الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة المفترض خلف المتنقل:
383 -
وعن زيد بن الأسود رضي الله عنه "أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا. قال: فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل، فصليا معه، فإنها لكما نافلة". رواه أحمد، واللفظ له، والثلاثة، وصححه الترمذي وابن حبان.
384 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فأركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلي قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين". رواه أبو داود، وهذا لفظه. وأصله في الصحيحين.
قوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، هذه الجملة تفيد الحصر وطريقة الحصر قد ذكرت هنا بلفظ "إنما"، يعني: ما جعل إلا لهذا السبب ولهذه الحكمة، و"الإمام" هو الإمام في الصلاة، بدليل تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الجملة، وقوله:"إنما جعل" هذا الجعل جعل شرعي، وقد مر علينا كثيرًا أن الجعل ينقسم إلي قسمين: جعل شرعي وجعل قدري، فإذا كان الجعل بمعني الخلق كان قدريًا، وإذا كان بمعني يتعلق بالحكم الشرعي كان شرعيًا، مثال الشرعي قوله تعالي:{ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} [المائدة: 103]. فإن قوله: {ما جعل الله} يراد به: الجعل الشرعي وليس الجعل القدري؛ لأن الجعل القدري في هذه ثابت، فإنها واقعة وحاصلة، ولكن المراد بـ {ما جعل} هنا أي: ما شرع {من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} ، وكذلك هذا الحديث:"إنما جعل الإمام ليؤتم به" جعل شرعًا، وأما قدرًا فإن الإمام قد يتخلف عنه المأموم، ولو كان الجعل قدريًا ما أمكن أن يتخلف، وأما الجعل بمعني: الخلق- وهو الجعل القدري- فهو كثير في القرآن كما في قوله تعالي: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} [الإسراء: 12]، {وجعلنا الليل لباسًا} [النبأ: 10]، وأمثلتها كثيرة، لكنها في الغالب تدل علي تحول شيء لشيء يعني: بمعني التصيير؛ لأنها تنصب مفعولين.
هنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، أي: ليقتدي به، وما معني هذا الاقتداء؟
هل هو اقتداء ظاهر وباطن، أو اقتداء ظاهر فقط؟ قال بعض أهل العلم: إنه اقتداء ائتمام ظاهر وباطن، وقال آخرون: إنه ائتمام ظاهر فقط؛ أي: في الجوارح، وينبني علي هذا الخلاف: ما لو اختلفت نية الإمام والمأموم؛ فكان الإمام يصلي الظهر والمأموم يصلي العصر، أو كان الإمام يصلي العصر والمأموم يصلي الظهر، فإن قلنا: إن المراد بالائتمام: الموافقة للإمام ظاهرًا وباطنًا، قلنا: إن هذا الائتمام لا يصح، لماذا؟ لأنه ما وافق الإمام في الباطن، وأما إذا قلنا: بأن المراد به الائتمام في الظاهر- وهو أن يتابع الإمام في أفعال الصلاة- فإنه يصح في هذه الحال أن يكون الإنسان مأمومًا بإمام يخالفه في النية، والقول الثاني هو الصواب، ودليل كونه هو الصواب تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الائتمام حيث قال:"فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين"، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فسر كلامه بنفسه فإنه لا حاجة بنا إلي أن تطلب تفسير كلامه من غيره.
ثم إننا نقول لمن قالوا: إن المراد به الائتمام ظاهرًا وباطنًا: إنكم تقولون: إن الرجل لو صلى نفلًا خلف من يصلي فرضًا لصحت صلاته، فلو أن الإنسان صلى الفجر في مسجد، ثم ذهب إلي مسجد آخر ووجدهم يصلون الفجر فصلي معهم بنية النافلة للإمام فرضًا وهذا اختلاف في النية، ولا يدفع هذا الإيراد أن يقال: إن نية الإمام هنا أعلي من نية المأموم لكونه ناويًا للفرض، والمأموم ناو للنفل؛ لأننا نقول: إن قلتم: إن اختلاف النية مؤثر فلا فرق بين أن تكون النيتان متساويتين أو إحداهما أعلي من الأخرى، ثم إننا نقول أيضًا: إنكم تقولون: لو صلى المأموم صلاة العيد- وهو يري أنها فرض- خلف إمام يري أنها نفل فهنا اختلف نية الإمام والمأموم والصلاة واحدة ومع ذلك تصححون هذا، وهذا دليل علي أن النية لا أثر لها، وهذا هو الصواب، وبناء علي ذلك فإنه يجوز أن يصلي الإنسان الظهر خلف من يصلي العصر أو العصر خلف من يصلي الظهر، أو يصلي العصر خلف من يصلي العشاء، كيف هل يمكن؟ نعم يكون قد صلى العصر محدثًا وهو ناس ثم ذكر عندما حضر لصلاة العشاء وقد أقيمت أنه لم يصل العصر علي وضوء؛ فنقول له: صل العصر الآن خلف الإمام وإذا انتهت الصلاة فصل العشاء، وهذا ممكن، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله نص علي أن الرجل إذا جاء والإمام يصلي التراويح فإنه يجوز أن يصلى خلفه بنية العشاء، وهذا اختلاف في النية وصلاة مفترض خلف متنفل، بل والصلاة نوعها واحد أم لا؟ لا، هذه عشاء صلاة المأموم وصلاة الإمام تراويح نافلة،
حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه يجوز أن يصلي الإنسان خلف شخص يخالفه في النية والأفعال أيضًا وأنه يجوز أن يصلي العشاء خلف من يصلي المغرب، وإذا سلم الإمام من صلاة المغرب قام المأموم فأتي بالرابعة والعكس فيصلي المغرب خلف من يصلي العشاء، وإذا قام الإمام إلي الرابعة فإنه يجلس، ثم إن كان لا يريد صلاة العشاء انتظر الإمام حتى يجلس للتشهد ويسلم معه، وإن كان يريد أن يصلي العشاء فإنه ينوي الانفراد ويقرأ التشهد كاملًا ويسلم ثم يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.
وجوب متابعة الإمام:
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا كبر فكبروا" يستفاد منه- حسب القسمة العقلية-: أن حال المأموم في موافقة الإمام أربع حالات: إما أن يسبقه، أو يوافقه، أو يتخلف عنه، أو يتابعه. هذه أربع حالات، فإن سبقه فإن كان بتكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته؛ لأنه دخل بنية الجماعة مع غير إمام، فإن الإمام لم يكبر بعد حتى يتحقق أن له إمامًا، فإذا علم أن الإمام لم يكبر تكبيرة الإحرام قطع صلاته، يعني: نوى قطعها وكبر بعد الإمام، وإن كان غير تكبيرة الإحرام فإن العلماء اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: إن الصلاة لا تبطل حتى يسبقه بركن كامل، وإنه لو سبقه إلي الركن لم تبطل الصلاة، ولكن يجب عليك أن تعرف الفرق بين السبق إلي الركن والسبق بالركن: أن السبق إلي الركن أن يصل المأموم إلي الركن قبل أن يصل إليه إمامه ولكن الإمام يدركه فيه، مثل: أن يكبر للركوع ويركع ثم يلحقه الإمام قبل أن يرفع، والسبق بالركن أن يسبق المأموم الإمام إلي الركن، ويتخلص منه قبل أن يصل الإمام إليه، مثل: أن يسبق الإمام إلي الركوع ويرفع من الركوع قبل أن يركع الإمام، نسمي هذا سبقًا بالركن، وعلي هذا فالسبق إلي الركن لا تبطل به الصلاة علي المشهور من المذهب، لكن عليه أن يرجع حتى يأتي به بعد إمامه، ولكن الصحيح أن السبق إلي الركن متعمدًا تبطل به الصلاة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أما يخشي الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار"، وهذا التهديد يدل علي أن هذا الفعل محرم، والإنسان إذا فعل شيئًا محرمًا في العبادة فإن القاعدة الشرعية: أن العبادة تبطل به؛ لأنه أخرجها عما جاء الأمر به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".
فالصواب: أن السبق إلي الركن إذا تعمده الإنسان بطلت صلاته، أما إذا لم يتعمده كما لو سمع صوتًا فظنه تكبيرًا لإمامه فركع فإن صلاته لا تبطل؛ لأنه معذور بالجهل، لكن إذا تحقق أن الإمام لم يركع وجب عليه أن يرجع حتى يأتي بالركوع بعد الإمام، فإن لحقه الإمام في
الركوع قبل أن يرفع فليستمر مع إمامه؛ لأنه في هذه الحال يكون معذورًا، إذن السبق- أي: سبق الإمام- إما أن يكون إلي الركن أو بالركن، فإن كان إلي الركن فالمشهور من المذهب غير تكبيرة الإحرام؛ لأن تكبيرة الإحرام تقدم أن المأموم إذا كبر قبل أن يكبر الإمام فلا صلاة له؛ لأنه نوى الإمامة بغير إمام، لكن في غير تكبيرة الإحرام المشهور من المذهب أن السبق إلي الركن محرم لا تبطل به الصلاة، والصحيح: أنه محرم تبطل به الصلاة، وأما السبق بالركن فالمذهب أنهم كانوا يفرقون بين الركوع وغيره فيقولون: إن سبق إمامه بالركوع بطلت صلاته وإن سبقه بالسجود لم تبطل؛ لأن غير الركوع عندهم لا تبطل الصلاة بالسبق إليه إلا إذا سبق بركنين، فمثلًا إذا سجد قبل إمامه ورفع قبل أن يسجد الإمام فقد سبق الإمام بركنين: أحدهما السجود والثاني الرفع من السجود، ولكن الصحيح أنه إذا تعمد سبق الإمام ولو إلي الركن بطلت صلاته.
وأما الأقوال التي هي القراءة والدعاء والذكر فإن هذا لم يقل أحد من الناس إنه لابد أن تتأخر حتى تعلم أن إمامك قد قرأ مثلًا في الصلاة السرية، ولهذا لو فرض أن الإمام تعرف من عادته أنه يستفتح استفتاحًا طويلًا واستفتحت أنت استفتاحًا قصيرًا وبدأت بالفاتحة قبلة فإن ذلك لا يضر.
الحال الثاني: أن يوافق الإمام، وهذه دون السبق، فإن وافقه في تكبيرة الإحرام لم تعقد صلاته؛ لأن الإمام لا يدخل في الصلاة إلا بعد تكميل التكبير، وإذا وافقته في التكبير فمعناه: أنك دخلت مع إمام لم يكن إمامًا، حتى الآن فتكون صلاتك باطلة، وأما موافقته في غير تكبيرة الإحرام فهذا لا يبطل الصلاة، لكنه إما مكروه وإما محرم، والمشهور من المذهب أنه مكروه، وظاهر الحديث: أنه محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تركعوا حتى يركع
…
" إلخ، فالصحيح: أنه محرم، وهذه المسألة يخل بها كثير من الناس حيث إن بعضهم تجده يسابق الإمام، إما أن يسابقه أو يوافقه، وهو أمر يجب علي طلبة العلم أن ينبهوا العامة عليه؛ لأنه واجب علي كل من آتاه الله علمًا أن يبينه للناس، كما قال الله تعالي:{وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [آل عمران: 187].
الحال الثالثة: المتابعة، وهي: أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة فور انتهاء إمامه أو يشرع في تكبيرة الإحرام فور انتهاء إمامه، بحيث لا يتأخر فهذا هو الأفضل وهو الأولي، فإذا كبر تكبيرة الإحرام فبادر وكبر، لا تتأخر لأنك إذا تأخرت فأتتك المتابعة في تكبيرة الإحرام، وبعض الناس نشاهدهم إذا أقيمت الصلاة يتسوكون ويؤجلون الدخول في الصلاة بتسوكهم فيؤخرون فضيلة تتعلق في نفس العبادة من أجل فضيلة لا تتعلق بنفس العبادة؛ لأن السواك سنة للصلاة