الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: إذا كان خلف إمام يصلي جالسا من أول صلاته فإنه يصلي جالسا ويتربع، في القيام قبل الركوع واضح أنه يتربع في القيام بعد الركوع يتربع أيضًا لأنه قيام وإن كان قصيرًا لكنه يتربع في حال الركوع.
قال الفقهاء- رحمهم الله: إنه يثني رجليه؛ أي: يكون جلوسه كالجلوس بين السجدتين في هذا الركوع لكن هذا فيه نظر، والصواب أنه يبقى متربعا؛ وذلك الراكع إذا كان قائما تبقى رجلاه منصوبتين كالقيام من قبل، وعلى هذا نقول: إذا تربع في حال القيام قبل الركوع فإنه يتربع في حال القيام بعد الركوع على القول الراجح، وأما بقية الجلسات فإنه إما مفترش وإما متورك
الدعاء بين السجدتين:
291 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهم: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي، وارحمني، وأهدني، وعافني، وارزقني)) 1. رواه الأربعة إلا النسائي، واللفظ لأبي داود، وصححه الحاكم.
قوله رضي الله عنه: ((كان يقول بين السجدتين)) تقدم الكلام على ((كان)) وأنها تقتضي الاستمرار غالبًا، يقول:((اللهم اغفر لي)) أي: يا الله اغفر لي، وماذا تعني كلمة اغفر لي؟ تعني شيئين:
الأول: ستر الذنوب عن العباد.
والثاني: التجاوز عنه فلا عقوبة، وإنما قلنا: إنها تعني الأمرين؛ لأن أصلها مأخوذة من المغفر، المغفر شيء يوضع على الرأس عند القتال ليتقي به المقاتل سهام العدو، فهو جامع بين الستر والوقاية، وقوله:((وارحمني)) يعني: أفض على من رحمتك حتى يزول المكروه بالمغفرة ويحصل المطلوب بالرحمة.
فإن قال قائل: أليس المغفور له مرحومًا؟
فالجواب: بلى، لكن إذا اجتمعا افترقا.
((وارحمني وأهدني)) أي: هدايتين: هداية توفيق، وهداية العلم والإرشاد؛ لأن من الناس من يحرم الهدايتين، ومن الناس من تحصل له هداية العلم والإرشاد دون التوفيق، لكن إذا حصلت هداية التوفيق فالغالب أنها مصحوبة بهداية العلم، أنت إذا سألت الله أن يهديك ماذا تريد؟ الاثنين: هداية العلم والإرشاد وهداية التوفيق، هداية العلم والإرشاد لكل أحد، أوجب الله على نفسه أن يهدي عباده هداية إرشاد فقال عز وجل:{إن علينا للهدى} [الليل: 12]. جملة مؤكدة بإن واللام
مصدرة بما تقتضي الإيجاب، أوجب الله على نفسه أن يهدي عباده هداية العلم والإرشاد، وقال عز وجل:{إنا هدينه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} [الإنسان: 3]. يعني: هديناه السبيل سواء كان شاكرًا أو كان كفورًا، والمراد بالهداية هنا: هداية علو وإرشاد، وقال عز وجل:{وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17]. هديناهم يعني: دللناهم بالعلم والإرشاد، فالمهم أن قول المصلي أو غير المصلي إذا سأل الله الهداية يريد الهدايتين هداية العلم والإرشاد وهداية التوفيق، ولهذا جاءت في سورة الفاتحة غير معداة بحرف بل {أهدنا الصراط} ، وليست أهدنا إلى الصراط؛ لأنه لو قال: أهدنا إلى الصراط صار الأمر ظاهرًا بأن المراد: هداية العلم والإرشاد، أهدنا إليه يعني: دلنا إليه، لكن أهدنا هنا هذه تدل على أنه يركب الطريق المستقيم، ولا يمكن أن يركبه إلا بعد العلم.
((وأهدني وعافني)) من ماذا؟ عافني من كل مرض سواء كان مرضًا نفسيًا، أو مرضًا قلبيًا، أو مرضًا جسميا عضويا أو كليًا، انوها بقلبك أنك تسأل العافية من كل شيء، لكن ما هو الأهم؟ الأهم: العافية من أمراض القلوب، اللهم عافنا من أمراض القلوب والأبدان، العافية من أمراض القلوب أهم؛ لأنه إذا مرض القلب، ثم مات خسر الإنسان دنياه ولآخرته، لكن أمراض الأبدان غايتها ونهايتها أن يموت الإنسان، ولا بد منه؛ ولهذا لما جاء ملك الموت إلى موسى- عليه الصلاة والسلام يقبض روحه وصقه فرجع إلى الله عز وجل وقال: أرسلتني إلى رجل لا يريد الموت. قال: اذهب إليه وقل له يضع يده على جلد ثور، فله ما تحت يده من السنوات يعيشها، فبلغ موسى قال: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت لابد من هذا، مهما طالت بك الحياة فلابد من الموت.
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يومًا على آلة حدباء محمول
قال: إذن الآن، وسأل الله أن يدينه من الأرض المقدسة مقدار رمية بحجر.
المهم يا إخوان أن أقول: إن المرض الذي يسأل الإنسان العافية منه هو جميع الأمراض، لكن أهمها مرض القلب، اللهم أحيي قلوبنا يا رب العالمين.
((وعافني وارزقني)) وارزقني ماذا؟ أكل، شرب، لباس، سكن، نكاح، كل شيء، ومن ذلك رزق الدين؛ العلم والإيمان والعمل الصالح، وهذا أهم الأرزاق أن يرزقك الله علمًا وإيمانًا وعملا، هذا أفضل شيء.
من فوائد الحديث: أن الجلسة بين السجدتين جلسة دعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخصها بالدعاء.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم مفتقر إلى مغفرة الله ورحمته وما ذكرنا في الحديث.
ومنها: أنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم من خصائص الربوبية شيء؛ إذ لو كان شيء لتصرف لنفسه.
ومنها: الجمع بين سؤال المغفرة والرحمة، فالمغفرة لفعل المعاصي، والرحمة لترك الطاعات؛ أي: أن الإنسان إذا سأل الله المغفرة فالمراد: مغفرة الذنوب الواقعة، وإذا سأل الرحمة فالمراد: أن الله يرحمه بفعل الطاعات.
ومنها أيضًا: حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهداية لقوله: ((وأهدني))، وعرفتم في الشرح أن الهداية نوعان: هداية علم وإرشاد، وهداية توفيق وسداد، وذكرنا لهذا أمثلة، فمن الأول العلم والإرشاد قوله تعالى:{إن علينا للهدى} [الليل: 12]. ((علينا)) هذه للوجوب، والمراد بالهدى: البيان والإرشاد، ومنه قوله تعالى:{وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17]. ومنه قوله تعالى: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلنه سميعا بصير* إنا هديناه السبيل} [الإنسان: 3، 2]. أي: بينا له السبيل {إما شاكرا وإما كفورا} [الإنسان: 3]. إذا سألت الهداية فما المراد؟ الهدايتان.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم محتاج إلى العافية في بدنه والعافية في دعوته وشريعته لقوله: ((وعافني)) وسبق لنا معنى العافية وأنها عافية الدين والدنيا.
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم محتاج إلى الرزق لقوله: ((وارزقني))، وبينا أن الرزق عام.
ومن فوائد الحديث: أننا ندعو الله- تبارك وتعالى بهذة الجمل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((صلوا كما رأيتموني أصلي)) 1. وهذا دليل خاص، الدليل العام {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا} [الأحزاب: 21].
ومنها: هل يقتصر على هذا الدعاء أو يزاد فيه؟ فالجواب: لا بأس بالزيادة ما لم يتخذها الإنسان عبادة، فإن اتخذها عبادة صار فيها نوع استدراك على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فهل يجوز للإنسان أن يدعو لأولاه في هذا الجلوس؟ نعم، لكن بعد أن يأتي بالوالد؛ لأن الوالد مقدم.
ومنها: لو اقتصر على بعض هذه الجمل، مثلا على سؤال المفغرة، على سؤال الرحمة، على سؤال العافية، هل يجزئه في هذا المكان، أو لابد من ذكر الخمس:((أغفر لي وارحمني وأهدني وعافيني وارزقني))؟ ذكر الفقهاء- رحمهم الله أن الواجب من هذه الخمس سؤال المغفرة.
ومنها: بيان ضعف من قال من الفقهاء: إن الواجب أن يؤدي سؤال المغفرة بلفظ: ((رب اغفر لي))، والصواب: أن ذلك ليس بواجب، وأنه لا فرق بين أن يقول:((اللهم اغفر لي)) أو يقول: ((رب اغفر لي)).