المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صلاة المفترض خلف المتنقل: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب صفة الصلاة

- ‌صفة الاستفتاح ومعانيه:

- ‌الاستعاذة ومعناها:

- ‌أوضاع منهي عنها في الصلاة:

- ‌مواضع رفع اليدين وصفته:

- ‌صفة وضع اليدين في القيام:

- ‌حكم قراءة الفاتحة:

- ‌هذه الروايات فيها فوائد:

- ‌أحكام البسملة:

- ‌شروط كون قول الصحابي حجة:

- ‌التأمين وأحكامه:

- ‌متى تسقط الفاتحة:

- ‌كيفية القراءة في الصلاة:

- ‌مقدار القراءة في صلاتي الظهر والعصر:

- ‌قدر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء والفجر:

- ‌صفة القراءة في فجر الجمعة:

- ‌هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تدبر القراءة في الصلاة:

- ‌أذكار الركوع والسجود ومعانيها:

- ‌تكبيرات الانتقال وأحكامها:

- ‌أذكار القيام من الركوع ومعانيها:

- ‌هيئة السجود وأحكامه:

- ‌صفة الأصابع في السجود والركوع:

- ‌الجلوس في محل القيام وأحكامه:

- ‌الدعاء بين السجدتين:

- ‌حكم جلسة الاستراحة:

- ‌القنوت وأحكامه:

- ‌دعاء القنوت:

- ‌حكم تقديم اليدين قبل الركبتين للسجود:

- ‌صفة وضع اليدين في التشهد:

- ‌صيغ التشهد ومعانيها:

- ‌صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الدعاء بعد التشهد وأحكامه:

- ‌صفة التسليم وأحكامه:

- ‌الأذكار دبر الصلوات ومعانيها:

- ‌وجوب تعلم صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌صلاة المريض:

- ‌8 - باب سجود السهو وغيره من سجود التلاوة والشكر

- ‌صفة سجود السهو:

- ‌السجود للسهو بعد السلام وحكمه:

- ‌حكم التشهد لسجدتي السهو:

- ‌حكم سجود السهو قبل الكلام:

- ‌السهو مبني على غلبة الظن:

- ‌سقوط سجود السهو:

- ‌حكم سهو الإمام والمأموم:

- ‌سجود التلاوة:

- ‌حكم سجود التلاوة:

- ‌أحكام سجود التلاوة:

- ‌بعض مواضع سجود التلاوة في القرآن:

- ‌حكم سجود القارئ والمستمع والسامع:

- ‌التكبير لسجود التلاوة:

- ‌9 - باب صلاة التطوع

- ‌السنن الرواتب:

- ‌فضل ركعتي الفجر:

- ‌النفل قبل العصر والمغرب:

- ‌التخفيف في ركعتي الفجر والاضطجاع بعدها:

- ‌قيام الليل:

- ‌صلاة الوتر:

- ‌صفات صلاة الوتر:

- ‌الحث على قيام الليل والوتر:

- ‌لا وتران في ليلة:

- ‌ما يقرأ في الوتر:

- ‌صلاة الضحى:

- ‌10 - باب صلاة الجماعة والإمامة

- ‌حكم صلاة الجماعة:

- ‌وجوب الحضور للجماعة في المسجد:

- ‌عدم سقوط الجماعة عن الأعمى:

- ‌صلاة المفترض خلف المتنقل:

- ‌حكم الصلاة قيامًا خلف إمام قاعد:

- ‌مراعاة حال المأمومين في الصلاة:

- ‌إمامة الصغير المميز:

- ‌يقدم في الإمامة الأكثر قرآنًا:

- ‌تسوية الصفوف والمقاربة بينها:

- ‌أفضلية الصف الأول للرجال:

- ‌صلاة المرأة والصغير خلف الإمام:

- ‌حكم صلاة المنفرد خلف الصف:

- ‌المشي إلى الصلاة بالسكينة والوقار:

- ‌استحباب الكثرة في الجماعة:

- ‌حكم إمامة المرأة لأهل دارها:

- ‌الدخول مع الإمام على أي حال أدركه:

- ‌11 - باب صلاة المسافر والمريض

- ‌حقيقة السفر ومعناه:

- ‌قصر الصلاة في السفر وحكمه:

- ‌مسائل مهمَّة:

- ‌الصلوات التي لا تقصر في السفر:

- ‌الفطر في السفر وحكمه:

- ‌عدد الأيام التي يجوز فيها القصر:

- ‌حكم الجمع بين الصلاتين في السفر:

- ‌حالات جمع التقديم والتأخير:

- ‌حالات الجمع بين الصلاتين في الحضر:

- ‌الصلوات التي لا يجمع بينها:

- ‌صلاة المريض وكيفيتها:

- ‌12 - باب صلاة الجمعة

- ‌التحذير من ترك الجمع:

- ‌وقت صلاة الجمعة:

- ‌العدد الذي تنعقد به الجمعة:

- ‌حكم إدراك ركعة من الجمعة:

- ‌حكم الخطبة قائمًا:

- ‌صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌استحباب طول الصلاة وقصر الخطبة:

- ‌قراءة سورة (ق) في الخطبة:

- ‌حكم تحية المسجد والإمام يخطب:

- ‌ما يقرأ في الجمعة والعيدين:

- ‌صلاة النفل بعد الجمعة وأحكامها:

- ‌حكم فصل الفريضة عن النافلة:

- ‌فضل الاغتسال والتطيب يوم الجمعة:

- ‌ساعة الإجابة يوم الجمعة:

- ‌استغفار الخطيب للمؤمنين:

- ‌حكم قراءة آيات من القرآن في الخطبة:

- ‌الذين تسقط عنهم الجمعة:

- ‌13 - باب صلاة الخوف

- ‌شروط صلاة الخوف:

- ‌الصفة الأولى لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثانية لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الثالثة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الرابعة لصلاة الخوف:

- ‌الصفة الخامسة لصلاة الخوف:

- ‌14 - باب صلاة العيدين

- ‌حكم صلاة العيد في اليوم الثاني إذا ترك لعذر:

- ‌من السنة أكل تمرات قبل الخروج لعيد الفطر:

- ‌حكم خروج النساء لصلاة العيد:

- ‌مشروعية الخطبة بعد صلاة العيد:

- ‌صلاة العيد ركعتان بلا نفل:

- ‌صلاة العيد بلا أذان ولا إقامة ولا نفل:

- ‌صلاة العيد في المصلى:

- ‌التكبير في صلاة العيد:

- ‌قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد:

- ‌مخالفة الطريق والتكبير في الطريق:

- ‌15 - باب صلاة الكسوف

- ‌مشروعية صلاة الكسوف والدعاء فيها:

- ‌القراءة في صلاة الكسوف جهرًا:

- ‌صفة صلاة الكسوف:

- ‌الدعاء عند هبوب الريح:

- ‌حكم الصلاة للزلازل:

- ‌16 - باب الاستسقاء

- ‌صفة صلاة الاستسقاء والخطبة لها:

- ‌الدعاء في صلاة الاستسقاء:

- ‌تحويل الرداء في الاستسقاء والجهر بالقراءة:

- ‌مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء:

- ‌أقسام التوسل وأحكامه:

- ‌ما يفعل عند هطول المطر:

- ‌الدعاء عند رؤية المطر:

- ‌مشروعية الاستسقاء في الأمم السابقة:

- ‌17 - باب اللباس

- ‌تحريم الزنا والخمر والغناء:

- ‌تحريم لبس الحرير والجلوس عليه:

- ‌مقار ما يباح من الحرير:

- ‌حكم لبس الحرير لعذر أو مرض:

- ‌إباحة الذهب والحرير للنساء والحكمة منها:

- ‌حبُّ الله عز وجل لرؤية أثر نعمته على عبده:

- ‌النهي عن لبس القسيِّ والمعصفر:

- ‌جواز كف الثياب بالحرير وضوابطه:

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الترغيب في تذكر الموت:

- ‌كراهة تمني الموت:

- ‌تلقين المحتضر الشهادة:

- ‌حكم قراءة يس عند المحتضر:

- ‌تغميض الميت:

- ‌حكم تسجية الميت:

- ‌حكم تقبيل الميت:

- ‌الإسراع في قضاء دين الميت:

- ‌حكم تحنيط الميت المحرم:

- ‌حكم تجريد الميت عن تغسيله:

- ‌صفة الغسل:

- ‌تكفين الميت وأحكامه:

- ‌استحباب الكفن الأبيض:

- ‌استحباب إحسان الكفن:

- ‌هل يجمع بين الرجال في الدفن، ومن يقدَّم:

- ‌كراهة المغالاة في الكفن:

- ‌حكم الصلاة على المقتول في حد:

- ‌حكم الصلاة على قاتل نفسه:

- ‌حكم الصلاة على القبر:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌موقف الإمام في الصلاة على المرأة:

- ‌حكم الصلاة على الميت في المساجد:

- ‌عدد التكبير في صلاة الجنازة:

- ‌قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للميت في صلاة الجنازة:

- ‌الدعاء للمسلمين في صلاة الجنازة:

- ‌الإخلاص في الدعاء للميت:

- ‌استحباب الإسراع بالجنازة:

- ‌فضل اتباع الجنائز والصلاة عليها:

- ‌النهي عن اتباع النساء للجنازة:

- ‌كيفية إدخال الميت القبر:

- ‌الميت يتأذى بما يتأذى به الحي:

- ‌اللحد والشق في القبر:

- ‌النهي عن البناء على القبور وتجصيصها:

- ‌حكم تلقين الميت عند القبر:

- ‌زيارة النساء للقبور:

- ‌جواز البكاء على الميت:

- ‌النهي عن الدفن ليلًا:

- ‌استحباب إيناس أهل الميت:

- ‌آداب زيارة القبور:

- ‌النهي عن سب الأموات:

الفصل: ‌صلاة المفترض خلف المتنقل:

‌صلاة المفترض خلف المتنقل:

383 -

وعن زيد بن الأسود رضي الله عنه "أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا. قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل، فصليا معه، فإنها لكما نافلة". رواه أحمد، واللفظ له، والثلاثة، وصححه الترمذي وابن حبان.

384 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فأركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلي قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين". رواه أبو داود، وهذا لفظه. وأصله في الصحيحين.

قوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، هذه الجملة تفيد الحصر وطريقة الحصر قد ذكرت هنا بلفظ "إنما"، يعني: ما جعل إلا لهذا السبب ولهذه الحكمة، و"الإمام" هو الإمام في الصلاة، بدليل تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الجملة، وقوله:"إنما جعل" هذا الجعل جعل شرعي، وقد مر علينا كثيرًا أن الجعل ينقسم إلي قسمين: جعل شرعي وجعل قدري، فإذا كان الجعل بمعني الخلق كان قدريًا، وإذا كان بمعني يتعلق بالحكم الشرعي كان شرعيًا، مثال الشرعي قوله تعالي:{ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} [المائدة: 103]. فإن قوله: {ما جعل الله} يراد به: الجعل الشرعي وليس الجعل القدري؛ لأن الجعل القدري في هذه ثابت، فإنها واقعة وحاصلة، ولكن المراد بـ {ما جعل} هنا أي: ما شرع {من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} ، وكذلك هذا الحديث:"إنما جعل الإمام ليؤتم به" جعل شرعًا، وأما قدرًا فإن الإمام قد يتخلف عنه المأموم، ولو كان الجعل قدريًا ما أمكن أن يتخلف، وأما الجعل بمعني: الخلق- وهو الجعل القدري- فهو كثير في القرآن كما في قوله تعالي: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} [الإسراء: 12]، {وجعلنا الليل لباسًا} [النبأ: 10]، وأمثلتها كثيرة، لكنها في الغالب تدل علي تحول شيء لشيء يعني: بمعني التصيير؛ لأنها تنصب مفعولين.

ص: 258

هنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، أي: ليقتدي به، وما معني هذا الاقتداء؟

هل هو اقتداء ظاهر وباطن، أو اقتداء ظاهر فقط؟ قال بعض أهل العلم: إنه اقتداء ائتمام ظاهر وباطن، وقال آخرون: إنه ائتمام ظاهر فقط؛ أي: في الجوارح، وينبني علي هذا الخلاف: ما لو اختلفت نية الإمام والمأموم؛ فكان الإمام يصلي الظهر والمأموم يصلي العصر، أو كان الإمام يصلي العصر والمأموم يصلي الظهر، فإن قلنا: إن المراد بالائتمام: الموافقة للإمام ظاهرًا وباطنًا، قلنا: إن هذا الائتمام لا يصح، لماذا؟ لأنه ما وافق الإمام في الباطن، وأما إذا قلنا: بأن المراد به الائتمام في الظاهر- وهو أن يتابع الإمام في أفعال الصلاة- فإنه يصح في هذه الحال أن يكون الإنسان مأمومًا بإمام يخالفه في النية، والقول الثاني هو الصواب، ودليل كونه هو الصواب تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الائتمام حيث قال:"فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين"، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فسر كلامه بنفسه فإنه لا حاجة بنا إلي أن تطلب تفسير كلامه من غيره.

ثم إننا نقول لمن قالوا: إن المراد به الائتمام ظاهرًا وباطنًا: إنكم تقولون: إن الرجل لو صلى نفلًا خلف من يصلي فرضًا لصحت صلاته، فلو أن الإنسان صلى الفجر في مسجد، ثم ذهب إلي مسجد آخر ووجدهم يصلون الفجر فصلي معهم بنية النافلة للإمام فرضًا وهذا اختلاف في النية، ولا يدفع هذا الإيراد أن يقال: إن نية الإمام هنا أعلي من نية المأموم لكونه ناويًا للفرض، والمأموم ناو للنفل؛ لأننا نقول: إن قلتم: إن اختلاف النية مؤثر فلا فرق بين أن تكون النيتان متساويتين أو إحداهما أعلي من الأخرى، ثم إننا نقول أيضًا: إنكم تقولون: لو صلى المأموم صلاة العيد- وهو يري أنها فرض- خلف إمام يري أنها نفل فهنا اختلف نية الإمام والمأموم والصلاة واحدة ومع ذلك تصححون هذا، وهذا دليل علي أن النية لا أثر لها، وهذا هو الصواب، وبناء علي ذلك فإنه يجوز أن يصلي الإنسان الظهر خلف من يصلي العصر أو العصر خلف من يصلي الظهر، أو يصلي العصر خلف من يصلي العشاء، كيف هل يمكن؟ نعم يكون قد صلى العصر محدثًا وهو ناس ثم ذكر عندما حضر لصلاة العشاء وقد أقيمت أنه لم يصل العصر علي وضوء؛ فنقول له: صل العصر الآن خلف الإمام وإذا انتهت الصلاة فصل العشاء، وهذا ممكن، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله نص علي أن الرجل إذا جاء والإمام يصلي التراويح فإنه يجوز أن يصلى خلفه بنية العشاء، وهذا اختلاف في النية وصلاة مفترض خلف متنفل، بل والصلاة نوعها واحد أم لا؟ لا، هذه عشاء صلاة المأموم وصلاة الإمام تراويح نافلة،

ص: 259

حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه يجوز أن يصلي الإنسان خلف شخص يخالفه في النية والأفعال أيضًا وأنه يجوز أن يصلي العشاء خلف من يصلي المغرب، وإذا سلم الإمام من صلاة المغرب قام المأموم فأتي بالرابعة والعكس فيصلي المغرب خلف من يصلي العشاء، وإذا قام الإمام إلي الرابعة فإنه يجلس، ثم إن كان لا يريد صلاة العشاء انتظر الإمام حتى يجلس للتشهد ويسلم معه، وإن كان يريد أن يصلي العشاء فإنه ينوي الانفراد ويقرأ التشهد كاملًا ويسلم ثم يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.

وجوب متابعة الإمام:

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا كبر فكبروا" يستفاد منه- حسب القسمة العقلية-: أن حال المأموم في موافقة الإمام أربع حالات: إما أن يسبقه، أو يوافقه، أو يتخلف عنه، أو يتابعه. هذه أربع حالات، فإن سبقه فإن كان بتكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته؛ لأنه دخل بنية الجماعة مع غير إمام، فإن الإمام لم يكبر بعد حتى يتحقق أن له إمامًا، فإذا علم أن الإمام لم يكبر تكبيرة الإحرام قطع صلاته، يعني: نوى قطعها وكبر بعد الإمام، وإن كان غير تكبيرة الإحرام فإن العلماء اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: إن الصلاة لا تبطل حتى يسبقه بركن كامل، وإنه لو سبقه إلي الركن لم تبطل الصلاة، ولكن يجب عليك أن تعرف الفرق بين السبق إلي الركن والسبق بالركن: أن السبق إلي الركن أن يصل المأموم إلي الركن قبل أن يصل إليه إمامه ولكن الإمام يدركه فيه، مثل: أن يكبر للركوع ويركع ثم يلحقه الإمام قبل أن يرفع، والسبق بالركن أن يسبق المأموم الإمام إلي الركن، ويتخلص منه قبل أن يصل الإمام إليه، مثل: أن يسبق الإمام إلي الركوع ويرفع من الركوع قبل أن يركع الإمام، نسمي هذا سبقًا بالركن، وعلي هذا فالسبق إلي الركن لا تبطل به الصلاة علي المشهور من المذهب، لكن عليه أن يرجع حتى يأتي به بعد إمامه، ولكن الصحيح أن السبق إلي الركن متعمدًا تبطل به الصلاة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أما يخشي الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار"، وهذا التهديد يدل علي أن هذا الفعل محرم، والإنسان إذا فعل شيئًا محرمًا في العبادة فإن القاعدة الشرعية: أن العبادة تبطل به؛ لأنه أخرجها عما جاء الأمر به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".

فالصواب: أن السبق إلي الركن إذا تعمده الإنسان بطلت صلاته، أما إذا لم يتعمده كما لو سمع صوتًا فظنه تكبيرًا لإمامه فركع فإن صلاته لا تبطل؛ لأنه معذور بالجهل، لكن إذا تحقق أن الإمام لم يركع وجب عليه أن يرجع حتى يأتي بالركوع بعد الإمام، فإن لحقه الإمام في

ص: 260

الركوع قبل أن يرفع فليستمر مع إمامه؛ لأنه في هذه الحال يكون معذورًا، إذن السبق- أي: سبق الإمام- إما أن يكون إلي الركن أو بالركن، فإن كان إلي الركن فالمشهور من المذهب غير تكبيرة الإحرام؛ لأن تكبيرة الإحرام تقدم أن المأموم إذا كبر قبل أن يكبر الإمام فلا صلاة له؛ لأنه نوى الإمامة بغير إمام، لكن في غير تكبيرة الإحرام المشهور من المذهب أن السبق إلي الركن محرم لا تبطل به الصلاة، والصحيح: أنه محرم تبطل به الصلاة، وأما السبق بالركن فالمذهب أنهم كانوا يفرقون بين الركوع وغيره فيقولون: إن سبق إمامه بالركوع بطلت صلاته وإن سبقه بالسجود لم تبطل؛ لأن غير الركوع عندهم لا تبطل الصلاة بالسبق إليه إلا إذا سبق بركنين، فمثلًا إذا سجد قبل إمامه ورفع قبل أن يسجد الإمام فقد سبق الإمام بركنين: أحدهما السجود والثاني الرفع من السجود، ولكن الصحيح أنه إذا تعمد سبق الإمام ولو إلي الركن بطلت صلاته.

وأما الأقوال التي هي القراءة والدعاء والذكر فإن هذا لم يقل أحد من الناس إنه لابد أن تتأخر حتى تعلم أن إمامك قد قرأ مثلًا في الصلاة السرية، ولهذا لو فرض أن الإمام تعرف من عادته أنه يستفتح استفتاحًا طويلًا واستفتحت أنت استفتاحًا قصيرًا وبدأت بالفاتحة قبلة فإن ذلك لا يضر.

الحال الثاني: أن يوافق الإمام، وهذه دون السبق، فإن وافقه في تكبيرة الإحرام لم تعقد صلاته؛ لأن الإمام لا يدخل في الصلاة إلا بعد تكميل التكبير، وإذا وافقته في التكبير فمعناه: أنك دخلت مع إمام لم يكن إمامًا، حتى الآن فتكون صلاتك باطلة، وأما موافقته في غير تكبيرة الإحرام فهذا لا يبطل الصلاة، لكنه إما مكروه وإما محرم، والمشهور من المذهب أنه مكروه، وظاهر الحديث: أنه محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تركعوا حتى يركع

" إلخ، فالصحيح: أنه محرم، وهذه المسألة يخل بها كثير من الناس حيث إن بعضهم تجده يسابق الإمام، إما أن يسابقه أو يوافقه، وهو أمر يجب علي طلبة العلم أن ينبهوا العامة عليه؛ لأنه واجب علي كل من آتاه الله علمًا أن يبينه للناس، كما قال الله تعالي:{وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [آل عمران: 187].

الحال الثالثة: المتابعة، وهي: أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة فور انتهاء إمامه أو يشرع في تكبيرة الإحرام فور انتهاء إمامه، بحيث لا يتأخر فهذا هو الأفضل وهو الأولي، فإذا كبر تكبيرة الإحرام فبادر وكبر، لا تتأخر لأنك إذا تأخرت فأتتك المتابعة في تكبيرة الإحرام، وبعض الناس نشاهدهم إذا أقيمت الصلاة يتسوكون ويؤجلون الدخول في الصلاة بتسوكهم فيؤخرون فضيلة تتعلق في نفس العبادة من أجل فضيلة لا تتعلق بنفس العبادة؛ لأن السواك سنة للصلاة

ص: 261