الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
335 -
وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليًّا إلى اليمن- فذكر الحديث- قال: فكتب علي رضي الله عنه بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدًا شكرًا لله تعالى على ذلك". رواه البيهقي، وأصله في البخاري.
هذه الأحاديث الثلاثة تدل على مشروعية سجود الشكر، قال أهل العلم: وإنما يشرع إذا تجددت النعمة، أما النعمة المستمرة فإنه لا يشرع لها السجود؛ لأن الإنسان دائمًا في نعمة اله كما قال الله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" (إبراهيم: 34). لكن المراد: النعم المتجددة مثل: أن يبشر بولد، أو يبشر بنجاح، أو يبشر بوجود مال ضائع، أو يبشر بانتصار المسلمين أو بدء الفتنة عنهم، أو ما أشبه ذلك، أو يحصل له حادث لولا لطف الله تعالى لأضر به فيسجد الله سبحانه وتعالى شكرًا لاندفاع هذه النقمة.
والحاصل: أنه يستحب سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا قام ولا يسلم، والمذهب: أنه يكبر إذا سجد وإذا رفع ويسلم كسجود التلاوة، ولو قال قائل: بأن سجود الشكر لا يشرع فيه التكبير عند الانحطاط، نقول: إن الأمرا لم يكن بعيدًا؛ لأن التكبير إنما ورد في سجود التلاوة، وكما قلنا- قبل قليل- إن العبادات مبنية على التوقيف، ولكن ماذا تقول إذا سجدت للشكر؟ تسبح "سبحان ربي الأعلى"؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"اجعلوها في سجودكم" وتثني على الله عز وجل بما له من كمال الإنعام والإفضال، وإذا ذكرت النعمة نفسها كان ذلك أولى، فتقول -مثلًا-:"اللهم لك الحمد على ما أنعمت علي من هذه النعمة أو على ما دفعت عني من هذه النقمة" وتدعو بالدعاء المناسب.
****
9 - باب صلاة التطوع
336 -
عن ربيعة بن مالك الأسلمي رضي الله عنه قال: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: سل. فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. فقال: أو غير ذلك؟ فقلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود". رواه مسلم.
فوله: "باب صلاة التطوع"، هذا من باب إضافة الشيء إلى نوعه، يعني: الصلاة تنقسم إلى فريضة وإلى تطوع، وهكذا الزكاة والصيام والحج، وهذا من رحمة الله تعالى وحكمته أن جعل
لهذه الفرائض تطوعات؛ لن الإنسان قد يخل بالفرائض فتكون هذه التطوعات تكميلًا لها، كما جاء في الحديث:"أن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة".
صلاة التطوع أقسام متعددة منها: التطوع المطلق الذي يسن للإنسان كل وقت ما عدا أوقات النهي، ومنها: التطوع المقيد بوقت، ومنها: التطوع المقيد بفرض، ومنها: التطوع المقيد بسبب، فهذه أربعة أقسام: مقيد بوقت كالوتر، ومقيد بفرض كالرواتب، ومقيد بسبب كتحية المسجد، ومطلق وهو ما عدا المقيد.
قال المؤلف: "عن ربيعة بن مالك الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: سل"، يعني: أسأل، وكان قد قضى حاجة للرسول صلى الله عليه وسلم، فطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل شيئا لأجل أن يكافئه لكن كانت همة هذا الرجل عالية جدًا قال: أسألك مرافقتك في الجنة" هذا سؤال يزن الدنيا كلها، لو جاءت الدنيا كلها ما صارت شيئًا بالنسبة إلى هذا المسئول: "أسألك مرافقتك في الجنة"، الرسول صلى الله عليه وسلم ما أجابه بـ"نعم" ولا أجابه ب"لا"، ولكنه رجاه وقال: "أعني على نفسك بكثرة السجود"، أي: بكثرة الصلاة، لكنه خص السجود؛ لن السجود من أركانها، وقد يعبر عن الشيء بما هو من أركانه، كما في قوله تعالى:{واركعوا مع الراكعين} (البقرة: 43)، يعني: صلوا مع المصلين، كما قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} (الحج: 77). يعني صلوا صلاة ذات ركوع وسجود، فمعنى كثرة السجود: أن يكثر الصلاة.
فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: كرم النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، وأنه لا يدع لأحد معروفًا إلا كافأه عليه، وهذا هو المشروع يعني: أن يكافأ الإنسان على المعروف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صنع إليكم معروفًا فكافئوه"، وفي المكافأة على صنع المعروف تشجع لأهل المعروف على فعله؛ لأن الإنسان إذا كوفئ على معروف تشجع، بخلاف ما إذا لم يكافأ صاحب المعروف، كما أن في المكافأة على المعروف رفعًا لشأن الذي صنع فيه المعروف، فإنك قد تجد ذلًا أمام هذا الذي أدى المعروف، فإذا كافأته صرت معه مساويًا له، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اليد العليا خير من اليد السفلى"، فإذا أحد أدى إليك معروفًا صارت يده بالنسبة إليك عليا، وإذا كافأته علوت أنت وصرت كفؤًا له، وفي المكافأة للمعروف امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ينبغي أن يكون على رأس الفوائد، وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم كله خير وكله بركة، ولو لم