الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعاء في صلاة الاستسقاء:
487 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبرٍ، فوضع له بالمصلى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوةً وبلاغًا إلى حينٍ، ثم رفع يديه، فلم يزل حتى رئي بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله تعالى سحابةً، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت". رواه أبو داود وقال: غريب، وإسناده جيد.
"شكا" الشكاية معناها: رفع الشكوى، والشكوى هي: ذكر ما يتألم به الإنسان لمن يزيله مثل: الرجل يشكو إليك الفقر معناه يذكر لك هذا الفقر من أجل أن تزيله سواء أزلته بنفسك أو أزلته بوسيلة، الناس رفعوا إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام ما حل بهم لأجل أن يزيل هذا ليس بنفسه، ولكن بواسطة دعائه، وقولها:"قحوط المطر" قحوط هو: فحط مصدر قحط يقحط أو يقحط بمعنى: انحبس وامتنع، والمعنى: أن المطر تأخر واحتبس فشكوا للنبي صلى الله عليه وسلم.
قالت: "فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى"، المنبر مأخوذ من النبر وهو الارتفاع، وكل شيء مرتفع بالمعنى العام منبر، لكن المراد به هنا: المنبر الذي يصنع، والظاهر أنه صنع من خشب، وقولها:"بالمصلى" المراد به: مصلى العيد.
"ووعد الناس يومًا يخرجون فيه"، ولم يعين أيوم الاثنين أو الخميس أو الأربعاء، لم يعين يومًا، لكن المهم: أن يعين ذلك اليوم للناس لأجل أن يستعدوا له ويخرجوا.
"فخرج حين بدا" أي: ظهر وبدأ بالهمزة بمعنى ارتفع وشرع في الشيء {والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} [المائدة: 99]. يعني: ما تظهرون، إذن بدا بمعنى: ظهر. وقوله: "حاجب الشمس" قالوا: إنه ضوء الشمس، فسمي ضوؤها حاجبًا؛ لأنه يحجب قرصها عن النظر هكذا ذكره في القاموس، فيكون حاجب هنا بمعنى الضوء، وإن كان يتبادر إلى الذهن أن المراد بحاجب الشمس: قرصها، وأن الحاجب بمعنى محجوب، أي: بدا محجوبها بالأفق وظهر، ولكن الذي في القاموس: أن الحاجب هو الضوء وهذا يقتضي أن الشمس ارتفعت حتى صار لها شعاع يمنع من رؤية قرصها.
تقول: "فقعد على المنبر .. إلخ"، إذن الخطبة قبل الصلاة، "فكبر وحمد الله"، يعني: قال: الله أكبر، "وحمد الله"، يعني: قال أحمد الله، أو الحمد لله، ثم قال:"إنكم شكوتم جدب دياركم"، وتأمل أول الحديث تقول:"إنهم شكوا قحوط المطر"، وهنا قال النبي- عليه الصلاة والسلام:"إنكم شكوتم جدب دياركم"؛ لأن العبرة بجدب الديار لا بالمطر، فالمطر قد ينزل وتجدب الديار، وجدبها بمعنى: المحل وعدم خروج النبات؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح: "ليس السنة ألا تمطروا إنما السنة أن تمطروا فلا تنبت الأرض شيئا". ولهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم الشيء الذي هو المقصود وهو جدب الديار.
قوله: "وقد أمركم الله أن تدعوه"؛ لقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]. وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعواه الداع
…
} الآية [البقرة: 186]. وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: 55]. والآيات كثيرة، وقوله:"أمركم الله أن تدعوه"، "ووعدكم أن يستجيب لكم" أين الوعد؟ {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} ، {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب} ، فالأولى أمر والثانية خبر، وكلاهما لا يتخلف ما دام الله قد وعد به؛ لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد لتمام علمه وقدرته.
وقوله: "ووعدكم أن يستجيب لكم" هل هذا على إطلاقه؟ الجواب: نعم على إطلاقه، لكن لا بد له من شروط، ثم الاستجابة لا يلزم أن تكون عين المدعو به، فقد يستجيب الله له بأشياء أخرى فمثلًا قد يستجيب ما طلب وقد يرفع عنه من السوء مثله أو أعظم، وقد يدخر ذلك له إلى يوم القيامة حسب ما تقتضيه حكمته- سبحانه وتعالى إنما الأصل أنه يستجيب ما دعا به الإنسان، ثم قال النبي- عليه الصلاة والسلام بعد أن هيأ النفوس للدعاء، وهنا هيأها من وجهين:
الوجه الأول: من ذكر حالهم، وأن بلادهم قد أجدبت، وهذا يقتضي حرص الإنسان على الدعاء؛ لأنه يكون دعاء المضطر.
والوجه الثاني: من ذكر أن الله تعالى أمر بالدعاء والاستجابة، لما تهيأت النفوس شرع النبي- عليه الصلاة والسلام في الدعاء، ثم قال:"الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين" بدأ بهذه الآيات الثلاث؛ لأنها أبلغ ما يثني به الإنسان على ربه، "الحمد لله" يعني: الوصف بصفات الكمال على وجه الاستغراق والشمول والاستحقاق والاختصاص ثابت لله، و"رب العالمين" يعني: خالقهم ومالكهم ومدبرهم، و"العالمون" كل من سوى الله، وهنا ذكر الربوبية بعد الألوهية لتلازمهما؛ لأن كل من أقر بالربوبية لزمه أن يقر بالألوهية، ثم قال:
"الرحمن الرحيم" يعني: ذو الرحمة الواسعة الواصلة، الرحمة الواسعة من الرحمن، والواصلة من الرحيم، وكلاهما يدل على الرحمة، وفي ذكر هذين الاسمين الكريمين بعد قوله:"رب العالمين" إشارة إلى أن هذه الربوبية مبنية على الرحمة، ولهذا قال:"الرحمن الرحيم"، ثم قال:"مالك يوم الدين" مالك وملك قراءتان سبعيتان، فهو سبحانه ملك ومالك، وهاتان القراءتان- كما مر- كل واحدة منهما تفيد معنى لا تفيده القراءة الأخرى، فيتركب من مجموعهما معنى كامل وهو أنه- سبحانه وتعالى ملك ومالك، ذلك لأن المالك قد يكون مالكًا، وليس بملك، وهذا كثير الإنسان يملك بيته وسيادته ويملك ثوبه، وليس بملك، وقد يكون ملكًا وليس بمالك في الحقيقة هو ملك مدبر، يقوم بالتدبير لغيره، فيكون اسمه ملك ولكن حقيقته أنه ليس بمالك لأنه مدبر، أما الرب عز وجل فإنه ملك مالك، و"يوم الدين" هذا يوم الجزاء وهو يوم القيامة.
الرسول- عليه الصلاة والسلام بدأ بهذه الآيات الثلاث التي في سورة الفاتحة، ثم قال:"لا إله إلا الله يفعل ما يريد"، قوله:"لا إله إلا الله" مر علينا معناها وإعرابها في عدة جلسات، وقلنا: إن إعرابها أن: "لا" نافية للجنس، وأن نفي الجنس نص في العموم، لأنها تنفي كل جنس، فإذا قلت:"لا رجل في البيت" معناه: لا يوجد أي رجل ولا رجال، لأنها تنفي ذلك الجنس، فهي أعم ما يكون من النفي، ولهذا قالوا:"إن "لا" النافية للجنس نافية للعموم، وأما "إله" فهي اسمها مركب معها مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف تقديره: "حق"، فيكون المعنى: لا إله حق إلا الله، وأما "إلا" فهي أداة استثناء "والله" بدل من الخبر المحذوف، وعلى هذا يكون إعرابها كما سمعتم، أما معناها فالمعنى أنه لا معبود حق إلا الله- سبحانه وتعالى، وأما المعبود على وجه باطل فكثير.
ثم قال: "يفعل ما يريد" هل شرعًا أو كونًا؟ إن أريد بالفعل ما فعله بنفسه فهو يفعل ما يريد شرعًا وكونًا؛ وإن أريد بالفعل فعل غيره فالمراد: الإرادة الكونية، وإن ما أرده شرعًا قد لا يفعله الغير.
ثم قال: "اللهم أنت الله لا إله إلا أنت""اللهم" يعني: يا الله، حذفت منها ياء النداء، وعوض عنها الميم وأخرت الميم للبداءة باسم الله، وصارت الميم لأنه أدل على الجمع، كأن الإنسان جمع قلبه على ربه حينما ناداه بهذا:"اللهم أنت الله لا إله إلا أنت"، "أنت الله" جملة خبرية وهي مفيدة للحصر؛ لأن طرفيها معرفتان، وقوله:"لا إله إلا أنت" كل هذا من باب التأكيد.
"أنت الغني" أي: عن كل أحد، فهو- سبحانه وتعالى غني بذاته عن كل المخلوقات.
فإن قلت: أليس الله قد استوى على العرش، ومعنى هذا أنه محتاج أن يستوي على العرش.
فالجواب: أبدًا، هو مستوٍ عليه لكنه ليس محتاجًا إليه، بل العرش وغيره محتاج إلى الله- سبحانه وتعالى.
وقوله: "أنت الغني ونحن الفقراء" توسل بغنى الله وفقرنا إلى مطلوبنا، "ونحن الفقراء" يقوله الإنسان ولو كان غنيًا؟ نعم، أليس في هذا جحد لنعمة الله؟ الجواب: لا؛ لأن المراد: الفقراء، يعني: إليك كما قال الله تعالى: {يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر: 15].
"أنزل علينا الغيث""أنزل" فعل دعاء، وإنما قال:"أنزل"؛ لأن الغيث يأتي من السماء، وقال:"الغيث" ولم يقل: المطر، لأنه- كما تقدم قبل قليل- قد ينزل المطر ولا يكون به الغيث، والغيث والغوث بمعنى: إزالة الشدة.
"واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغًا إلى حين" قوة في ماذا؟ على طاعته، أي: في أبداننا وفي بهائمنا، لأن الغذاء يقوي البدن، فيكون قوة في أبداننا وفي بهائمنا، ويكون ذلك سببا لنا لطاعة الله- سبحانه وتعالى، "وبلاغًا" ما معناها؟ تقدم لنا في حديث الثلاثة أن البلاغ ما يبلغ به الإنسان حاجته، فالمعنى: بلاغًا نبلغ به حوائجنا، وما نريد من النبات والماء؛ لأن الناس في حاجة إلى هذا الماء لأجل النبات ولأجل الشرب، فإن الماء الذي نشربه هو الماء الذي ينزل من السماء كما قال تعالى:{أفرأيتم الماء الذي تشربون (68) أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون (69)} [الواقعة: 68 - 69].
يقول: "واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغًا إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل حتى رئي بياض إبطيه" رفع يديه مبالغة في الدعاء، لكنه بالغ حتى رئي بياض إبطيه، هذه دائما ترد علينا، فما معناها؟ لأن الإبط باطن لا يتعرض للشمس ولا للهواء فيكون أبيض، وليس المعنى: أن الرسول- عليه الصلاة والسلام فيه شيء من البياض غير العادي.
قالت: "ثم حول إلى الناس ظهره"، وإذا حول إلى الناس ظهره لزم أن يكون مستقبل القبلة، وقالت:"قلب رداءه وهو رافع يديه" يعني: استمر- عليه الصلاة والسلام رافعًا يديه بعد قلب الرداء، "ثم أقبل على الناس ونزل وصلى ركعتين، فأنشأ الله سحبة فرعدت وبرقت ثم أمطرت" هذا نوع من أنواع الاستسقاء.
ونأخذ من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: أنه يجوز للإنسان أن يشكو إلى أهل الصلاح ما نزل في ديارهم من القحط والجدب ليدعو الله عز وجل بالغيث، من أين يؤخذ؟ من شكاية الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا يرد عليه ما قاله الشاعر:[الكامل]
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما
…
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
كيف تشكو؟ والجواب: أن الصحابة ما شكوا الله إلى الرسول، إنما شكوا الجدب لأجل أن يتوصلوا بدعاء الرسول- عليه الصلاة والسلام إلى إزالته من قبل الله- سبحانه وتعالى فليس هذا من باب شكوى الخالق للمخلوق، ولا أحد يشكون الخالق للمخلوق إلا سفيها.
ويستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي للإمام أن يعد الناس يومًا معينًا للخروج إلى صلاة الاستسقاء لقوله: "فوعدهم يومًا يخرجون فيه"، وهل يأمرهم بالصوم؟ الصحيح: لا، وقال بعض الفقهاء: إنه ينبغي أن يأمرهم بالصوم، وأن يجعل خروجهم في اليوم الثالث من صومهم، وعللوا ذلك بأن دعوة الصائم مستجابة، وأنه يسن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فيحصل لهم بذلك الصيام قرب الإجابة، ولكن هذا القول ضعيف، ووجه ضعفه: ما سبق لنا مرارًا من أن الشيء إذا وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه سنة فالسنة تركه؛ لأن السنة فعل وترك، فالرسول- عليه الصلاة والسلام لم يأمر الناس بأن يصوموا، بل وعدهم يومًا يخرجون فيه.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي أن يخطب في صلاة الاستسقاء على منبر خلاف صلاة العيد: "فأمر بمنبر فوضع له".
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي أن تكون صلاة الاستسقاء في مكان صلاة العيد لقوله: "بالمصلى".
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي أن تكون صلاة الاستسقاء في أول النهار لقولها: "حين بدا حاجب الشمس"، وهل هذا وقت لازم بحيث لا تصح فيه غيره؟ لم يرد عن النبي- عليه الصلاة والسلام فيما أعلم أنه استسقى بصلاة بعد أوقات النهي، وعلى هذا فيجوز أن يستسقى بعد الظهر في الليل، هكذا قال أهل العلم، ولكن لا شك أن السنة والأفضل أن يكون أول النهار كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي لمن صلى صلاة الاستسقاء أن يذكر الناس بما يجلب هممهم واستعدادهم للدعاء، وهذا يؤخذ من قوله:"شكوتم جدب دياركم".
ومن فوائد هذا الحديث: تذكير الناس بما ذكر الله عز وجل لقوله: "وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم".
ويستفاد من الآية الكريمة: إثبات الأمر والوعد من الله عز وجل أي: وصفه بأنه آمر، وأنه واعد، لكن لا يسمى به؛ لأن باب الصفة أوسع من باب التسمية، فإن الله تعالى يمكن أن يوصف بكل فعل فعله على الوجه الذي ذكره عن نفسه، وأما التسمية فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي بداءة الخطب بالحمد لقولها: "ثم قال: الحمد لله رب العالمين".
ومن فوائد الحديث: عموم ربوبية الله عز وجل لقوله: "رب العالمين"، والله عز وجل يذكر ربوبيته على صفة العموم ويذكرها على صفة الخصوص، ولهذا قالوا: إن الربوبية نوعان: عامة وخاصة، كما أن العبودية نوعان: عامة وخاصة، فباعتبار التدبير المطلق للخلق والملك والإيجاد هذه عامة، وباعتبار العناية الخاصة فإنها خاصة كما في قوله تعالى:{قالوا آمنا برب العالمين (121) رب موسى وهارون} [الأعراف: 121 - 122]. هذه الآية جمعت بين الربوبيتين.
ومن فوائد الحديث- وهو من فوائد الآية الكريمة-: أن ربوبية الله عز وجل مبنية على الرحمة، فهي ربوبية رحمة ورأفة، وليست ربوبية يراد بها الإشقاق على الخلق لقوله:"الرحمن الرحيم".
ومن فوائد الحديث- وهو أيضًا من فوائد الآية-: ظهور ملك الله عز وجل في يوم القيامة؛ لقوله: "مالك يوم الدين"، وهو- سبحانه وتعالى مالك لكل شيء ليوم الدين وللدنيا، لكن ظهور ملكه ظهورًا جليًّا لكل أحد، وكل أحد يعترف به في ذلك الوقت، متى؟ يوم الدين، فلهذا يقول الله عز وجل:{لمن الملك اليوم} لا يجيبه أحد فيجيب نفسه: {لله الواحد القهار} [غافر: 16].
ومن فوائد الحديث- وهو من فوائد الآية أيضًا-: إثبات الجزاء لقوله: "مالك يوم الدين" أي: يوم الجزاء.
وفيها فوائد أيضًا: إثبات أن كل ما سوى الله فهو مخلوق مربوب لقوله: "رب العالمين" كل من سوى الله، فهو عالم، وسموا عالمين؛ لأنهم علم على خالقهم- سبحانه وتعالى.
ومن فوائد الحديث: إثبات انفراد الله عز وجل بالألوهية؛ لقوله: "لا إله إلا الله"، وسبق لنا معناها وما يرد عليها والجواب عنه، وأنه لا يرد عليها الأصنام التي تتخذ آلهة لأنها ليست حقًّا.
ومن فوائد الحديث: أن الله عز وجل لا يمنعه شيئا مما أراد لقوله: "يفعل ما يريد" كل ما أراده عز وجل بالخلق فإنه يفعله، لا أحد يمنعه، ولكن اعلم أنه يجب عليك أن تعتقد بأن الله عز وجل لا يفعل شيئا سواء كان منعًا أو إيجابًا إلا لحكمة- سبحانه وتعالى:{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلًا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (27)] [ص: 27]، {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} [الأنبياء: 16]. كل شيء فإنه لحكمة الله عز وجل يفعل ما يريد لا يمنع مما أراد فعله ولا يجبر على ما يريد فعله، ولكنه عز وجل يفعل الشيء لحكمة بالغة.
فإن قلت: إننا قد نرى شيئا من المشروعات والمفعولات لا حكمة له.
فالجواب: أن ذلك لقصور، ولهذا قال الله عز وجل:{ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا} [الإسراء: 85]. يعني: ما بقي عليكم إلا مسألة الروح حتى تسألوا عنها، ما عندكم علم.
ويقول عز وجل: {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا (51)} [الكهف: 51]. فأنت إذا رأيت شيئا من مفعولات الله عز وجل وهي مخلوقات أو من مشروعات
الله وهو الوحي الذي أنزله على رسله، إذا رأيت شيئا لم يتبين لك وجه الحكمة فيه فاعلم أن ذلك لقصور فهمك، وأنك لا تستطيع أن تعلم كل ما لله تعالى من حكمة، ومن ثم كان جواب الصحابة- رضي الله عنهم في الأمور المشروعة إذا سئلوا ما الحكمة في كذا، فجوابهم: أننا أمرنا بكذا، ولم نؤمر بكذا، لما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة". فيطمئن الإنسان بهذا الجواب، لا يذهب يبحث عن علل ممكن أن تكون هي المقصودة للشارع ويمكن ألا تكون، ويمكن أن تكون مطردة منعكسة ويمكن أن تكون منتقضة، وهكذا الرسول- عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الشيطان يأتي ابن آدم ويلقي في قلبه ما يتعاظم أن يتكلم به، وأخبر- عليه الصلاة والسلام أن هذا صريح الإيمان، وأن من أحسن به فليستعذ بالله ولينته، وأخبر أن الشيطان يأتي الإنسان يقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته، وفي رواية: فليقل: الله أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد. كل هذا يدلك على أن الإنسان يستسلم لحكم الله تعالى الكوني والشرعي.
ومن فوائد الحديث: تكرار التوحيد، لاسيما في مقام الدعاء، فإن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط والتكرار، من أين يؤخذ؟ من قوله:"اللهم أنت الله لا إله إلا أنت"، مع أنه قال بالأول:"لا إله إلا أنت"، لكن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط، كما أن ذلك أيضا توطئة لما يأتي بعده وهو قوله: "أنت الغني
…
" إلخ.
البسط في الدعاء مشهور وله أمثلة كثيرة: "رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وعافني، وارزقني" كل هذه متداخلة في الرحمة، "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، سره وعلانيته، وأوله وآخره"، يوجد تكرار لكنه فيه فائدة، "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا"، يكفي أن تقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، لكن في تكرار الدعاء فوائد:
الفائدة الأولى: أن فيه تفصيلًا.
الفائدة الثانية: أنه مناجاة للرب عز وجل، والإنسان يحب أن يطول الكلام مع حبيبه، أنت إذا كنت تحب صديقًا لك تود أن تبقى معه كل الليل والنهار تتكلم معه، فكذلك الرب عز وجل وهو أحب ما يكون للإنسان المؤمن- يحب أن يكرر معه- سبحانه وتعالى؛ لأنه يناجيه.
الفائدة الثالثة: أن كل جملة فيها إظهار الفقر إلى الله عز وجل، وإظهار الفقر إليه- سبحانه تعالى-
من أسباب إجابة الدعاء؛ ولهذا توسل موسى- عليه الصلاة والسلام بذكر حاله: فقال: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [القصاص: 24]. لم يذكر دعاء، ذكر حاله أنه مفتقر إلى الله عز وجل مفتقر لما أنزل إليه من الخير وهذا توسل، {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر} هذه حاله {وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83]، هذه توسل إلى الله بأسمائه.
ويستفاد من الحديث: غنى الله المطلق عن كل شيء لقوله: "أنت الغني"، وهو- سبحانه وتعالى غني عن كل أحد بذاته، غني عن السموات وعن الأرض، وعن الأكل وعن الشرب، وعن أي إنسان ينصره من ذلك كما قال الله تعالى:{وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل} [الإسراء: 111].
ويستفاد منه: أن الخلق كلهم فقراء إلى الله لقوله: "ونحن الفقراء".
ويستفاد من هذه الأوصاف الماضية كلها: أنه ينبغي للداعي أن يتوسل إلى الله حين الدعاء بأسماء الله وصفاته وبذكر حاله هو كل ما سبق فيها الثناء على الله تعالى بما يستحق، وفيها ذكر حال الداعي.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الإنسان إذا دعا ينبغي أن يدعو بما فيه الفائدة؛ حيث قال: "أنزل علينا الغيث" يعني: المطر الذي تزول به الشدة؛ لماذا؟ لأن المطر قد ينزل ولا تزول به الشدة كما ثبت في صحيح مسلم: "ليس السنة ألا تمطروا، إنما السنة أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا".
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أيضًا أن يكرر الدعاء لقوله: "واجعل ما أنزلت قوة لنا وبلاغًا إلى حين".
ومن فوائد الحديث: أته ينبغي رفع اليدين في دعاء الاستسقاء لقولها: "ثم رفع يديه".
ومن فوائده: إثبات علو الله، من أين يؤخذ؟ من قولها:"ثم رفع يديه".
ومن فوائد الحديث أيضًا: أنه لا ترفع اليدان في الخطبة إلا في الاستسقاء، وعلى هذا يحمل حديث أنس بن مالك الثابت في الصحيحين:"أن الرسول- عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء" فيحمل على أن المراد في حال الخطبة.
ومن فوائده: المبالغة في الرفع، من أين يؤخذ؟ من قولها:"حتى يرى بياض إبطيه".
ومن فوائده- وانتبهوا لهذه-: أنه ينبغي ملاحظة الإبط حتى لا يبقى فيه شعر يصد به.
ومن فوائد الحديث: أن الإبط ليس بعورة، وأعلى البدن كله ليس بعورة، فإن قلت: هذا يعارضه حديث أبي هريرة: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء". فما هو