في النافلة، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في النافلة كما في حديث أنس بن مالك أنه صلى هو ويتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل. في هذا الحديث كان عمرو بن سلمه رضي الله عنه ليس له إلا ثوب قصير إذا سجد انكشف بعض فخذه، فخرجت امرأة من الحي فقالت: غطوا عنا أست قارئكم. الإست ليس الفرج ولكنها الدبر. والمعروف عد العامة أن الإست فرج المرأة وليس كذلك فإن الإست هو الدبر-، وقولها: غطوا عنا إست قارئكم، هذا من باب المبالغة لقصر قميصه رضي الله عنه يقول: فاشتروا له ثوبًا سابغًا. يقول: فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي بهذا الثوب من قلة ذات اليد والفقر.
فالمهم أنه يستفاد من هذا الحديث: أن الأولي بالإمامة الأكثر قرآنًا ولو كان هو الصغير، وأنه يجوز أن يكون الصغير- الذي لم يبلغ- إمامًا لمن كان بالغًا.
يقدم في الإمامة الأكثر قرآنًا:
391 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالي، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا- وفي رواية: سنًا-، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته علي تكرمته إلا بإذنه". رواه مسلم.
حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "يؤم"، أي: يكون إمامًا، وهو خبر بمعني الأمر، قال علماء البلاغة: وإذا جاء الأمر بلفظ الخبر كان أوكد من الأمر المجرد كأن الأمر مفروغ منه لا يحتاج إلي أن يؤمر به بل هو أمر مسلم به معمول به.
"ويؤم القوم أقرؤهم"، هل المراد: أقرؤهم جودة، أو المراد: أقرؤهم بمعني: أعلمهم بمعاني القرآن، أو المراد: أكثرهم قرآنًا، كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضًا، وقد سبق قبل قليل أنه قال:"وليؤمكم أكثركم قرآنًا"، وعلي هذا فيكون المراد بالأقرأ: الأكثر قراءة، كما أنه يشمل أيضًا الأجود في قراءته الذي يقيم الحروف ولا يسقط منها شيئًا، كما أنه يشمل أيضًا الأقرأ يعني:
الأعلم بمعاني كتاب الله؛ لأن الصحابة- رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا، فتجد الأكثر قراءة هو الأكثر علمًا وهو الأكثر- في الغالب- تقوي لله عز وجل.
قوله: "فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة"، وهنا قال:"أعلمهم بالسنة" لفظًا ومعنى، فالإنسان الذي عنده علم من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفقه لهذه السنة الأولي بالإمامة ممن ليس كذلك، فإن اجتمع عالم بالسنة لكنه دون الآخر في القراءة فأيهما يقدم؟ الأكثر قراءة أقرؤهم لكتاب الله.
قوله: "فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة"، الهجرة هي: هجران بلد الكفر إلي بلد الإسلام سواء كان البلد قرية، أو مدينة، أو كان مراع أو ما أشبه ذلك، فإذا هاجر الإنسان فإن أقدمهم هجرة أولي بالإمامة من غيره؛ لأن الغالب أن الأقدم هجرة أعلم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يهاجر، "فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا" أي: إسلامًا، وفي رواية:"سنً" يعني: أكبرهم سنًا، هذا هو الترتيب الذي رتبه النبي صلى الله عليه وسلم، ينبغي للناس أن يلاحظوه، وهذا فيما إذا أردنا أن نولي الإمام ابتداء، وأما إذا كان إمامًا راتبًا فإنه أحق من غيره وإن كان غيره أقرأ منه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث:"ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه" وإمام المسجد سلطان في المسجد. فلو حضر إلي المسجد رجل أقرأ من إمامه الراتب أو أعلم بالسنة من الإمام الراتب فإنه ليس له حق أن يقدم مع وجود الإمام الراتب، ولكن إن أذن له الإمام الراتب فلا حرج، وإلا فلا.
392 -
ولابن ماجه من حديث جابر رضي الله عنه: "ولا تؤمن امرأة رجلًا، ولا أعرابي مهاجرًا، ولا فاجر مؤمنًا". وإسناده واه.
النهي هنا للتحريم؛ لأنه مؤكد بالنون الدالة علي توكيد النهي، فلا تؤمن المرأة رجلًا ولو كانت أقرأ منه؛ لأن المرأة ليست أهلًا لإمامة الرجال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، فالمرأة لا تصح أن تكون إمامة للرجال بأي حال من الأحوال، حتى لو كانت أقرأ وأفهم فإن الرجل هو الذي يكون إمامها.
وقوله: "ولا يؤمن أعرابي مهاجرًا"، الأعرابي: ساكن البادية، والمهاجر: الذي هاجر إلي البلاد وإلي المدن، فالأعرابي لا يؤمن المهاجر؛ وذلك لأن الغالب علي الأعرابي أن يكون أدني قراءة من صاحب المدن، وأن يكون أبعد عن معرفة حدود الله عز وجل كما قال تعالي:{الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله علي رسوله} [التوبة: 97]، وإن كان من الأعراب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله.
الثالث: قال: "ولا يؤمن فاجر مؤمنًا" الفاجر: هو الكافر، لا يؤمن المؤمن. قال الله تعالي:{كلا إن كتب الفجار لفي سجين (7)} [المطففين: 7]، وقال تعالي:{كلا إن كتاب الإبرار لفي عليين (18)} [المطففين: 18]، فالفاجر هو الكافر؛ لأن الكافر لا تصح صلاته، ومن لا تصح صلاته لا تصح إمامته، مثال ذلك: رجل يصلى بالناس لكنه جاحد لتحريم الزنا، أو جاحد لتحريم الخمر، أو يدعي أن لله شريكًا. هذا يكون كافرًا قد أم مؤمنًا فلا تصح إمامته.
والحديث كما قال المؤلف سنده واه، "واه" اسم فاعل من وهي يهي، ومعناه: ضعيف، قال الله تعالي:{وانشقت السماء فهي يومئذ داهية (16)} [الحافلة: 16]؛ أي: ضعيفة.
الحديث ضعيف، ولكن مع ذلك إذا نزلنا ما دل عليه علي القواعد الشرعية وجدنا أن قوله:"لا تؤمن امرأة رجلًا"، فهذا صحيح؛ لأن المرأة ليست أهلًا لأن تكون إمامًا للرجال، ورأينا قوله:"ولا أعرابي مهاجرًا"، ليس بصحيح بالنسبة إلي أنه لا يصح، وأما أن يكون المهاجر إمامًا للأعرابي فلا شك أنه أولي، ورأينا أن قوله:"ولا يؤمن فاجر مؤمنًا" صحيح؛ لمقتضي الأدلة الشرعية؛ لأن الفاجر كافر لا تصح صلاته، ومن لا تصح صلاته لا تصح إمامته.
فأما إذا كان فاسقًا بدون كفر، فقد اختلف العلماء هل تصح إمامته أم لا؟ فالمشهور من مذهب الحنابلة: أن إمامته لا تصح، وبناء علي ذلك القول لا يصح أن يكون شارب الدخان إمامًا لأنه فاسق، ولا يصح أن يكون حالق اللحية إمامًا لأنه فاسق، ولا يصح أن يكون من يغش الناس أمامًا لأنه فاسق، ولا يصح أن يكون من يغتاب الناس إمامًا لأنه فاسق، ولو أننا قلنا بهذا القول لوجدنا أن أكثر الناس اليوم لا تصح إمامتهم، من الذي يسلم من الغيبة؟ من الذي يسلم من الغش؟ من الذي يسلم من الكذب؟ لو أننا قلنا بهذا القول ما وجدنا إمامًا إلا نادرًا، ولهذا كان القول الراجح: أن الفاسق تصح صلاته، لكن الصلاة خلف العدل أفضل بلا شك، ولهذا كان الصحابة- ومنهم ابن عمر- يصلون خلف أئمة الجور، فهم يصلون خلف الحجاج بن يوسف الثقفي- وهو من أظلم عباد الله ومن أفسق عباد الله- لكنه ليس بكافر، فالصواب: أن الفاسق تصح إمامته كما تصح صلاته، اللهم إلا أن يكون فسقه مخلًا بواجب من واجبات الصلاة كما لو أكل لحم إبل وقيل له: توضأ من لحم الإبل فإنه ينقض الوضوء فلم يقبل قولنا: