الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وإذا صلى بنفسه فليطول ما شاء"، وبهذا نعرف أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي" لا يلزم أن تكون الصلاة مثل صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في القدر، بل لو طولت فإنك لم تخرج بذلك عن كونك مصليًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي؛ لأنك صليت صلاة مأذونًا فيها، ولكن هل الأفضل: أن أزيد علي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يفعل وأثقل الصلاة أكثر من تثقيل الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الأفضل أن تكون كصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: الثاني، وأما التطويل الزائد فهو من باب المباح وليس من باب المشروع الذي هو الأفضل، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الإمام يصلي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإن المنفرد يصلي كما يشاء، والمأموم تبع لإمامه لا يتقدم ولا يتأخر.
إمامة الصغير المميز:
390 -
وعن عمرو بن سلمه رضي الله عنه قال: قال أبي: "جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًا. فقال: إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا، قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآنًا، فقدموني، وأنا ابن ست أو سبع سنين". رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
قوله: "قال أبي"، وكان أبوه وافدًا مع الوفد الذين كانوا يفدون إلي النبي صلى الله عليه وسلم ليتلقوا منه الشرع ويتعلموا منه، فقال أبوه:"جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًا" فهنا شهد رضي الله عنه بأن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لأن كل من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم ورأي ما عليه من كمال الأخلاق والآداب علم أنه رسول صلى الله عليه وسلم، يقول عبد الله بن رواحه، أو حسان بن ثابت:[البسيط]
لو لم تكن فيه آيات مبينة
…
كانت بديهته تأتيك بالخبر
يعني: لو لم يكن فيه آيات مبينة تدل علي أنه رسول الله لكانت بديهته مجرد ما تراه وتري طلعته الكريمة الشريفة تأتيك بالخبر، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن الوفود إذا وفدوا يبقيهم عنده أيامًا حتى يتعلموا ويشاهدوا ويعرفوا طريق النبي صلى الله عليه وسلم في عبادته، وفي دعوته إلي الله، وفي أخلاقه يقول:"جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم" فقال- يعني: النبي صلى الله عليه وسلم في جملة ما علمهم: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم"، وحضور الصلاة يكون بدخول وقتها وإرادة فعلها، "فإذا حضرت فليؤذن لكم أحدكم"، وفي قوله:"لكم" دليل علي أنه لابد في الأذان أن يبلغ من أذن له بحيث يرفع الإنسان صوته به حتى يسمعه من أذن له، ولهذا ذكر أهل العلم أن رفع الصوت بالأذان ركن بحيث يسمع من يؤذن له علي حسب الحال وعلي حسب المستطاع، وفي قوله:
"فليؤذن لكم" دليل علي أن الأذن فرض كفاية؛ لأنه قال: "فليؤذن لكم أحدكم"، ولم يقل: أذنوا جميعًا فهو فرض كفاية، وفي الحديث أيضًا دليل علي أن إجابة المؤذن- يعني: متابعته- ليست بواجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: "فليؤذن لكم أحدكم" لم يقل: وليتابعه من لم يؤذن، فدل هذا علي أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن" فهذا الأمر ليس علي سبيل الوجوب، وإنما هو علي سبيل الأكمل والأفضل.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم" دليل علي أن الأذان الذي يكون قبل الفجر ليس أذانًا للفجر، ولا ينسب للفجر كالأذان الذي يفعله بلال رضي الله عنه حين كان يؤذن بالليل ليوقظ النائم ويرجع القائم، فلا يكون هذا أذانًا لصلاة الفجر، وبه نعرف وهم من توهم من طلبة العلم أن قوله:"الصلاة خير من النوم" إنما يكون في الأذان الذي قبل طلوع الفجر؛ لأنه ورد في ألفاظه: إذا قلت في الأذان الأول لصلاة الفجر: "حي علي الصلاة حي علي الفلاح" فقل: "الصلاة خير من النوم"، فتوهم بعض الناس أن الأذان الذي يكون في آخر الليل هو الأذان الأول لصلاة الفجر ولكنهم أخطئوا؛ لأن هذا الأذان ليس للفجر، فإن أذان الفجر لا يكون إلا بعد دخول الفجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم"، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في أذان بلال:"إنما كان ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم" لا للصلاة، فدل هذا علي أنه ليس أذانًا للفجر، ويكون معني قوله:"في الأذان الأول لصلاة الفجر" الأذان الذي هو أذان الفجر، ووصف بالأول؛ لأن هناك أذانًا آخر، وهو الإقامة، فإن الإقامة تسمي أذانًا كما جاء في الحديث الصحيح:"بين كل أذانين صلاة"، وفي صحيح البخاري أن عثمان بن عفان رضي الله عنه زاد الأذان الثالث يوم الجمعة، ومعلوم أن يوم الجمعة ما فيه إلا أذانان وإقامة، فقال: إنه زاد الأذان الثالث؛ لأن الأذان في اللغة: الإعلام كما قال تعالي: {وأذان من الله ورسوله} [التوبة: 3]، والإقامة: إعلام للقيام للصلاة، والأذان: إعلام بدخول وقت الصلاة.
وفي قوله: "وليؤمكم أكثركم قرآنًا" دليل علي أن الأحق بالإمامة هو الأكثر قرآنًا فإذا وجد رجلان أحدهما قد حفظ عشرة أجزاء، والثاني قد حفظ عشرين جزءًا فإن الثاني أولي بالإمامة من الأول، ولو كان أصغر منه سنًا؛ لأن كثرة القرآن مقدمة.
قال عمرو بن أبي سلمه: فنظروا فلم يجدوا أكثر مني قرآنًا "كل الحي ما فيه أحد أكثر من عمرو بن سلمه قرآنًا، وكان أكثرهم لأنه كان رضي الله عنه يتلقي الركبان الذين يأتون من المدينة ويستقرئهم القرآن، فكان أكثر من غيره، فقدموني وأنا ابن سبع أو ست سنين، صار إمام الحي كله وليس له إلا ست أو سبع سنين. ففي هذا دليل علي جواز إمامة الصغير، وأنه يجوز أن