الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأشاعرة لا يثبون لله صفة الخلق، وإن كان الماترديدية يثبتونها، لكن الأشاعرة يحملون كل ما جاء في صفة الخلق على معنى الإرادة.
فالحاصل: أن هذا الحديث دليل على تجدد فعل الله عز وجل لكنه باعتبار المفعول يكون فعله لهذا الشيء غير فعله للشيء الذي سبقه، أما من حيث أصل الفعل وجنس الفعل فإنه قديم، فإن الله لم يزل ولا يزال- سبحانه وتعالى خلاقًا.
قوله: "حسر عن ثوبه" من فوق أو من تحت أم ماذا؟ ما حدد، يحتمل هذا أو هذا، ولكن أيهما أولى؟ الظاهر من فوق أحسن، يعني مثلًا: إذا كان عليه رداء يفتح الرداء حتى يصيب أكتافه وظهره، إذا كان عليه غترة مثلًا يكشف الغترة قليلًا حتى يصيب رأسه، فيحمل على أنه أعلاه.
وفي هذا دليل على إثبات ربوبية الله عز وجل لكل شيء للجماد والناطق لقوله: "حديث عهد بربه"، والله تعالى رب كل شيء في الكون ومالكه، بل كل شيء يسبح له، قال الله تعالى:{تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده} [الإسراء: 44]. {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه} [النور: 41]. علم صلاته وتسبيحه بأي وسيلة؟ بتعليم الله له، كل شيء من الحيوانات هذه تعرف كيف تسبح الله، وكيف تعبد الله، {كل قد علم صلاته وتسبيحه} مما علمه الله، يحتمل أن معنى الآية: كل قد علم الله صلاته وتسبيحه، فالآية صالحة لهذا ولهذا، وقد قال الله تعالى عن موسى عليه السلام:{ربنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى} [طه: 50]. فهدى كل مخلوق لما خلق له من الأكل والشرب ومن عبادة الله عز وجل وتسبيحه.
الدعاء عند رؤية المطر:
493 -
وعن عائشة رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: اللهم صيبًا نافعًا". أخرجاه.
ولكنه في حديث عائشة لا يحسر عن ثوبه فيكون يفعله مرة ويدعه مرة، وقوله:"اللهم صيبًا" هذه على وزن "فيعل"؛ لأنه من صاب يصوب. إذا نزل فيقول: "اللهم اجعله صيبًا" يعني: نازلًا، وقوله:"نافعًا" هذا هو المقصود بالدعاء؛ لأن كونه صيبًا قد وقع، لكن المهم أن يكون نافعًا، هذا هو محط الدعاء، "اللهم صيبًا نافعًا"، و"صيبًا" ما محلها من الإعراب؟ مفعول ثان لفعل محذوف تقديره: اللهم اجعله صيبًا نافعًا، وعلى هذا يقول ابن مالك:
وحذف ما يعلم جائز
هذا من الذي يعلم، وقوله:"نافعًا" لم يتقيد بشيء فيكون نافعًا للبهائم، ونافعًا للناس، ونافعًا للأرض بإخراج النبات منها: {لنحي به بلدة ميتًا- هذا ينفع الأرض- ونسقيه مما خلقنا
أنعامًا- هذا ينفع الأنعام-، وأناسي كثيرًا- هذا ينفع الناس-} [الفرقان: 49]، وإنما دعا الرسول- عليه الصلاة والسلام الله بذلك؛ لأنه إن لم يكن نافعًا فإن وجوده كعدمه؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"ليست السنة ألا تمطروا- السنة يعني: الجدب- إنما السنة أن تمطروا فلا تنبت الأرض". هذا هو الجدب في الحقيقة وهذا كثيرًا ما يقع، تكثر الأمطار ولكن لا يرى الناس لها أثرًا حتى يعرف الناس أن الأمر كله بيد الله عز وجل، وأن الله إذا لم يجعل البركة في الشيء ما نفع، وأحيانًا تكون الأمطار قليلة، ولكن يحصل خصب كثير، يحكي لنا الناس يقولون: هناك سنة تسمى سنة الدمنة- ما هي الدمنة؟ البعرة، هذه يقولون: كانت سنة خصبة وصار فيها نبات كثير، مع أن الدمنة أسفلها لا يأتيها المطر، المطر على أعلاها فقط، لكن بإذن الله- صار المطر متواجدًا يأتي رشاشًا وهو كثير فنفع الله به نفعًا كثيرًا، هذا مشهور عند العامة، الماء الذي ينزل هذا ماء نافع للأرض وللحيوان وللناس.
يقول: "كان إذا رأى"، تقدم لنا أن "كان" تفيد الاستمرار غالبًا، فإذا كان كذلك سيكون هذا القول غالبًا من الرسول صلى الله عليه وسلم.
494 -
وعن سعدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في الاستسقاء: "اللهم جللنا سحابًا، كثيفًا، قصيفًا، دلوقًا، ضحوكًا، تمطرنا منه رذاذًا، قطقطًا، سجلًا، يا ذا الجلال والإكرام". رواه أبو عوانة في صحيحه.
هذه من الكلمات التي تعتبر من غريب اللغة، اللغة فيها غريب وفيها مشهور، المشهور هي: الكلمات الواضحة المعنى المتداولة كثيرًا، والغريب على اسمه غريب لا يسمع إلا نادرًا قليلًا.
يقول: "اللهم جللنا" يعني: اجعله لنا مثل الجلال، والجلال: ما تغطى به الإبل والدواب ليحميها البرد ومن الحرث، ومنه حديث علي رضي الله عنه:"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بلحومها وجلالها، أو بجلودها وجلالها". وهذا يقتضي أن يكون السحاب قريبًأ؛ لأن السحاب كلما قرب كان في الغالب أكثر مطرًا كما هو مشاهد.
ثانيًا يقول: "سحابًا كثيفًا" يعني: متراكمًا؛ لأن السحاب إذا كان متراكمًا صار رفيعًا مثل الجبال ويحجب الشمس، وهل يكون أسود؟ الحقيقة هو أحيانًا يكون كثيفًا وأبيض، وأحيانًا يكون أسود وليس بكثيف، والذين يطيرون في الجو يشاهدون هذا، ونحن نشاهده في أحيانًا سبحان الله العظيم، تكون بعض القطع من السحاب سوداء، وبعضها حمراء، وبعضها بيضاء.
قال: "قصيفًا" معناها: شديد الرعد، قالوا: لأن شدة الرعد تدل على كثرة الماء، هكذا قالوا، والرعد غير الصواعق؛ لأن السحاب أحيانًا يكون ثقيلًا جدًا في الرعد، لكن ليس فيه صواعق: شرارات تنفصل من الرعد تسقط على الأرض.
أيضًا يقول: "دلوقًا" الدلوق: العجل السريع، وهذا الدلوق الغالب أنه إذا كان ثقيلًا وقريبًا من الأرض تتبين سرعته، أما البعيد فلا تتبين سرعته وكذلك يمكن أن يقول: دلوقا: أي سريع الإمطار بحيث يكون المطر شديدًا.
أيضًا يقول: "ضحكونا"، و"الضحوك" قال العلماء: معناه كثير البرق، لأن البرق والرعد غالبًا يكون كثير الماء.
"تمطرنا منه رذاذًا قطقطًا سجلًا". الرذاذ والقطقط هذا مطر يكون خفيفًا من حيث الحجم ولا يكون كبير النقط؛ لأن كبير النقط ربما يحصل فيه ضرر، ولكن إذ كان كثيرًا مع صغر النقط صار هذا أفيد وأقل ضررًا، وقوله:"سجلًا" معناها: الكثير الواسع.
ثم قال: "يا ذا الجلال والإكرام""ذا" منادى منصوب على النداء"، والجلال بمعنى: العظمة والإكرام- من التكريم- مصدر أكرم يكرم، فهو المعنى: أنه يكرم، أو أنه يكرم، أو المعنيان؟ المعنيان، فهو- سبحانه وتعالى يكرم بمعنى: يعظم بالطاعة، ويكرم أي: يكرم أولياء بالثواب، وأما الجلال فإنه من صفاته الذاتية اللازمة غير المتعدية.
إن قال قائل: هذا الحديث لماذا كرر الرسول- عليه الصلاة والسلام فيه هذه الكلمات؟
فالجواب أن يقال: إذا صح الحديث فإنه قد سبق لنا أن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط والتفصيل، وذكرنا أن لهذا شواهد منها:"اللهم اغفر لي ذنبي كله، سره وعلانيته، وأوله وآخره، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت"، وما أشبه ذلك؛ لأن مقام الدعاء ينبغي فيه التفصيل من أجل أن يستحضر الإنسان كل مطلوبه إن كان طلبًا، وكل مرهوبة إن كان هربًا، ولأن مقام الدعاء مناجاة لله عز وجل وكلما طالت المناجاة مع الحبيب صار ذلك أدل على المحبة. ثالثًا: ولأن الدعاء مقام ذل وافتقار إلى الله عز وجل وكلما كررت الذل والافتقار لله صار ذلك أبلغ في العبادة. فهذه وجوه ثلاثة كلها في بيان الحكمة من تكرار الدعاء وتفصيله، وقوله:"يا ذا الجلال والإكرام" هذا من باب التوسل بأسماء الله وصفاته.