الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنقول: نعم، هذا ظاهره، لكن هذا الظاهر مقيد بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:"ثلاث ساعات نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع- يعني: قيد رمح-، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب"، هذه ثلاث ساعات ينهى عن الصلاة فيها، وعن دفن الموتى؛ فمثلًا لو وصلنا بجنازة إلى المقبرة ووجدنا أن القبر لم يحفر وبقينا نحفر القبر حتى خرجت الشمس عند انتهاء حفر القبر؛ فإنه لا يجوز أن يدفن الميت حتى ترتفع قيد رمح، وذلك نحو ربع ساعة من طلوعها، وكذلك لو أتينا به في الضحى عند الزوال، فإنه إذا بقي على الزوال نحو خمس دقائق فإننا لا ندفنه، وكذلك إذا ذهبنا به في العصر وتضيفت الشمس للغروب لم يبق عليها إلا مقدار رمح، فإننا لا ندفنه حتى تغرب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
استحباب إيناس أهل الميت:
566 -
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: "لمَّا جاء نعي جعفر حين قتل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا لآل جعفرٍ طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلهم". أخرجه الخمسة، إلا النَّسائيَّ.
قوله: "عبد الله بن جعفر" جعفر هو: ابن أبي طالب أخو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه هذا الرجل بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية إلى مؤتة مع جماعة من الصحابة وقال لهم: "أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحة"، فقادهم زيد فقتل رضي الله عنه، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، ثم قطعت يداه حتى سقطت منه الراية، فأبدل الله- سبحانه وتعالى بجناحين يطير بهما في الجنة، ثم نزل عبد الله بن رواحة وقتل أيضًا، فأخبر بهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الذي قتلوا فيه، فكان يتحدث عنهم وعيناه تدمعان- عليه الصلاة والسلام، فيقول: أخذها زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة، ولما جاء نعيه وأخبر الناس بموته- فإن العادة أن أهل الميت يحزنون وتشل أيديهم عن الحركة- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم". فقال: "اصنعوا" أمر، وقوله:"لآل جعفر" أي: أهل بيته، وقوله:"فقد أتاهم"، هذا تعليل للأمر وهو:"اصنعوا لآل جعفر طعامًا"، والخطاب في قوله:"اصنعوا" لأهل بيته يخاطب أهل بيته صلى الله عليه وسلم.
فيستفاد من هذا الحديث: أولًا: حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره للأمور وانتباهه لها وأنه ينزل كل شيء منزلته، وهذا من حكمته التي أعطاها الله إياها، ومن رحمته التي وهبه الله إياها.
ومنها: أنه يسن بعث الطعام إلى أهل الميت في اليوم الذي يموت فيه؛ لأنه يقول: "لما جاء نعيه"، وقد سبق لنا أن عيهم كان في اليوم الذي ماتوا فيه.
ومنها أيضًا: أن هذا الطعام يسن صنعه أهل الميت إذا علمنا أنه أتاهم شيء يشغلهم، أما إذا علمنا أنهم لا يهتمون بذلك مثل: أن يكونوا في فندق أو في شيء يجهز لهم الطعام، يعني: ليس هم الذين يصنعونه فإن ظاهر التعليل: أنه لا يسن.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن فيه تطبيقًا للأصل الأصيل، وهو تعاون المؤمنين بعضهم ببعض، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فهؤلاء الذين اشتغلوا بما حلّ بهم من المصيبة كان ينبغي أن يعينهم إخوانهم على مصالحهم بصنع الطعام، وهل نأمرهم بأن يجتمع الناس إليه؟ لا؛ ولهذا قال العلماء: إنه يكره الاجتماع للتعزية وانتظار المعزين، خلافًا لما يفعله كثير من الناس اليوم، تجدهم يجتمعون في البيوت استقبالًا لمن يأتون للتعزية، وهذا لا أصل له، وأقبح منه: أن بعض الناس يصنع ما يشبه وليمة العرس من قهوة وشاي ويجمع ناسًا كثيرين وأحيانًا يجلسون في الأسواق، وربما يأتون بشخص يقرأ القرآن لكن بأجرة ليس تطوعًا ولا تبرعًا، وكل هذا من البدع التي ينهى عنها؛ لأنها لم تكن في عصر الصحابة- رضي الله عنهم ولا زمن أتباعهم بإحسان، وهذا الذي يقرأ هل ينتفع الميت بقراءته؟ لا؛ لأن هذا يقرأ للدنيا، لو نقص ما جعل له لا يقرأ، فهو يقرأ للدنيا، وإذا كان لا يقرأ إلا للدنيا فإنه لا أجر له؛ لأن من شرط الأجر على قراءة القرآن أن تكون خالصة لله عز وجل، وحينئذٍ يكون فيها ضياع وقت وإتعاب بدن وضياع مال وإثم على هذا القارئ؛ ولهذا أنا أنصح الإخوان الذين في بلادهم مثل هذه الأمور أن يحرصوا على إزالتها، ولكن بالحكمة؛ لأن الشيء المعتاد عند العامة يصعب على الإنسان أن يقوم أمامهم مواجهًا ويقول: هذا خطأ، هذا منكر، هذا محرم، يمكن لو فعل هكذا لقاموا عليه أمثال الذر على العظم ثم أكلوه أكلًا، ولكن ممكن أن يتكلم مع واحد من المسئولين عن هذه القضية، يعني: إذا مات الميت لشخص فتذهب إليه وتبين له الحق، وتقول له: لا تفعل هذا، والحق إذا بيّن بلطف مع إخلاص النية لله عز وجل، في الغالب أنه يقبل.
هل يستفاد من هذا الحديث: أنه لا يصنع الطعام إلا من كان قريبًا من أهل الميت، أو نقول: إن هذه وقعت اتفاقًا وأن العبرة بعموم العلة؟ الظاهر: أنه حتى الأصحاب إذا كان هناك أصحاب لأهل الميت ورأوا أنهم أن يصنعوا لهم الطعام ويبعثوا به إليهم فإن هذا مشروع، ثم قال: