الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاتك كلها"، ولكن لا يصح هذا ولا هذا، لا يصح أن نقول: كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم استنادًا إلى قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ولا يصح أن نقول: لا يجب سوى ما ذكر حديث المسيء في صلاته فإن هذا منقوض، هذا عبد الله بن مسعود يقول: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد" وهذا واضح في أن التشهد فرض ومع ذلك ما ذكر في حديث المسيء في صلاته، ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" مع أن ذلك يذكر في حديث المسيء، بل قال: "اقرأ ما تيسر معك من القرآن"، وإن كان في بعض الروايات في غير الصحيحين: "اقرأ بأم القرآن" لكن الصحيح المحفوظ: "اقر ما تيسر معك من القرآن".
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وصلوا كما رأيتموني أصلي" فإن فيه أشياء غير واجبة مما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله بالإجماع، فدل على أن هذا الحديث:"صلوا كما رأيتموني أصلي" يتوجه إلى الأمر الوجوبي فيما جب، والأمر الاستحبابي فيما يستحب.
ويستفاد من هذا الحديث: الاقتداء بالفعل لقوله: "صلوا كما رأيتموني" وهذا كقوله وهو يفعل المناسك: "لتأخذوا عني مناسككم"، فالتعليم يكون بالقول ويكون بالفعل، والتعليم بالفعل أقوى تصورًا من التعليم بالقول، لكنك لو أردت أن تشرح لإنسان ما كيفية الصلاة مثلًا، أو تقوم تصلي أمامه أيهما أقرب تصورًا وفهمًا؟ أن تصلي أمامه، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحيانًا يعلم الناس بالقول، وأحيانًا بالفعل.
ويستفاد من هذا الحديث فائدة مهمة وهي: أنه يؤمر الإنسان بأن يتعلم كيفية صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إذا أمرنا أن نصلي كما صلى فلا طريق لنا إلى أن نصلي كما صلى إلا بالعلم، وحينئذ نقول: إنك مأمور بأن تتعلم صفة الصلاة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
صلاة المريض:
314 -
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب وإلا فأوم". رواه البخاري.
عمران بن حصين رضي الله عنه كان أصيب بداء البواسير، وهو داء معروف في المقعدة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعوده؛ لأن هذه من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعود المرضى، فقال له:"صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب".
قوله: "صل قائمًا، فإن لم تستطع" المراد بذلك: صلاة الفرض؛ لأن صلاة النفل يجوز أن
يصلي فيها قاعدًا وإن كان قادرًا على القيام، لكنه يكون أجره على النصف من أجر صلاة القائم كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا" بماذا نعرف عدم الاستطاعة؟ هل معناه: أنه لا يمكن أن يعتمد قائمًا أبدًا، أو معناه: أنه يستطيع لكن بمشقة شديدة لا يستحضر معها ما يقول في صلاته، أو أن المراد: أقل مشقة؟ فهذه ثلاث حالات.
نقول: المراد: المشقة التي توجب اشتغالك عما تقوله في صلاتك؛ يعني: إذا كنت لو وقفت شق ذلك عليك مشقة شديدة بحيث لا تدري ما تقول، أو إذا وقفت صار في رأسك دوران وما أشبه ذلك فصل قاعدًا، إذا تمكنت أن تصلي قائمًا على عصا أو مستندًا إلى جدار أو إلى عمود هل يلزمك؟ نعم يلزمك أن تستند إلى جدار أو نحوه، أو تعتمد على عصا ونحوه، إذا استطعت أن تقف قائمًا لكن منحنيًا تفعل أو تجلس؟ تفعل ولو منحنيًا حتى ولو كان انحناؤك كانحناء الراكع تقوم لعموم قوله:"صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا" ولكن كيف تقعد: هل تفترش أو تتورك أو تقعي، أو تتربع؟ نقول: نتربع، إذا صليت قاعدًا فتربع، ويومئ بالركوع والسجود، لكن يكون متربعًا في حال القيام وفي حال الركوع، أما في حال السجود فيسجد، وفي حال الجلوس بين السجدتين أو في التشهد فيكون جلوسه على العادة.
"فإن لم تستطع فعلى جنب" إذا لم تستطع الصلاة قاعدًا فعلى جنب، ونقول في عدم الاستطاعة قاعدًا كما قلنا في عدم الاستطاعة قائمًا تصلي على جنب، على أي الجنبين؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ما عين، يجزئ على الجنب الأيمن وعلى الجنب الأيسر، لكن الجنب الأيمن أفضل ثم الأيسر، فإن لم تستطع أن تصلي على جنب، أحيانًا لا يستطيع المريض أن يصلي، يعني: لا يقدر أن يومئ برأسه ولا بعينه فإنه يصلي بقلبه يقول: "الله أكبر" ويقرأ الفاتحة وما تيسر، ويقول:"الله أكبر" وينوي أنه ركع، ثم يكبر وينوي أنه رفع، لعموم قوله تعالى:{لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} (البثرة: 286). وقوله: تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن). وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، وأما ذهب إليه بعض أهل العلم من أنه إذا عجز عن الأفعال سقطت الصلاة فلا وجه له، فهل الصواب: أنه عجز عن الأفعال طولب بالأقوال؟ لا، إذا كان يستطيع أن يتكلم ولا يتحرك كما لو أصيب- والعياذ بالله- بشلل فماذا يفعل؟ ينوي بقلبه حتى القول ينوي القول بقلبه والفعل بقلبه، لعموم قوله تعالى: {اتقوا الله ما
استطعتم}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وكيف يرمي برأسه في الركوع؟ ينحني، وفي السجود: ينحني أكثر، فإن لم يستطع الإيماء بالرأس أو ما بالعين عند بعض أهل العلم؛ لأنه ورد فيه حديث لكنه ضعيف، فأخذ به الفقهاء رحمهم الله فقالوا:"يومئ بعينه"، وهل يومئ بالأصبع؟ لا، الإيماء بالأصبع ما وجدت له أصلًا لا في السنة ولا في أقوال أهل العلم، لكن العامة يستحسنونه قالوا: لأن الأصبع مثل البدن، لكن هذا استحسان عامي لا يعتمد عليه، ما دام أنه لا أصل له في السنة ولا في كلام أهل العلم فإنه لا يعتمد عليه.
315 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: "عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضًا، فرآه يصلي على وسادةٍ، فرمى بها، وقال: صلى على الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك". رواه البيهقي، وصحيح أبو حاتم وقفه.
هذا فيه دليل على أنه لا ينبغي للمريض إذا عجز عن الوصول إلى الأرض أن يصنع له وسادة يسجد عليها سواء صح هذا الحديث مرفوعًا أو موقوفًا، وذلك لأننا منهيون عن التكليف، وهذا من التكليف، فما دام الله تعالى قد أوسع علينا- والحمد لله- أن نومئ فلا حاجة أن نأتي بوسادة لنسجد عليها. نعم، لو فرض أن إنسانًا مصابًا بوجع في رأسه أو بعينه، ولا يستطيع أن يتحرك إلا إذا شد رأسه فهو يضع الوسادة، لا لأجل أن يسجد عليها لكن لأجل أن يلين رأسه، هذا يكون الغرض منه ليس هو التعبد، ولكن الغرض هو التطبب لا بأس به، أما إذا كان من أجل أن يسجد عليها تعبدًا لله تعالى فهذا لا ينبغي، ولهذا قال أهل العلم: إنه يكره أن يرفع وسادة يسجد عيها، كأن المؤلف رحمه الله أتى بحديث عمران بن حصين بعد حديث مالك ليبين أن عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي" مخصوص بهذا الحديث وأمثاله أن من لا يستطيع أن يصلي كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصلي بحسب استطاعته وحاله.
وأعلم أن الصلاة لا تسقط عن المريض أبدًا ما دام عقله ثابتًا، لكن إذا قدر أن هذا المريض لا يستطيع أن يتوضأ، ولا يستطيع أن يتيمم، ولا يستطيع أن يجتنب النجاسة في ثوبه أو بدنه أو مصلاه، فماذا يفعل؟ يصلي على حسب حاله، وهذه مسألة: كثير من العامة يبقى في المستشفى