الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "بإسناد على شرط مسلم" ما معنى ذلك؟ على أن رجاله رجال مسلم، وأيضًا أنه لا يشترط ثبوت اللقي، بل الذي يشترط هو المعاصرة فقط. وهذه المسألة اختلف فيها البخاري ومسلم، ولا شك أن الرأي رأي البخاري فيها، فالبخاري قال: لابد من ثبوت الملاقاة بين الراوي ومن روى حتى يتحقق الاتصال. فالأقوال ثلاثة: إما أن تثبت ملاقاته، أو تثبت عدم ملاقاته، أو تثبت المعاصرة ولم تثبت الملاقاة ولا عدمها، إذا ثبت عدم الملاقاة فقد اتفق البخاري ومسلم على أنه لا يعتبر متصلًا، وإذا ثبتت الملاقاة فهو متصل يحكم بالاتصال إلا أن يصرح بأنه لم يسمعه منه فإنه صرّح بأنه لم يسمعه منه فإننا نعدو ما صرح به، وأما إذا لم تثبت الملاقاة وعدمها ولكن المعاصرة ثابتة فمسلم رحمه الله يرى أنه متصل والبخاري يرى أنه غير متصل، ولا شك أن ما ذكره البخاري أصح؛ لأن الأصل عدم الملاقاة حتى تثبت.
550 -
وزاد ابن ماجه من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها: "في الإثم".
وفائدة هذه الزيادة ألا يكون كسر عظم الميت ككسره حيًّا في الضمان إنما هو في الإثم فقط، بمعنى: لو أن أحدًا كسر عظم الميت لا نقول: إذا كسر الساق ففيه بعيران، ولكن نقول: إنه آثم، أما الضمان فإنه لا يضمن.
اللحد والشق في القبر:
551 -
وعن سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قال: "ألحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللَّبن نصبًا، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم". رواه مسلم.
قوله: "ألحدوا" هذا يوصي أهله كيف يدفنونه، فقال:"ألحدوا لي لحدًا""ألحدوا" من الرباعي بكسر الحاء، وأما من الثلاثي من لحد، فهي بالفتح "ألحدوا"، إذن يجوز فيه وجهان، واللحد سبق أنه: الشق في جانب القبر مما يلي القبلة، وسمي لحدًا لميله إلى جانب القبر، وأصل الإلحاد في اللغة: الميل كما قال تعالى: {وذروا الَّذين يلحدون في أسمائه} [الأعراف: 180]. أي: يميلون فيها، وقال:{إنَّ الَّذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} [فصلت: 40]. وقال: {ومن ير فيه بإلحاد بظلمٍ نذقه من عذابٍ أليمٍ} [الحج: 25]. إذن فاللحد سمي بذلك لميله إلى جانب القبر.
وقوله: "وانصبوا عليَّ اللبن نصبًا" هذا يثبت بالضرورة من اللحد؛ لأن اللحد لا يمكن أن يستمسك اللبن فيه إلا إذا نصب نصبًا، يعني: يوقف توقيفًا؛ لأنه لو وضع تسطيحًا لخر على الميت ولم يثبت، إذن ينصب اللّبن نصبًا، وهذا أقوى للبن من أن يكسر؛ لأنه إذا كان قائمًا صار أثبت له.
وقوله: "كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم" من الذي صنع به ذلك؟ الصحابة- رضي الله عنهم العباس، وعلي بن أبي طالب، ومن حضر من الصحابة فقد أقر ذلك.
وعلى هذا فيكون في هذا الحديث فوائد: أولًا: جواز وصية المريض فيما يفعل به بعد موته، الدليل: فعل سعد بن أبي وقاص.
فإن قلت: هذا فعل صحابي، فما الجواب؟
الجواب أن يقال: إن الصحابي فعله حجة إلا أن يوجد ما يخالفه من نص كتاب أو سنة أو قول صحابي آخر، فإن عارضه كتاب أو سنة رفض، وإن عارضه قول صحابي آخر نظر في الراجح، ولكن هذه الوصية من سعد يؤيدها وصية أبي بكر رضي الله عنه، بماذا أوصى؟ أوصى بالاقتصاد في الكفن أن يكفن بالغسيل دون الجديد.
يستفاد من هذا الحديث: أن الأفضل في الدفن اللحد، وضده الشق، والشق أن تحفر الحفرة في وسط الأرض هذا الشق، واللحد أن تكون في جانبه مما يلي القبلة، إلا أن العلماء قالوا: إذا لم يمكن اللحد رجعنا إلى الشق، كيف لا يمكن؟ قالوا: إذا كانت الأرض رخوة مثل الرمل لا يمكن فيه اللحد، وإنما يشق شقًّا في الوسط ويوضع لبنات من الجانبين ثم يوضع الميت بينهما ثم يوضع عليه اللَّبن، وهذا معلوم أنه لا يمكن إلا هكذا؛ لأنه لو لحد لانهال عليه التراب ثم ييبس الرمل وينهال.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الذي ينبغي في اللَّبن أن يكون منصوبًا لا مسطحًا؛ لأن ذلك أثبت له وأقوى لتحمل التراب.
ويستفاد من الحديث: الاقتداء بما فعله الصحابة وأقروه؛ لأن سعدًا استدل بفعل الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يدل على أن فعل الصحابي حجة ما لم يخالف الدليل.
552 -
وللبيهقيِّ عن جابرٍ رضي الله عنه نحوه، وزاد:"ورفع قبره عن الأرض قدر شبرٍ". وصححَّه ابن حبَّان.
يعني: أن البيهقي روى عن جابر نحو هذا اللفظ الذي ذكره سعد، ولكن فيه زيادة وهي:"رفع القبر عن الأرض بمقدار شبر"، وهذا أمر لابد أن يكون، حتى وإن لم ترد به السنة لابد أن يرتفع، وجه ذلك: أمران:
الأول: أن المساحة التي شغلها الميت كانت بالأول مملوءة ترابًا والآن صارت فضاء، وقد نقل هذا التراب منها ومن غيرها من القبر.