الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقول: يتقدم الإمام ويكونون خلفه ولو كان قريبين منه، فإن لم يمكن بأن كان لو تقدم ما يتمكن فهم يصلون عن يمينه وعن يساره، لأن هذه حاجة وضرورة، لكن بعض العامة يعتقدون في صلاة الجنازة أنه لا بد أن يكون مع الإمام الواحد، حتى إنهم إذا قدموا الجنازة وتأخر الذين قدموها ربما تقدم واحد من الصف يقف مع الإمام، وهذا قد جرى لنا، فينبغي لطلبة العلم أن ينبهوا العامة على أن صلاة الجنازة في المصافة كغيرها، المشروع فيها أن يتقدم الإمام على المأمومين.
وقوله: "على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها" هل هو وصف طردي لا مفهوم له، أو نقول: إن هذا الحكم - أي: قيام الإمام وسط المرأة- فيمن ماتت في النفاس؟ الأول، أي: أنه وصف طردي، لأننا لا نعلم معني لتقييد ذلك بالنفساء لا نعلم ذلك وعلى هذا فيكون وصفًا طرديًا.
أخذ العلماء من هذا الحديث: مشروعية وقوف الإمام في صلاة الجنازة إذا كانت المرأة أن يكون وسطها؛ يعني: متوسطًا منها لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، فما هي الحكمة في ذلك؟
قال بعضهم: إن الحكمة هي: أن يكون حائلاً بين عجيزتها ومن وراءه، وهذه العلة النفس منها شيء، لأنه لو فرض أن يحول بين من وراءه مباشرة وبين رؤية عجيزتها فإنه لا يحول بين من كان على يمينه أو على يساره، ولم يتبين لي في ذلك حكمة تطمئن إلى النفس، إلا أن المؤمن حكمته ثبوت النص، فإذا ثبت النص فهذه الحكمة، ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضى الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فتؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، ولم تعلل إلا بالنص.
وهل يدل هذا الحديث على مشروعية الصلاة على النفساء؟ نعم، ويتفرع على هذه الفائدة: أن الشهداء- غير شهيد المعركة- يصلى عليهم، لأنه قد ورد في عد الشهداء: أن منهم المرأة تموت في نفاسها، وإذا كان كذلك فهو دليل على أن الشهداء- غير شهيد المعركة- يصلى عليهم، وهذا هو الصحيح وقد تقدم.
حكم الصلاة على الميت في المساجد:
534 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبني بيضاء في المسجد"، رواه مسلم.
"والله لقد" الجملة قسمية، وفيها ثلاثة مؤكدات القسم واللام وقد، "والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبني بيضاء في المسجد""في" للظرفية و"المسجد" هو الظرف، والمظرف هو:
الصلاة على أبني بيضاء، وعلى هذا فتكون الصلاة عليهما في نفس المسجد.
وهي ذكرت ذلك، لأن من الناس من أنكر الصلاة على الميت في المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك بعده، وقالوا: لا يمكن أن يصلى على الجنائز في المساجد، لماذا؟ قالوا: لأنه يخشي من التلويث فقد يخرج من لا ميت شيء في أثناء حمله وتنزيله فيلوث المسجد فحينئذ من التلويث فقد يخرج من الميت شيء في أثناء حمله وتنزيله فيلوث المسجد، فحينئذ لا يصلى عليه في المسجد، نصلى عليه في مكان معد الصلاة على الأموات؛ ولهذا احتاجت أم المؤمنين رضي الله عنها إلى أن تؤكد ذلك بالقسم، فقالت:"والله لقد".
وقولها: "على أبني بيضاء في المسجد" الذي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أما الجنائز؟ كلهم هذا هو المتبادر من الحديث وهذا الذي من أجله ساقت الحديث، الصلاة على الجنازة، والجنازة في المسجد.
والعجيب: أن الذين منعوا الصلاة على الميت في المسجد قالوا: إن "في المسجد" ظرف لصلاة الرسول لا للمصلى عليه، الجنائز خارج باب المسجد والرسول في المسجد، ولا شك أن هذا خلاف ظاهر اللفظ وخلاف ما ساقت أم المؤمنين الحديث من أجله، وهو إثبات ما كان ينكره بعض الناس من الصلاة على الأموات في المساجد، ولكن هذه البلية- وهي كون الإنسان يعتقد أولاً ثم يستدل- ابتلى بها كثير من الناس، إذا اعتقد أولاً ثم استدل ثانيًا، حرف بذلك النصوص من أجل أن يوفق ما يعتقده، سواء مذهبه أو فكره، وهذه بلية عظيمة، ولهذا يجب أن يكون الإنسان مع الأدلة، أن يكون كمن لا يعرف الطريق مع الماهر في الطريق، إذا ذهبت مثلاً إلى مكة وأنت لا تعرف الطريق ومعك دليل يدل إذا قال: امش إلى كذا، هل تقول: لا وتخالفه؟ لا تخالفه أبدًا، وإنما تسلم له تمامًا، وتكون كما يقول العوام:"حط رأسك في الجلص" يعني: السطل، والمعنى: أنك لا تبصر شيئًا هذا المراد، فهذا الإنسان الذي قد تم تحكيمه للكتاب والسنة ما يعتقد شيئًا إلى تبعًا للدليل، فإذا جاء الدليل على خلاف ما كان يعتقده قال: سمعًا وطاعة، ومشى مع الدليل وترك ما يعتقده، وكذلك لو جاء دليل مخالف لمن يقلده من الأئمة قال: مرحبًا بالدليل، وترك التعصب ومشي على ما يقتضيه الدليل.
ويستفاد من الحديث: جواز اليمين على الفتوى، إذا اقتضت الحاجة ذلك:{ويستنبئونك أحق هو قل أي وربي إنه لحق} [يونس: 53]{ويستنبئونك} يعني: يطلبون منك النبأ والخبر، هذا الاستفتاء، بناء على ذلك يجوز للمفتى أن يحلف على الفتوى، ولكن هل يحلف على كل شيء أو لا يحلف إلا إذا علم أن هذا هو الحكم أو غلب على ظنه؟ الجواب: لا يحلف إلا إذا علم أن هذا هو الحكم أو غلب على ظنه أن ذلك هو الحكم فيجوز، ولاسيما عند عظم المفتى به أو عند تشكك المستفتي ليطمئنه.