الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذا لا يصح، وإنما (طه، ويس) مثل: (ن)، و (ف)، و (الر)، و (الم)، و (المص).
هذا الحديث عند من صححه يقولون: إن الفائدة هي أن قراءة (يس) على الميت تسهل خروج الروح، نقله الإمام أحمد عن أشياخه وعن سلفه؛ لأن فيها ذكر الجنة والتشويق إليها مثل قوله:{قيل ادخل الجنَّة قال يا ليت قومي يعلمون (26) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} [يس: 26، 27].
ومثل قوله: {إنَّ أصحاب الجنَّة اليوم في شغلٍ فاكهون (55) هم وأزواجهم في ظلالٍ على الآرائك متكئون (56) لهم فيها فاكهةٌ ولهم ما يدعون (57)} [يس: 55 - 57]. وفيها أيضًا إثبات البعث وتقريره بأحسن تقرير: {أو لم ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مبينٌ (77) وضرب لنا .... } إلى قوله: {فسبحان الَّذي بيده ملكوت كل شيءٍ وإليه ترجعون} [يس: 83] في آخر السورة، فإن فيها ثمانية أدلة عقلية كلها تدل على إمكان البعث، وعند من لم يصحح هذا الحديث يقول: إن قراءة سورة (يس) على الميت بدعة؛ لأنه إذا لم يثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يتعبد لله بشيء لم يشرعه.
تغميض الميت:
512 -
وعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة رضي الله عنه وقد شقَّ بصره فأغمضه، ثمَّ قال: إنَّ الرٌّوح إذا قبض اتَّبعه البصر، فضجَّ ناسٌ من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخيرٍ، فإنَّ الملائكة تؤمِّن على ما تقولون، ثمَّ قال: اللهمَّ اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديِّبن، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه، واخلفه في عقبه)). رواه مسلمٌ.
أبو سلمة هو زوج أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقوله:((شقَّ بصره))، شق يعني: انفتح انفتاحًا واسعًا وصار لا ينظر إلى جهة واحدة، فهو كشخص البصر كما يقال: شخص بصره، وإنما شق بصره ينظر إلى روحه التي في جسده تقبض بإذن الله وتخرج إذا خرجت، ويقال: إنها تخرج من الخياشيم إذا خرجت رآها الميت، فينظر إليها- تعالى الله- وهذا دليل على أن الحياة تبقى في العين بعد خروج الروح.
لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قد شق بصره أغمض عينيه ثم قال: ((إن الروح إذا قبض)) هنا ذكر الروح ((إذا قبض))، وكان ظاهر الأمر أن يقول: إذا قبضت، ولكنه قال:((إذا قبض)) ذكره باعتباره لفظه؛ لأن الروح مذكر لفظًا، فذكره باعتبار لفظه، ((اتبعه البصر)) أي بصر؟ بصر الميت، ((اتبعه)) يعني: يتابعه ويشاهده.
((فضج ناس من أهله)) ضجوا يعني: بالصياح وخرجت منهم أصوات، وقوله:((من أهله))
أي: من أهل أبي سلمة؛ لأنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الروح إذا قبض)) علموا أنه قد توفي فضجوا كعادة الناس؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة تؤِّمن على ما تقولون))، ((لا تدعوا على أنفسكم)) يحتمل أن المعنى: لا تدعوا على الميت؛ لأن الميت من أنفسهم أو على أنفسكم أنتم، كما هي عادتهم في الجاهلية إذا أصيبوا بمصائب يقولون: واثبوراه، وانقطاع ظهراه وما أشبه ذلك، أيهما أقرب؟ الثاني هو الأقرب؛ لأن دعاءهم على الميت بعيد أو متعذر.
وقوله- عليه الصلاة والسلام: ((لا تدعوا إلا بخير)) يعني: ولا تدعوا بشر، بل إن لدينا ثلاثة أمور: خير وشر، ولا خير ولا شر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال:((لا تدعوا إلا بخير))، علل ذلك بقوله:((فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون)) أي ملائكة هم؟ الذين حضروا لقبض روح الميت، أو الملائكة الموكلون بكتابة أعمال بني آدم، أم ملائكة وكلهم الله عز وجل بحضور المحتضرين، ليؤمنوا على دعاء أهليهم؟ أما الأول فبعيد؛ لأن الملائكة الذين حضروا لقبض روح الميت مشغولون بما أمروا به، وأما الثاني والثالث فكلاهما محتمل، وأيًّا كان فإن تأمين الملائكة على ما ندعو به سبب لإجابة الدعوة، وقوله:((فإن الملائكة تؤِّمن على ما تقولون)) على أنفسكم أو على الميت؟ الظاهر: العموم؛ ولهذا ينبغي في مثل هذه الحال أن يدعى للميت: ((اللهم اغفر له، اللهم تغمده بالرحمة))، كما سيأتي- إن شاء الله- أن الرسول دعا له، ومن أحسن ما يقال:((اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها)).
ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بالمؤمنين رءوف رحيم وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم- هذه الكلمات العظيمة التي يتمنى كل أحد أنها له، قال:((اللهم اغفر لأبي سلمة)) اغفر له ذنوبه، ((وارفع درجته في المهديين)) يعني: في الجنة ((في المهديين)) أي: معهم، ومن هم المهديون؟ عم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ودليل ذلك قوله تعالى:{أهدنا الصراط المستقيم (1) صراط الَّذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 6، 7]. إذن فالذين أنعمت عليهم مهديون إلى صراط مستقيم، فيكون معنى:((ارفع درجته في المهديين)) أي: في الذين أنعم الله عليهم.
ثم قال: ((وأفسح له في قبره)) ((أفسح)) بمعنى: وسِّع، والقبر- كما نعلم- من الناحية الحسية ضيق، لكنه قد يوسَّع للإنسان حتى يكون مدَّ بصره، كيف يوسع وهو ضيق حسًّا؟ لأن أحوال الآخرة غير أحوال الدنيا، إذا كان الإنسان وهو نائم أحيانًا يرى في المنام أنه في مكان واسع فسيح بستان وما أشبه ذلك، وأحيانًا يرى أنه في مكان ضيق في نفق، ومع هذا فهو في غرفته
التي لا تزيد ولا تنقص وهو متغطٍّ بلحافه، فإذا كانت هذه حال الروح في الدنيا فما بالك بحالها في الآخرة.
قال: ((وأفسح له في قبره ونوِّر له فيه)) القبر ظلمة من حيث الحس ظلمة محتومة على الإنسان، لكن يقول:((ونور له فيه)) اجعل له فيه نورًا، إذا كان القبر فسيحًا، ونورًا فإن ذلك ينسي الدنيا كلها.
قال: ((واخلفه في عقبه)) أي: كن خليفته في عقبه؛ أي: فيمن عقب من زوجة وولد، لننظر هذه الدعوات العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم هل قبلت أم ردّت. نحن نعلم منها أن ما وقع وهو أن الله خلفه في عقبه، أتدرون من كان خليفته في عقبه؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أعظم خلافة أن يكون زوجته وأولاده تحت رعاية النبي صلى الله عليه وسلم، نحن نقول: إن بقية الجمل الأربع إنما نرجو من الله عز وجل أنه استجاب دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم، لا سيما وأن الملائكة في مثل هذه الحال تؤمِّن على ما يقول، فاجتمع دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وتأمين الملائكة والقرينة التي شاهدناها أو التي علمناها، وهي أنه خلفه في عقبه، فيكون كل هذا مما يؤيد أن الله استجاب دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل.
في هذا الحديث فوائد، منها: أن من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم عيادة المرضى؛ لأنه جاء إلى أبي سلمة عائدًا له.
ثانيًا: أنه ينبغي تغميض عين الميت، الدليل: أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أغمضه.
ثالثًا: أن الروح جسم مرئيٌّ لأن البصر أتبعه.
رابعًا: أنه قد يبقى الإحساس في البدن مع مفارقة الروح له؛ لأن البصر يتبع الروح بعد قبضه وهذا من الناحية الطبية الآن مشاهد، وأنا قد ذبحت دجاجة وبعد أن ذبحتها وماتت وسلخت جلدها وفككت صدرها وجدت أن قلبها ينبض، القلب له جهتان: جهة تدفع الدن وجهة تستقبله.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي في هذه الحال ألا يدعى إلا بخير لقوله: ((لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير)).
ومن فوائده: أنه لا يلام الأهل إذا ضجوا من موت الميت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرّهم، لم يقل: لا تضجوا، بل قال:((لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير)).
ومن فوائده: ((إثبات الملائكة لقوله: ((فإن الملائكة يؤمِّنون)).
ومن فوائده: عناية الله تعالى ببني آدم، حيث وكّل ملائكة يتابعونهم ويؤمِّنون على دعائهم، ومن الملائكة؟ الملائكة: عالم غيبي خلقهم الله عز وجل، من نور، وأعطاهم الله تعالى قوة في الإرادة وقوة في التنفيذ، {لَّا يعصون الله مآ أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]. {يسبّحون الليل